-->
حبيب الرفيعي حبيب الرفيعي
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

قراءة في السحر والحسد/المؤلف حبيب الرفيعي من العراق





























بسم الله الرحمن الرحيم

   اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ
صدق الله العلي العظيم

 سورة البقرة:255




الفهرست

ت الموضوع الصفحة  
العنوان 1  
اية البحث 2  
الفهرست 3  
الاهداء 5  
إشارة  & تنويه 6  
تقديم 7  
تعريف السحر والحسد 11  
آراء الفقهاء في القصاص من الساحر والعائن 12  
السحر والحسد في هاجس المجتمع العربي قبل الإسلام 15  
عقائد الأمم القديمة في السحر والحسد 19
 
حركة النقل والترجمة وأثرها في إدخال العلوم الغريبة في تراث المسلمين 23  
الطلاسم صيرورة تاريخية وموضعها من السحر والحسد 28  
كمثل الحمار يحمل أسفاراً 32  
ولشياطين الإنس حيلهم... 38  
فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الجهل والتعطيل 43  
فقه السحر بين تقليد السلف ومجاراة العوام 45  
من وسائل دفع العين والسحر..   أولاً /الأحجار الكريمة 54  
ثانياً // الأدعية والأحراز والتعاويذ 57  
ثالثاَ // الطلاسم: أهل البيت (عليهم السلام) يحملون الأحراز وطلاسم الصابئة والنصارى واليهود 62  
تجارة التعويذات والأحراز بين الإستيراد والتصدير 67  
كرة الثلج والشفاء من آثار الحسد والسحر 70  
فتوى حل السحر بالسحر " تعلموا السحر ولا تعملوا به..! " 82  
تأويل آيتين يعيد المسلمين الى عصر الجاهلية 85  
روايات المس في كتب الحديث بين التحريف والتخريف 93  
بدعة الأذان لطرد الجان- آثارها وتداعياتها 101  
من يفك السحر..؟ 103  
السلفية الوهابية وتأزيم اشكالية بدعة " المس" 112  
الرقاة... والمعجزات ...وميثاق الامم المتحدة 118  
أقوال تهدم مزاعم التلّبس 120  
عاقبة الاعتقاد بالمس- نحن نقص عليك أحزن القصص 125  
صلة السحر بالشياطين والجن بين الحقيقة والوهم 129  
الوقاية والعلاج من آثار الحسد والسحر في السنّة المطهّرة 135  
ثنائية السحر والحسد .. أوجه شبه متعدة 139  
روايات تمثل الشياطين بهيئة البشر وغيره. 142  
خلاصة روايات تجسد الشياطين 164  
خطف الشياطين للإنس 165  
الرواية عن الجن في فقه المتقدمين 172  
زواج الإنس من الجن في فقه المتقدمين والمتأخرين 175  
وسائل الإعلام ودورها في نشر ثقافة التجهيل والتعمية 180  
مطالب وفوائد 185  
دراسات وإحصائيات 186  
مقارنة بين السحر والحسد في نظر الشرع والعرف 189  
كلمة الختام 190

الإهداء
   - إلى المؤمنين بقوله تعالى : { فَبَشِّرْ عِبَادِ{17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{18} }           الزمر (17-18)
   -الى أولي الألباب الذين يتبعون قول رسوله الكريم (صلى الله عليه واله وسلم)  " من ادىّ الى أمتي حديثاً يقام به سنّة أو يثلم به بدعة فلهُ الجنة"        بحار الأنوار , ج2 , ص52
   - الى العاملين بسنّة سيد الموحدين أمير المؤمنين (عليه السلام)
 " إنَّ الحق والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال"        نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة , ج1 , ص298

نهدي هذا العمل اليسير....
























نود الإشارة الى تضمين البحث عدداً من الصور لسبب قد لا يُخفى على القارئ أللبيب.. والاّ فنحنُ بانتظار اليوم الذي نشهدُ فيه توزيع المؤلفات في الأسواق مجاناً.. أو ربما مشفوعة ببعض المبالغ النقدية..!!
وبعد لا يفوتنا إستماحة القاريء الكريم العذر والصفح من صدور بعض عبارات التهكم والفضاضة التي املتها غصة حال المسلمين  وواقعهم المرير...وطلب العفو والمغفرة ممن نلوذ ونستجير أنه هو السميع العليم.
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
  أللهم أرنا الحق حقاً و أرزقنا إتباعه وأرنا الباطل و أرزقنا اجتنابه ولا تجعلهُ علينا متشابهاً فنضل..
    الحمدُّ لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف الخلق محمداً (صلى الله عليه واله وسلم) المبعوث رحمة للعالمين وعلى اله الطيبين الطاهرين ومن سار بهديهم وأقتفى أثرهم الى قيام الدين.. وبعد...
    فأنهُ غير خفي ما يعيشهُ عالمنا الإسلامي من واقع مؤلم وحال مزري وجهل فاضح في تطبيق كثيراً من قضايا الفقه عامة وفقه المعتقدات على وجه الخصوص.. ولا يَخفى أيضاً أن سبب كل ذلك ومردّه الابتعاد عن هدي الرسالة المحمدي الأصيل والتشبث بأهواء تراث غلاة الأسلاف ومتنطعيهم ممّن بقيت فتاواهم الى اليوم معاولاً تهدم قيم الإسلام وأهدافهِ النبيلة, إضافة الى الكم المهول من أحاديث ومرويات الوضّاعين ومزيفي الحقائق التي ملئت بطون كتب الحديث والتفسير, وأننا أذ نحاول سبر غور هذا التراث المفعم بالخبايا والدهاليز المظلمة حول ما نعتقد به الأهم من بين المهم ونختار قضيتين هامتين في فقه المعتقدات وهما السحر والحسد.. فأنا نقدم هذا الفقه على غيره من فقه الفروع لأسباب عديدة أهمها: أن اعتقاد المسلم وإيمانه وعمله بكل ما ورد حول هاتين المسألتين بما فيها طرق الوقاية منهما دون تفقه يسقطه في براثن الكفر والشرك ويعرّض أعماله الصالحة الى البوار وصلته مع ربه الى الاعراض والقطيعة والمقت كما صرحّت بذلك العديد من الروايات الإسلامية وعلى عكس ما هو حاصل في أخطاء فقه العبادات فأنه يكون تدارك ما وقع من أخطاء كفريضة الحج أو الصلاة أو الصوم أو الزكاة وغيرها بالاستغفار أو التصدّق أو الإعادة وكما هو مزبور في كتب الفقه, والسبب الثاني هو ما يشيعه المتصدون لعلاج آثار هذه الأمراض من طرق شيطانية وبثٍ للخرفات والأوهام وتضليل السذّج من الناس واستدراجهم تحت عناوين الشفاء والرقية بالقرآن والاعشاب عبر قنوات فضائية تعمل بشكل مكرور متواصل على مدار اليوم والساعة, وبحسب إحصائية فقد وصل عدد تلك الفضائيات الى 118 فضائية ولا يخفى ما لهذه الأساليب والوسائل من سطوة وتأثير على عقول أغلب عوام المسلمين سيما أن شياطين الأنس أولئك لا يتورعون من اللعب على  عواطف ومشاعر الأبرياء وقليلي الإيمان فتارة يستخدمون أشرطة التسجيل الصوتي لمشاهير القرّاء وهم يتلون آيات من القٌرآن يُذكر فيها ألفاظ السحر والشياطين والجن وتارة يسخّرون عديمي الذمم والمروءة من أصحاب الفضائيات لجمع أكبر عدد من المعوزين والمرضى في مؤسسات يزعمون أنها مراكز علاج روحاني أو للطب البديل الى غير ذلك من مسّميات, وأما السبب الثالث والأهم من بين بقية الأسباب هو ما نلمسهُ من تقصير واضح وصمت مطبق لجهاز المؤسسة الدينية والقائمين على تسويق الخطاب الديني" ما خلا بعض الأصوات الضعيفة ومحاولات الإصلاح الجادة والتي تتهم عادة بالتهم الجاهزة من شق عصا الطاعة أو الخيانة العظمى للدين والمذهب" وما يتخلل ذلك الجهاز والخطاب من سلبيات وأخطاء على  المستوى الفقهي والعقدي وفي مقدمة تلك الأخطاء العمل على تقديس الموروث وآراء السلف وعّدهُ  من الخطوط الحمراء التي لا يُمكن تجاوزها بأي حال وتحت أي ذريعة كانت فبدءاً من مناهج التدريس المعمول بها منذُّ قرون كدراسة وتدريس علم المنطق اليوناني ونظريات ارسطوا وافلاطون التي عفا عليها الزمن والاستغراق بتقصي دقائق البحث الفقهي كالألفية و"النفلية" في واجبات ومستحبات الصلاة المعمول بها في أغلب الحوزات مروراً بالعكوف على  دراسة مؤلفات ليست بذي نفع مباشر لحوائج المسلمين الدينية كالمبالغة في علم النحو والصرف وشرح ألف بيت من الشعر... وكأن قضايا المسلمين المصيرية ومصائب العالم الإسلامي قد توقف حلّها على معرفة هذا الكم والنوع من العلوم... وليس نهاية بالإعراض والاهمال لسائر العلوم الإنسانية والاجتماعية والنفسية التي أصبح المجتمع المسلم اليوم بمسيس الحاجة إليها, ومما تقدّم فأن الواعز الديني والأخلاقي يحتم علينا التساؤل أثر التساؤل... أليس من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طرح مثل هذه السلبيات والتناقضات والعمل على تصحيحها بكل ما تيسر للمؤمن من درجات الأمر بالعرف..؟
 أليست هذه الفريضة تقع بالدرجة الأساس على عاتق رجال الدين سيما من كان منهم في بلاد احتضنت مشاهد أئمة التوحيد من آل البيت(عليهم السلام) ومن باب أضعف الأيمان ان نهمس في آذان المقصرين منهم...؟
 أليس من المشين والجهل الفاضح ان ترى كُتب الدجل والشعوذة ووسائل الشرك لدفع العين والسحر تحيط بتلك المشاهد المقدسة..؟ وعلى مرأى ومسمع ممّن تكفل بنشر علومهم وآثارهم وأحياء سننهم وفي مقدمة تلك العلوم أحياء أمرهم – أحيوا أمرنا .. رحم الله من أحيا أمرنا..!
   أليس من مهامهم وواجباتهم أن يشيروا في خطبهم ومحاضراتهم الدينية الى الوقوف بوجه كلُّ من يسيء الى الشريعة المحمدية من مصادر فساد وإفساد وضلال وتضليل بما فيهم من يظهر على تلك الفضائيات وتفسيق مدعّي اظهار الكرامات والمعاجز وشفاء المسلمين من جميع أمراضهم..؟
 وقد لا نستغرب ان يجيء رد البعض منهم متسائلاً عن سبب انتقاء قضية السحر والحسد وعدّها من القضايا المشكلة فيما لا نراها نحنُ كذلك؟! وعن جدوى وتوقيت طرح مثل هذه المباحث في خضّم الفوضى المربكة التي تشهدها المجتمعات المسلمة, وان مثل هكذا قضايا تُّعد هينة اذا ما قيست بسائر قضايا الفقه والفكر والعقيدة الأخرى...
  ولا شكَّ ان مثل هذه التساؤلات من المغالطات المثبطّة لأي مسعى تعبّدي هدفهُ الاصلاح أكدت عليه آيات القرآن والروايات الشريفة كقول الرسول (صلى الله عليه واله وسلم):
   "انَّ الله ليبغضُ المؤمن الضعيف الذي لا دين له... قيل يا رسول الله ومن هو ؟ قال : الذي لا  ينهى عن المنكر"...وقوله(صلى الله عليه واله وسلم): "إن سائر الفرائض الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كقطرة في بحر لُّجي", وقوله(صلى الله عليه واله وسلم)أيضاً: "من امر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه" الى كثير من الروايات المحرّضة على هذه الشعيرة المقدسة...
  لقد كان من ثمار هذا المسعى – كما نعتقد – بتوفيق الله أن وفقّنا لأزالة بعض الأتربة من صفحات تُراث المسلمين سيما تُراث أهل بيت النبوة(عليهم السلام) بعد ان وقفنا- كتحصيل حاصل- على أسماء وعناوين كانت ولا زالت آراءهم وفتاواهم في هاتين المسألتين هي عينها في بقية عقائد المسلمين فصيغ التعسّف في الأحكام وتقليد غلاة المشايخ والأسلاف كان همهم وزرع بذور الأحَنْ وإثارة الأحقاد وبث الكراهية بين ابناء المذاهب الإسلامية كلن متنفسهم والتعصب المقيت لبني نحلتهم ومن على دينهم واهوائهم مادة جبلت منها طينتهم.. ومع علمنا ان إزالة تلك الأتربة قد تثير حفيظةٌ كثير من المتاجرين بالدين والمتخندقين تخندقاً مذهبياً يتبعهم غلاة السلفية والحشوية ممّن أتخذ الهه هواه واضله الله على علم, ولكن تبقى كلمة الفصل للمنصفين والمدافعين عن قداسة الكتاب وطهر السنّة من كل نقص وتحريف ووضع وتدليس.. هذا ولا ندعّي الإحاطة والإلمام بكل اطراف البحث ولا الكمال فيه وذلك لسببين أولهما:- ان مادة البحث من العلوم الصعبة التحصيل لما لها من صلة وثيقة بعالمي الغيب والنفس, ثانياً قلة المصادر والمراجع التي تناولتها بموضوعية وتجرّد بعيداً عن طرق التمذهب والانسياق خلف العواطف والأهواء... ومن الله العون والتسديد...
قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ        سورة يوسف 108  

  رجب الأصب/1438ه


-تعريف السحر والحسد –لغةً واصطلاحاً
   من المتوقع ان لا يكون ثمة بيان جامع بين أهل اللغة من جهة والفقهاء من جهة اخرى على تعريف كل من السحر والحسد...
    غير انا نؤثر بعض منها تجناً للأطناب والاسهاب فقد عرفَّ الشيخ المفيد السحر بقوله " السحر ضرب من التخييل وصنعته من لطيف الصنائع وقد أمر الله تعالى بالتعوذ منه وجعل التحرز بكتابه وقاية منه وانزل سورة الفلق" – مجمع البيان, ج1, ص177.
وعرّف الغزالي الحسد : "بأنهُ كراهة النعمة وحبُّ زوالها من المنعم عليه"
 وأما لغة: فقد جاء في لسان العرب لابن منظور:" الحسد معروف, حسده يحسدهُ حسداً اذا تمنى ان تتحول اليه نعمته وفضيلته او يسلبهما.
  والسّحِرُ : الأُخْذَةُ , وكل ما لَطّفَ مأخذهُ وَ دَقَّ فهو سِحْرٌ – ج3, ص148







" آراء الفقهاء في القصاص    من الساحر والعائن "
  بعد ان مرَّ بنا الاختلاف القائم بين أهل الاصطلاح في تعريف كلٍ من السحر والحسد فلا ريبَّ ان ينسحب ذلك الاختلاف الى خلاف بين فقهاء المذاهب الإسلامية  في تحديد وعاء هاتين القضيتين أولاً وسبل وضع التعزيرات والحدود والقصاص من الساحر والعائن ثانياً فقد ذهب الغزالي بالقول: " فأن قال الساحر سحري يقتل غالباً فهو قتل العمد ويجب القصاص, وان قال قصدتُ الإصلاح فهو قتل شُبه العمد, وان قال قصدتُ غيره فأصبت أسمه فهو قتل محض" ,وقال الرمليّ في حاشيته يثبت القتل بالسحر بالبينة وخالفه الزركشيّ بإثبات البينة بشهادة عدلين من السحرة بعد التوبة ان هذا السحر يقتل, وقال ابن كثير: فأما من قتل بسحرهِ إنساناً يُقتل عند مالك والشافعي واحمد وقال ابي حنيفة لا يُقتل حتى يتكرر منهُ ذلك, واما الحنابلة ومنهم ابن نصر الله في الحواشي والفروع فيذهب الى ان العائن يجب ان يُلحق بالساحر الذي يقتل بسحره فأن كانت عينهُ يستطيع القتل بها ويفعله باختياره وجب به القصاص, وقال المناوي: لو قتل واحداً بعينه عمداً قتل به كالساحر, وقال الدميري في حياة الحيوان : العائن اذا اعترف انه قتل غيره بالعين لا قود عليه ولا دية ولا كفارة وان كانت العين حق لأنه لا يفضي الى القتل غالباً..
   فتوى طريفة : قال القرطبي : من عُرف بالإصابة بالعين مُنع من مداخلة الناس دفعاً لضرره, وقال الحافظ بن حجر : اختلف جريان القصاص من العين.. قال القرطبي لو أتلف العائن شيئاً ضمنه ولو قتل فعليه القصاص او الدية اذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة ذلك منه وهو في ذلك كالساحر..!
 ابن القيم:وقد قال اصحابنا وغيرهم من الفقهاء عن من عُرِفَ بذلك يعني" الحسد" حبسهُ الإمام واجرى له ما يُنفق عليه الى الموت وهذا هو الصواب قطعاً ..!!
ولا شَّك ان أغلب الاقوال التي مرت سلفاً والمشفوعة ببعض الأحكام الجائرة " كتغريم العائن" أو "حبسه حتى الموت" أو" قتله" ليس منشؤها التسّرع في إصدار الفتوى كما يظنُّ البعض ولا الجهل بأحكام الشريعة كما يعتقد البعض الآخر..
 كيف وهؤلاء الفقهاء من حفظة الكتاب ولهم باع طويل في دراسة السّنة النبوية وسيرة النبي(صلى الله عليه واله وسلم)والدراية بعلم الحديث وصنعته.. لكن ما لا يعرفهُ أولي الظن والاعتقاد السيء"ان هنالك مصطلحاً استحدثهُ الفقهاء في ماضي القرون ولا يزال ساري المفعول الى يومنا هذا تعمل بهِ دولاً ترفع شعار الحكم بالكتاب والسنّة, يُدعى بـ (السياسة الشرعية), وخلاصة هذه السياسة ان مهمتها تقوم على أساس حماية شرع الله من عبث العابثين ومكر الماكرين فتحطاط لنفسها قبل وقوع ما يعكّر أمن البلاد والعباد..!! سياسة يتحالف فيها علم الفقيه بالشرع مع قوة ودهاء السلطان بالسياسة وقد تتدخل أحياناً بشؤون الرعية بما يحفظ لهم ممتلكاتهم وحقوقهم في حال شيوع اضرار معتد بها او حتى غير معتّد بها كما في قضايا المعتقدات... ولعّل ما اخترناهُ من فتاوى واحكام يمثل انموذجاً  مصغراً لإسقاطات هذه "الإجراءات الاحترازية"  على أرض الواقع.. والاّ فأنها تأخذ مديات أبعد وأوسع فيكون لحفظ هيبة الإسلام وطاعة ولاة امور المسلمين اولوية على غيرها من الأسباب فيضطر الفقيه حينها ان يحقن مداد يراعه بمقبض سيف الحاكم ليعمل عمله الشرعي في رقاب الخوارج والمارقين وربما انعقدت المحاكمات الفورية من دون الحاجة لشهادة الشهود بل حتى مع يقين الحاكم بصدق دعوى المتهم, ومن الإجراءات الاحترازية او ما يعرف بالسياسة الشرعية ما يكون اخف وطأة او أشدّ من ذلك تبعاً لرأي الحاكم وتقديره الشخصي وبما يُناسب كل حالة.. كأن يكون حال تجواله في الطرقات نهاراً أوليلاً.. فقد ذكر ابن القيم في كتابه المسمى بـ " الطب النبوي"  مستشهداً بما أورده البــــــغوي في كتابه" شرح السنّة"  أن عثمان بن عفان رأى صبياً مليحاً – فقال " دسموا نونته لئلا تصيبه العين", ودسموا.. أي سودوا- نونته النقرة التي تكون في الذقن, وروى ابن القيم أيضاً في اعلام الموقعين ,ج4, ص284, ان عمر بن الخطاب لما كان يدور ليلاً في طرقات المدينة سمع قائلة تقول :
هل من سبيل الى خمر فاشربها         أو هل من سبيل الى نصر بن حجاج
    الى فتى مـاجد الاعــراق مقــــــتبلٍ          ســــــــــــــــــــــهل المــحيا كريم غير منجــــــاجٍ
فما كان من الخليفة إلا ان ارسل في طلب ذلك الفتى ثُم قام بجّز شعره ليزيل جماله الذي كان يفتن  به النساء, فلما رأى بعد ذلك من احسن الناس وجنتين غمّه ذلك فنفاه الى البصرة, ويعقب ابن تيمية في كتابه مجموع الفتاوي, ج11, ص552 على هذا الاجتهاد قائلاً: " فهذا لم يصدر منه ذنب ولا فاحشة يُعاقب عليها ولكن كان في النساء من يفتتن به فأمر بإزالة جماله الفاتن فأن انتقاله عن وطنه مما يضعف همته وبدنه ويعلم انه مُعاقب عليها وهذا من باب التفريق بين الذين  يخافون عليهم الفاحشة والعشق قبل وقوعه... وبطبيعة الحال فأن غرضنا من إيراد هذه النماذج ليس هو إبداء وجوه المماثلة والمقاربة بين احكام كل من الفقهاء وولاة الجور والخلفاء, أو محاولة حشرها في مضمار واحد بقدر تبيان مسافات القرب والبعد من نصوص الكتاب والسنة وليعلم بالنتيجة ان آراء واجتهادات  غير المعصوم لا يصح ان تكون حجة او سُنة يعمل بها وان لا سياسة شرعية ولا غيرها يمكن ان تثلم من النصوص المقدسة حكمتها في فهم واقع المجتمعات وتقديرها لمصلحة عموم المسلمين...



" السحر والحسد في هاجس المجتمع العربي قبل الإسلام "
   من الصحيح القول إن ليس ثمة طريق للتعرف على حضارة أي امة من الامم الاّ بالنظر الى تراث تلك الإمة وما تحملهُ من إنجازات على صعيد المعارف والعلوم فبها قياس مدى التقدم والتخلف وان قراءة وافية لتراث العرب ومقارنته بغيره من الامم كالفرس والروم والاغريق ندرك جيداً البون الشاسع بينهما, فحيثُ أبدى المجتمع الفارسي والروماني واليوناني تقدماً ملموساً في مجالات مختلفة كالرسم والنحت المسرح والهندسة والطب أظهر المجتمع العربي آنذاك تخلفاً جلياً في كل ذلك...
 إن من المؤكد وحسب علم" الأنثروبولوجي" ان تلعب البيئة وارهاصات الطبيعة دوراً هاماً في صياغة وبلورة شخصية الانسان العربي ونمط تفكيره, فاتخاذه حرفة الرعي والصيد ومهنة السلب والنهب سبيلاً وحيداً لإشباع حاجاته الجسدية واتكاءهُ على الموروث الديني- اليهودي والنصراني المحّرف وفي مقدمته قصص الخرافة والأساطير الغيبي وسيلة لإرواء ضمأه النفسي شكلت من ذلك الانسان هويته وثقافته وعقيدته التي يُعرف ويتميز بها عن غيرهِ, وان إطلالة على مدونات شعر الشعراء لتلك الفترة كون الشاعر يمثّل اهم وثيقة تاريخية والشاعر لسان حال قومه يفصح  عن مدى تغلغل كثير من معتقدات الغيب وتصدّرها شؤون حياته وسلوكهِ, فكان الجن والشيطان والسحر والحسد من بين أهم تلك المعتقدات التي يبحث لها الأنسان العربي حلولاً وينشد تأويلات لكل ما يعتريه من شرور ومخاطر, فكان الرجل فيهم اذا بلغت ابله الألف عمد الى عين الفحـــــــــــــل فيها ففقأها مخافة العين والغارة, ومن زعماتهم ان الجن تركب الثيران فتصد البقر عن الشرب ولأجل ذلك كان لابد لهم من ضرب الثور الذي يركبه الجني والأعشى يدّون هذا المعتقد بقوله:-
وأني وما كلفتــــموني وربـــــكم          ليعلم من أمســـــى وأعق وأحربا
كالثــور والجــني يركب ظهــره          وما ذنبه ان عافت الماء مشــــربا
وما ذنبه ان عافت الماء باقــــــر         وما ان تعاف المــــــاء الاّ ليضربا
    ويقرّب لنا الشاعر جرير بن عبد الله البجليّ الصورة أكثر فيقص مشاهداته الجن عياناً تشبه الى حد كبير ما نقرأه في مدونات الفقه الإسلامي فيقول: " سافرتُ في الجاهلية على بعيرٌ ليّ فلما صرتُ قرب الماء فلكزته على ان يتقدم فو الله ما تقدم فدنوت منه الماء وعقلتهُ, ثُم اتيتُ الماء فاذا قوم مشوهون فبينما انا عندهم اذا اتاهم رجل أشد تشويها منهم , فقال هذا شاعرهم فقالوا لهُ يا فلان أنشد هذا فأنهُ ضيف فأنشد:-  ودّع هريرة ان الركب مرتحـــــــــــــــُل          وهل تُطــــيـــــــق وداعاً أيّها الرجلٌ؟
فلا والله ما خرم منها شيئاً واحداً حتى انتهى الى هذا البيت:-
تسمع للحلي وسواساً اذا انصرفت         كما أستــــــــعان بريح عشرق زحلُ
   فأعجبتٌ به فقلتُ من يقول هذه القصيدة؟ قال: انا- قلتُ لولا  ما تقول لأخبرتك ان أعشى بن ثعلبة أنشدنيها عاماً أول بنجران..! قال فأنك صادق- انا الذي القيتها على لسانه وانا مسحل صاحبه ما ضاع شعر شاعر وضعه عند ميمون بن قيس, ويقرّر الأعشى هذه القصة وبتجرده عن قول الشعر بنفسه الاّ أن ينطق على لسانه شيطان شعره بقوله: وما كنــــتُ ذا قــــول ولكـــن اذا         مســـــــحل يبــري لي القول انطقُ
               خليـــلان فيــــما بيــــننا من مــودة       شــــريكان جـــني وانســــي موفقُ
    وليس الاعشى بدعاً من الشعراء ولا حالة شاذة لا يُعرف لها مثيل في هذا اللون من المعتقد وانما شاركه كل فحل من فحول الشعراء فيروى لحسان بن ثابت قوله:-
ولي صاحــــــــــب من بني الشــيصبان         فطـــــــــــــــــــــــوراً أقول وطـــــــــــــــــوراً هو...
ولا يستثني الشاعر المعروف ابي النجم العجلي أي شاعر  من هذه القاعدة وان كان له معتقد مغاير في جنس ذلك الشيطان:
وأني وكلُّ شــــــاعر من البشـــــــــر        شيطانــــــه أنثى وشيـــطـاني ذكر
فما رآنــي شــــاعراً الاّ أستتــــــــــر        فعــــل النجـــــوم اذا عـــاين القمر
 واما غير هؤلاء ممن شاطرهم هذا المعتقد.. فبشار بن برد وجنّي شعره "شنقناق"  والبحتري وجنّي شعره " أبو الطبع" , وابو الطيب المتنبي واسمه " حارث بن المغلس" وابي تمام واسمه " عتاب بن حنباء" وأمروا القيس واسمه " لا فظ بن لاحظ" , وربما سرت عدوى هذا المعتقد الى طائفة من الادباء والكتاب المشهورين امثال الجاحظ فيقال ان جنيّه "عتبة بن أرقم", وعبد الحميد الكاتب واسمه " ابو هبيرة" , ولبديع الزمان واسمه " زبدة الحقب" , ولا ندري مبلغ الصواب في نسبة هذا المعتقد الى الطائفة الاخيرة والراجح انها جرت على ألسنة الأدباء والكتّاب أنفسهم على سبيل الدعابة والتهكم بالشعراء او من قبل عامة الناس ومعجبيهم لما رأوه منهم من فنون التصرف في البلاغة والنحو بشكل يعجز عن اتيانه كثير من البشر...
    هذا وتتناقل اخبار العرب صوراً مختلفة لرؤية الجن فيدّون لنا صاحب كتاب الأغاني قصة من قصصهم تُظهر إيمانهم العميق بإمكانية تصوره في صورة ثُعبان كما هو شأن ورؤية كثير من رواة الأحاديث في كتب الصحاح وغيرها والتي سنشير إليها لاحقاً- فيقول: ان عبيد بن الأبرص سافر في ركب بني أسد فبينما هم  يسيرون, إذا هم بشجاع يتمعك على الرمضاء فاتحاً فاهُ من العطش, وكانت مـع عبيد فضلة ماء ليس معه ماء غيرها فنزل فسقاه الشجاع عن اخره حتى ارتوى وانتعش فأنساب في الرمل فلّما كان من الليل ونام القوم ندت " مشت" رواحلهم فلم ير لشيء منها أثر فقام كل واحد يطلب راحلته فتفرقوا.. فبينما عبيد كذلك وقد أيقن بالهلكة والموت, وإذا هو بهاتف يهتف به:
يــــا أيها الســاري المظلُّ مذهبــــــه        دونكًّ هذا البكـــــــر منـــا فأركبـــه
وبكــرك الشـــــــارد أيضاً فأجنبــــه         حتى اذا اللــيل تجـــــــــــلى غيهـــيه
 فحط عنه رحله وسيبه,.. فقال له عبيد ايها المخاطب نشدتك الله الاّ اخبرتني من
  انت؟ فأنشأ يقول:
انا الشــــجاع الذي الفيته رمضـــــــــا         في قـــــفرة بيـن احــــجـــار واعقـــادِ
فجـــدتَ بالمــــاء لــــما ظنَّ حاملــــه         وزدتَ فيــه لم تبـــخــــل بأنـــــــــــكادِ
الخـــير يبــقى وان طـــال الزمان بـه         والشـــــر أخبــــث ما اوعيــتَ من زادِ
    فركبَ البكر وجنّب بكره وسار فبلغ اهله مع الصبح فنزل عنه وحلَّ رحله وخلاّه من القوم بعد ثلاث, وتارة يرونه في صورة الغول التي تقطع عليهم الطريق وتروعهم حتى تعارف بينهم قولاً للمسافر عند وداعه " هوّن الله عليك غول هذا الطريق" فقدموا خطر الجن على خطر البشر من قطاع الطريق وغيرها كالسباع والضواري ثُم أن كثيراً من الشعراء قد أطال النظر في عينيها فرأى في احدهما الحول كعبيد بن أيوب:-
وساخــــرة مني ولـــو ان عينهــــــا        رأت مـــا رأت من الحــــول جنّـــــتْ
أبيـــت الســـعلاة  وغــــــول بقفرةٍ         أذا الليــــل وارى الجـــن فيه أرْنَــــــت
        فيما يراها غيره بصورة بشعة ترهب الناظر بعينين شقت بالطول
وحـافر العــنز في ســــاقِ مدملــجةٍ        وجــــفن عين خلاف الأنس بالطول
   وهي تغــــتال الأنـــسان في الطريق الموحش كما حصل للعديد من المسافرين كعلقمة بن صفوان بن أمية, فقد روي ان قتله كان على يد" شق", والشق عندهم ضرب من الجن  نصفه على شكل  أنسان وزعموا أيضاً ان حرب بن أمية قتلته الجن وقالت فيه بيتاً من الشعر أعجز ما يمكن ان يقال مثله:-
وقبـــــر حرب بمكان قـــفرٍ وليس         قرب قــــبر حــــربِ قبــــــرُ
    ومن بين معتقداتهم ان للسحر رقية تؤخذ من العّراف وتعلّق على رقبة من حلَّ
في جسمهِ الجن وفي ذلك يقول سلمة بن الخرشب الأنماري:-
تعــــّوذ بالرقــــى من غيــر خبـــلٍ           وتعـــقــــد في قـــلائدهِ التميــم
   ومن استعمالاتهم لفك السحر وإبطالهِ النشرة وبها يُعالج المسحور, وقد نُشر عنه أي بطل السحر عنه... والأُخذَة...وهي رُقية أو خرزة يُدفع بها العين أو السحر وربما كان من بين معتقداتهم تلك التي ذكرها القرآن الكريم هي استعاذتهم بالجن وطلب يد العون بعد عجز رقية البشر.. وفي ذلك يقول قيس بن الملوّح:-
هي السحــــر الاّ أن للسحر رُقــيـــة          وأني لا ألفـي لها الدهـــر راقـــيـــا
الاّ يا طبيــــب الجن ويحــــك داوني         فأن طبيـب الأنس أعيـــاهُ دائيــــــــا
 ويقنط عروة بن حزام من شفاء طبيب الأنس والجن معاً فينبري قائلاً:-
الاّ يا أيهــــا العرّاف هل أنتَّ بـــائعي        مكانـك يوماً واحــــداً بمكـــــــــاني
لو ان طبيــب الأنس والجــــن داويـــا       الذي بي من عــــفــــراء ما شفياني
 وتختلف الرقية بحسب فراسة العرّاف وعدد قاصديه من الرجال والنساء والاطفال فقد يكون شراباً أو نباتاً او حجراً كريماً ونحو ذلك:
أتيــتُ طبيـــب الأنس شيخاً مداويــــــاً        بمكة يعطيـــــني في الدواء الأمانــــــيا
فقــلتُ لهُ يــا عم حكمـــك فأحتــــــــكم        إذا مــــا كشفـــــــت اليوم يا عم ما بيا
فخــاض شـرابـــــاً بارداً في زجـاجة        وطــرح فيــــه ســـــــلوة و ســـقانـــــيا
فقـلتُ ومرضـى الناس يسـعون حـوله        أعوذ برب النـاس منـــــك مــداويـــــــا
 وكعادة هؤلاء العّرافيين فأن لا مستحيل أمام عملهم.. فالشفاء أبداً حاضراً على ألسنتهم من كل داء مهما عظم ما دام المريض يبذل ما بوسعه وان كان النزول على حكمهم وشروطهم...
جعــــــلت العــــــرّاف اليــــــمامة حكـــــــمه       وعرّاف حِجــْــرٍ ان همـــــا شفـياني
فــقالا نعم نشـــفي من الداء كلــــه         وقامــا مع العــوّاد يـــبتــــــــــدراني
فـما ترى مـن رُقيـة يُعلمــــــــانها          ولاشـربـة الاّ قــــد ســــقيــــــــــاني
" عقائد الأمم القديمة في السحر والحسد"
     لقد عرفت الأمم القديمة السحر والحسد وعملت على الاحتراز منهما بشتى الطرق والأساليب, فالبابليون القدامى كانوا يعتقدون- كما تذكر كُتب التنقيب والآثار- ان النفس الشريرة أو الإشعاع المنبعث من العين الحاسدة يتشتت وينقسم الى سبعة اقسام وحينئذ يفقد قابليته على الايذاء في الشخص المحسود, ومن هنا وجدوا من الأفضل تعليق تعويذة سُميت " بالسبع عيون" فعلقوها في قصور الملوك و وفي الساحات العامة وعلى جدران واجهات البيوت, كما اعتقدوا بأن اللون الأزرق هو لون الماء الذي لهُ القابلية على امتصاص الأشعة المنبعثة من العين, ولذلك ميّزوا التعويذة باللون الأزرق, واما الوقاية من السحر فقد عمدوا البابليون والآشوريون  على تصوير الكثير من العفاريت بصورة رهيبة ومرعبة وأكثر هذه المجموعات شيوعاً هي المجموعة التي تعرف باسم  السبعة أيضاً ومنهم حسب الاعتقاد عفريتة الأحلام " أبنة آنوا" إذ تمنع  ولادة الأطفال في الوقت المناسب كما تقتل الطفل الوليد ومنها العفريت " بو زوزو " وهو جالب لأمراض النساء والأطفال غالباً ما يُجعل تعاويذ للحماية عند ولادة الأطفال كما دلّت بعض الآثار على ذلك, وهم يتخذون بعض التعاويذ والمصادر المشتركة للطب والسحر بقصد تحطيم هيمنتها على بدن الضحية وإرغام العفاريت على الهرب نحو جهة الغرب حيثُ تكون أبواب العالم السفلي مفتوحة لاستقبالهم , ومنهم من يستعمل الوشم على أطراف الجسم والوجه من أجل دفع تلك الشرور, وقديماً امن المصريون بأن للحلي قوى وآثار سرية الى جوار وظيفــــــــتها في  الزينة فاتخذوا من الحلي تمائم يعلقونها على مختلف اجزاء اجسامهم واختلفت التمائم باختلاف الغرض المعلقة من اجله فهناك تمائم للأحياء وأخرى للأموات وتمائم للوقاية من السحر والحسد والغرق, واختلفت انواع الحلي المستخدمة حسب اختلاف الحالة الاجتماعية فالأغنياء استخدموا الحلي المصنوعة من الذهب والاحجار الكريمة بينما استخدم العامة الخرز المصقول... ويذكر سيريل الدريد " في كتابه مجوهرات الفراعنة ان الحلي التي كانت تستخدم لتزيين الرقبة والعنق قد تطورت عن شكل بدائي يتمثل في تلك التعويذة التي كانت تتدلى من خيط أو رباط يحيط بالعنق والتي أستخدمها الأنسان البدائي ليقي نفسه من القوى الخفية الموجودة في الطبيعة والتي كان يُعتقد انها ترسل عليه الأعاصير والفيضانات والبراكين والزلازل وتصيبه بالأمراض, ويذكر الدريد ان اكثر التمائم شيوعاً واستخداماً بين المصريين القدماء كانت التميمة او الرقية المصنوعة من الخرز وانه لم تكن أمة من امم العالم القديم مثل مصر التي صنعت هذا القدر العظيم وهذه الكميات الهائلة من الخرز", ولا تزال هناك بعض الشعوب مثل ايران والهند والصين يسود بينهم اعتقاد بان "حجر الجاد" يقي صاحبه من امراض القلب, وان حجر "الفيروز" يبعد عن صاحبه الكثير من المخاطر والشرور, وتحتل الخرزة الزرقاء والكف مصدر الصدارة في العالم والى يومنا هذا حيثُ نرى المرأة تدفع بكف يدها بعد فرد الاصابع الخمسة أو كلمة مرتبطة به كالقول اليوم الخميس... او الطفل وزنه خمس كيلو غرامات, وللديانتين اليهودية والمسلمة لهما نفس الاعتقاد  لكل منهما, فاليهود يعتقدون انها تشير الى كتب التوراة الخمسة  " أسفار موسى" , وأما المسلمون فيعتقدون انها كف النبي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) التي خرقتها العين ولم تصبهُ بأذى أو أنها دلالة الى عدد الآيات التي وردت في سورة الفلق...
   ويرى بعض الباحثين واستناداً الى علماء الآثار والتنقيب ان تميمة الكف والعين الزرقاء تعود في الأصل الى الشعوب السامية التي سكنت أطراف البحر المتوسط بهدف ترهيب الرومان الذين استعمروا بلدانهم في حقبة من التاريخ  وربما كانت العيون الزرقاء هي الصفة التي ميّزت الرومان عن الشعوب المستعمرة آنذاك, وهي تعبير صريح لرفضهم المستعمر الجديد وكانوا يحملون عصا في أعلاها ذلك الرمز المخيف الذي يهدد باقتلاع أعينهم أو يكتفون بإلصاقه على أبوابهم وفيما بعد أصبح رمزاً للحماية من كل شر ليحملوه في أعناقهم كقلائد او يعلقونها على جدران منازلهم, ومن الأشياء الأخرى التي تستخدم لحد الآن لدرء الحسد والارواح الشريرة هي "حذوة الفرس" فيعتمد كثير من الناس الى تعليقها على أبواب البيوت ...
  ويرى الباحث الانكليزي" تشارلز باناتي" ان حذوة الحصان أكثر تعويذات الحظ انتشاراً في العالم, اذ شاعت في كل زمان ومكان وحيثما وجد الانسان والحصان, ويعزو "باناتي" السبب وراء ذلك الاعتقاد الى قصة حصلت في القرن العاشر الميـــــلادي للحــداد "دونستان" أصبح اسقف كانتبري بعدها, حين قدم اليه رجل وطلب منه ان يحدي قدميه مما اثار الشك لدى دونستان بأن السائل هو الشيطان- خاصة وانه له اظلافاً مشقوقة, لذلك فقد اوضح له ان عليه ان يعلقه مقيداً الى الحائط ليستطيع انجاز العمل وعلى نحو متعمد انجز دونستان عمله مكيلاً العذاب والآلام للشيطان, مما جرّ الاخير الى التوسل والرحمة ويأخذ عليه عهداً بعدم دخول أي منزل وضعت حدوة حصان على بابه- ويضيف " باناتي" انه ما زال المسيحيون منذ ظهور هذه القصة يستخدمون الحذوة بكثير من الثقة على اطار باب المنزل اول الامر ثم في منتصف الباب ليستخدم الوظيفة الاخرى في دق الباب إضافة الى منــع الشيطان من الدخول, وفي العصور الوسطى كان الناس في اوربا خاصة يعتقدون بان الأرواح الشيطانية اذا دخلت جسم احدهم فأنها تشخّص من قبل الكهنة ورجال الدين وذلك بغرز ابر طويلة في جسم المصاب, حيثُ كانوا يعتقدون ان هناك جزء من جسم المصاب اذا غرزت فيها الابرة فأنه لا ينزف دماً ولا يسبب له ألماً فأن عثروا على تلك المنطقة من الجسم اعتبرت مكان تواجد الشيطان ثُم يؤخذ حيثُ يشنق أو يُحرق, كما كانوا يعتقدون بأن هناك ارواح طيبة تهجع الى الاشجار فكانوا يذهبون الى تلك الاشجار ويتبركون بالدق على جذوعها من اجل الحصول على المساعدة من تلك الأرواح في درء شرور الأرواح الخبيثة.. وبمرور الأزمان تحولت تلك العادة الى الدق على كل ما هو خشبي لإبعاد النحس وجلب الحظ, ولا زالت بعض شعوب أوربا الآن ومنهم الدنماركيون ينقرون أسفل خشب الاثاث وليس على السطح لاعتقادهم ان أسفل الخشب هو أكثر نقاءً من السطح المصبوغ او المغطى, وأما العرب قديماً فقد عمدوا الى الوقاية من السحر والحسد باستخدام اللون الازرق, أذ حسب اعتقادهم بأن الشياطين ذو لون أزرق ويظهر ذلك في نقوشات المساجد ذات اللون الازرق, إضافة الى حمل بعض أصناف الاحجار الكريمة كالفيروز الازرق وبعض التعويذات كسن الذئب وحذوة الفرس والطلاسم المتنوعة فيما تروي اسطورة لديهم بأن الجنّ يخافون الذئاب, فإذا رأى الجنّي ذئباً قادماً نحوه تحول الى صورة حجر كريم خشية ان يراه فإذا رآهُ الذئب وبال عليه صار حبيس تلك الصورة  ويبقى على تلك الحالة حتى يقع في يد آدمي فيظهر لهُ في نومه عارضاً عليه خدمــــــــــاته مقابل ان يحرره من صــــورته المتحولة ..
  والملاحظ في مسألة الوقاية من الحسد عند العرب والى الآن أنها تكون بصورة أكبر من السحر وذلك بحسب الاعتقاد السائد بأن عمل السحر لا يخلو من تدخل الشياطين والجن. فالسحر عندهم مقدمة وتلبس الجن نتيجة وبالتالي فأن الوقاية منه أمر في غاية الصعوبة او يكاد يكون مستحيلاً..





حركة النقل والترجمة وأثرهـــــــا في
إدخال العلوم الغريبة تراث المسلمين
   ثمة أكثر من وقفة ولو بقراءة عابرة لمجمل ما تأثرت به الحضارة الإسلامية عموماً وعقائد المسلمين على وجه الخصوص بسائر الديانات والحضارات الأخرى لقد اخذ هذا التأثر يتضح ويتسع شيئاً فشيئاً خلال عصر الفتوحات وبروز امبراطورية الدولة الإسلامية كأقوى دولة على وجه الارض,  وكان من أولويات عمل الخلافة حينها هو جمع آثار كل ما يقع في أيدي الفاتحين الجدد من مؤلفات وكتب فانتشرت بسبب ذلك المكتبات المليونية في أرجاء بلاد المسلمين وشجّع الخلفاء بمكافآتهم السخية وعطاياهم الجزيلة ترجمة تلك الكتب واخذ المترجمون يتنافسون فيما بينهم لقبض وزنها ذهباً وفضة.. فتُرجم في عصر أبي جعفر المنصور ت سنة 158ه كتاب "السدهانتا" وهو كتاب تنجيمي محض وكتب المجسيطي والأربع مقالات في صناعة أحكام النجوم لبطليموس وغيرها من كتب الديانات الوثنية كالهندوسية والبوذية والاغريقية...ويقتفي المأمون أثر جده المنصور في ترجمة كل ما يقع تحت ظل مملكته من كتب ويبلغ به جنون عظمته واستبداده برأيه أن يبعث مهدداً ملك الروم بحرب شعواء أن لم يبعث كتب العلوم القديمة المخزونة في بلده وان يبعث الى حاكم صقلية يأمره ان يرسل إليه مكتبة صقلية الشهيرة فيشير اليه المطران الاكبر قائلاً " أرسلها إليه فو الله ما دخلت هذه العلوم في أمّة الاّ أفسدتها" , فيذعن الحاكم لمشورته ويعمل بها, ويسجل  لنا التأريخ حواراً جرى بين المأمون وبين احد فقهاء البلاط  يتحدث الاول عن رغبته بترجمة كل كتاب من أي لغة كانت فيتسائل ذلك الفقيه قائلاً:- ونترجم كتب الكفر يا أمير المؤمنين؟!!! فيقول المأمون نترجمها ونقرأها ولا نعمل بها!!! ولا ندري على أي حجة ودليل أعتمد الخليفة في جوابه هذا " نقرأها ولا نعمل بها" !! فأنه تكلم بلسان حال وقال أمّة تمتد حدودها من شمال افريقيا الى الصين!! أمة من ملــــــل ونحــــــــــل وطوائف
شتى...!! ام كيف ضمن لمن يأتي بعده ان لا يعمل بهذه الكتب؟
   لقد أثبتت الامة الإسلامية بعد هلاكه أنها أمّة الهوس بهذه العلوم الغريبة والشاذة.. وأن كثيراً من سدنة هذه الأمة من رجال دين وأئمة مذاهب قد اقتبسوا منها ما يروي ضمأهم ويشبع نهمهم ثم أن عوام الناس قد قلّدوا أولئك وكأن أقوالهم كتاب منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, ويستمر سائر بني العباس على نهج اسلافهم ويظهر كتاب " الفلاحة النبطية" لأبي بكر أحمد بن علي الكلداني المعروف بأبن وحشية سنة 291ه في زمن المكتفي بالله, حيثُ يُعّد هذا الكتاب مرجعاً لكافة مؤلفات السحر والتنجيم التي عُرفت لاحقاً... ولا غرو ان يعتبر كذلك فالمؤلف كان قد أخذ على عاتقه نقل تراث اجداده الكلدانيين واليشّمر عن ساعده بعد هذا المنجز في تأليف عدة كتب يذكر المؤرخون عدداّ منها مثل كتاب السحر الصغير وكتاب السحر الكبير وكتاب السحر النبط وكتاب شوق المستهام في معرفة رموز الاقلام وكتاب الطلسمات وكتاب طرد الشياطين والرقى والتعاويذ وأسرار الفلك وأحكام النجوم والإشارة وغيرها, ولبيان ذلك والوقوف على مصدر تلك الترجمات  نورد أمثلة مختصرة لبعض ما جاء في تلك الكتب والتي ما زالت بين أيدي المسلمين الى يومنا هذا...
عن شعار المؤلي قال: كنا في مجلس الوالي أحمد بن طولون والي مصر أذ دخل عليه شيخ كبير عليه ثيـــاب الرهــــــــبان ولديه كُتب ينســـــــبها الى أرســـــــطوا طاليس منقولة من الكتب الهريسة ليعرف بكتاب الملوطيس الأكبر وفيه منازل الثمانية والعشرين للقمر وفي ذيلها – تمت هذه الأسماء ترجمتها عربياً... ويذكر المؤلف الترجمة ومما يُنقل من كتب دوسم بن ساسة عن مصحف الحكيم فيثاغورس والحكيم منلاوش ورسل الحكيم وأرسطوا وكتب بقراط وهرمس وجالينوس وكتب كرسوس وروليقا ومسكين وابن المختار ومارية, ومما هو مبطل للسحر- استخرجه مؤلفه يعني به ابو حامد الغزالي من هيكل سيدنا سلمان بن داود وهو المسمى بحجاب القفل وذات الدوائر....
 وايضاً مما هو منقول من  كتاب " كيناش" وفيه معنى الأسماء السريانية ذكر علماء" السلف" مجموعة من الرموز والمفاتيح بأقلام مختلفة عددها خمسة وعشرون قلماً وكان ذلك منهم لأجل كتم الاسرار و إخفاءها وهي كالآتي: (1 (القلم العبراني) 2) القلم الغري (3) القلم النبطي (4)القلم الطبني(5)القلم الفم (6)القلم البهلوي(7) القلم الرومي(8)القلم الفرنجي(9) القلم الشـــاتان(10)القلم اليوناني(11)القلم البرنــاوي (12) القلم الطبرقال (13) قلم السرياني(14) القلم الاحجازة (15) القلم الحميري(16) قلم الاشجار "مسجد دسقوس بدوس" (17)القلم الحلياني  (18(القلم الصلياني(19)القلم فكك ياسر نجات (20) القلم فلا كتاب الراحة(21) قلم بريادي الطير فكّك به كتاب مصحف الشمس (22) قلم ذا النون المصري  (23) قلم معروف باحميمي
جاء في كتاب بحر المنافع بأنه " من كان يريد التوجه لقضاء مهمة قليكرر أسم الله الأعظم وهو باللغة الهندية " أهنوس" , وفي بعض المؤلفات  الخاصة بعلاج السحر والحسد ذكر الكوكب السبعة وهي أماكن العقوبات الأخروية الخاصة بالديانة الصابئية وهي كالآتي:  أولاً/ مطهّر المريخ      ثانياً / مطهّر المشتري    ثالثاً / مطهّر زحل, رابعاً / مطهّر عطارد     خامساً / مطهّر الزهرة      سادساً/ مطهّر القمر
 سابعاً / مطهّر الشمس.
   هذا وتتناقل كثيراً من المؤلفات الخاصة بالسحر – ما يعرف بالعزائم .. وهي عبارة عن كلمات وأدعية من الإنجيل والتوراة مترجمة الى العربية وعددها ثمانية, وفي بعض الكتب أكثر من ذلك وجميع هذه العزائم هي من أعمال السحر وان كان مضمونها يحوي عدد من الآيات القرآنية  التي ربما وضعت من قبل المترجمين في حينها, او أنها زيدت فيما بعد أثر انتقالها من جيل الى آخر, ويزعم أصحاب هذه العزائم والتسخير انها تعود الى نبي الله سُليمان(عليه السلام)ثُم انتقلت الى وصيه آصف الى ان وصلت اليهم..
العزيمة  الأولى (البرهتية):  وتسمى بالعهد القديم...تتصرف في جميع الاعمال من
          استنزال واستحضار وخدمة وجلب وهي تحتوي على ثمانية وعشرين أسماً من أسماء الله بلغة يعرفها الملائكة والجن..!!

العزيمة الثانية:  وفيها...  أني أقسمتُ عليكم بالحروف النورانية والأقسام السريانية
           والأسماء العبرانية....

العزيمة الثالثة:  وفيها...   أقسمتُ عليكم أيها الملوك السبعة المقدســـــــــــــون بين
          يدي رب العالمين ان لا تعلوّا عليّ وأتوني مسلمين..

العزيمة الرابعة:  وفيها...أقسمتُ عليكم يا معشر الأرواح الروحانية والملوك الطاهرة
           الزكية والاشخاص الجوهرية بحق من شق سمعكم وابصاركم وخلقكم من نار السموم... أجيبوا ايها الملوك السبعة الفلكية...

العزيمة الخامسة: وتسمى بالقسم السليماني...لا يتخلف عنه جني ولو تخلف او أبطأ
         أحترق في الحال وهي تحتوي على ثمانية وعشرين أسماً من اسماء الله... بلغة يعرفها أهل السماء..!!


العزيمة السادسة :  وتسمى بقسم العوالم الأرضية... وفيها... أني جلبتكم وحكمتكم
           بالعهود والمواثيق التي أخذها عليكم سليمان بن داود....
العزيمة السابعة: وتسمى بالدعوة الجامعة... تستخدم لإخراج الدفين- ويعنون به
           السحر اضافة للأعمال الاستنزال والاستحضار والتوكل...
العزيمة الثامنة: وتسمى بالعزيمة الدهروشية...وفيها... أجيبوا بحق الاسماء العبرانية
           أين صاحب جبل الدخان الراكب على الفيل المتعمم بالثعبان..!!














الطلاسم صيرورة تاريخية
 وموضعها من السحر والحسد"
   ان الخوض في قضية كالسحر والحسد ومحاولة اكتشاف كنه واسرار كل منهما وتفكيكها بنيوياً قد يستدعي منّا بيان بعض المفردات الغامضة واللصيقة وفي مقدمة تلك المفردات ما يُسمى" بالطلاسم" ... فما هي حقيقة الطلاسم ؟ وما هو منشؤها؟
 وأي صلة لها بالسحر والحسد؟
 فمع إقرار أهل اللغة بأعجمية هذه الكلمة غير أن من الصعوبة بمكان قراءة أي مصنّف دون رؤية تلك الأشكال الهندسية والأرقام والحروف المبعثرة وهي تُشير الى حل للسحر أو عقدهِ أو شفاء من الحسد أو حتى تسخيراً للملائكة والجن ومع صعوبة تحديد التاريخ الذي ولجت فيه الطلاسم الى هذه المؤلفات الاّ ان كثيراً من الدلائل والقرائن تشير الى  قربها من العصر العباسي الأول حيثُ الترف المادي والفكري الذي امتاز به هذا العصر عن غيره من العصور فمن خلال الانفتاح الكبير والواسع للفتوحات الإسلامية على بقية الشعوب والتعرّف غلي دياناتهم ومعتقداتهم فقد أسهم بشكل مباشر وفاعل بـ " تلاقح حضارات" كان من نتاجها ثورة الترجمة لأثار علوم تلك الأمم, ومن الدلائل الاخرى أيضاً هو تصدر أسماء مصنفي كتب العلوم الغريبة كعلم النجوم والجفر والسحر والتسخير وقربها من الخلفاء الذين اجزلوا لهم الثناء والعطاء كما أسلفنا, إضافة الى تزلّف عدد غير قليل من علماء وأحبار الديانات الأخرى كالنصرانية واليهودية والصابئية و الزرادشتية وتوليهم مناصب رفيعة و وزارت  تشبه ما يطلق عليها اليوم بـ " وزارة الثقافة والإعلام, ونتيجة لما تمَ ذكره فقد اعتقد فيما بعد كثير من عامة المسلمين بل ورجال الدين بأن تلك الطلاسم هي من الموروث الإسلامي وان قسماً من تلك الطلاسم  تُمثل عمل السحر نفسه فيما يُمثل القسم الآخر حلاً أو إبطالاً لهُ....
  والذي يعضد هذا الاعتقاد لديهم هو وجود بعض الآيات القرآنية وأسماء سور أو حروف متقطعة للآيات ضمن هذه الطلاسم وما يزيدهم إيماناً أكثر بهذا الاعتقاد هو تصّدر عناوين مؤلفات السحر أسماء رجال الدين لهم حظوة ومكانة كبيرة في نفوسهم...!!
   ومما يلي بعض صور هذه الطلاسم ومحاولة فك رموزها وعائديتها للديانات الأخرى:



وفي هذا الطلسم نجمة داود – شعار دولة إسرائيل وحروف  ما يقابلها بالعربية حرفي , ف, د

 
     وفيه جمع صاحب الطلسم بين معتقد المطهرات السبعة للصابئة وأسم النبي محمد  " صلى الله عليه واله وسلم"   والصلاة على النبي  و الآل والصحب !!
وهذه الحروف من لغة الصابئة المندائيين وترجمتها :-
 حرف         يقابلهُ  بالعربية حرف ع  
وحرف    يقابلهُ  بالعربية حرف ش
 حرف    يقابلهُ  بالعربية حرف ح
حرف o    يقابلهُ بالعربية حرف أ
والحرف  l   يُقابلهُ بالعربية الحرف  ز
 الرحمن الرحيم مشهر يق  بسهوس ابق يسهر سويق بربرة

 بحق لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله...

    وفيه جمع صاحب  الطلسم كلمات سريانية بالحروف العبرية بكلمات الشهادة الإسلام والولاية للمذهب ...!!!



    فالأحرف العبرية     ه   يقابلها بالعربية حرف  د

                        U يقابلها بالعربية حرف  ع
                       يقابلها بالعربية حرف ص
                  يقابلها بالعربية حرف ح            
  فيها أسماء الملائكة الأربعة  من تداولات الديانة النصرانية وحشر في مربع الاخير أسم المام علي (عليه السلام)  وأخيراً فأنهُ ينبغي الاشارة الى ان هذه الطلاسم هي الأخرى قد خضعت كما هو واقع " الموروث الديني " للكثير من صور التغيير والتبديل والزيادة تبعاً لاختلاف المكان الذي كتب فيه الطلسم فترى ان الطلسم  الذي يحمل اشارات معينة وحروف من تراث الديانة اليهودية قد اصطبغ بعدها برموز واحرف اضافية من الديانة الصابئية ثم بعد فترة اخرى من الزمن أضيف اليه بعض من الآيات القرآنية ومفاتح السور وربما كان للانتماء المذهبي صوراً في شكل ذلك الطلسم..!!
    ويمكن ان نضيف الى ذلك بأن تلك الطلاسم تحتوي في مضمونها عنوان لقداسة ما يعرف بـ  " علم الأعداد والحروف" حيثُ يمكن عدّها وحسب مفهوم واضعيها بأنها تمثل شكل من أشكال " الدعاء المضغوط" استسهالاً منهم واختصاراً للأدعية المطولة, وبالعودة الى جذور هذا العلم وسبب القداسة نجد أن اليونانيين القدامى أول من وضع أسس تلك القداسة سيما الفيثاغورسيين واهتمامهم بالأعداد ونبوغهم بعلم الرياضيات وتأسيسهم لكثير من نظريات الحساب والهندسة وبسبب ذلك الولع والاغرام بتلك الاعداد جعلوا لكل منها طابعاً سحرياً, فجعلوا العدد"1" أصلاً لكل الاعداد والموجودات وفسروا الأشياء بالأعداد ثم فسروا الأعداد تفسيراً مغايراً...
  فـ "الواحد" رمزاً للتعقل , "والعدد "2" رمزاً للرأي , والعدد "3" رمزاً للقدرة الجنسية,  والعدد "4" رمزاً للعدل , والعدد "5" رمزاً للزواج., ثُم اقتبس فلاسفة المسلمين تلك الاعتقادات بعد ترجمة مؤلفات فلاسفة اليونانيين, وكان من طلائع أولئك الفلاسفة ما عرف بـ " حركة أخوان الصفا" فأضافوا الى ذلك الاهتمام بالأعداد اهتمامهم بالأحرف وتعاملوا مع الأحرف كرموز وإشارات ودلالات ثُم أنتقل ذلك الاهتمام الى تصانيف ومؤلفات لدى فلاسفة الصوفية المتقدمين كأبن عربي والسهروردي حيثُ تم إعطاء كل حرف عربي عدداً معيناً حسب ترتيب الحروف المسمى " أبجد هوز" ومن ثُم قسموا تلك الحروف على البروج وجعلوا طبائع الحروف هي طبائع البروج...
   ومن هنا يُمكن القطع والجزم بان كل ما في الموروث الاسلامي من صور واشكال للطلاسم هو من مدونات الفرق الصوفية ومن تأثر بهم من بقية المذاهب الإسلامية...



" كمثل الحمار يَحملُ أسفاراً ..."
   يعدُ الإعلام المرئي من انجع وسائل نشر المعلومة وإيصالها المتلقي بشكل لا يوازيه أي من وسائل الأعلام الأخرى, حتى قيل ان مشاهدة صورة واحدة تعمل في التأثير ما لا تعملهُ عشرات الكتب, من أجل ذلك فقد عَمَد شياطيين الأنس على تسخير طاقاتهم وأموالهم وأنفسهم المريضة للمراباة بتلك الأموال والاستمتاع مع شياطين الجن بما يسببونه من تزلزل عقدي وتقهقر فكري لكثير من المسلمين من خلال نشر افكارهم السقيمة وشباكهم الشيطانية في فضائيات تعمل على مدار الساعة واليوم, وربما يلحظ المشاهد والمتابع تزايداً مطرداً لأعداد تلك الفضائيات تزامناً مع ازدياد متابعيها وحرصهم على الاتصال مهما بلغت كلفة ذلك الاتصال, وفي المقابل فأن طرق الاستدراج والاستمالة من قبل اصحاب تلك الفضائيات قائمة على قدم وساق فبدأَ بما يعرضونه من مشاهد مؤثرة وقصص مختلفة لأُناس يزعموا ان شفاءهم من حالات التلبسّ أو حتى من أمراض مستعصية, وقف الطب الحديث امامها عاجزاً بفضل هذا الشيخ أو ذاك العالم الروحاني, مرواً بعبارات الترغيب والترهيب وترديدهم بالأصوات العالية لبعض آيات القٌرآن التي يُذكر فيها الجن والسحر والشياطين وأعمالهم وغيرها ممّا يترك انطباعاً لدى المشاهد بأن كل ما في هذه الآيات من توصيف ينبثق من مصدر واحد كأنهُ وحدة واحدة لا تتجزأ فكأنما الساحر يسخّر الجن وان الشياطين هُم من يعمل السحر وان التلبس هو عين السحر وليس نهاية بعملية تسويق بضاعتهم وما تحويه من اسرار الأعشاب النادرة والترويج لها عبر الاستماع لتلاوة مشاهير القّراء في العالم الإسلاميّ, والى القارئ نموذجاً من هؤلاء الحمقى والكذابين وتخرصاتهم ورجمهم بالغيب ممن ظهروا على شاشة فضائيات ما يُدعى بالرقية الشرعية أو الطب الروحاني...
   يقول المعالج المصري الشيخ الدكتور محمد مصطفى بعد سؤال أحد المشاهدين لبرامجه عن علاج السحر والشفاء منهُ فيقول: " يجب على من يجد في بيته أو في ملابسه شيء من السحر ان يتفل عليه ثلاثاً وان لا يبول عليه... والسبب في ذلك يعود الى ان هُنالك اتفاق بين الساحر والجن؟ فإذا فعل ذلك" أي المسحور" فأن السحر يتحرك وينشط, وفي سؤال آخر حول تلبس الجن أجساد الاطفال يقول ان ذلك يحصل ويســــــتدل بحديث أوردهُ البــــخاري في صــــحيحهُ ومضــــــــــمونه أنه اشتـــــكت الى النبــــي (صلى اله عليه واله وسلم) امرأة من كثرة حركة وشقاوة ولدها فما كان منه(صلى اله عليه واله وسلم)الاّ أن مدَّ يدّه في فم الطفل ليخرج جرواً أسوداً منه..!!
 ويضيف الشيخ الدكتور.. ان لا عجب في ذلك بعد ان كان للجن أعمالاً  اكبر ومنها قتل شيخ الانصار سعد بن عبادة ونسب اليهم قولهم:-
 نحنُ قتلنـا سيد الخزرج سعد بن عبادة         ورميناه بسهمين فلم تخطيء فؤاده
ولنا وللقارئ الحق بطرح هذه الاسئلة استناداً لما جاء في تلك المرويات...
لماذا لم يشترط النبي(صلى اله عليه واله وسلم) على ذلك الجرو الاسود الدخول في دين الإسلام؟
ولماذا لم يقتله؟ ولِمَ لم تتلبس الجن بسعد بعد تبوله في حجرها على حد زعم الرواية؟ ولمَّ لا يكون لشياطين الأنس ولدوافع سياسية وراء اغتياله ثُم إشاعة هذه القصة المزعومة كعادة أعراب الجاهلية في الانتقام؟
((اخراج السحر عن طريق الهاتف النقّال " الموبايل" ))
 توصل بعض شيوخ الفضائيات مؤخراً الى فتح جديد في عالم " الرقية الشرعية " حيثُ تمكنوا من قهر الجن وحرقه ولو بعد عنهم الاف الأميال ففي برنامج عرض على الهواء في 14 أيلول /2008 من على قناة الراية الفضائية لشيخ يدعى يوسف الدوس, أتصلت فتاة في العشرين من عمرها تسمي نفسها أم عمر وقالت أنـــها مسحورة وان اهلها منــــــــــــعوها من الذهاب الى الشــــــــــــيخ ليقرأ عليها خوفاً علــــــــــيها من الفضيحة وفعلاً قام الشيخ الدوس بالقراءة عليها وقامت بالبـــكاء ثُم تداخلــت الاصوات وعرف الشيخ حينئذ ان الجني الذي يسكن فيها بدأ ينطق على لسانها ثُم ان الفتاة تصرخ (لا .. لا) وبعدها كان حواراً على وشك أن ينعقد بين الجني والشيخ الاّ أن الاتصال أنقطع فجأة.. وبرر الشيخ ذلك بأنهُ كان يخشى ان يتفوه الجني بكلام غير لائق..!!
   ويبدوا ان مشهد الجرو الأسود الذي ذكرهُ البخاري في صحيحه ثُم تناقلتهُ الاجيال من بعده قد خلق مشكلاً عويصاً وأوقع المسلمين في حرج شديد فهم متحيرون في طريقة تمييز بين الجن الصالح من الطالح بعد تمثلهُ بهيئة الجرو الأسود او الكلب الاسود او الثعبان الأسود أو حتى الرجل الأسود كما سيأتي...
فينقل لنا التاريخ الاسلامي شيوع ظاهرة الاعتقاد بتحول الجن الى كلاب والاهتمام بها والتودد لها "باستثناء السود منها"  بلغ حداً ان تدخل مساجد المسلمين بل ويعمل لها الولائم, فقد جاء في كتاب " لطائف المنن الكبرى " للإمام الشيخ ابي المواهب عبد الوهاب الشعراني( ت سنة 729ه) ان الشيخ ابو الخير الكليباني – نسبة الى حبه للكلاب كان يدخل بهم جامع الحاكم فينكر ذلك عليه الفقهاء انكاراً شديداً لاعتقادهم انهم كلاب, وقال فقيه يوماً كيف تدخل الكلاب بيت ربك جلَّ وعلا..؟ فقال: أنهم لا يأكلون حراماً, ولا يشهدون زوراً , ولا يغتاب بعضهم بعضاً وكان يرسلهم في قضاء الحوائج فيقضونها, وكان يعمل لهم الوليمة في المكان الذي بين الازبكية وباب اللوق ويمّد لهم الطعام هناك فيعتقد المّارون أنهم كلاب والحال أنهم جن..!! هذا وللمؤلف كتاباً آخر طبع ونشر في مصر " اسماه كشف الحجب الران عن وجه أسئلة الجان" والذي يزعم فيه انه اجاب عن خمس وسبعين سؤالاً للجن ولا يزال الى الآن هناك مسجد  باسم مسجد الشعراني في ميزان باب الشعرية بمصر نسبة الى هذا الإمام..!!
نقول: واذا كان هذا الشعراني قد اجاب عن هذا العدد من الاسئلة وأفتى الجن        "مأجوراً" قبل سبعة قرون خلت وأنهُ آمن بكل ما ورد في اصح الكتب بعد كتاب الله بما فيها رواية تمثل الجن بالكلب الاسود فأن أهل العلم من فقهاء عصرنا قد صرّحوا بإمكان تحول الجن أيضاً الى" الرجل الأسود " وان لا يبخلوا في استضافتهم كطلبة علم لديهم انطلاقاً من وحي الآية الكريمة " إنما المؤمنون أخوة" ... وهذا ما ذكره مفتي المملكة العربية السعودية " عبد العزيز بن باز" في إحدى محاضراته الخاصة نقلاً عن أحد أتباعه قوله أنه ألتقى بواحد من طلبة العلوم الدينية من بلاد افريقيا وعندما شَّك الشيخ فيه سألهُ قائلاً: أسألك بالله هل أنت جني أو أنسي..؟ فقال لا والله – يا شيخ الاّ جني وأسمي هو "عمر" وجئت اطلب العلم ولا تحرمني من طلب العلم جزاك الله خيراً... فأشترط عليه الشيخ إلا يغير شكله ولا صفاته, وواصل الدراسة والصلاة في الحرم معه... وينقل أحد الطلبة أنهُ كان ينقل الجني في سيارته الى شقته... ويضيف أن آخر عهده به وهو يأخذ شهادته من الشيخ.. وهذه القصة مشهورة في بلاد الحرمين ويتناقلها طلبة العلوم الدينية..!!! ويبدوا ان وقع وسطوة بعض الروايات الحاكية تحوّل الجن الى حيوانات سوداء – كمّا مرَّ بنا – قد القت بضلالها على مخّيلة الشيخ المفتي فاستقر في نفسه ان هذا الأفريقي هو بعض حالات التشكّل, ولعل فطنة الطالب ودهائه قد حفزاه لاقتناص فرصة سذاجة الشيخ ليعلن قبول الدور المهدى اليه بانشراح صدر وجيب في آن واحد, وما أن تخّرج ذلك الجني وحصل على شهادته حتى ذاع خبر فتوى جواز تعلّم الجن على أيدي الأنس في شتى اصقاع الجزيرة العربية وشرعت الجامعات الدينية لاستقبالهم فقد نشرت صحيفة البلاغ اليمنية نقلاً عن مصادر وصفتها بالموثوقة ان مجموعة من الجن يعيشون داخل جامعة الإيمان الاهلية للعلوم الدينية والواقعة شمال غرب العاصمة صنعاء والتي يرأسها الداعية المعروف الشيخ "عبد الحميد الزنداني", وتنقل الصحيفة عن شاهد عيان عن حركات الجن قوله: عندما يبدأ الشيخ " عبد الرحمن الخميسي" استاذ الحديث القاء محاضراته لنا كُنا جميعاً نحنً الطلاب نلاحظ ان اللمبات الخاصة بالإضاءة تتحرك بشكل ملفت للنظر وعندما ينتهي من محاضراته تتوقف اللمبات عن الحركة, ويضيف عندما سألنا الشيخ الخميسي سبب ذلك أجاب بأنهم جن مسلمون يطلبون العلم, وان أحد الطلاب قال بأن عبد الوهاب الدليمي احد أساتذة الجامعة أخبرهم عن شكوى وصلته بأن لواحد من الطلاب ممارسات غريبة الأطوار, وانهُ أصاب بعض زملائه بنوع من القلق, وان الدليمي ألتقى بهذا الطالب وأتضح لهُ بأنهُ جني مسلم جاء لطلب العلم وماهي الاّ أيام واختفى الطالب!!!.
  نقول: إذا كان بعض الجن متردداً في دخول تلك الجامعات الفريدة من نوعها فثمة من اخذته الحميّة على دينه فشّمر عن ساعديه واخد يناديهم بأعلى صوته ليسمعهم نصحه وليحثهم على طلب العلم والاستزادة منه لا سيما بني مذهبه "اهل السُّنة والجماعة" ففي نصيحة للشيخ أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي "محّدث أهل اليمن" وجهها في كتابه " تحفة المجيب عن أسئلة الحاضر والغريب" وكأنهُ يشير بنصيحته هذه  الى ما غفل عنهُ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من توجيه خطابه المباشر للجن فتولى هو بنفسه تتميم رسالته!! " ونصيحتنا لإخواننا اهل السنة من الجن" , ننصحهم بتقوى الله عزَّ وجل, فأن الله  عزَّ وجل يقول في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً }وننصحهم بالتفقه في دين الله " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" فهذا أمر مهم ان يتفقه الجن من أهل  السنّة في دين الله ورب العزة يقول في كتابه الكريم{ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}وننصحهم ان يحضروا دروس العلم.. ويكمل محدّث أهل اليمن نصيحته ولكن بأسلوب مغاير مبّطن يحمل في طياته امارات الكراهية وضغائن أسلافه في تكفير مخالفيهم بالرأي من اهل لا إله إلا الله وليكشّر عن أنيابه السبعية بقوله " والجن كبني أدم فيهم الصالحون وفيهم الفاسدون الأشرار المردة كما قال تعالى حاكياً عنهم فمنهم الكافرٌ الشرير وفيهم السّني وفيهم الشيعي وفيهم الصوفي, وقد جاء جنّي الى الأعمش فأذن له الأعمش أن يأكل طعـــــــــــــاماً ثُم ســــــــألهُ أفيكم أحــــــداً أو شــــــــــيء من هذه النحل...؟ أي أصحاب الأهواء... قال نعم ونجد شرّهم الرافضة...!!! أ. ه
والحق انّا لا نَجد تعبيراً أو كلمة نعزّي بها الإسلام وأهله غير الاسترجاع وبعض أمل بوجود ثلة من الأصوات وان بدت ضعيفة وسط ضجيج الباعة المحترفين ممّن تسلّحوا بالمال والإعلام السلطوي, وربما كان من بينها صوت له شأن ومكانة يحترمه هؤلاء المار ذكرهم يقول  عن تلك المزاعم و الافتراءات  ومن تُرَّد شهادته ولا ترشدكم عدالته من يزعم أنه يرى الجن عياناً ...ويدعي أن له منهم أخواناً " .












" ولشياطين الأنس حيلهم ..."
   ثمة عدد غير قليل من الحيل والطرق المتوارثة والمدروسة يتبعها أعوان الشياطين لافتتان السذّج من الناس او حتى بعض المتعلمين منهم مع الاسف الشديد...
      وللقارئ الكريم عدد من تلك الأساليب والحيل:-
الأول: يدعي بعض "المعالجين" انهم لا يبتغون من وراء خدمتهم للناس غير رضــــا الله والدار الآخـــــــــــرة وانهم لا يتــقاضون أي ثمـــــــن ازاء معالجتهم "المزعومة" باستثناء ما يعرّفونه للناس من بعض الحاجات المهمة للشفاء كختم القرآن أو أصناف معينة ونادرة للبخور والعسل... ومن الطبيعي ان تكون هذه الأشياء ليست في متناول اليد  وبعد جهدٍ شاق يقوم بالتبرع المعالج والراقي نفسه وبواسطة من يعرفهم من" الناس المتقين" أو من معشبه الخاص..!! وبذلك تكون كلفة العلاج الاف مضاعفة عن ما يعلنهُ من مبلغ زهيد يسميه " اجرة الكشف"...

الثاني:  يقوم الشيطان الأنسي بإحضار ثلة من الاشخاص سواء رجال أو نساء  يجلسون مع المراجعين ثُم يقوم هؤلاء بالإفصاح عما وجدوه من حالات شفاء على يد هذا الشيخ او المعالج الراقي.. فكم من مجنون أفاق أو مقعد مشى او عمى رد له بصره..!!!

الثالث: يصطنع ادعياء الزهد والتقوى ما يعرف "بالتكـــيات" غالباً ما تـكون في بيوتهم  بعد تزينها بالصور القُرآنية وصور أئمة المسلمين والصالحين وبعد صولات وجولات للدفوف والسيوف فأن المعركة لا بد ان تكون قد حُسمت لصالح الإنس على حساب الجن والسبب معروف" وشرعي" أما ان يكون المصاب بالسحر قد فارق الحياة أثر موت ساكنه من الجن وأم ان يُحمل مغشياً عليه.. وهم في كلا الامرين مأجورين وفقاً للحديث المشهور " المجتهد ان أصاب له أجر وان أخطأ فلهُ اجر واحد..!!
الرابع : يروّج بعض مردة شــــــــياطين الأنـــــــس من خلال وســـــــائل الإعلام والفضائيات   بتخصيص قنوات فضائية خاصة

 بعلاج ما يسمونه "المس" والأمراض المستعصية ويكون العلاج وصفة سحرية عبر الأثير يرسلها المعالج وما يُناسب حالتهُ من الأعشاب وغالباً ما يكون هُنالك اتفاق بين شركة الاتصال وصاحب الفضائية والمعالج قسمة بينهم, فمثلاً حسب ما جاء على لسان أحدهم " فضائية الابرار فأن هُناك أكثر عشرة الأف اتصال وخمسة الاف  MSGرسالة تصل يومياً.. وعلى فرض ان سعر الاتصال هو دولارين وان سعر الرسالة خمسين سنتاً فيكون مجموع واردات القناة يومياً "22,500 " دولار على أقل تقدير, علماً ان كلفة إيجار القناة على القمر الاصطناعي هي 000,50 دولا سنوياً...

الخامس: من الشائع لدى المترددين على أصحاب " الرقى الشـــــرعية " ان المـــــعالج  يستطيع إخراج السحر من أمعاء المصاب, وذلك بإعطائه جرعة من شراب في قنينة زجاج أو ما شابه, وبعد لحظات من تناوله يبدأ " المسحور" بالتقيؤ وطرح كل ما في أحشائه من ديدان وحشرات صغيرة, وحقيقة الأمر أن " المعالج الماهر" قد خلط تلك الحشرات والديدان مسبقاً مع سائل غامق, ليخرج العمل والخرز والسحر وربما الجني والمارد وذريته...!!

السادس: قد يعمد المـــشعوذ لإجـــــــــراء بعض الحيل والخدع المفتعلة من قبــــيل اغلاق
النوافذ وتعتيم المكان واحراق الاوراق والحرمل والبخور وإظهار الاصوات والجلبة موحياً بأن ذلك من فعل خدّامه وتابعيه وربما سقطت بعض الاشياء أمامه زاعماً أن هذه الأشياء هي عمل السحر نفسه وقد جلبت اليه تواً من قبل الجن المسخرين عنده..!!

السابع: نظراً لانتشار ظاهرة العلاج "بالرقية الشرعية" في كثير من البلدان الإسلامية
      وما يتبعها من تضخيم وتهويل لقضية الحسد والسحر والتلّبس ولضيق الوقت هؤلاء المتاجرين بالقضية فقد عمدوا الى استخدام طريقة مريحة تخلّصهم من جهد ومشقة النهيق طوال الوقت وذلك بربط جهاز" هيتفون" على أذني المريض وفتح جهاز التسجيل الصوتي بأعلى ما يمكن لإسماعه  آيات من القرآن الكريم والتي غالباً ما تكون فيها ألفاظ تتعلق بالجن والسحر والشياطين, ثُم أن المريض كردّة فعل لما يحصل له من آلام نفسية وجسدية يأخذ بالتفوه بكلمات غير مفهومة أو عبارات لمجارات " المعالج" لما يريده وهو التسليم بوجود الجن في جسده واستقراره للخروج من أي عضو فيه, والاّ فأن هذا المتحاذق الأحمق لا يسعهُ إتمام عمله دون هذه الوسائل القسرية "علماً ان تلك الوسائل تنتشر في الدول المتحضرة" لانتزاع الاعترافات من المتهمين في قضايا القتل والإرهاب حيثُ تعد الاصوات العالية في الهيتفون ومكبرات الصــــوت وغيرها من أشّد التعذيب إيلاماً على المتّهم و ايسرها جهداً للمحققين..!!

 الثامن : ومن المشعوذين من يضع كأساً فيه ماء ثُم يدعوا المريـــــض أو من يجــــــلس  أمامه لغمس اصبعه فيه فأن تحوّل الماء الى اللون الأحمر فهذا يعني انه " ممسوس" وإلا فأنه مصاب بحسد او بغيره, وبعد تناول الكأس لرؤية النتيجة وبلمح البصر يغمس المشعوذ أظفر أصبعه المحشو بمادة كيميائية أو ألوان  غذائية لها خاصية الانتشار السريع في الماء ليحيل الكأس الى دم واضح للعيان وبعد ذلك تبدأ سلسلة من الجلسات والشروط المطلوبة لإخراج عمل السحر أو فكه  كما يسمونه..!!
التاسع: يقوم شيطان الأنس بوضع ورقـــــــة فارغة من الكتـــــــابة في باطن كفه ومن ثُم يقوم بحرق الورقة أما الجالسين فيبدو لهم بعد الحرق وكأنها تفصح عن كلمات تبين أسباب المس او أي مرض آخر... والحال أنهُ أعد سلفاً ورقة أخرى كٌتب فيها ما يريد بعد طلاء باطن كفه بمادة عازلة شفافة لا يمكن لأحد رؤيتها بسهولة...!!

العاشر: تننشر في بعض البلدان الإسلامية كمصر والسودان والمغرب العربي ودول الخليج ما يعرف بـ " الزار" أو الحضرة لعلاج السحر واستخراجه من بدن المسحور وهي حفلات خاصة تُقيمها مجاميع من المحترفين لهذه المهنة ولهم أدواتهم وآلاتهم واناشيدهم الخاصة بهم, وتدار من قبل شخص يدعى بشيخ الحضرة.. ومع اجتماع الرجال والنساء للرقص على أصوات الطبل والدفوف والذي يستمر غالباً الى طلوع الفجر... وفي هذا الوقت يكون الإغماء وفقدان الوعي نصيب الكثير منهم لشدة التعب والإرهاق الجسدي والنفسي... وعندها يتلفظ من سقط على الأرض بعبارات وجمل غير مفهومة تجعل المشاهد لهم يعتقد بأن من يتكلم على ألسنتهم هو الجنّ الذي حلَّ بأبدانهم بفعل السحر أو عارض ما, ويرى الشيخ حسن سليم عضو لجنة الإفتاء في الأزهر أن حفلات الزار هي عملية نفسية, وان من يُحضر لهذه الأماكن يحصل له نتيجة لذلك تخفيف الكبد النفسي والقلق الذي يُعانيه... الى عدد غير قليل ممن كشفوا زيف وبطلان هذه الأعمال الضالة المضّلة...

الحادي عشر:  من بين حيل شياطين الانس ان يقوم هذا الشيــطان بتدريب طير من الطيور المعروفة بالتربية وبالاتفاق مع شيطان أنسي آخر حيثُ يعمل على إرسال ذلك الطير المدّرب ليقف على مقربة من الحاضرين وهو يحمل في رجله ما يزعم انه عمل السحر كالطلاسم المرسومة على ورقة مع قليل من شعر رأس ليوهمهم بأن ذلك الطير ما هو الاّ جن مسخّر عنده يتشكل بما يشاء..!!

الثاني عشر: يعمل شيطان الأنس على إحضار قدر ويقوم بتســـــخينه أمام الجالسين
      وبحجة أن الجان المسخر سوف يأتيه فوراً بالسحر المدفون من المقبرة او المكان الخرب او حتى من بيت "المسحور" الجالس أمامه... وبعد تمتمات وهمهمات وقراءة سور وآيات خاصة يتساقط في القدر أشياء من قبيل الخرقة البالية التي تحمل الطلاسم أو مسامير صدأة ونحو ذلك... والحال ان هذا الشيطان قام مسبقاً بإلصاق تلك المواد بعلكة في باطن غطاء القدر والذي من الطبيعي ان يسقط مع تلك المواد بعد وصول الحرارة إليه...!!

الثالث عشر: غالباً ما يتبّع هؤلاء الفسقة طريقة خــــــــداع ربما تنطلي على الكثير وهو
     ان يضع المشعوذ يده على جبهة المريض ويبدا بتلاوة عزائمه وطقوسه دافعاً رأسه ببطء الى الخلف, ومن المؤكد ان يفقد المريض توازنه فيضطر الى السقوط على الارض وسط تكبيرات وصلوات أعوان المشعوذ والسذّج من الناس...

الرابع عشر: في موضع ما من جسد المصاب وبمشاهدة الحاضرين يقوم شيطان
    الإنس برسم دائرة بقلم على هذا الموضع كأن يكون يده أو رجله وبعد ترديد آيات قرآنية كقوله تعالى : { مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ }..

 ثم يقوم بالتقاط عدد من أبر الخياطة والمسامير وعليها آثار دم في مكان حددّه سلفاً موهماً اياهم ان هذه التي التقطها تواً هي عمل السحر , وان خدّامه من الملائكة أو الجن الصالح قد ساعدوه في إخراج السحر..!!!





فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بين الجهل والتعطيل..!!
   قد لا يخفى على المتفقه في دين الله ما لهذه الشعيرة من منزلة ورتبة مميزة بين بقية الفرائض والواجبات حتى أن فريضةً كالصلاة التي تُعد على رأس تلك الفرائض قدسيةً وأهمية- أن قُبلت قُبل ما سواها وان ردّت ردَّ ما سواها- قد جعلها الشارع المقدس مشفوعةً ومشروطةً بإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- من لم تأمرهُ صلاته بالمعروف وتنهاهُ عن المنكر فليمسح بهل سبل لحيته- وكحديث:    " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر والاّ ليسلط الله عليكم شراركم فتدعون فلا يُستجاب لكم... ومن امر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه...وأمتدح جل وعلا أمة نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ }فأختصهم بهذه الشعيرة دون شعائر الإسلام ولم يثنِ عليه بكثرة صلاة أو صيام ولا تطوع حج أو قيام آخذ على غيرهم من الامم تثبيطهم وتقاعسهم فقال بحقهم:{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}... نقول ومع ذلك فإنا نجد من يحاول الوقوف بوجه من يعمل على تطبيق هذه الفريضة المقدسة وفي مقدمة أولئك هو المنتفعون واصحاب النوايا السيئة ممن يفضلون السير على نهج الآباء والأسلاف ويعرضون عن نبش التراث وتصحيح مسار العمل الرسالي مقتدين بمن ذكرهم الحق تعالى في كتابه{إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} وأنُ كان ثمة لوم على المكلفين في طلب العلم وعدم التقصير في ذلك ومحاولة التفــــكرّ والتعقلّ والتدبرّ في كتـــــــــــــاب الله كما هو المفــترض, فأن لا سبيل على المتفقهين ومراجع التقليد ممّن استأمنوا على حفظ الدين وحراسته وحمايته من عبث العابثين وزيغ المنحرفين
الضالين وربما كان من أوضح صور ومصاديق التعطيل هو هذا العنوان الذي نحنُ بصدده وصمتهم عما يرونه بأم اعينهم وكأن الأمر يحصل في عالم بعيد عن عالمهم وفي شريعة غير شريعتهم, والحق انا لم نجد أصواتاً مسموعة احدثت أثراً في التغيير أو مشاريعاً عابرة للطائفية والمذهبية وهي تسعى جاهدة لبيان مكامن الخطأ في الموروث الديني ومدوناته بدأً من كتب التفسير والحديث وما شابهما من محاولات تزييف ودس خرافة وليس نهاية بما يحصل على أيدي ما يُسمى" بالرقاة الشرعيين" ومن سار بركبهم واتكاءهم على فتاوى مراجع التقليد التي تبيح من خلالها استخدام بعض النصوص و قراءتها قراءة عمياء لا تمت للحقيقة بصلة واخرى تؤسس وتنظر لقاعدة واسعة وعريضة ينطلق بسببها المغرضون واصحاب النفوس المريضة منها لاستمرار وديمومة عملهم بالتأكيد على دور الدعاء الوارد في عدد لا يُحصى من الآيات والأحاديث الشريفة منها دعاء المؤمن لأخيه المؤمن, او قاعدة التساهل في أدلة السنن...
   والحق ان هذا خلطٌ بينّ واستدلال سقيم لا يصمد ازاء تظافر الادلة  النقلية والعقلية المعتبرة الحاكية سيرة المعصوم – كما  سنبين لاحقاً – وثانياً أن الدعاء بما هو أمر تعبديّ مشروط بشرطي الإخلاص و"الوقفية" الواقعة ضمن حدود النص المرسوم فينبغي ان يكون على سيبل المصادقة مرهوناً بالظرف الزماني- لا ان يكون على  سبيل الامتهان والتكسب ووفق طرق ممنهجة ثابتة..





فقــــــه الســحر والحسد بين
 تقليد السلف ومجاراة العوام"
   من دواعي الشعور بالإحباط الموصل لحد اليأس أن يرى الباحث في الموروث الديني خللاً واضحاً لكثير من أجوبة الفقهاء حول قضايا السحر والحسد, وان يجد الأعم الاغلب منها غير كافية وشافية وأحياناً غير مقنعة والسبب الذي نعزوه وحسب ما هو مشخّص من قبل الأقلام المختصة والداعية لتصحيح مسار الفقه الإسلامي يعود لجملة أسباب اهمها ما أشرنا لهُ في مقدمة الكتاب كمناهج الدرس والتدريس في الحوزات والجامعات الإسلامية التي ركّزت على علوم ليست بذي نفع مباشر للمسلمين كعلم المنطق والفلسفة وعلم النحو والصرف والبلاغة وعلم العرفان وغيرها واغفال جنبة المعتقدات الدينية التي لها مساس مباشر بحياتهم كالسحر والحسد والقول بتسخير الجن والملائكة وتحضير الأرواح وعدم تسليط الأضواء عليها ودراستها دراسة معمقة تزيل كثير من مواطن الغموض والالتباس الحاصل عند الكثير...
    لقد مرّت الامة الإسلامية فيما مضى بعدد من النكبات والمنعطفات وكان أبرزها ما شهدته خلال القرون الوسطى " السادس والسابع والثامن الهجري" من تخلف على كافة المستويات الفكرية والاجتماعية والعقائدية وعلى أثر ذلك انتشرت المعتقدات الفاسدة والآراء الباطلة وشاعت الخرافات بين رجال الدين أنفسهم وتبعاً لذلك استشرت ظاهرة التقليد- أي تقليد عوام الناس لهم...
   أن قضية تلمّس آثار التقليد الذي سار عليه أغلب رجال الدين الى يومنا هذا تبدو أكثر وضوحاً من خلال توحّد الأجوبة والالتزام بالنص الحرفي للأسئلة المثارة والمطروحة حول السحر والحسد وتسخير الملائكة والجن او تحضير الأرواح..

   فنجد الجواب المكرور يكون بالعبارة " يحرم ما كان مضراً بمن يحرم الإضرار به" أو نحوها من عبارات متقاربة بالمعنى والمضمون..
   أن مراجعة دقيقة لسبب هذا التوافق "الاستفتائي اللا مدروس" وبقراءة متأنية لصفحات التاريخ فأنا نلحظ " بصمات" الـتأثر الفقهائي بأثار السلف جلياً, فنعثر على اقوال بعض علماء القرن الثامن الهجري حول هذه القضية وتحديداً في آثار المرجع الشهيد الاول محمد بن مكي العامليّ والمرجع الشهيد الثاني زين الدين العامليّ, حيثُ ذكرت فتواهم لأول مرة في كتاب المكاسب للشيخ مرتضى الانصاري بقوله: " ان الشهيدين قد عدّا من السحر استخدام الملائكة والجن...
وغير خفي للمطلع على حياة الشهيدين وتأثرهما بالعقيدة الصوفية صاحبة الريادة في هذا المعتقد فضلاً عن قراءة كل منهما على عدد كبير من مشايخ اهل السنة ودراسة كتبهم كصحيح البخاري وصحيح مسلم وما حوته من عديد روايات تؤكد على دور ومكانة  السحر والشياطين ورؤية الملائكة والجّن في حياة المسلمين ممّا جعلها محط نقد وتوهين عدد غير قليل من الباحثين وأهل الحديث, ثُم أن قول الشيخ الأنصاري وان كان على سبيل الإشارة او ربما الاعتراف الضمني فأنهُ قد اعتمد لاحقاً كدليل على صحة وجود مثل هذا" العلم" وتكرار تلك الإجابة من قبل سائر الفقهاء بعده الى يومنا هذا..!! والحال والواقع نفسه ينطبق على بقية المذاهب الإسلامية حيث الانصهار التام في بوتقة " اهم وأصح كتابين بعد كتاب الله" والانسياق والانقياد الأعمى خلف شخصية " أحدية صمدية" عاشت في القرن الثامن الهجري أيضاً, أذ ما برحت تلك المذاهب تنظر بعين العصمة لآراء وفتاوى الشيخ أبو العباس بن تيمية حول السحر وتسخير الجن وتشكلهم وكأنهُ نبي مرسل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفهِ...

لقد عمل جميع ما أستعرضنا على تقديم صورة ضبابية وحالة من الإرباك والتناقض الواضحين لهذا " المقّلِدْ المسكين" فهو تارة يعيش مجاهدة النفس للوصول الى ضوء في نهاية النفق الذي حشر فيه قسراً عبر منظومة معقدة للموروث الديني ومنها التقليد وبين إرهاصات واقع مفروض لمعتقدات مشوهة الحلول احاطت به إحاطة السوار بالمعصم..!!
   وكمثال على هذا التناقض نورد مثالاً حياً لما جاء في بعض الاستفتاءات المعاصرة, وأنظر الى ثقافة صيغة السؤال وانطباع الموروث في ذهنية السائل.
سؤال  - ما رأي سماحتكم في الطلاسم والأحراز وحملها أو شرب ماؤها بهدف
         الحصول على غاية مثل الشفاء...؟
الجواب// أنهُ من الامور المباحة ما لم يَّكن من السحر...
سؤال – ما حُكم ذبح الدجاج تحت عجلات السيارة بقصد الخوف من الحسد..؟
الجواب// لا بأس به ...
مسألة -251  - ما رأي سماحتكم في أساليب إخراج الجن من الإنسان ودفع
       ضرره في استخدام السور القرآنية والآيات والعوذ واستخدام الجن في اخراج الجن من الانسان وهل يجوز أم لا يجوز من وجهة نظر شرعية ...؟
الجواب// إذا لم يكن فيه عمل مُّحرم فهو جائز...
 ان المتعارف والمسالم عليه لدى عامة المسلمين ومتشرعتهم ان هذه الطلاسم من الألغاز والمبهمات التي لا يمكن معرفة رموزها وفكها فضلاً عن تحديد تاريخ نشأتها فأنّى يتسنى للمكلّف معرفة عائديتها للسحر من عدمه؟ علماً ان مسألة تعلم السحر وتعليمه من الامور المقطوع بحرمتها مسبقاً وبإجماع فقهاء المسلمين الاّ ما شذَّ منهم..!!
    وأيضاً ما جاء في دفع الحسد والوقاية منه فأن سورة الفلق في كتاب الله العزيز أشهر من ان تُعرفْ غايتها ويدرك فائدتها والغرض من نزولها أضف الى ذلك ما تواتر من أحاديث صحيحة في فضل قراءتها ما هو يُغني عن بقية الأعمال التي ليس لها أصلاً في الشرع كذبح الدجاج او غيره...
   وكذا الحال مع الجواب الآخر وطرق دفع ضرر الجن أو استخدامه لإخراج الجن من الانسان... فأن معتقد تلبس الجن بدن الانسان مما كان شائعاً عند العرب قبل الإسلام ثُم اختفى أو كاد ان يختفي في زمن البعثة النبوية الشريفة ثُم عاد بتدرج بطيء عبر القرون الى ان وصل الى ما وصل إليه وزيادة..!! والحقيقة ان أغلب المفارقات التي يمكن قراءتها في مثل هذه الفتاوى لا يقتصر على ما اوردنا من أسباب بل ثمة أسباب أخرى لها صلة ببعض القواعد الفقهية المعمول بها والتي كان للتقليد نصيب فيها من قبيل قاعدة " كل ما لم يرد نص بحرمته فهو مباح" وهذه القاعدة لا تخلو من اشكال بيّن- فأن القاعدة المذكورة تنص على  الحرمة وحدها دون سائر الاحكام الاخرى كالكراهة وتدرجاتها أو مخالفتها للفطرة والعرف.. او حتى ما يعرف لدى المتشرعة بـ " الحرمة بالعنوان الثانوي" وكمثال على ركاكة القاعدة اعلاه يمكننا طرح السؤال الاستفتائي التالي: " هل يجوز طبخ الطعام وتوزيعه على الفقراء والمعوزين لأجل دفع السحر او الحسد ؟" ولا شكَّ ان يكون الجواب... لا بأس به حسب تلك القاعدة لأنه لم يرد نص يحرم ذلك العمل..!! والحق والصواب ان يكون الجواب مقصوراً على ما شرعهُ وسنّهُ النبي(صلى الله عليه واله وسلم)كقاعدة ينطلق منها المسلم في مواجهة ما يعترضه من مشاكل واشكالات ولا عبرة بأي قاعدة تخالف ذلك...
 انَّ نمط هذه الأسئلة والأجوبة الخاصة بالسحر والحسد أو تسخير الملائكة والجنّ وتحضير الأرواح الرائجة في كثير من المؤلفات ومصنفات الفقه لعـموم المذاهـــب الإسلامية لا يمكن لها ان تخرج عن سياق ومضمون استفتاء مفترض وجواب مأمول ربما يُثار يوماً عن طائر غريب الصوت والشكل أخذت الاشاعات والقصص تدور حوله وعن اعماله التي يُفاجِئ بها المسلمين, فمن المحتمل وحسب مفهوم التقليد السائد المعمول به منذ قرون – أو قاعدة " حدثني من أثق به الشهيرة والمأثورات الراسخة في أذهان الكثير أن يُسارع بعض رجال الدين بإصدار فتوى تحرّم صيد ذلك الطائر, وقد يفتي البعض بالجواز أو الاحتياط في حال إحراز عدم وقع ضرر معتد به"...
ومن المحتمل أيضاً ان لم يكن من المؤكد ان يتلاقف تلك الفتاوى من يقلد على عمى فيكون منهم من تكلّم معه وآخر قد انقذه من مأزق أو طار به حيثُ يُحبْ..!!
وربما لم يغالِ البعض من الجهر بأكل لحمه اللذيذ.. والى نيف من السنين نلفي كتب الفقه وقد خصصت باباً مفرداً موسوماً بـ " طائر الولهان" وسبل الاستعانة به لقضاء  حوائج المؤمنين!!!
    وإضافة لفقه " التقليد" وما استعرضناه من أخطاء ومساوئ فأن لمجاراة الفقهاء ومحاباة الكثير منهم لمقلديهم شأناً آخر لا يقل خطورة عن سابقه.. وهذه حقيقة يدركها الكثير من رجال الدين فأن الانسياق خلف رغبات العوام وأهوائهم على حساب اظهار الحقائق من الواضحات التي لا يمكن إخفاءها أو التغاضي عنها فينقُل مثلاً عن أحد رجال الدين البارزين قوله" أن الجهاز الديني عندنا أختار السكوت على الكلام والسكون على الحركة والنفي على الأثبات , كل ذلك محاباة للعوام ومجاراة لهم ومماشاة لطبعهم ويضيف: ان هيمنة ثقافة العوام باتت سبباً في رواج مظاهر سلبية كثيرة كالرياء والمجاملة والتظاهر والمحاباة وكتمان الحقائق والاهتمام بالشكل على حساب المضمون والحرص على الأمور والمظاهر الشكلية ....
ان هيمنة العوام وسيادتهم هي التي  أدمت قلوب الرجال الأحرار والمصلحين الأبرار في الحوزة وقرّحت أجفانهم وما تزال وفي المصدرذاته ينقل نصاً لمرجع مشهور من مراجع التقليد" وهو يغتنم فرصة  التعليق على رواية للأمام الصادق(عليه السلام) وتقيته من بني مذهبه وليفتح قلبه وليعرب عمّا يجيشُ في صدره قائلاً: "لا غرو في ذلك فالتقية  من الصديق أهم وأجدى, فأنا في أوائل مرجعيتي العامة كنتُ أتصور ان الاستنباط مني والعمل من الناس.. أنا أفتي وهم يلتزمون... ولكن تبين الأمر يختلف في بعض الموارد.."
  ومن هنا فلا غرابة ان نرى ذلك الصمت المطبق لرجال الدين وهم يرون بأم أعينهم وسائل دفع العين والسحر وكتب السحر وتسخير  الجن وغيرها تُباع في الأسواق وتُعلق على واجهات البيوت والمحلات وفي العجلات العامة والخاصة بل وحتى

 بالقرب من المشاهد المقدسة والمزارات بدل سورتي المعوذتين والأسباب واضحة كما أسلفنا من عدم ثبوت دليل بالحرمة لدى البعض أو الخشية من ردّة فعل عوام الناس كما                


جاء على لسان البعض الآخر منهم, وأما ما ذكرناه آنفاً من صور تقليد أعمى لبعض المذاهب الإسلامية وطرحنا لمرجعية ما يًسمى بشيخ الإســـلام ودور تلك الشخصية وفاعليتها في إشاعة فقه مبتدع بين المسلمين في قضية السحر والحسد وأعمال الجن والشياطين فتتضح من خلال تبني آراءه وفتاويه وأقواله وأعماله بشكل مباشر أو غير مباشر الى يومنا هذا, فقد جاء في أحد كتبه المسمى بالنبوات ص6 قوله: الناس رجلان- رجل موافق لهم ورجل مخالف لهم , فالمخالف مناقض واذا كان كذلك فيقال جنس آيات الأنبياء خارجة عن مقدور البشر بل عن مقدور جنس الحيوان من الانس وغيره من الحيوان كالجن مثل قتل الساحر وتمريضه لغيره فهذا أمر مقدور معروف للناس بالسحر وغير السحر وكذلك ركوب المكنسة أو الخابية وغير ذلك حتى تطير به وطيرانه في الهواء من بلد الى بلد...!!
  وفي موضع آخر يقول كما ان طائفة من السحرة اشتهرت ببعج بطون الأغنام عن مسافة وبإشارة واحدة من أيديهم..!! ثُم ان جميع ما ذكره في كتبه من كلام قصصي وحكايات عن السحر والجن صارَ يتعاقب الأجيال قواعد فقهية يعمل بها ويدّرس في المدارس والجامعات الإسلامية بإدارة زعامة مقلديه من مشايخ وأعضاء بلجان الإفتاء العليا في المملكة السعودية وغيرها من البلدان التابعة لها مالياً وإدارياً وربما كان لوسائل الإعلام المرتبطة بالجهاز الديني نصيباً واضحاً متميزاً في دعم وتنظير وتسويق كل ما يتبناه هؤلاء المقلدين من تغييب وتجهيل للعقل والفكر واساليب وطرق تخدير وتلهية تجعل تلك المجتمعات خانعة وذليلة لا تعرف للبحث دليلاً ولا للإرادة الحرة سبيلاً ونصيباً فقد نشرت صحيفة عُكاظ في 29 مايو 2006م خبراً مفاده ان رجال هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قاموا بمداهمة احد أوكار السحر في المدينة المنورة وفوجئوا بوجود ساحرة أفريقية عارية تمـــــاماً وحــــــــــين حاول هؤلاء سترها بغطاء رفضت.. وتضيف الصحيفة ان المفاجأة الاكبر تجّلت في قدرة تلك الساحرة على الطيران حيثُ طارت كالعصفورة لتختفي تماماً من الشقة وسط ذهول أكثر من عشرين شخصاً من أفراد الهيئة.. وتنتهي القصة حيثُ وجدوا الساحرة في شقة مواطن آخر فرفعوا أصواتهم بالأذان وآية الكرسي مما أدى الى شل حركتها وقاموا بستر عورتها والقاء القبض عليها.. وكانت العملية بقيادة الشيخ" فهد العريفي" رئيس مركز هيئة الحرة الغربية...! وقد أكد ذلك عضو كبار هيئة علماء المسلمين الشيخ عبد المحسن العبيكان ان الساحرة قد طارت بمساعدة الجن..!!
وهذا يحصل والكلام للمفتي بعد ان ذكر الفقهاء ان بعض السحرة قد يركب المكنسة ويطير في الهواء وذلك بمساعدة الجن..!!

 وفي قصة أخرى يرويها مرجع كبير من مراجع الافتاء- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين يكشف من خلالها عن علاج مبتكر للشفاء من المس ربما خفيت عن علماء السلف والخلف جميعاً فيقول: "ذكر ليّ " من أثق به" أن امرأة كانت مصابة " بالمس" وان الجني الذي يلامسها كان يخرج أحياناً ويحادثها وهي لا تراه ويحلس في حجرها وهي تحس به... وفي أحد المرات كانت في البرية عند غنمها وفجأة خرج ذئب عابر فوثب الجني من حجرها ورأت الذئب يطارده ورأته وقف في مكان ما.. وبعد ذهاب الذئب جاءت الى موضعه فرأت قطرة من دم وبعد ذلك فقدت ذلك الجني وتحققت أنهُ أكلهُ الذئب.. ويضيف المفتي وهناك قصص أخرى فلا مانع من ان الله اعطى الذئب قوة الشم لجنس الجن وقوة النظر فيبصرهم وان كان البشر لا يبصرهم فلعلهم بذلك لا يتمثلون بالذئـــــــب ويخافون من رائحته فليس ذلك ببعـــــــيد, وفي سؤال له حول جواز الاستعانة بالجن المســـــــــلم لإخراج الجن من " الممسوس" يقول  الشيخ قد يستعمل القرّاء بعض الأعمال كالخنق والضرب والكي ودخان النار ونحو ذلك ولهم تجربة وأعمال يحسنون السير عليها دون الحاجة الى استخدام الأرواح الخبيثة والله أعلم...!
  وفي سؤال للشيخ أبن عثيمين- من رموز الافتاء في المملكة – عن حكم خدمة الجن للإنس؟ أجاب بالجواز معللاً ذلك بما إجازهُ شيخ  الإسلام أبن تيمية ..
ثُم ذكر ثلاثة أحوال بينّها الشيخ في المجلد الحادي عشر من كتابه مجموع الفتاوى هذا ومن الطبيعي جداً أن يكون لهذا النمط من واقع التقليد الحرفي " المقدس" جذوره ومضانه الممتدة الى فقه الحنابلة فقد جاء في كتاب الاحكام السلطانية للقاضي أبي يعلي قوله " وقد قال أحمد في رواية الفرج بن علي الصباح البرزاطي في الرجل يزعم انه يعالج المجنون من الصرع بالرقى والعزائم ويزعم انه يخاطب الجن ويكلمهم ومنهم من يخدمه ويحدّثه فقال أحمد" ما احب لأحد ان يفعله وتركه احب اليّ" –فتكليم الجن وتسخيرهم من قبل الانس له واقع ومكان في فقه الامام احمد ولكنه لا يحب  احد ان يمارسه وان فعل ذلك فالأولى تركه... علماً أنه صاحب اللبنة الأولى في بناء هذا المعتقد ومن ثم تبعه تلامذته واتباعه ومريديه كما سيأتي, وأما تقليد رجالات المذهب في قضية الحسد وطرق الشفاء منه فقد بينّاه تحت عنوان أسميناه كرة الثلج والشفاء من الحسد والسحر وكيف ان  رواية ذكرها البيهقي في سننه ابتدأت بكأس ماء يتوضأ به العائن لتصبح فيما بعد قصصاً وروايات لا نهاية لها ولتنتهي بتتبع آثار العائن من تراب نعليه وبوله وغائطه..!!




من وسائل دفع العين والسحر...
أولاً : الأحجار الكريمة
   بعد ان استعرضنا ولو بشكل موجز بعض المعتقدات والقواعد الفقهية الخاطئة المعمول بها لدرء الحسد والسحر, فأن من المهم تسليط الضوء على بقية المعتقدات الشائعة عند الكثير والتي تربط بين السحر والحسد من جهة وانواع الاحجار الكريمة من جهة أخرى, فان من الشائع أستخدام عدد من الاحجار الكريمة كالفيروز الازرق والعقيق والزبرجد والياقوت والفيروز وما يعرف بالعقيق السليماني, حيثُ يُعد الحجر الاخير من أشهرها, فيعتقد أن بواسطته يتم تسخير الجن والعثور على السحر وان نبي الله سُليمان(عليه السلام)كان يحتفظ به على شكل خاتم يحوي على جميع أسرار مملكته..!!
   وبحسب هذه المعتقدات فأن للجن سبباً في إتمام عمل السحر من خلال هذه الأحجار وتحقيق النتائج المرجوّة من أعمال محبة وبغض والتفريق أو الرزق والحفظ.
   على الرغم من انعدام الدليل النقلي والعقلي لمثل هذه المعتقدات الاّ أن الراجح في تأصيل وأنتشار تلك المعتقدات هو وجود بعض الرويات المنسوبة الى النبي واهل بيته (عليهم السلام)... فلنستمع الى طائفة منها:-
  عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال " تختموا بخواتيم العقيق فأنه لا يصيب أحدكم غم ما دام عليه", وعن عبد المؤمن الانصاري قال: " سمعتُ أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول ما أفتقر كف يتختم بالفيروزج...
 وفي كتاب مناقب الرضا عن آباءه(عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): " تختموا بالزبرجد فأنه يسرٌ ولا عسر فيه" ...
قال (صلى الله عليه واله وسلم):" التختم بالزمرّد - ينفي الفقر..
وقال(صلى الله عليه واله وسلم): " من تختم بالياقوت الاصفر لم يفتقر"
وعن علي(عليه السلام): تختموا بالعقيق يُبارك عليكم وتكونوا في أمن من البلاء..

 وفي طب الائمة – عن موسى بن جعفر عن أبيه(عليهما السلام) قال: أنه نهى عن لبس الفص البجادي: نقول:- وعلى فرض صحة بعض هذه الروايات ووثاقتها من حيثُ السند فالمتأمل فيها يجد أنها تركّز على مفردات معينة مثل الفقر والغم واليسر والبركة ولاعلاقة لها بمعتقدات السحر والحسد وتسخير الجن كما يعتقد الكثير, وأنما الذي يمكن فهمه واستناداً الى نتائج ما توصل إليه من ابحاث ودراسات أن هذه المعادن تصدر إشعاعات غير مرئية تقاس درجة كل منها بإجهزة دقبقة وحساسة جداً, وهذه الإشعاعات أما ان تكون مفيدة للإنسان أو مضرة به وتنعكس أثارها سلبياً  وإيجابياً بالدرجة الأساس على صحته النفسية ثُم جسمه ويؤيد هذا الإكتشاف ما ورد عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) من حديث:  " الطيب يزيد في العقل" .. فمع ان الطيب ليس له تأثير مباشر على عقل الانسان وأن ذلك يتم من خلال النفس وبالتالي على مجمل سعيه وعمله الاّ أنه(صلى الله عليه واله وسلم) نسب تلك الزيادة الى العقل مباشرة...
وبعبارة أخرى ان العطر يكون سبباً- والنفس واسطة- والعقل نتيجةً..
وفي الاحجار الكريمة يكون الحجر الكريم سبباً – والنفس واسطة – والعقل نتيجةً, ولتسليط الضوء على ما نحن بصدده أكثر وفوائد الاحجار الكريمة لا بأس بالتعريج على أهم الإكتشافات بهذا الشأن فقد أثبتت الدراسات والابحاث المعاصرة ان لتلك المعادن فوائد ومنافع عديدة منها ما يستخدم لعلاج بعض الأمراض, فقد أطلقت بعض المراكز الطبية ومراكز التجميل في عدة دول آســــــيوية ومنها الصـــــين طــــــــــرق للعلاج
 من بينها القيام بتمرير الحجر الكريم على مناطق معينة من الجسم وتدليكها بالحجر وتأملها بعض الوقت ويكمن العلاج بهذه الاحجار من خلال الموجات الكهرومغناطيسية والطاقة الطبيعية المكونة للحجر...
 والعلاج يختلف بحسب نوع الحجر الكريم ولونه فمثلاً يستخدم حجر الكهرمان لعلاج الروماتيزم والآم الظهر وعلاج آلام المفاصل ويستخدم الزمرد لعلاج بعض الامراض النفسية وعدم الخوف, فيما يستخدم الياقوت للتعافي من الكآبة ونقاء الروح...أذ يسميه المجربون بـ "عدو الغضب" فمن حمله أتسم بالحلم وراحة النفس...
 والحال أن هذه النتائج تنبئنا بصحة بعض الاحاديث الواردة بشأن أهمية حمل هذا الحجر, حيثُ أن الفائدة المتحققة من عدم الخوف وكسب الحظ ربما تعود الى سبب تلك الإشعاعات الصادرة من حجر الياقوت فتكسب حاملها الثقة بالنفس والشعور بالطمأنية وليس كما يتأول البعض ويعتقد بوجود أمور خفية أو قوى غيبية كالجن والملائكة تسيطر تماماً على الحكّام ومن بيدهم مقاليد السلطة عند دخول حامل الحجر الكريم عليهم..!!
 هذا وتُظهر الأبحاث في دول كالهند والصين أن إدخال المساحيق الناعمة أو رماد تلك الأحجار في تركيبة بعض الأدوية أو من خلال وضعها في محلول كالكحول المخفف, حيثُ توضع في الظلام لمدة سبعة ايام للسماح لطاقة تلك الأحجار ان تنفذ في الملحلول الكحولي لإستخدامه  لاحقاً كدواء قد يُساعد في علاج عدة من الامراض فيستخدم العقيق الأحمر لعلاج المشاكل المتعلقة بالدورة الدموية والحساسية والربوا فيما يختص حجر الزمرد بإطلاق أشعة باردة تفيد معالجة الحروق وفقدان الشهية وبعض الإلتهابات البسيطة, ويطلق على الأدوية المصنوعة من رماد الاحجار هذه أسم " بهاسمايس" والمصنوعة من سحقها بأسم " بيشيس" ...


ثانياً : الأدعية والأحراز والتعاويذ
   مما لاشَّك فيه ان البشرية لم تعرف ديناً ورسالة ودستوراً متكاملاً جاء لإسعادها كرسالة خاتم النبيين محمد(صلى الله عليه واله وسلم)... ليس لأنه من أولي العزم وأفضلهم حسب وأنما كون رسالته المتمثلة بالقرآن العظيم هي خاتمة الرسالات والأديان وأعمها واحواها لدقائق ورقائق وحقائق التوحيد... وكان لابد لهذه الخاتمة وهذا الدين من سمة تميزه وتفضله عن سائر الديانات فكانت سمتة التكامل والكمال{ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا},فالذي جاء به القرآن الكريم ونبيه من معنى التوحيد لا شك أنه فوق ما جاء في كتب وصحف الانبياء السابقين... ولأجل هذا فقد عمل الرسول ومن بعده الإئمة المؤتمنين على حفظ هذا الركن العظيم والأصل الاصيل من أصول الدين من عبث العابثين وجهل الجهّال والمنافقين... ويتجلى ذلك واضحاً من خلال مناجاتهم وأدعيتهم.. فكانت أدعية الامام زين العابدين(عليه السلام)وصحيفته السجادية التي يعجز المؤمن مهما أوتي من ملكات العلم واليقين أن يقف على سبرغور ما أحتوته من مضامين عميقة وكلمات وأوصاف جميلة, أخاذّة تأسر القلوب والألباب وتضعها في رحاب العبودية والمعرفة الربانية الحقه... فحق لها ان تكون نهجاً آخراً لمعرفة التوحيد بعد كتاب الله وسنة نبيهِ وما سطرته جوانح أمير المؤمنين وسيد الموحدين من نهج توحيدي خالص كان من الافضل والأنسب تسميته بـ " نهج التوحيد والبلاغة", ولقد أوضحت وأكدت عدداً من الآيات الذكر الحكيم أهمية الدعاء في حياة المسلمين وجعلته سبباً لنيل سعادة الدارين فكانت أدعية الصفوة المختارة من الرسل والانبياء حجة على الجميع وكانت البداية مع آدم بعدم اليأس والقنوط من رحمة الله...
{فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(سورة البقرة:37) ... والنجاة من الشدة
{ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ} (سورة الأنبياء:76) .
ولطلب العفو و الرحمة: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (سورةالأنبياء:87)  ولرفع البلاء {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}(سورة الأنبياء:83)  والشكر على النعم{ وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}( سورة النمل:19) كما أكدت آيات أُخر على الدعاء في السر والعلن  والليل والنهار{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ}( سورة الأعراف:205) ,وان يكون ذكر الله اثناء الدعاء ما لا يوازيه ذكر أحد من المخلوقين{ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} ( سورة البقرة:200)  ثمّ أثنى الله عزَّ وجل على هؤلاء الذاكرين بقوله :{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(سورة آل عمران:191) , وبعد ذلك فقد ضمن الله تعالى لهم الإجابة بقوله:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (سورة البقرة:186) , وأكثر من ذلك فأن المولى عز وجل يبتلى عبده لا لشيء الاّ لأجل سماع صوته كما جاء في الحديث الشريف: " أن الله إذا أحب عبداً غَتّه بالبلاء غَتاً ", وتزامناً مع نزول هذه الآيات كان الحبيب المصطفى(صلى الله عليه واله وسلم) يُعلم المسلمين منزلةِ الدعاء وآدابه وأوقاته المفضلة والمستجابة فالدعاء سلاح المؤمن, وان لا يستنكف العبد من الدعاء لأقل الأمور شأناً ليسأل احدكم ربه حاجته حتى يسأله شسع نعله اذا أنقطع أو ملح طعامه... بل لا ينقطع من الذكر والدعاء حتى وان كان في أماكن النجاسات والأقذار " اللهم أني أعوذ بِكَّ من الخُبث والخبائث" وان لا يقنط من
الدعاء والاستجابة لآخر رمق فيه ... " أن الله ليقبل توبةّ عبده مالم يُغرغر...", وعلى هذا النهج أكمل الأئمة الهداة من بعده تلك الرسالة فعملوا على غرس حب الدعاء في نفوس المسلمين وسعوا الى اقتلاع جذور بعض مظاهر الشركيات والأخطاء التي تتخلل أدعيتهم وتصحيح كل ما من شأنه سلب رونقه وصفاءه ليبثوا روح ومعنى التوكل الحقيقي عندهم فمما جاء في هذا الشأن ما رواه الكافي في اصوله عن يعقوب بن سالم أنهُ قال:"كنتُ عند الصادق(عليه السلام) فقال له العلاء بن كامل ان فلاناً يفعل بي ويفعل فأن رأيت أن تدعوا الله عزَّ وجل فقال" هذا ضعف بك قل اللهم أنك تكفي من كلُّ شيء ولا يكفي منك شيء فأكفني أمر فلان بِمَ شئت ومن حيثُ شئت وأنى شئت".
   وعن كليب الصيداوي قال: قلتُ للصادق (عليه السلام): " ادع الله عزَّ وجل لي بالرزق فقد التأثت عليَّ اموري.. فأجابني مسرعاً لا.. أخرج فأطلب, وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد الباقر(عليه السلام) أنه أشتكى بعض ولده فدنى منه فقبله ثُم قال له يا بني كيف تجدك؟ قال أجدني وجعاً.. قال قل اذا صليت الظهر يا الله يا الله يا الله  عشر مرات... فأنهُ لا يقولها مكروب الاّ قال له الرب تبارك وتعالى... لبيك عبدي ما طلبك, وعن محمد بن علي الحلبي قال: " شكى رجل الى أبي عبد الله (عليه السلام) الفاقة والحرفة في التجارة بعد يسار قد كان فيه ما يتوجه في حاجة الاّ ضاقت عليه المعيشة... فأمره أبو عبد الله (عليه السلام) أن يأتي مقام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بين القبر والمنبر فيصلي ركعتين ويقول مائة مرة.. " اللهم أني أسألك بقوتك وقدرتك وبعزتك وما احاط به علمك أن تُيسر ليّ من التجارة أوسعها رزقاً وأعمها فضلاً وخيرها عاقبة" ... قال الرجل : فقلت ما أمرني به... فما توجهت بعد ذلك في وجه الاّ رزقني الله...
    وكذا في الحديث المروي عن  الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) قال:" اشتكت جارية لي وكان لها قدر, فأتاني آتٍ في المنام فقال لي قُل لها تقول : يا رباه يا سيداه صلي على محمد وأهل بيته وأكشف عني ما اجد, ونحن اذ نستقرئ هذه الأحاديث وغيرها من أحاديث حصل فيها تدخل النبي أو الإمام ودعى لأصحاب الطلب بالدعاء فإنما نبيّن حقيقة واضحة لا لبس فيها بأنهم صلوات الله وسلامه عليهم جعلوا الدعاء من أجل الدعاء وأنهم لم يوصوا أحد من المسلمين بحمله سواءً كان آية من القرآن أو دعاء خرج من عندهم سيما ان تلك المطالب كانت تخص أموراً بالغة الأهمية كطلب الرزق والشفاء من الامراض أو الانتقام من عدو أو حتى للعلاج من آثار الحسد والسحر كما نبين ذلك لاحقاً, ومما تجدر الإشارة إليه أن فريضة الدعاء قد مرّت هي الأخرى بواقع الخروج عن الغاية والمقصد التي تبتغيه الشريعة وهو التوكل على الله في كل الامور حيثُ تحولت في سلوكيات الكثير من دعاء الألسن والقلوب اللهجة بذكر الله الى أحراز ملفوفة بخرق أو قراطيس تحمل في الجيوب او على الرقاب ومن ثُم تحول بعد ذلك الى نقيع ماء يُشرب أو يُغسل منه وهذا ما نلمسه في كثير من مؤلفات الأدعية والمصادر المعتبرة, وفي هذا تحول خطير من عقيدة التوكل الى عقيدة التواكل والشرّك الذي حذّرت منه احاديث ومرويات النبي الأعظم وأئمة المسلمين(عليهم السلام) فعنه (صلى الله عليه واله وسلم) أنهُ نهىعن التمائم والتول..وعنهُ أيضاً... أن كثيراً من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الإشراك, وعن أحمد بن محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا جعفر محمد الباقر(عليه السلام) أنتعوذ بشيء من هذه الرقى؟ قال : إلا من القرآن, فأن علياً كان يقول أن كثيراً من الرقى والتمائم من الإشراك ...
  وعن جعفر بن عبد الله بن ميمون السعدي قال: حدثنا نصر بن زيد قال.. قال أبو عبد الله (عليه السلام) ان كثيراً من التمائم  شرك....
  مما تقدم يتضح ان حمل الادعية المأثورة وان كانت سليمة من حيثُ المضمون أو بعض الآيات القرآنية أو حتى القرآن نفسه " أذ الشائع والمتعارف يكون بأصغر حجم بحيث يستحيل قراءته إلا بعدسة مكبرة" لا يعد عملاً مقبولاً في الشريعة وان الأصل هو تلاوة القرآن بأي صورة كانت وتدّبر آياته وأنه لم يرد نص صريح يجّوز حملها كتعويذات... بل يفهم من بعضها كما في رواية احمد بن محمد بن مســـــلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنتعوذ بشيء من هذه الرقى.. أنما عني بها " التلاوة" وليس حمل الآيات القرآنية للوقاية والعلاج.. والا فهم يؤكدون دوماً على أهمية التحصّن عن طريق تلاوة المعوذّتين وبعض قصار السور وأيضاً فأن ذكرهم وتحذيرهم من الوقوع في براثن الشرك والإشراك لا شكَّ أنهُ غير الذي يخرج المسلم من الملة... وانما يقصد به درجاته المتباينة فكما أن للإيمان درجات كذلك الشرك درجات ويّدل على ذلك ما ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) أنهُ قال في تأويل الآيـة الكريمة {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (سورة يوسف:106)... قال – هو قول أحدكم لولا فلان لما حصل لي كذا وكذا- وما ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام)عندما رأى الخادم يصب على يدي المأمون الماء للوضوء فقال له:" لا تشرك بعبادة ربك أحداً.. إذ الاشراك يحصل من العبد في حال جهله بمراتب التوحيد ودرجاته كما جاء في الأثر... من لم يعرف الشرك لم يعرف التوحيد... فالأمور تعرف بأضدادها, واما بقية المذاهب الإسلامية فأن أئمتهم اختلفوا في حكم كتابة الادعية والآيات القرآنية وتعليقها كرقية فذهب البعض بعدم الجواز فيما رأى آخرون جواز ذلك اقتداء بفعل بعض الصحابة والتابعين فرووا عن عبد الله بن عمر أنه كان يعلّم من بلغ من ولده أن يقول قبل النوم ... بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن همزات الشياطين أن يحضرون ومن كان منهم صغيراً لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها في عنقه...
  وممن ذهب الى الجواز ذلك مذهب الحنابلة... فقد جاء عن الإمام أحمد بن حنبل حين سئل عن التمائم وتعليقها بعد نزول البلاء؟ فأجاب: أرجوا أن لا يكون به بأس...
    ولعلّ الامام أحمد  خرج بعد ذلك من تردده فقال بالجواز.. بل  تعدّى ذلك الى ان يكتب التمائم بنفسه فقد روى الخلال عن عبد الله بن الإمام احمد بن حنبل أنه قال : " رأيت أبي يكتب التعويذ للذي يفزع وللحمى بعد وقوع البلاء...!!




ثالثاً : الطلاسم..." أهل البيت (عليهم السلام) يحملون الأحراز وطلاسم

الصائبة والنصارى واليهود. ...!!!

   بعد ان أوضحنا ما للدعاء من كبير أهمية في الشريعة الإسلامية واستعرضنا بإيجاز عدد من آيات الذكر الحكيم الحاثة على الدعاء في كافة المواقيت والأمكنة وما جاء في سيرة النبي واهل بيته(عليهم السلام) من مرويات تؤكد سعيهم لتثبيت دعائم هذا الركن المهم من أركان الدين فأنا نجد كثيراً من الروايات المروية عنهم والتي تجعل منهم حملة تعويذات وطلاسم أو من الداعين لهذا العمل هي روايات وأحاديث مجحفة وغير منصفة وفيها أكثر من بخس وغبن لمنزلة أهل البيت(عليهم السلام) في نفوس المسلمين ومع الأسف الشديد فأن مثل تلك المرويات تلقى قبولاً ورواجاً لعدد لا يُستهان به من رجال الدين قديماً وحديثاً وأصبحت منطلقاً وقاعدة لإصدار فتاوى يعمل بها المسلمين من جهة وذريعة لكل رموز الفساد والافساد تحت عنوان " العلاج بالرقية الشرعية " ومن على شاكلتهم من ادعياء العلم بتراث أهل البيت(عليهم السلام) من جهة اخرى...
  وفيما يلي طائفة من تلك الأحاديث...
   في مهج الدعوات لابن طاووس قال: لما مات الامام أبو الحســن علي بن موسى الرضا(عليه السلام) وجد عليه تعويذ معلّق وفي آخره عوذة, ذكر ان آبائه (عليهم السلام) كانوا يقولون ان جدهم علياً (عليه السلام) كان يتعوذ بها وهي " اللهم بك أستفتح وبك أستنجح وبمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) أتوجه... الى آخر العوذة.."
  فالمؤلف "المنصِفْ" لم يكتفِ بما أسنده ونسبهُ للإمام الرضا(عليه السلام) من حمل العوذ حتى أشرك آبائه في هذا العمل المشين..
    في رواية ثانية عن ياسر خادم المأمون أنه لمّا نزل ابو الحسن علي بن موسى  الرضا(عليه السلام) قصر حميد بن قحطبة نزع ثيابه وناولها حميداً فحملها وناولها جاريــــــــة

كي تغسلها فما لبثت ان جاءت ومعها ورقة فناولتها حميداً وقالت: وجدتها في جيب قميص أبي الحسن فسأل حميد عنها أبا الحسن فقال الامام- يا حميد هذه عوذة لا اعزلها عن نفسي, فقال حميد الاّ تٌشرفنا بها؟
  فقال هذه عوذة من أمسكها في جيبه كان البلاء مدفوعاً عنه وكان له حرز من الشيطان الرجيم ثُم أملى على حميد العوذة وهي:" بسم الله الرحمن الرحيم .. أني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقياً, أو غير تقي... الى آخر العوذة.."
  وايضاً- روى ياسر خادم المأمون ان الامام محمد بن علي الجواد(عليه السلام) دعى برق ظبي من أرض تهامة ثُم كتب بخطه على الرق هذا العقد ثُم طلب أن احمله الى المأمون وأقوله حتى يُصاغ له قصبة من فضة منقوش عليها فإذا أراد شده على عضده... فليشد على عضده الأيمن وليتوضأ وضوءً حسناً سابغاً وليصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة وسبع مرات آية الكرسي وسبع مرات شهد الله وسبع مرات قل هو الله أحد فإذا فرغ منها فليشده على العضد الأيمن عند الشدائد والنوائب... يسلَمْ من كل شيء يخافه ويحذره وينبغي أن لا يكون طلوع القمر برج العقرب... ولو انه غزى أهل الروم وملكهم لغلبهم بإذن الله وبركة هذا الحرز وهو ... " بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين – سورة الفاتحة- الم تر أن الله سخرّ لكم ما في الأرض والفلك تجري بأمره ... الى آخر الحرز..."..
  أن من المعلوم بالضرورة لجميع المسلمين ان سنة النبي(صلى الله عليه واله وسلم) هي ذاتها سنة الائمة من بعده فأن سنتهم ما هي إلا امتداد لسنته... فهل كان الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) يحمل في جيبه رقاع وعوذ كالتي لدى الأئمة كما نقرأ في هذه المرويات؟!!!...
   وهل ان ديننا الحنيف متمثلاً بكتابه المقدس وسنة أهل البيت(عليهم السلام) يأمرون المسلمين بالاعتقاد بعلم النجوم والكواكب وان لها إدراكات وتأثير على أقدارهم وهم أُسّ التوحيد وحملة لوائه؟!!!
  أن العكس تماماً هو ما يحصل من وقوفهم بوجه دعاة هذا العلم ومروجيه فقد نقل أبن أبي الحديد في شرحه أن أمير المؤمنين علياً(عليه السلام) خاطب المنجّم الذي نهاه عن السير في الوقت المعين قائلاً له: " أما والله أن بلغني ان تعمل النجوم لأخلدّنك السجن أبداً ما بقيت ولأحرمك العطاء ما كان لي سلطان.."
... وجد بخط امير المؤمنين علياً (عليه السلام) هذا الحرز... وان من كتبه وحمله ظفر بأعدائه... وهو هذا الحرز..

    1 1 3    ه   م   م  م 1  9  1  9  1  ه   1  1  1  1  1  8  8  

  ... ويروى  عن الإمام الصادق (عليه السلام) ان من كان معقوداً – أي مسحوراً- لعشر سـنوات فليرسم الطلسم المقابل على قرطاس ثم يغسله وليفرك به ظهره فأن عقدتـــــــــه ( ما عمل له من السحر – لئلا يتزوج ) ستحل ان شاء الله تعالى...





 ونقل عن الصادق (عليه السلام) رسم الطلسم وشده على الظهر]  كالحزام [  ليفتح الله العقدة مع ملاحظة كتابة أسم المعقود عليه...
11115 لا 5 ولــــــــــــــا م  ه

 والحروف في الطلسم الاول والثاني هي حروف اللغة العبرية...
   يقابلها بالعربية  حرف  س
   يقابلها بالعربية  حرف  د
   I    يقابلها بالعربية  حرف  ي
و يا فاتح افتح  - دعاء باللغة العربية-
وفيهما ايضاَ بعض الحروف الابجدية المندائية وهي:
حرف  س   يقابلها بالعربية حرف ه
 حرف يقابلها بالعربية حرف ع
حرف ـلا يقابلها بالعربية حرف   ن
حرف  O يقابلها بالعربية حرف أ

 وفي مهجع الدعوات لأبن طاووس ينقل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) للمصروع والمسحور هذا الحرز

عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ان هذا الحرز يربط على الذراع لدفع السحر والشعوذة وغيره...

3 6 4 8  
8 6 4 3  
4 3 8 6  
6 8 3 4
والأحرف المتكررة والمرسومة في الأشكل الأول من أحرف اللغة السريانية
 فحرف         يقابلها بالعربية حرف   ب
حرف      يقابلها بالعربية  حرف س
  ومما جاء في كتاب كنز الشيعة –أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كان يحمل معه حرز عجيب يدعى " حرز التاج" وهو للحرب وفي كل شدة وهو للعين و للنظرة وأبطال السحر  والمحبة والطاعة " دوسات الجن والشياطين" والمرأة المتبوعة بالولادة وان الله تعالى قال لرسوله " طوبى لمن حمله والويل لمن أنكره وكذبه..!!
    وكذلك ما روي  انه (صلى الله عليه واله وسلم) علم أمير المؤمنين هذا الحرز وهو سبع آيات في القرآن الكريم وان من قرأها أو " حملها معه" محا عنه سبعين الف سيئة وكتب له سبعين الف حسنة وبنى له سبعين الف بيت في الجنة واعطاه سبعين الف من الحور العين والقصور والغلمان والبسه سبعين الف حلّة من الحديد والديباج لا يعلم وصفها الاّ الله..!!

  وفي هذه الروايات أعظم اساءة للنبي واهل بيته(عليهم السلام)... بل وأعظم هدية يمنحها من سطرّت يداه هذه الأوهام والخزعبلات الى مبغضي النبي ورسالته ومن همهم الطعن بالوحي والكتاب... كما أن في هذه الروايات دعوة صريحة للمسلمين الى نبذ القرآن والدعاء والتوجه الى كتب السحرة والسحر, وهي أيضاً دعوة للاتكال وطرح التوكل جانباً من خلال حمل بعض قصاصات الورق يحصل فيها المسلمون على عشرات الالاف من القصور والحور والسرور والاّ فأن اللعنة والعذاب ستلاحق كل من أنكر وكذّب...!!
  ولعل من ثمار هذه الروايات " وشرعنة فوبيا الرهاب المقدس" ما لمسناه من ظاهرة تطّل برأسها بين الحين والآخر من قيام البعض بكتابة معجزات يدعّون أنها حصلت لهم وقد حملت في الهامش تهديداً ووعيداً لعل من يقرأها ولم يكتبها عشرات المرات ويوزعها بين الناس..!!!



" تجارة التعويذات والأحراز... بين الاستيراد والتصدير"
   جاء في كتاب مكارم الأخلاق, أن الملك النجاشيّ كان مصدوعاً فكتب الى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) يشكوا ذلك فبعث اليه بهذا الحرز فجعله في قلنسوته فسكن الصداع... والحرز وهو ..." بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله الملك الحق المبين الى آخر الحرز.."!
  علماً ان هذا الحرز المزبور يتعارض مع رواية أخرى في نفس المصدر تروي ان النجاشي قد ورث من آباءه منذ أربعمائة عام قلنسوة توضع على الآلام فتسكن فحُلت القلنسوة بحثاً عما فيها فوجد هذا الدعاء..." بسم الله الملك الحق المبين شهد الله انه لا اله الاّ هو والملائكة... الى آخر الحرز... فمع وجود هذا التعارض الواضح- إيمان آباء ملك الحبشة بالإسلام والقرآن قبل نزوله بأربعمئة عام-  لابد وان يُحكم عليها جميعاً بالوضع والبطلان...
   وعن كتاب  – ربيع الأبرار... أن المأمون أصابه في طرطوس صداع أليم لم يُعالج فبعث إليه قيصر ملك الروم بقلنسوة وكتب اليه أنبئت بصداعك فبعثتُ أليك بهذه القلنسوة تضعها على رأسك ليسكن الألم... فأستعملها المأمون لرأسه فسكن صداعه فتعجب من ذلك فحلّها فوجد فيها مكتوب " بسم الله الرحمن الرحيم كم من نعمة لله في عرق ساكن ... الى آخر العوذة "... !!!
  وأيضاً لمّا قُتل كسرى جيء بقلنسوته الى عمر بن الخطاب فقيل له يا أمير المؤمنين هذه قلنسوة كسرى وكان اذا مرض وضعها على رأسه فيبرأ بأذن الله تعــــــالى
فقال: قلنسوة كسرى توضع على الرأس فيبرأ!! يا غلام شقّها فشقّها فإذا فيها مكتوب " شهد الله انه لا اله إلا هو العزيز الحكيم... الى آخر التعويذة"!!
   ويقيناً أن القارئ الواعي لابد أن يتسائل عن سر هذه الكتابة المقلوبة للتاريخ وكيف وصلت إلينا بحيث جعلت من النبي وأهل بيته(عليهم السلام) أئمة ضلال وشرك وكفر بحملهم طلاسم النصارى والصابئة واليهود ومن أئمة الضلال والشرك والكفر قيصر وكسرى أئمة هدى ورشاد...!!!
   ومما جاء في كتاب أصول الكافي عن إسحاق قال حدثني الحسن بن ظريف قال أختلج في صدريّ مسألتان أردت الكتاب فيهما الى أبي محمد الحسن العسكري(عليه السلام) فكتبت أسأله عن القائم(عليه السلام) اذا قام بما يقضي واين  محله الذي يقضي فيه بين الناس؟  واردتُ ان أسأله عن شيء لحمى الربّع – فأغفلت خبر الحمى..!
  فجاء الجواب: "سألت عن القائم- فإذا قام قضى بين الناس بعمله كقضـــاء داود    (عليه السلام) – لا يسأل عن بينّة – وكنت اردت ان تسأل عن شيء لحمى الربّع فأُنسيت- فأكتب في ورقة وعلقه على المحموم فأنه يبرأ بإذن الله ان شاء الله " يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم.."
  والمتمعن في الحديث يلحظ تهافتاً واضحاً في صياغته وشكاً وربية في هدف ومقصد الراوي والواضع له فهو يريد من الرواية اثبات شيئاً واحداً لا غير وهو اثبات علم الإمام بالغيب.. فهو المطلّع على الضمائر وما تخفي الصدور..!! والحال ان مثل هكذا معجزات وبراهين" على فرض حصولها" لا يمكن ان يأتي بها الأئمة الاّ لمن يشك أو يطعن في امامتهم للمسلمين , هذا أولاً وثانياً: ان في كتاب الإمام المزعوم بتعليق ورقة على المحموم- فيه مخالفة صريحة وواضحة لنهج وسنة الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) فلم يثبت ولو بأدنى دليل انه كان يأمر أصحابه وأهل بيته بتعليق شيء من هذه الأوراق والتعاويذ على أجسامهم لعلاج الحمى او لغيرها من الأمراض...بل العكس هو الثابت والمتأصل من حديث مشهور يتناقله فرق المسلمين على اختلافهم وهو قوله(صلى الله عليه واله وسلم):"عباد الله تداولوا فأن الله لم يضع داءً الاّ وضع له دواء" ..!
   ثُم اذا كان الراوي " الفطن" قد حاك الرواية بدهاء ملفت للنظر ليشير الى معجزة الامام بما أُنسي من خبر الحمى فلم- لَمْ يشِرْ الى خبر تواجد الامام للقضاء" محله الذي يقضي فيه بين الناس".
فهل نسي هو الآخر الإجابة عن السؤال؟ أم أن الإمام هو الذي نسي..!!
ومع كل ما مرَّ ذكره من سقطات وشبهات  فالرواية تعد ساقطة أيضاً من جهة السند كونها جاءت من طريق إسحاق بن محمد بن احمد النخعي الأحمر والذي يعُد من الغلاة بحسب رجال الحديث والمحققين, فقد جاء في معجم رجال الحديث رقم"1177" اسحاق بن محمد بن احمد البصري يرمى بالغلو من اصحـاب الهادي (عليه السلام) رجال الشيخ-24- وذكره من أصحاب العسكري(عليه السلام)-11- قائلاً يكنى ابا يعقوب, وقال العلامة في الخلاصة في القسم الثاني باب/3 من فصل الهمزة-3- يرمى بالغلو من أصحاب الجواد(عليه السلام)...












" كـرة الثلج والشـــــــفاء من آثــار الحسد والسحر.."
   قد لا يخفى على القارئ اللبيب أن من بين القضايا المشكلة التي لا يمكن إغفالها أو التغافل عنها والتي ينبغي التدقيق والوقوف عندها ودراستها بشكل علمي وموضوعي هو جنبة المؤلفات والكتب المتصدية للشفاء من الحسد والسحر... فإن أغلب تلك المصادر الموروثة والمعاصرة قد اعتمدت في أدلتها وبراهينها على التأويل المغلوط و" الخاطئ" لبعض الآيات القرآنية أو الأحاديث الموضوعة المحّرفة عن مقاصدها الحقيقية أو اجتهادات لا أصل لها من بعض الصحابة والتابعين ومن تبعهم تقليداً وجهلاً الى يومنا هذا...
   وقد يُشاطرنا الرأي والتقييم في نهاية تصفّح هذه المصادر أنها وصلت إلينا- ومع الأسف الشديد- ككرة الثلج- بدأت أول مرة بحجم صغير ثُم تنامت بمرور الوقت وازدادت حجماً ومساحة لتصبح كرة هائلة مهولة وربما انقدحت في ذهنه صورة لهرمٍ مخروطيٍ الشكل أبعاده تلك الادلة والبراهين...
  لقد أوجد هذا الهرم بأبعاده الثلاث ... التأويل الفضفاض للكتاب, تحريف السنّة واجتهادات السلف هاجساً بات يسيطر على ذهنية وعقلية المسلم بشكل لا يمكن الافلات من حدوده وأخذ يرسم لهُ هويته الإسلامية وسلوكه اليومي ويحددهما بثقافة ذات صبغة دينية أو مذهبية ومتوعداً إياه في حالة اعمال العقل واثارة الجدل المعرفي حول قضايا الحوار والتفكّر في قوانين هذه الابعاد الثلاث بالكفر البواح وإلصاق التهم الجاهزة كأنتهاك المقدّس ومحاولة التشكيك بعقائد المسلمين وشموله بنظرية المؤامرة على أقل تقدير..!! وما يلي صور لتلك " الكرة الثلجية" وكيفية تشكلها عبر التأريخ أو ما أسميناه بالهرم المخروطي ومن أسهم بصياغته بهذا الشكل من شخصيات ورموز دينية تعّـــــــــد عـــــند الخاصة والعامة الأوفر حظاً بالتقليد والإتباع, في الحسد قال ابن شـهاب الزهري:  "الغسل الذي أدركنا " علماؤنا" يصفونه أن يؤتي للرجل العائن بقدح فيدخل كفه فيه فيمضمض ثُم يمجّه في القدح ثُم يغسل وجهه في القدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على كفه اليمنى في القدح ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على كفه اليسرى صبة واحدة, ثم يدخل اليسرى فيصب على مرفقه الأيمن ثم يدخل يده اليمنى فيصب على مرفقه اليسرى ثم يدخل يده اليسرى فيصب على قدمه اليمنى ثم بدخل يده اليمنى فيصب بها على قدمه اليسرى, ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على ركبته اليمنى ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى كل ذلك في قدح, ثم يدخل داخلة ازاره القدح ولا يوضع القدح في الأرض فيصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين خلفه صبّة واحدة...
  والزهري يُعد من التابعين- وفي قوله هذا اقرار بأن العلاج هو من عند العلماء- وليس حديثاً متواتراً صحيحاً عن الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) وإقراراً ضمنياً بتعطيل العمل بسورتي المعوذتين ثم يركن الى اجتهادات لا أصل لها وافعالاً تُعّد في حال احصيناها الى عشرين فعلاً... يصعب على المرء قراءتها فضلاً عن العمل بها.. هذا إذا تعرفنا على العائن وهو من المحال أكيد..!!
  وعن قتادة قال: " قلتُ لسعيد بن المسيب أن رجلاً به طُبْ – أي سحر أُخذ عن امرأته, يُحل لها أن يُنشر له؟ فقال- لا بأس- والنشرة كما جاء في شرح الرواية ان المبتلى يأخذ حزمة قضبان وفأس ذا قطارين ويضعه في وسط الحزمة ثُم يؤجج ناراً في تلك الحزمة حتى إذا ما حمى الفأس أستخرجه وبال عليه...
  وقتادة وسعيد بن المسيب هم أيضاً من التابعين ومع ذلك فقد أثبتا عملاً من أعمال الجاهلية قبل الإسلام فكأن لا خبر جاء ولا وحي نزلْ..!!
وحديث الزهري الاول واجتهاد علماءه فيه والذي اعتمده البخاري فيما بعد هو حديثاً واحداً مختلف في روايته غريباً بمضمونه شاذاً في صياغته مضحكاً في عاقبة من يعتقد به كما سيأتي..
والحديث هو.. عن امامة بن سهل قال: مرَّ عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال" لم أرَ كاليوم ولا جلد مخبأة.. فما لبث أن لبط به .. أي صُرع – فأتى به النبي(صلى الله عليه واله وسلم) فقيل له أدرك سهلاً صريعاً.. قال من تتهمون به؟ قالوا عامر بن ربيعة- قال علامّ يقتل أحدكم أخاه؟ اذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدعو له بالبركة.. ثُم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فغسل وجهه ويديه الى المرفقين وركبته وداخله إزاره, وأمر أن يصب عليه... وفي رواية الزهري... أمره ان يكفأ الأناء من خلفه..!!وفي رواية... هلا كبرت ثلاثاً فأن ذلك يرّد العائن..!!
  وفي رواية أخرى... أنه (صلى الله عليه واله وسلم) ضرب صدره بيده ثُم قال : " اللهم أذهب عنه حرها وبردها ووصبها... اخرجه الحاكم..
   والحديث ان صحَّ سنداً فأنه ينتهي عند قوله(صلى الله عليه واله وسلم) " إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدعو له بالبركة... غير أن اعجاب الرواة ومنهم الزهري بأسلوب السرد للقصص والروايات وحبهم لكيل المديح والثناء" لعظيم تفقههم" جعل من الزيادة والاختلاق في الرواية البئر الذي لا ينضب ماؤها ولا يروي عطش قاصديها الى قيام الساعة.. فقد أسّس عليه بعض الفقهاء أحكاماً فقهية وتعزيرات لا أصل لها في الشرع ولا يستسيغها عقل عاقل...
   فقد ذكر الإمام مسلم ذلك بقوله : قال القاضي عيّاض بعد ذكر حديث حسد عامر بن ربيعة لسهل بن حُنيف " في هذا الحديث من الفقه ما قاله بعض العلماء أنه ينبغي اذا عُرف احد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويتحرّز منه وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس ويأمره بلزوم بيته فإن كان فقيراً رزقه ما يكفيه ويكّف اذاه عن الناس..!!
  وقال ابن عبد البر في التمهيد.. في هذا الحديث دليل على أن العائن يُجبر على الاغتسال للمعين.. وهو ايضاً قول القرطبي وحكمه في العائن, وكذا قال به الماوردي في الأحكام السلطانية.
وقال علاء الدين الطرابلسي في معين الأحكام: قال بعض علماء الحديث وغيرهم فأن امتنع عن الوضوء قضي عليه اذا خشي على المعيون الهلاك وكان وضوء العائن يبرئ عادة ولم يزل الهلاك عنه إلا بهذا الوضوء لأنه من باب إحياء النفس كبدل الطعام عند المجاعة, وقال بعضهم يُجبر على الوضوء ان أمتنع منه وان أباه أمر أن يُفعل بالأدب الوجيع حتى يفعله...!!.
  هذا... وعلى الرجلين قتادة والزهري تحوم كثير من المؤاخذات والشبهات ليس بسبب اجتهاداتهم المكرورة المخالفة لنصوص الكتاب والسنة حسب بل لمطاعن علماء الجرح والتعديل لهما, فقد ذكر ابن ابي حاتم في الجرح والتعديل,ج1, ص246 – قال حدثنا عبد الرحمن عن احمد بن سنان الواسطي قال كان يحيى بن سعيد القطّان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً ويقول هو بمنزلة الريح..!!
   وذكر الذهبي في السير, ج5, ص39- قال حدثنا أحمد بن ابي شريح قال: سمعتُ الشافعي يقول: إرسال الزهري ليس بشيء...
   وقال ابو داود في مسائلهِ عن احمد سمعت احمد يقول.. احاديث قتادة عن سعيد ليس ما أدري كيف هي.. قد دخل بينه وبين سعيد نحو عشرة رجال لا يُعرفون..!!
 نقول... واضافة لذلك فقد أثبت المؤرخون لهما أفعالاً منكرة ومناهج منحرفة سيما الزهري الذي كان يُجالس حكّام بني أمية وعمله مؤدبٍ لهم وتوليه القضاء وروايته عن عمر بن سعد وروايته احاديث طعن بحق أمير المؤمنين علي (عليه السلام)...
    والغريب بعد كل هذا وذاك ان نقرأ أسم هذا الرجل في اهم كتب الأدعية للإمام زين العابدين علي بن الحسن(عليه السلام)" الصحيفة السجادية" حيث يروي عن سعيد بن المسيب أيضاً دعاءً سُمي التسبيح الأعظم أو أسم الله الأكبر- أذ يروي انه صلى وجماعة من المسلمين خلف الإمام وسمع تسبيح الشجر والمدر..!!ولنا أن نسأل .. أن كان أمر التسبيح من معجزات الإمام السّجاد (عليه السلام) فأي منزلة ومكانة يحوز الزهري حتى يسمع تسبيح الشجر والمدَر..!!؟؟ والملفت في سياق الرواية أن يروي الزهري عن سعيد قوله : ففزعنا .. فيما يتوجه الإمام بسؤاله الى سعيد وحده ويسأله أَ فزعت.!! ولم يقل أَ فزعتم؟ فكأنما وحده من سمع ففزع.. فتأمل هذا التخليط والكذب على الإمام..
وفي سحر الربط:- ذكر ابن بطّال ان في كتب وهب بن منبه- يأخذ سبــــــــــع ورقات
     من سدر فيدقّه بين حجرين ثُم يضرب بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل الأربعة تُم يحسو منه ثلاث حسوات ثُم يغتسل به فأنه يذهب عنه كل ما به وهو جيد للرجل اذا حبس عن أهله..
وقال الصنهاجي: من كتب في ورقة صفراء – لا لا لا لا لا – خ – وأضاف اليها " وقل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقاً " وعلقه على من به سحر بطل سحره.. وبالعودة الى رواية البيهقي التي أوردها عن الزهري و" كأس الماء" وما تلاها من احكام قرطبية وسلطانية وطرابلسية وجوزية وصلت الى حبس العائن حتى الموت  او جلده في حال رفضه الانصياع لطلب المعيون فقد لا يستغرب القارئ ان تستمر سلسلة الاجتهادات عبر القرون الى يومنا هذا ولو بدرجة أخف وطأة- "ربما لها صلة  بعدم تمكن أتباع السلف من تولي أمور المسلمين العامة  " ...
    فقد سُئل احد مراجع التقليد في المملكة العربية السعودية من ان احد الاشخاص عاين سيارته فطلب من العائن ان يتوضأ وبعد ذلك قام هو بإخذ الماء ووضعــــه في " راديتر" السيارة فتحركت السيارة وكأنها لم يكن فيها شيء فكان الجواب: لا بأس بذلك.. فأن العين تصيب المصانع والدور والاشجار والسيارات ونحوها كما تصيب الحيوانات  والوحوش..!!  ولِرُبَّ سائل يسأل:- ان كان علاج حسد السيارة يكون بماء يوضع في الراديتر فأين يوضع ماء وضوء العائن في حال إصابة المصانع والاشجار والوحوش كما أفتى سماحة المفتي..!!
   واذا كان" شَّك" المعيون يمنعه من مكاشفة ومصارحة العائن بأنه كان سبباً في اصابته بالعين او قد يسبب لهُ حرجاً شديداً  سواء في الأماكن العامة او الخاصة...

 فقد وجد لهذا الأشكال والحرج احد الفقهاء المعتمدين في الفُتيا مخرجاً وحلاً يتمثل بتتبع آثار العائن.. " وهناك طريقة أخرى لعلاج العين فلا مانع من أن يؤخذ شيء مما يلي جسم العائن من الثياب كالطاقية والسروال وغيرها او التراب اذا مشى عليه وهو رطب ويصب على ذلك الماء ويّرش به المصاب أو يشرب منه..!!!
   أما الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين فقد أفتى " بجواز تتبع آثار العائن مما بقي في الكأس من شراب وفضلات الأكل أو ما لفظه من نوى أو حتى غسول قدميه...!!!
  ولعل عجز كثير من أولئك المحسودين من الحصول على تلك الآثار وبعد تلمسُهم "شريعة الفقهاء المرنة والميسرة " الى حد سمحوا لهم بأخذ تراب نعل العائن  والتي عادةً ما تكون قذرة أو عرق جسمه وغسول قدميه وان كانت نتنة مقززّة فقد قدموا على خطوة أغمضوا فيها أعينهم وعقولهم فتتبعوا آثارهِ النجسة من بول وغائط... وربما كان وصول هذه القضية الى منحى خطير لا يُحتمل وحرصاً من بعض الفقهاء على سلامة المسلمين ومعتقداتهم من الزيغ والضلال وشماتة غير المسلمين بالحال الذي وصل إليه الإسلام واهله, فقد أفتى أحدهم بما يلي:- وأما الأخذ من فضلات العائن من بوله وغائطه فليس له أصل..!!!
    وللقارئ ان يتصور ما أسميناه تندرا بكرة الثلج وتعاظمها شيئاً فشيئاً فقد بدأت بعصر التابعين وتابعي التابعين بكذبة كأس ماء يؤخذ من وضوء العائن...
   وبعد قرن من الزمان أصبح كأس الماء بدلاً عنه ماء حوض الحمام العمومي وعزل العائن عن الناس رأياً فقهياً, ثُم صار في القرن الخامس الى القرن الثامن الهجري حكماً بالحبس أو ضرباً بالعصي لمن عرف بالعين... ثُم أنتهى بها المطاف في أيامنا هذهِ  الى تتبع آثار العائن من تراب نعلين وبول وغائط..!!!
 وعن عبد الله بن العلا القزويني قال: "حدثنا أبراهيم بن محمد عن حماد بن عيسى بن يعقوب عن شعيب عن عمران بن ميثم عن عبابة بن ربعي الاسدي أنه  سمع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يأمر بعض أصحابه وقد أشتكى إليه السحر- فقـــــــــــــــال: "أكتب في رق ظبي وعلقه عليك فأنه لا يضرك ولا يجوز كيده فيك: بسم الله وبالله  وما شاء الله ولا حول ولا قوة الاّ بالله قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ " فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ- وقلبوا هنالك و أنقلبوا صاغرين " ...
   وأورد الكفعميفي باب علاج المسحور- أنه يأتي الرجل بأربع بيضات ثُم يسلقها ويقشرها ثُم يكتب على الأولى بالمسك والزعفران قوله تعالى{فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأعراف:118) وعلى الثانية{قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ} (يونس:81)  وعلى الثالثة { إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (طه:69)  وعلى الرابعة{بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}(الأنبياء:18) ...
    وأورد أيضاً في المصباح – ما يزعم أنه حديثاً عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) – وهو في خمسة وثلاثين موضعاً في الكتاب,  ومن جعله حرزاً وحمله أمن من السحر وكلّ علة في جسده أي خمس وثلاثون آية تكتب وتحمل- تركنا إيرادها خشية الإطالة وسأم القارئ ..!!
وما جاء في كتاب زبدة المجربات أنه تكتب هذه الأسماء على بيضة حصلت يوم السبت والا  فعلى أية بيضة ثم تكسرها على رجلي من أصيب بالعين وهي:
" شاهت .. شهرشث .. جاءت فجعت فجعجت فقهت فانفقهت فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" .
نقل عن مشايخ الدين  – ان كل من حمل هذا الطلسم لم يؤثر فيه السحر!!
وهو مربع كبير داخله مربع أصغر بأرقام وحروف..
   وعن أبن طاووس في مهج الدعوات ... حرزاً ينسبه الى الإمام الباقر (عليه السلام) وفيه دعاء وطلسم مرسوم..!!


 وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): أن هذا الحرز يربط على الذراع لدفع السحر والشعوذة وهو عبارة عن ستة عشر مربع داخل كل مربع – عدة أرقام...
 وجاء في مهج الدعوات أيضاً حرزاً خاصاً بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) للمسحور والمسموم وطريقته ان يُكتب ويُربط على الزند الايمن : " بسم الله الرحمن الرحيم, أي كنوش من أي كنوش اره شش عطب يصطح يا ميضطر.. الخ"...
    ومما جاء في كتاب مكارم الأخلاق  أنه يكتب على الرق للمسحور والتوابع والمصروع والسم والشيطان وجميع ما يخافه الأنسان وعلق عليه" أخرج والاّ كنت من المسجونين اطرد عن صاحب هذا الكتاب كل جني وجنية وشيطان وشيطانة وتابع وتابعة وساحر وفيه أسماء بالعبرانية والسريانية وصور لطلاسم مختلفة الأشكال, وجاء فيه عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) سئله عن الحرمل واللبان فقال فأما الحرمل فأنه ما تغلغل له عرق في الارض ولا أرتفع له فرع في السماء الاّ وكلّ الله عز وجل به ملكاً حتى يصير حطاماً او يصير الى ما صار اليه وان الشيطان ليتنكب سبعين داراً دون الدار التي فيها الحرمل وهو شفاء من سبعين داء أهونها الجذام فلا يفوتنكم...!!
وجاء في نفس المصدر ص187 ان النبي(صلى الله عليه واله وسلم) قال: " ما أنبت الحرمل من شجرة ولا ورقة ولا ثمراَ الاّ وملك وكلَّ عليها"... حتى تصل الى ما وصلت اليه او تصير حُطاماً وان أصلها وفرعها نشرة والنشرة- كما مرَّ بنا- هو ما كان يفعله العرب قبل الإسلام للمسحور والمأخوذ عن زوجه..!!
 ولعل صورة الهرم المثلث التي أشرنا إليها من قبل تبدو أكثر وضوحاً للقارئ من خلال تتبعه لأبعاده المتمثلة بداية بالأدعية المطوّلة التي لا تتسق ويسر الشريعة ومقاصدها الشريفة ووضع الأصر والأغلال وتكليف المسلمين بما لا مشقة فيه.., ثُم محاولات بث وسائل التوهيم والتعمية والتجهيل لهم وذلك بإلصاق المرويات الباطلة من طلاسم وأحراز وتعويذات السحر بمعدن الرسالة ومهبط الوحي, وأخيراً بقاعدته العريضة وما تضمنته اجتهادات عنديهوإشاعة مصطلحات مبتدعة كالمجربّات وترديد منقولات السلّف من قبيل نقل عن مشايخ الدين ووجد بخط الشيخ الفلاني..!!
ان من دواعي الشعور بالإحباط والأسف الشديد هو ما نألفه الى اليوم من استمرار ظهور هذه التراكمات والبدع ومنها صور الطلاسم والأحراز والمعوذات وهي تنتشر في بطون المؤلفات وعلى واجهات الدور ووسائط النقل وكأن وصايا وتعاليم أهل البيت  (عليهم السلام) بضرورة إتباع كلامهم حرفياً قد مُحي أثـرُها ونُسيَّ خبـــــــرها فانهم كانــــوا (عليهم السلام) يحرصون أشد الحرص على محاربة البدع ودعوتهم للالتزام الحرفي بما صدر عنهم سيما ما يتصل بالدعاء باعتباره هو العبادة فقد جاء عن الرســــول الاعظـــــم(صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال  للبراء بن عازب ما تقول عندما تأوي الى فراشُك؟ قال: قلتُ الله ورسوله أعلم.. !!  قال: إذا أويت الى فراشِك طاهراً فقل " اللهم أسلمتُ نفسي إليك ووجهتُ وجهي إليك وفوضتُ امري إليك رهبة ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منكَّ الاّ إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت.. قال: فقلت أستذكرهنَّ...وذكرتُ الدعاء فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي آمنت قلت... ورسولك الذي أرسلت فضرب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بيدهِ على صدري وقال:.. لا ونبيكَّ الذي أرسلت.."
   وروى الشيخ الصدوقعن عبد الله بن سنان قال:  قال الصادق(عليه السلام) سيصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يُرى ولا إمام هدى ولا ينجو منها الاّ دعا بدعاء الغريق قال: قلتُ وكيف دعاء الغريق؟
    قال تقول" يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلتُ يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك..! فقال: أن الله عزَّ وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قُل كما أقول... يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.."
وعن العلاء بن كامل قال سمعتُ أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ "  , وعند المساء تقول : " لا اله إلا الله وحده لا شريكَّ له لَهُ المُلْكُ ولهُّ الحمد يُحْيِي وَيُمِيتُ و يميت ويُحْيِي وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
  قال : فقلتُ : " لا اله إلا الله وحده لا شريكَّ له لَهُ المُلْكُ ولهُّ الحمد يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويُحْيِي بيده الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" قال : " ان الله هو بيده الخير ولكن قل كما أقول... "


  وروى الشيخ الكليني عن عبد الرحمن القصير قال :" دخلتُ على الصادق(عليه السلام) فقلتُ جُعلتُ فداك اني اخترعتُ دعاءً ... ! قال دعني من اختراعك فأعرض(عليه السلام) عن دعائه ولم يسمح له ان يعرضه عليه ... ثُم أنعم عليه بتعليمه عملاً ينبغي أن يؤديه....!!
  وورد عن إسماعيل بن المفضل قال... سألتُ ابا عبد الله(عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجل{ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا }(طه:130)  فقال :- فريضة على كل مسلم ان يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات " لا اله إلا الله وحدهُّ لا شريكَّ  لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يحي ويميت وهو حيٌّ لا يموت بيدهِ الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فقلتّ :" لا اله إلا الله وحدهُّ لا شريكَّ  لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يحي ويميت وهو حيٌّ لا يموت بيدهِ الخير وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ... فقال يا هذا لا شكَّ في ان الله يحي ويميت و يميت ويحي ولكن قل كما أقول.... " .
  وللقارئ الكريم أن يجري مقارنةً بين ما استعرضناه من روايات حصل فيها اعتراض النبي واله (عليهم السلام)على تبديل المتلقي كلمة واحدة تعطي نفس المعنى والمراد من كلامهم وما جادت به أقلام أسلافنا من اجتهادات واختراعات وخروج عن جادة الشريعة المقدسة في قضايا غاية في الأهمية والخطورة ومنها قضية الشفاء من الحسد والسحر وليقف على حجم الضرر والحيف الذي أوقعوه في هذه الأمة..!!





" فتــــــــــوى حل السحر بالسحر..!!
 " تعلــــــــموا السحر ولا تعملوا به.."
   ومن الفقهاء المعاصرين من لم يكتفِ بما اشاعه سلف هذه الإمة من فوضى فقهية وما احدثته بدعهم المتوالية في قضية الشفاء من الحسد والسحر من ويلات ومصائب للمسلمين حتى أسرع بطرح حلّه القائم على رأي "جواز حل السحر بالسحر" فقد كتبت جريدة الوطن ان أحد كبار هيئة علماء المسلمين في المملكة السعودية يدعى " عبد المحسن العبيكان"" قد أفتى بجواز ذلك وقد صرّح مراراً وتكراراً عبر وسائل الإعلام بأنه مستعد للذهاب الى السحرة لأجل فك السحر لأي شخص يُصاب به من ولدهِ او أحداً من أقاربه حتى انه ألف كتاباً أسماه " الصارم المشهور على كل من أنكر حل السحر عن المسحور" والحق ان لا غرابة من وجود مثل هذا الرأي المفتقر لأي دليل من سنة أو أثرٍ أو خبرٍ يسند فيه فتواه سوى صارمه المشهور الذي يريد اعماله في رقاب مخالفيه من فقهاء ومساكين والمقلدين ولكن الغريب ان نعثر على رأي مشابه له في  مدرسة أخرى ترى ان هناك دليلاً على هذا العمل فقد ذكر الشيخ   ناصر مكارم الشيرازي  في " تفسيره الأمثل في كتاب الله المنزل" معللاً ذلك الجواز بقوله: " وتعّلم السحر لإبطال سحر السحرة" بل يرتفع الجواز احياناً الى حد الوجوب الكفائي لإحباط كيد الكائدين الحيلولة دون نزول الأذى بالناس من قبل المحتالين... ويضيف وامّا دليلنا على ذلك فحديث روي عن الإمام ابي عبد الله جعفر بن  محمد الصادق (عليه السلام) :" من أن عيسى بن شقفى كان ساحراً يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر, فقدم الى الإمام(عليه السلام) وقال له: جعلتُ فداك انا رجل كانت صناعتي السحر وكنتُ آخذ الاجر عليه , وكان معاشي وقد حججتُ منه ومنَّ الله عليَّ بلقائك, وقد تبتُ الى الله عزّ وجل فهل لي في شيء من ذلك مخرج فقال لهُ أبو عبد الله حُلَّ ولا تعقْد... " ..
   وأورد الشيخ الكليني في كتابه الكافي عن علي بن ابراهيم القمي عن أبيه قال: "حدثنا شيخ من أصحابنا الكوفيين قال: " دخلَّ عيسى بن شقفى- وذكر الحديث..."
وعلى أيةَ حال فالرواية تُعد باطلة كونها جاءت مرسلة او من طريق مجهولي الحال كما ذكر ذلك رجال الحديث... إضافة لمخالفتها نصوص الكتاب والسُّنة بل الاجماع وهو ما أشار إليه المحدّث الحر العاملي معقباً على هذه الرواية " أقول ما خصهُ بعض علمائنا بالحل بغير السحر كالقرآن والذكر والتعويذ ونحوهما هو حسن إذ لا تصريح بجواز الحل بالسحر.."
  ويمكن أن نضيف لذلك ان الوجوب الكفائي الذي أطلقهُ الشيخ الشيرازيّ فيه من المفاسد والأضرار ما لا يمكن حصرها.. وفي مقدمتها انها ستكون سبباً لزيادة اعداد السحرة والمشعوذين في بلاد المسلمين بحجة ان عملهم هو فك السحر وليس عقده..!!
  ولا شكَّ أيضاً ان تلك الرواية اليتيمة الهزيلة والمعتمدة في الاستدلال بادية الفسولة والضعف.. فالإمام الصادق(عليه السلام) لم يطلب من الساحر اعادة حجّه مرة أخرى كون ماله الذي حجَّ منه  هو مال سُحتٌ وحرام وإنما طلب منه الرجوع الى عمل السحر.. وهو مطلب غريب لم يسبقه احداً من قبل ولا من بعد بل ان ثمة - رواية جاءت بنفس المعنى والمضمون ولها من المقبولية والاتفاق مع مصادر تشريع النقل والعقل الشيء الكثير...
  فعن عبد الملك بن أعين قال –دخلتٌ على الامام الصادق(عليه السلام) وقلتُ له أني ابتليتُ بهذا العلم- يعني السحر- فقال " أحرق كتبك..!
نقول- ربما تسببت هذه الرواية وغيرها في شيوع مقولة اشتهرت على لسان الكثير من عوام المسلمين وبعض رجال الدين " تعلموا السحر ولا تعملوا به." ظناً منهم انها من كلام النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وربما احتج بها على مكانة السحر واحتلاله مساحة واســـــــعة في الفكر الإسلامي عامة والمشرع خاصة وبالتالي ينبغي ان تكون هناك قاعدة فقهية وشرعية ينطلق منها المسلمون لتعلم السحر وتعليمه.. ولكن فور الانتهاء من قراءة هذه العبارة يتبادر للذهن السؤال التالي: من الذي يٌعلم الناس السحر؟  وهذا التساؤل في حد ذاته يُعدّ إجابة ناسفة لهذه المقولة لما ثبت من أحاديث النبي(صلى الله عليه واله وسلم)المتواترة والمقررّة عند جميع أئمة المسلمين من حرمة إتيان السحرة, ومما تقدم ومن خلال تتبع مصادر الحديث يتضح لنا ان هذه المقولة ليست من الأحاديث النبوية الشريفة ولا حتى من كلام ائمة المسلمين (عليهم السلام) بل أنها مما يحكم عليها العقل بالفساد والإفساد...وللفائدة والتذكير يمكننا التعرض لبعض ما جاء على هذا النحو وما أشتهر على أنه من كلام سيد المرسلين(عليه السلام) والحال أنها مأثورات توزعت بين أقوال للسلف أو الأحاديث الموضوعة او حتى بعض الامثال الشعبية... قولهم... لعنَّ الله قوماً صاموا عيدهم..!
                    بشرّ القاتـــــــــل بالقـــــتــــــــل...!
                    أطلب العلم من المهدِ الى اللحد... أو لو كانّ في الصين..!!
                    علموا اولادكم السباحة و الرماية وركوب الخيل..!!
                     أحبّ الأسماء الى الله ما عُبّدَ  و حُمّد..!!
                     اختلاف أمتي رحمة .. !!
                     تسعة أعشار الرزق في التجارة.. !!
                    أقيلوا فأن الشياطين لا تقيل ..!!
                   الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس..!!
                   كذَبَ المنجمّون ولو صدقوا..!




" تأويل آيتين يعيد المسلمين الى عصر الجاهلية.."
   الآية الأولى                        بسم الله الرحمن الرحيم
{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}   (البقرة : الآية 102)
والمفسرون هنا اختلفوا كثيراً عند تأويلهم هذه الآية الكريمة حتى يمكن القول انها من أكثر الآيات التي أختلف فيها على الاطلاق,  فذهب بعضهم الى أن الشياطين هُم من عمل السحر ثُم دفونه تحت كرسيّ نبي الله سُليمان(عليه السلام) بعد موته ثُم أخبروا الناس بمكان عمل السحر فلمّا استخرجوه ظنَّ طائفة من الناس ان سُليمان كان ساحراً ولم يكُّ نبياً... وان الملكيْن الصالحين هاروت وماروت أنزلهما الله تعالى من أجل فك السحر عن طريق تعليم الناس, فيما ذَهب آخرون الى أن المَلكَين هُما من علمّا الناس السحر وان الله تعالى أنزل عقوبته الدنيوية بحقهما إذ مسخهما كوكبين... وفي روايات أنهما معلقان بالهواء يُعذبان الى يوم القيامة..!!
 لقد أسهم هذا اللون من تأويل النص القرآني إسهاماً مؤثراً وفاعلاً في صياغة وتشكيل بعض المعتقدات الخاصة حول السحر والجن والشياطين وباتت مرجعاً لكل التبريرات وإقامة الحجج والأدلة على عمل وتأثير كل منهما في الآخر... فالشياطين حسب هذه التأويلات يمكنها عمل السحر ودفنه وبالتالي لا يمكن الاستغناء عنها في محاولات كشف مكان عمل السحر ثُم ان الاتصال بهم يعني بالضرورة رؤيتهم وتسخيرهم وكذا الحال في دور الملائكة وما ينتج عن ذلك من رؤية واستخدام لهم كما نقرأ في بعض المدونات الإسلامية كما لا ينبغي اغفال إسهاماته الأخرى وتأثيره "بـتأويل النص الروائي" باعتبار ان كلاً من التأويلين مكملاً للآخر, ولو دققنا ملياً في هذه التأويلات للآية نجدها ناقصة وقاصرة من جهتي الدليل النقلي والعقلي ولأسباب منها:
أولاً: أن معنى "تتلوا" في الآية الكريمة جاءت بمعنى الوســوسة وليســــــــت الكتــــابة لأن
 التلاوة في الاصطلاح اللغوي هي القراءة, وبذلك يكون عمل الوسوسة هو الأقرب لعمل الشياطين...
ثانياً: لا يمكن بأي حال من الاحـــــــوال الاطمئــــــــــــنان للروايات التي تتــحدث عن قيام
 الشياطين بإضلال الناس في أي زمان ومكان من خلال قيامهم بالأفعال المحسوسة والمرئية للبشر كتحريك الاشياء من أماكنها او كتابة السحر او ما شاكل ذلك.. لأن هذه الافعال ان جازت في زمان  ومكان ما جازت في غيرها وفي ذلك ما لا يَخفى من اخلال وافساد بالنظام الكوني العام القائم على سنن الهية كونية ثابتة منذ بدء الخليقة إضافة الى تعارض تلك الأفعال مع عدد من الآيات القرآنية التي تقصر عمل الشياطين على الوعد والتمني والإغواء والوسوسة...
ثالثاً: ان التفاسير لهذه الآية التي تتحدث عن ان الملكين هاروت وماروت همـــا من
 جنس الملائكة لا يمكن اعتمادها كون الملكين المذكورين لا بد وأن يتم معرفتهما جيداً من قبل أهل ذلك العصر سيما ان الفترة الزمنية الواجب قضاءها لإتمام عملهم في تعليم الناس السحر أو عمله باختلاف الروايات كفيلة بانكشاف أمرهم وبينونة الخلل باختلاف جوهرهم من امتناعهم عن الأكل والشرب والمسكن وغيرها من أفعال الاختلاف مع البشر ...
رابعاً: ان تجسد الملائكة بهيئة البشر في حال حصوله يكون تجســــــداً مؤقــــــتاً وذلك لمهام كبيرة توكل إليهم كتبليغ رسالات الأنبياء والرسل أو حمل البشارات او الانذار بالوعد والوعيد بهلاك  القرى والامم وليس من اعمالهم الالتقاء بسائر البشر والتحدث معهم...
خامساً: ثمة عدد من الروايات تتحدث عن إنزال ملكيـــــن الى الأرض بعد اعتــــــــــراض
      طائفة من الملائكة على أفعال أهل الأرض وارتكابهم المعاصي فأوحى الله عز وجل ان يختاروا منهم مَلَكيْن وجعل فيهم الطبائع البشرية من الحرص والامل والشهوة وقصة افتتانهم بالمرأة الجميلة وشربهم الخمر وقتل النفس وإفشاء السحر بين الناس وفي هذه الروايات ما لا يُخفى من الضعف والبطلان ذلك ان الملائكة خلق معصومين بالفطرة التكوينية ثُم ان اعتراض الملائكة كان قد سبقه اعتراض مشابه له في قصة خلق آدم وهو مما لا يتفق ولا يليق بتكرار الاعتراض مرة أخرى  سيما ان عقوبتهم من ربهم كانت بحسب بعض الروايات حجبهم عن نور القدرة سبعة الاف عام  ففي علل الشرائع عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)عن علة الاشواط السبعة انه قال- فحجبهم عن نوره سبعة الاف عام فلاذوا بالعرش سبعة الاف سنة فرحمهم وتاب عليهم وجعل لهم البيت العمور... الى آخر الحديث.
سادساً: لقد قصَّ القرآن الكريم ما يشبه عمل الملِكين- بكــــسر اللام- وهو الاقرب في
   آيات أخرى كما في قصة الملِك طالوت في نفس السورة الآية 246- والتي نراها اشارة واضحة لجنس" الملكين" قال تعالى:{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}  (البقرة:247)
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ المَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة:248)
   {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } (البقرة:249)  فآيات الملِكين هاروت وماروت من فك السحر وغيرها مما لم يذكرها القرآن لأنتفاء الحاجة لها في هذا الموضع- والله اعلم- هي عين آيات وكرامات الملك طالوت- إذ انّ اعمالهم جميعاً تتضمن التأييد والتسديد الالهي زيادة على هبة الحكمة والعلم التي يؤتيها الله من يشاء من عباده, ومن هنا يتضح ان التأويل الأرجح والاقرب والذي يمكن ايجازه بعد قراءة مختلف التفاسير هو الآتي:  بسم الله الرحمن الرحيم " واتبعوا ما توسوس به الشياطين للناس في ملك سليمان بأن سليمان كان ساحراً وليس نبياً...  وما كفر سُليمان وما كان ساحراً كما يقول هؤلاء وكما توسوس به الشياطين ولكن الشياطين كفروا بتعليم الناس السحر من خلال قذف بعض علوم السحر في قلوب السحرة فأضافوا الى علمهم بالسحر علماً آخر وهو علم الذي  أنزل على الملِكين - بكسر اللام- وهما من البشر هاروت وماروت واللذان أسبغ الله عليهما من فضله بواسطة نبي زمانهم, وما يعلمان من احد من إبطال السحر حتى يقولا له إنما نحن فتنة فلا تستغل ذلك العلم لأجل طلب الدنيا فتكفر فيتعلمون من هذين الملِكين ما يفرقون بين المرء وزوجه...وعمل التفريق هذا جاء كتحصيل حاصل- لأن عمل السحر يمثل وجهي الإفســــــاد والإصـــــــــلاح فالذين يتعـــلمون كلا  لوجهين مخيّرون في صرف هذا العلم نحو الخير أو الشر ففي حال نازعتهم انفسهم المكر وركنوا الى جانب الافساد والاضرار فليعلموا ان حتى ذلك الإضرار لا يتم الاّ بإرادة الله ومشيئته وهم بتعلمهم هذا لا ينالون لاّ غرضاً يسيراً واستمتاعاً وهمياً ليس له نصيب أو وزن في الآخرة بعد ان خسروا تجارتهم مع الله وباعوا أنفسهم للشيطان {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }...

 الآية الثانية                      بسم الله الرحمن الرحيم
        {الَّذِينَ يَأْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }   (البقرة : الآية 275)
 وفي هذه الآية أختلف المفسرون أيضاً فمنهم من ذهب الى ان هذا القيام يكون عند
بعث المرابين من قبورهم فيكون حالهم حال الممسوس الذي خالط عقله الجنون وسيطر الجن على حركاته وعقله في الحياة الدنيا...
   ومنهممن صرّح بوضوح وجعل الآية دليلاً على تلبس الجن بدن الأنس وان الآية تجسيد واقعي وحقيقي...
    ومنهممن قال بالمعنى المجازي للآية, وان اطلاق صفة الجنـــــــون جاء على ما تعارفت عليه العرب بزعمهم أن الشيطان يخبط الانسان فيصرعه وان الجني يمسه فيختلط عقله, والذي نميل إليه ونعتقد به هو الرأي الاخير... ذلك ان  التنزّل الالهي في الخطاب القرآني لا يغير من وجه الحقيقة الشيء, فعظيم ذنب الربا وماله من تبعات تهدد أسس المجتمعات البشرية وتقوّض أركانها أهم بكثير من استعمال لغة المجاز والتشبيه والامثلة السارية عند الناس...والله تعالى يتنزل اكثر من ذلك.. قال تعالى:{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (سبأ : 24)
فتنزل المرِسل والرسول الى مستوى مخالفيهم ومعانديهم بغية اقامة الحجج من الواضحات في مقاصد كافة الشرائع والكتب السماوية...ونظير ذلك قولـــه تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (البقرة:245) فالله تعالى وهو الخالق الغنّي  يتنزّل ليطلب المال من عبيده المملوكين له ومما ورد في صور التشبيه قوله تعالى عن طعام اهل النار "طلعها كأنها رؤوس الشياطين" وهذا التشبيه جاء على ما تعارفت عليه العرب من أن لرؤوس الشياطين مناظر قبيحة الشكل مع ان احداً منهم لم يرَ تلك الرؤوس على حقيقتها كما خاطبهم الله تعالى بما تعارفوا عليه من وجود موضع يزعمون انه أرض الجن وهو وادي عبقر فنسبوا إليه كل شيء تعجبوا من وجود صنعه وقوته فــــــــــقالوا عبقري فقال تعالى:{مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} (الرَّحمن:76) – والنصوص النبوية زاخــرة  بالكثير من نصوص التشبيه والاستعارة, فعن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) دعاءه عند التخلي
" اللهم اني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم" وعند الانتهاء " الحمدٌ لله الذي أماط عني الاذى وعافاني من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم " فلا يمكن القول ان الشيطان هو نفسه الغائط الموجود في
بدن الأنسان وانه يحمد الله لأنه تخلص منه- وفي الأثر عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قوله:" ان الحسد شيطان والغضب شيطان – فمع ان ظاهرة الحسد والغضب طبعان يصدران من البشر وان من يُحاسب على آثار كل منهما هو الأنسان نفسه الاّ ان ايكال ونسبة تلك الطباع والآثار المريعة قد صورها الإمام (عليه السلام) – بصورة شيطان لأجل تنفير المؤمن وابعاده عن تلك الصفات الممقوتة فطرة وشرعاً... الى غيرها من عبارات نسبة بعض الافعال المنكرة كالقهقهة والتثاؤب للشيطان  كما صرحت بعض الروايات الشريفة...
ثانياً: أن سائر الآراء التي ذكرها المفسرون لا تعني الاّ هتكاً واضحاً لســنن الهية  في العوالم ثابتة و مودعة في الخليقة والخلق ومخالفة صريحة للنصوص الدينية التي تؤكد على تحييد وتكليف معشر الجن وان كل ذلك يتم بمعزل عن العوالم الأخرى..
ثالثاً: أن القول بالتـــــأويل الظـــاهر للآية لا يستند الى دلـــــــــــيل فلم يثبـــــت ان النبي   (صلى الله عليه واله وسلم) طيلة البعثة المباركة قد عالج " ممسوساً" تخبطه الشيطان أو صرّح بحديث يُفهم منه مراد تأويل هذه الآية ...فإذا لم يثبت وجود الدواء لم يثبت وجود الداء..!
رابعاً: قد يُقال ان لبعض الأعمال الشيطانية التي يرتكبها الإنســــــــــــان دون ترٍو أثــــــر
 يؤدي الى نوع من الجنون الشيطاني.. أي يكون للشيطان على آثر هذه الأعمــــــــــال
فاعليته في الشخص يسبب اختلالاً عقلياً... وهذا القول لا يمكن اعتماده وذلك لأن الواقع البشري فيه كثيراً من شواهد عمل الكبائر وارتكاب الآثام الشنيعة والفظيعة كامتهان السرقة وعقوق الوالدين وممارسة الجنس المثلي والتعامل الربوي وربما كان منهم من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ويعتقد الاعتقادات الشركية والوثنية ومع ذلك فهم يتمتعون بقواهم العقلية الكاملة بل وكثيراً منهم يحمل الشهادات العليا ولهم باع طويل في حقول العلم والمعرفة وتقدم بلدانهم على سائر بلدان المسلمين..
وكذلك القول :- ان لبعض الأسباب الطبيعية كاختلال الأعصاب والآفات الدماغية
    هي من الأسباب التي وراءها الشيطان, هو قول من غير دليل ناهض فالشيطان ليس له سلطان ولا قدرة ولا تأثير على أية خلية من خلايا جسم الانسان بما فيها خلايا الدماغ كما ان الاستشهاد الذي جيء به- مرض أيوب (عليه السلام)- هو استشهاد بعيد عن الواقع إذ ان دعاء النبي لم يكن سببه المرض الذي أصابه وانما كان بســــبب وساوس الشيطان المستمرة له ولأهل بيته وما لقيه من شماتة الأعداء فقد قيل في الحكمة أشد من البلاء شماتة الأعداء.. فالمرض كان من الله والنصب والعذاب كان من الشيطان بالعنوان الذي ذكرناه...


خامساً: أن موضوعة استخدام لفظ التخبط او الجنون في الخطاب القرآني والذي
   يحتج به أصحاب نظرية " المس" من المفسرين واصحاب الحديث وغيرهم هو احتجاج واهي وغير دقيق... وذلك ان القرآن الكريم استعمل هذا اللفظ- الجنون- في كثير من آياته تماشياً مع ما يعتقده العرب من اعتقاد تلبس الجن بدن الانسان فهي من باب المجاراة في الاستعمال وليس من باب الاعتراف فقد أشارت تلك الآيات بشمول جميع الأنبياء والمرسلين بعراقيل وعقبات وضعها أهل الزيغ والضلال في طريق دعوتهم مثل اتهامــهم للسـعي لنيل الزعامة والرئاسة أو رميـــهم بالجنون" ان هو الاّرجلٌ به جنّة " كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الاّ قالوا ساحر او مجنون"  ثُم ان الرسل والانبياء كانوا بدورهم يحاولون توجيه من ارسلوا اليهم نحو عقيدة التوحيد وتبليغ الأحكام الالهية اضافة الى محاولات كانت تسير بمحاذاة تلك المحاولات الأصلية وهي دعوتهم لتغيير المعتقدات الباطلة والمفاهيم الخاطئة عن عالم الغيب وعلاقة الإنسان بربه وسائر الموجودات الحسية وغير الحسية- كالملائكة والجن والمس ونحو ذلك. كما استعمل الذكر الحكيم بعض التسميات وتبنى بعض الاطلاقات والمصطلحات التي سمّت بها طوائف وملل من الناس انفسهم لا على وجه الاعتراف بل تماشياً مع الواقع المفروض قال تعالى بشأن من تسموا بالنصارى{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}وقال في من سمّوا أنفسهم باليهود,{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ }, ثُم جعل تلك المسمّيات من المسلمّات فأقرَّ تسمياتهم تلك فقال:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }



روايات " المس" في كتب الحديث. .بين التحريف والتخريـف.."
   لعل القارئ الكريم يدرك جيداً بأن ما من كتاب أو مؤلف او حتى جواب استفتائي عن السحر الاّ ويتلمس من خلالها ذلك الارتباط والصلة الوثيقة بين السحر من جهة وتلبس "الشياطين والجن" بدن المسحور من جهة أخرى... وقد لا يُلام أحد من المتلقين على تصديق مثل هذه الصلة بعد ان ملئت بطون كتب التفسير والحديث والأدب والسير والتأريخ بألاف القصص والروايات حول هذا المعتقد ولا يلام أيضاً في تصديقه بعد ان صدّقه وآمن به عدد لا يستهان به من جهابذة الفقه واهل العلم استناداً الى آراء المفسرين للآيتين آنفتي الذكر" اعتماداً " على روايات سنحاول الوقوف على اهمها من جهة المتن تاركين مسألة السند وصحته لأهل الاختصاص والتحقيق...
 عن ام إبان بنت الوازع بن زارع بن عامر العبدي عن أبيها ان جدّها الزارع أنطلق الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومعه ابن له مجنون او ابن اخت له – قال جدي" فلما قدمنا على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قلت ان معي ابناً مجنون أتيتك به تدعوا الله له, قال ائتني به... قال فانطلقت به إليه وهو في الركاب وألقيت عنه ثياب السفر والبسته ثوبين حسنين واخذت بيده حتى انتهيت به الى النبي(صلى الله عليه واله وسلم) فقال أدنه مني واجعل ظهره مما يليني قال واخذ مجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظهره حتى رأيت بياض ابطيه ويقول أخرج عدو الله...أخرج عدو الله...فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الاول ثُم أقعده(صلى الله عليه واله وسلم) بين يديه فدعا له بماء فمسح وجهه ودعا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله يفضل عليه, وفي مصنف ابن ابي شبية -حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا عثمان بن حكيم قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلي بن مرة قال " لقد رأيتُ رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ثلاثاً ما رأها أحد قبلي ولا يراها احد من بعدي- لقد خرجتُ معه في سفر حتى إذا كُنا ببعض الطريق مررنا بامرأة  جالسة معها صبي قالت: يا رسول الله ابني هذا قد أصابه بلاء واصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم لا أدري كم مرة – قال ناولنيه فرفعته اليه فجعله بينه وبين واسطة الرحل ثُم فغرَ فاه فنفث فيه ثلاث  بسم الله انا عبد الله  أخسأ عدو الله قال ثُم ناولها اياه ثم قال القينا به في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا بما فعل.. قال فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث فقال ما فعل صبيك؟ قالت والذي بعثك بالحق ما أحسسنا منه شيئاً حتى الساعة فاحترز هذه الغنم قال أنزل فخذ منها واحدة ورد البقية قال وخرجت معه ذات يوم الى الجبانة حتى اذا برزنا قال أنظر ويحك هل ترى من شيء يواريني؟ قلت يا رسول الله ما أرى شيئاً يواريك الاّ شجرة ما اراها تواريك.. قال ما يقربها شيء؟ قلت شجرة خلفها وهي مثلها أو قريب منها قال أذهـــــــــب اليهما فقل لهما ان رســــــــــول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يأمركما ان تجتمعا بإذن الله فاجتمعتا.. فبرز لحاجته ثُم رجع فقال اذهب اليهما فقل لهما ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) يأمركما ان ترجع كل واحدة منكما الى مكانها قال وكنتُ جالساً معه ذات يوم اذ جاء جملٍ يخبب حتى  صوب بجرانه بين يديه ثُم ذرفت عيناه فقال: أنظر ويحك لمن هذا الجمل ان له شأناً فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته اليه فقال ما شأن جملك هذا؟ قال وما شأنه قال لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة ان ننحره  ونقسم لحمه قال فلا تفعل هبهُ لي أو بعهُ قال بل هو لك يا رسول الله فوسمه بسمة الصدقة ثُم بعث به....
  وفي رواية ثانية عن الصحابي نفسه يعلي بن مرة عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم)  أنه أتتهُ امرأة بأبن  لها قد أصابه لَمَم فقال له النبي(صلى الله عليه واله وسلم) أخرج عدو الله – أنا رسول الله قال فبرأ- فأهدت له كبشين وشيء من أقط وسمن- فقال(صلى الله عليه واله وسلم) يا يعلي خذ الأقط والسمن وخذ أحد الكبشين ورد عليها الآخر...
  وفي رواية ثالثة قال(صلى الله عليه واله وسلم)  أدنيه فأدنته منه فتفل فيه وقال أخرج  عدو الله انا رسول الله... وفي رواية ثالثة فثّع ثعّة- وفي رواية رابعة أخرج جرواً أسود من فم الطفل..!! وعن عثمان بن العاص  قال لما استعملني رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) الطائف جعل يعرض لي شيئاً في صلاتي ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحلتُ الى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) قال ابن ابي العاص؟ فقلتُ: نعم يا رسول الله قال ما جاء بك ؟ قلتُ يا رسول الله عرض لي شيئاً في صلواتي حتى ما أدري ما اصلي قال ..ذاك الشيطان.. أدنه فدنوت منه فجلس على صدور قدمي قال وضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال أخرج عدو الله ففعل ذلك ثلاث مرات.. ثُم قال ألحق بعملك...
والراجح بل المؤكد ان تكون الرواية الأخيرة قد انتهت عند قول الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) ذاك الشيطان- ويعني به(صلى الله عليه واله وسلم) وساوس وخواطر السوء التي يلقيها على المصلي ليلبس ويفسد عليه صلاته ثُم أضيف لها كما  أضيف لسائر الروايات الاخرى كلمات الضرب والثع والتفل والجرو الأسود وسائر الخزعبلات المخالفة للسنن الخالق عزَّ وجل في خلقه..
 ومما يؤكد عمل الوضع والتحريف والتخريف الموجود ضمناً في هذه الروايات هو ما جاء على لسان عثمان بن العاص عبر راوٍ آخر وهو عثمان بن بشر فانه حدّثه
بحديث يتفق وسيرة المصطفى(صلى الله عليه واله وسلم)- وان أغفل عن ذكر دعاءه-  قال سمعت عثمان بن العاص يقول شكوت الى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) نسيان القرآن فضرب على صدره بيده فقال عثمان- فعل ذلك ثلاثاً فما نسيتُ منه شيء احببت ان اذكره, عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أنه خرج في سرية- فأتى وادي "مجنة" فنادى اصحابه الاّ ليأخذ كلُّ رجل منكم بيد صاحبه ولا يدخلّن رجل وحده ولا يمضي رجل وحده.. قال  فتقدم رجل وحده فانتهي اليه وقد صُرع فأخبر بذلك(صلى الله عليه واله وسلم) فأخذ إبهامه فغمزها ثُم قال " بسم الله اخرج حيثُ انا رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم).."والمعلوم ان السرية لا يخرج على رأسها النبي(صلى الله عليه واله وسلم) بنفسه والاّ سميت غزوة, والرسول الاعظم(صلى الله عليه واله وسلم) في هذه الرواية لم يوصي أصحابه بالدعاء والاستعاذة من شرور الجن والأنس !! والجن لا تتلبس في الشخص اذا كان معه آخر ياخذ بيده..!! وهم يسكنون الوديان كما هو سائد في اعتقاد العرب قبل الإسلام..!!
   ثُم نقول.. اذا كان هذا حال جيش المسلمين وخوفهم من اعداء مفترضين على هذه الدرجة فكيف تمكنوا من قهر وتحطيم اقوى امبراطوريين في العالم..!! بل نحن على يقين من ان هذه السرية لو كانت للمشركين وكان  قائدها ابو سفيان لما أمرهم بمثل هذا الأمر المشين والمخجل...!!عن ابي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: " لا تمشي في حذاء واحد لأنه ان أصابك مسٌ من الشيطان لم يكد يفارقك الاّ ما شاء الله, وعنه أيضاً- عن الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال:" لايبيتنَّ احدكم ويده غمرة " ريح اللحم أو الدسم" فأن فعل فأصابه لمم من الشيطان فلا يلومّن الا نفسه...      
وثمة حديث آخر مشابه لمضمون تلك الروايات جمعت فيه كل هذه "المخالفات" ذكره الشيخ الكليني في كتابه" أصول الكافي" عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر الباقر(عليه السلام) قال:" من تخلى على قبر أو بال قائماً أو بال في ماء قائماً أو مشى في حذاء واحد أو شرب قائماً او خلا في بيت وحده وبات في غُمر فأصابه شيء من الشيطان لم يدعهُ الاّ ان يشاء الله فأن رسول الله خرج في سرية فأتى وادي مجنة.. وذكر الحديث..
   والقارئ الكريم يرى ان تلك الأفعال وان كان بعضها مخلاً بآداب الإسلام وارشاداته غير أن الراوي قد حمّل فاعلها من الآثام الكبيرة والذنوب العظيمة ما لا يستوجب ذلك العقاب النفسي الجسيم- فهل يعقل ان يسلّط الله الرحمن الرحيم الرؤوف بعباده "الجن" حسب زعمهم على من يشرب الماء وهو واقف او يمشي في حذاء واحد..!! أو يبيت نائماً وفي يده بقايا دسم اللحم...!!
  نقول.. على فرض سلامة سند ما سلف من روايات فلا يبعد ان تكون من الموضوعات التي دُسّت في كتب اصحاب الأئمة(عليهم السلام) فقد أخرج الكشي عن هشام بن الحكم أنه سمع ابا عبد الله الصادق(عليه السلام) يقول: " كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه- وكان اصحابه المتسترون بإصحاب أبي يأخذون كتب أصحاب أبي فيدفعونها الى المغيرة فيدّس فيها الكفر والزندقة ويسندها الى أبي ثُم يدفعها الى أصحابه ليبثوها بين الشيعة فكل ما كان في كتب اصحاب ابي من الغلو مما دسّه المغيرة في كتبهم, وعن أبي موســى الأشعريعن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) انه قال: "فناء امتي بالطعن والطاعون فقيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال(صلى الله عليه واله وسلم): وخز اعدائكم من الجن .. وفي رواية طعن اعدائكم.. وفي رواية طعن إخوانكم..!! كما ورد حديث " وخز اعدائكم من الجن" بعدة طرق منها ما أورده الدار قطني في العلل عن ابي مريم عن البراء بن عازب... وأخرجه الطبراني في الأوسط عن حجاج بن ارطاة عن كردوس بن عياش الثعلبي عن أبي موسى, وابو مريم وحجاج من الضعفاء الذين لا يعتمد عليهما كما نص عليه أصحاب الجرح والتعديل..
   نقول:- اذا كان هذا حال الروايات من جهة السند فلا أدّل على تهافت متنها أيضاً.. فأن اغلب ما لقيه ويلقاه وسيلقاه المسلمين من بلاء و"فناء" لم يكن الاّ بسبب نبذهم كتاب الله وسنة نبيهم وتحكيم الأهواء وتقليد الرجال وتكفير بعضهم البعض فأن كل ذلك من مصاديق الفناء وليس للجن المساكين صلة بالأمر كما زعم العبقري الطبري وغيره من القصاصين المفسرين!!
  وعن علي (عليه السلام) أنه قال : قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم): " اذا خلع احدكم ثيابه فليسم لئلا تلبسها الجن فأنه ان لم يّسم عليها لبستها حتى تصبح..
والرواية مروية عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن احمد قال حدثني ابو جعفر احمد بن عبد الله عن رجل عن علي بن اسباط عن عمه يعقوب , وذكر الحديث.. وفي الحديث علي بن ساباط أو أسباط- وهو مختلف في وثاقته فضلاً لروايته عن رجل مجهول ومتن الرواية مما يحكم بطلانه فأن الجن واقعاً هم متلبسون بدن الأنس ويسرون بأجسادهم كما يسري الدم في عروقهم كما هو مشهور حديث رســـول الله     (صلى الله عليه واله وسلم) وما اطبقت عليه الآيات والسور...
 وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال "ما من مولود الاّ وأبليس من الأبالسة بحضرته فأن علم الله أنه من شيعتنا حجبه عن ذلك الشيــــــطان, وان لم يكن من شيعـــــتنا أثبت الشيطان بإصبعه السبابة في دبره فكان مأبوناً وذلك ان الذكر يخرج للوجه فأن كان امرأة أثبت في فرجها وكانت فاجرة فعند ذلك يبكي الصبي بكاءً شديداً اذا خرج من بطن أمه والله بعد ذلك يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وحديث "السبّابة" هذا روي مرسلاً عن ابراهيم بن أبي يحيى وغير خفي مخالفة متن الحديث لعقيدة القضاء والقدر وما يتحلى به أهل البيت(عليهم السلام)من خُلقٍ ربّاني, وسمت نبوي في وصف مخالفيهم بالرأي والعقيدة سواء من أهل الكتاب أو من بقية المذاهب الأخرى... وعن محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن محبوب عن محمد بن عيسى عن سعدان عن حكم عن رجل عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: " قلتُ له أبيول الرجل وهو قائم؟   قال: نعم ... ولكن يتخوف عليه ان يتلبس به الشيطان..!!
  وبما ان هذه الرواية جاءت من طريق رجل مجهول فهي ساقطة من الأصل وليست محل احتجاج إضافة لمخالفتها ما نهى عنه أهل البيت(عليهم السلام) من إتيان هكذا أفعال أقل ما يُقال بشأنها أنها تسيء للذوق العام...
    وعن علي بن عبد العزيز قال حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا حماد بن سلمة عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:" ان امرأة جاءت بولدها الى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فقالت يا رسول الله ان به لمماً وأنه يأخذه عند طعامنا فيفسد علينا طعامنا.. قال فمسح رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ودعا له.. فثّع ثعّة . أي سعل- فخرج منه مثل الجرو الأسود يسعى....والحديثُ هذا يتعارض مع بعض الروايات السابقة التي رواها يعلي بن مرة وسفره مع الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) فأن تلك الروايات تخلوا من أي دعاء للصبي وخروج جرواً أسوداً باستثناء رواية فرقد السبخي والتي انتشرت فيما بعد عبر تعاقب الأجيال الى يومنا هذا... وفرقد السبخي هذا قد تكلم بشأنه رجال الحديث والجرح... فقد ذكره البخاري بقوله- في حديثه مناكير وقال الترمذي تكلم فيه يحي بن سعيد... وقال النسائي ليس بثقة... وقال الحافظ في تهذيب التهذيب كان ضعيفاً وقال عبد الله بن احمد بن حنبل سألتُ أبي فحرّك يده كأنه لم يرضه وقال ابن المديني لم يكن ثقة وقال الحاكم أبو احمد منكر الحديث, واما حماد بن سلمة فقد ذكر البيهقي ان البخاري تركه لسوء حفظه..
وعن احمد بن عبد اللهعن محمد بن علي عن عبد الرحمن بن ابي هاشم عن ابي خديجة عن ابي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال:" لا تدعوا آنيتـــــــــكم بغــــــير غطاء فــــــــــأن
 الشيطان اذا لم تغط الآنية بزق فيها واخذ مما فيها ما شاء..!
  وابو خديجة هو سالم بن مكرم وقد اختلف في توثيقه- فوثقه الشيخ النجاشي وضعفه شيخ الطائفة الطوسي- ومع ذلك فأن متن الحديث فيه من الغرابة والشذوذ ما لا يستحق الوقوف عليه وتفنيد مضمونه,  وعن الإمام الصادق في تأويل الآية { وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولَادِ }(الإسراء:64)  قال ان الشيطان يجيء فيقعد كما يقعد الرجل وينزل كما ينزل, والذي لديه أدنى مرتبة علم وفهم لكتاب الله لا يمكن ان يقول بمثل هذا القول- فكيف ينسب الى الإمام هذا التأويل!!
   فمعلوم ان المشاركة في هذه الآية وغيرها أنما جاءت كتعبير مجازي وليس بمعنى الحس والحقيقة... فالشياطين من وراءهم ابليس لا يحتاجون الى أمر الهي للقيام بمهامهم او تعليمهم صنعتهم وانما سياق الآية موجه الى بني آدم لتحذيرهم ونهيهم عن اتباع وساوس وخطوات الشيطان فهي تعني ان كل مال لم يكتسب بالطرق الشرعية التي أرادها الحق تبارك وتعالى وانفق في معصيته فأن للشيطان فيه نصيب وشرك والأولاد كتحصيل حاصل لهذا المال الحرام يكونوا تبعاً للمال الحرام... لذا أطلق عليهم الذكر الحكيم تسمية شياطين الإنس... وإلى هذا يشير الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث هو نقيض ما نسب إليه من تأويل  حيثُ يقول: " من لم يبال ما قال وما قيل فيه فهو شرك شيطان, ومن لم يبال ان يراهُ الناس مسيئاً فهو شرك شيطان , ومن اغتاب اخاه المؤمن من غير ترةٍ بينهما فهو شرك شيطان, ومن شغف بمحبة الحرام وشهوة الزنا فهو شرك شيطان" ..!!



بدعة الآذان لطرد الجان ... آثارها وتداعياتها...!!
  روي ان زيد بن أسلم أستعمل على معدن لبني سليم وكان معدناً لا يزال يُصاب فيه الناس من قبل الجن فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالآذان وان يرفعوا أصواتهم به ففعلوا فأرتفع ذلك عنهم, قال مالك: وأعجبني من رأي زيد بن أسلم..!!
 وإعجاب مالك هو أن زيداً فهم فرار الجن من الآذان من قول لرسول الله(صلى الله عليه واله وسلم):  "اذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين", وزيد بن أسلم هو من التابعين ورأيه هذا وحسب قول الإمام مالك هو من عنده واجتهاده ومع ذلك فقد صار عمله واجتهاده سنة جارية الى يومنا هذا خاصة في الفضائيات المخصصة لعلاج ما يُعرف " بالمَّس" فهم يؤذنون ويرفعون أصواتهم عالياً تأسياً بما فعله ذلك التابعي... ثُم أن كثيراً من فقهاء المسلمين واهل العلم" قد اعتمدوا على تلك القصة في إصدار فتاويهم الخاصة بجواز اقتناء الكنوز التي يمتلكها الجن..!! وخصصّوا له حكماً وباباً مفرداً سُمي" بحكم فك الرصد عن طريق استخدام الجن" والذي يمكن فهمه من رواية زيد هذه ان هناك من عمد الى نشر رواية اصابة الناس بالجنون في حال وصولهم هذه المنطقة الغنية بالمعادن لئلا تتعرض للنبش والسرقة ولا شّك انه من دهاة ولاة الأمويين... وليس ذلك بالمستبعد... فقد تناقلت وسائل الإعلام والصحف مؤخراً ان عُلماء الآثار والتنقيب في مصر أشاعوا مرض" لعنة الفراعنة" التي تصيب كل من يدخل او يقترب من آثار  الفراعنة الزاخرة بالمعادن الثمينة والمجوهرات النفيسة, ثُم تبين فيما بعد ومن خلال احد أفراد فرق التنقيب ان هذه اللعنة ليست سوى إشاعة لإبعاد اللصوص عن السرقة...
    فيما عدَّ الباحث الأثري" فرنسيس أمين" ان اسطورة الرصد الجني" الحارس للمقبرة" وبأشكاله المختـــــلفة ترجع الى براعة المصريـــــين القــــــــدامى الذين برعوا في  تصــــــــــوير
 مختلف آلهة الحراسة على جدران المقابر خوفاً من يد اللصوص فنجد كُل من الالهة" أيزيس ونفتيس وأسلكت ونيت" وهي تحيط بأجنحتها حول التابوت واحياناً أخرى على شكل رأس حمار- قطة –خروف... وغيرها...
  واستناداً الى ما تم ذكره من موروث روائي واحياء له من فتاوي فقد تنامت في بعض المجتمعات  كالمغرب العربي ظاهرة خطف الأطفال الذين يُطلق عليهم من طرف المشعوذين" أسم زهري" إذ يحاولون حسب معتقداتهم ان يستخرجوا بواسطة هؤلاء الأطفال الكنوز المدفونة تحت الأرض في اماكن يحرسها الجن وتتمثل هذه العلامات للطفل الزهري ان في كف يده اليمنى خط مستقيم متصل يقطعها بشكل عرضي ولسانه مقسوماً بخط طولي وعيناه ذات بريق خاص وتكون نظرة العين اليمنى كأنها تصب في العين اليسرى- ويعتقدون ان الزهري ينتسب الى ذرية الجن ولكن اُستبدل حين ولادته بمولود من البشر لهذا يكون هذا الطفل مميزاً ومقرباً الى الجن ولا يخشى منه.. ويستطيع بحدسه ان يرى أشياء لا يدركها الأنسان العادي..!!  والحقيقة ان هذا غيض من فيض استطعنا ان نضعه بين يدي القارئ الكريم ومن مصادر تُعّد أهم مصادر تشريع السنّة النبوية وما احدثته أيدي الوضاعيّن والمحرفين للحقائق في تلك السُنّة عبر التاريخ... ونجد من المهم الإشارة الى مسألة مهمة ربما تغاضى عنها أولئك الرواة أو أفلتت من قبضتهم على أحسن الظنون وهي خلو تلك المصادر من ذكر روايات تثبت قيام خلفاء الرسول سواء من الصـــــحابة أو الأئمة (عليهم السلام) من خلال "معجزاتهم" بما قام به الرســــــــــول(صلى الله عليه واله وسلم) من علاج مفتــــــــــرض " للمَّس" رغم تشبث هؤلاء المدعيّن بحديث يرونه عن الرســــــــــول(صلى الله عليه واله وسلم) عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي..!!  نعم هُناك سُنّة مخترعة أسسها الحنابلة وزاد عليها ابن تيمية وابن القيم وجددّها أبنائهم من الحركة الوهابية كما نبين ذلك في موضع لاحق من هذا البحث...!!
من يفـــــــــك السحر...؟
  ان قضية الشفاء من السحر والطرق المتبعة للشفاء منه لا بد يحيلنا ببداهة للعبارة المألوفة والمركوزة في عقلية وثقافة الأعم الأغلب من المسلمين بما فيهم رجال الدين وهي عبارة "فك السحر" حتى إنا لا نلفي كتاباً او حديثاً عاماً في السحر يخلوا منها وللتعرف على هذه القضية وجدلية الشفاء المطروحة في ساحة الفقه الإسلامي وصلتها بالعبارة المذكورة ينبغي علينا طرح التساؤل التالي من يفك السحر... ؟
  فإن كان الجواب انه الساحر الذي عمل السحر او غيره من السحرة فقد ثبت بطلان هذا القول بجملة روايات متواترة تقضي بحرمة إتيان وتصديق الساحر وأيضاً ما عليه اجماع فقهاء المسلمين وفتاويهم بحرمة تعّلم السحر وتعليمه, وان قيل ان ذلك واجب كفائي كما هو رأي بعض العلماء فالأمر غير واضح لعامة المسلمين فلم يحصل الى الآن من تصدى لهذا العمل من فقهاء ومراجع المذاهب الإسلامية رغم عدالة وتقوى الكثير منهم...
وبعد عرض الأجوبة اعلاه وتسقيطها من الحلول فأنه لم يبق اما منا غير الرجوع الى السّنة النبوية المطهرة المتمثلة بأحاديث الرسول وال بيته (صلوات الله وسلامه عليهم) فكلمة فك السحر- لا يوجد لها أي مكان أو أثر في جميع الروايات والأخبار الواردة عنهم... والأرجح أنها اقترنت مع كلمة طلسم والذي هو بدوره كلمة ومصطلح غير عربي.. فالطلسم كما هو معروف وشائع حروف وارقام وخطوط وكلمات مبهمة  تحتاج الى من يفك سرّها... ولعل انتشار وذيوع تلك الطلاسم في فترة التاريخ الإسلامي اوحى لكثير من المسلمين ومنهم رجال الدين الى ان حل ومعرفة فك هذه الطلاسم يعد فكاً لعمل السحر سيـــــما اذا علمنا ان تلك الفتــــــرة من التاريخ هي فـــــــــترة كانت قد سُلبَ منها جوهر الدين الحقيقي ولم يبق منه الاّ مظاهر زائفة ومؤلفات مترجمة من باقي الحضارات والأديان كاليونانية والهندية و اليهودية والنصرانية حيثُ اعتبرت في حينها مصدراً أو مرجعاً لكثير من معتقدات المسلمين وحلولاً لعللهم وأسقامهم النفسية والحسية كما بينا ذلك في موضوعة تأثر المسلمين بالحضارات المجاورة لهم, وان شئنا الحديث والبحث في الخطوات الواجب إتباعها لأجل حلحلة هذه القضية وما جرى عليها من لبس في الفهم فينبغي علينا اولاً البحث في المفهوم الارتكازي لدى المسلمين عن السحر وطرق عمله وإصابته لهم وما نقلته المدونات الإسلامية من موروث بهذا الشأن... فالمتعارف لدى الأعم الأغلب من المسلمين والذي لا يُشكل عليه كثيراً من المتشرعة أن السحر غالباً ما يأخذ مفعوله وتأثيره في المسحور عندما يكون عن طريق الاكل والشرب وعندئذ تكون المرحلة قد وصلت الى درجة من الغموض والتعقيد يصعب جلاءها وحلّها الاّ عند من أصطنع هذا السحر ومع شديد الاسف فأن لمثل هذه التصورات والأفكار لها ما يعضدها بل يعين عليها في احياناً اخرى عن طريق ما يُطرح بصورة عشوائية ومكرورة وممنهجة من رؤى وآراء وفتاوى في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية مع ان المتمعن في النصوص الروائية التي كتبت في خضّم فوضى نقل وتدوين الحديث لكلا المدرستين- الإمامة والصحابة لا يجد الى ما يشير الى مثل هذه الدعوات والمزاعم, وتتميماً لما سلف من حديث دور رجال الدين ومراجع التقليد وفتاويهم  في طرق فك السحر فقد جاء هذا الدور في اغلبه غامضاً ومصحوباً بنظرة ضبابية اسهمت بشكل او بآخر في تعقيد هذا المصطلح وهذا الفهم فمنهم من اعتبر" الطلاسم شفاءً وعلاجاً لفك السحر وإبطاله" وان جهل مضمونها وصورها وكيفية تشكلها وتسربها كموروث ديني, ومنهم من وقف موقف المتفرّج واخذ سبيل الاحتياط تاركاً المسألة تخضع للتجربة وسوق المضاربات والمزايدات من اصحاب المؤسسات الروحانية واهل الزعم بالتداوي بالأعشاب والرقى والعوذات, فيما أفتى آخرون بجواز الاستعانة بالجن لفك السحر وإخراجه فزاد الطين بلّة فكان حال المستفتي عنده كالمستجير بالرمضاء من النار..!
فيما رجّحَ غيرهم واستناداً الى بعض المرويات ان مجرّد العثور على عمل السحر هو فكاً وإبطالاً له... وكمثال على الرأي الأخير وما هو مقطوع بصحته ومتسالم عليه عند السواد الأعظم من المسلمين نقرأ هذه الرواية...
عن ابن عباسقال:" ان لبيد بن أعصم اليهودي سحر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ثُم دسّ ذلك في بئر ذروان فمرض رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فبينا هو نائم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فأخبراه بذلك وانه في بئر ذروان في جف طلعة تحت راعوفة- والجف هو قشر الطلع- والراعوفة هو حجر في أسفل البئر يقوم عليه الماتح فأنتبه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وبعث علياً (عليه السلام) والزبير وعمار فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا فيه مشاطة رأس وأسنان من مشطه وإذا هو معقّد فيه أحدى عشر عقدة مغروزة بالإبر فنزلت هاتان السورتان فجعل كلما قرأ آية أنحلت عقدة ووجد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) خفّة فقام كأنما نشط من عقال- وجعل جبريل يقول : " باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين الله يشفيك..!!
 وأما من طرق اخرى... فقد أورد البخاري عن عائشة انها قالت: " سحر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) رجل من بني زريق يقال له لبيد بن اعصم حتى كان يُخيل اليه انه يفعل الشيء وما فعله.. حتى اذا كان ذات يوم وذات ليلة وهو عندي لكنه دعا و دعا ثُم قال : " يا عائشة أشعرت ان الله افتاني فيما أستفتيه فيه, أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي فقال أحدهما لصاحبه :  ما وقع الرجل؟ فقال : مطبوب.. قال : وما طبه؟ قال : لبيد بن أعصم... قال: في أي شيء؟
قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر....قال: واين هو؟ قال: في بئر ذروان...فأتاها(صلى الله عليه واله وسلم) في ناسٍ من أصحابه وقال (صلى الله عليه واله وسلم): يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء او كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين... قلتُ: يا رسول الله أفلا استخرجته؟
قال(صلى الله عليه واله وسلم): قد عافاني الله فكرهتُ ان أثور على الناس فيه شراً, فأمر بها فدفنت" وأيضاً ما رواه البيهقي في سننهِ عن عائشة قالت:" فأتاهُ جبرائيل بالمعوذتين فقال: يا مُحمد –قل اعوذ برب الفلق وحلّ عقدة- من شر ما خلق وحل عقدة .. حتى فرغ منها... ثُم قال : قل أعوذ برب الناس وحلّ عقدة ... حتى فرغ منها وحلَّ العقد كلها, والذي يهمنا في هذه الروايات هو تأصيل قضية البحث والعثور على السحر من عدمه- فالرواية الأولى ذكرت ان البئر قد نزحت من قبل الصحابة الثلاث واستخرجوا عمل السحر... والرواية الثانية تنفي استخراج عمل السحر وانه دفن مع البئر... فيما لم تتطرق الرواية الثالثة لأي شيء من هذه الأعمال...
واذا كانت هذه التناقضات والارتباكات الواضحة كفيلة بإسقاط الرواية مع اختلال في سندها اذ جاءت عن طريق الآحاد وهي عائشة زوج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فأن جملة ما سنلقيه من إيضاحات كفيلة بنسفها تماماً:-
أولاً: خلو تلك القصة من أسم لزوجات النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الأخريــــــــات لتـــــــــروي لنا  ذلك الخلل أو المرض الذي أصاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من تخييل اتيان النساء سيما ان ذلك السحر قد أستمر لمدة ستة أشهر حسب رواية الإمام احمد بن حنــــبل وانـــه   (صلى الله عليه واله وسلم) كان يقسم لياليه بينهن بالعدل والمساواة...
ثانياً: كيف تسنى للنبي(صلى الله عليه واله وسلم) من إدارة شؤون المسلميـــــــن الدينية والدنيوية من
    إقامة صلاة والقضاء بين الناس وتلقي آيات القرآن من الوحي وهو على تلك الحال...!!
ثالثاً: كيف استطاع ذلك الساحر من الوصول الى مشاطة رأس النبي (صلى الله عليه واله وسلم)
    أسنان من مشطه- مع صغر حجمها-ومن أي مكان حصل على تلك الأشياء؟ ومن الذي أوصلها إليه... ؟!
رابعاً: كيف تكمن ذلك اليهودي من وضع عمل السحر داخل البئر... فهل قام بنزح
     ماء البئر لوحده؟ ولِمَ هذا العمل الشاق وهذه المفازات والمقابر تصلح لإخفاء عمل السحر حسب ما هو شائع ومتعارف...
خامساً: أن نزول الملكَين لإخبار النبي(صلى الله عليه واله وسلم)بتواجد عمل السحر ودعوة أصحابه
     للبحث عنه لا يعني الاّ تشريع سنّة ثابتة تحثُ المسلمين بموجبها على تتبع مكان عمل السحر.. فأن فعل النبي وقوله وتقريره يعد من مصادر تشريع السنّة كما لا يخفى... وبالقياس فأن ليس على المسلمين حرج أو أثم من اللجوء الى مصادر الغيب والتكهن والوقوف على أبواب العرّافين والسحرة لأجل معرفة مكان تواجد عمل السحر..!! وربما كانت قصة سحر النبي(صلى الله عليه واله وسلم) على ما مرّ ذكره سبباً لمجعولات ومزاعم أصابته بالعين أيضاً .. فقد تناول بعض المفسرين  الآية الكريمة {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {51}وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ {52} } (القلم:51-52)  فقد ذكر البغوي في تفسيره قولاً للسدّي – يصيبونك بعيونهم..وفي تفسير القرطبي قولين:-
الأول: أراد بعضهم ان يصبه(صلى الله عليه واله وسلم) بالعين فنظر اليه قــــــــوم من قريش وقالوا ما
       رأينا مثله ولا مثل حججه..
الثاني: قيل ان العين كانــــــت في بني أســــــــد حتى ان البقرة السمينة او الناقة السمينة
      تّمّر بأحدهم فيعاينها ثم يقول يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة فما تبرح حتى تقع وتموت ثُم تُنحَرْ... وهو أيضاً قول ابن كثير في تفسيره, وقال الكلبي.. كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئاً يومين أو ثلاثة ثُم يرفع جانب الخباء فتّمر به الأبل أو الغنم فيقول لم أر يوم أبلاً وغنماً احسن من هذه فما تذهب الاّ قليلاً حتى تسقط منها طائفة هالكة... فسأل الكفّار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي(صلى الله عليه واله وسلم) بالعين فأجابهم فلما مرّ النبي(صلى الله عليه واله وسلم) أنشد
قد كان قومـــــك يحسبــــــــــون أنك سيداً          وأخــــــــــــــــال أنــــــــــــــك سيـــــــــــــــــــداً معـــــــــيونٌ
فعصم الله نبيه ونزلت الآية الكريمة {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ {51}وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ {52} } (القلم:51-52) .. أ.ه.
   نقول: ربما كان من وحي هذه التأويلات وما يلقى على أسماع الناس من قصص أن شاعت بين المجتمعات المسلمة تعويذة الكف والعين والتي تشير الى إصابة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بالعين لولا ان تلقاها بكفه غير ان ثمة تأويلات مغايرة لا تستند الى ما أسند إليه هؤلاء ممن كان همهم وشغلهم تقديس الصحاح والدفاع عن اصحابها وما سطرّوه من روايات على حساب قدسية القرآن والرسول- ومن هذه التأويلات ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره الكبير فيوجز القول: " بأنهم أي الكفّار من شدة تحديقهم إليك ونظرهم إليك شزراً بعيون العداوة والبغضاء يكادون يزلون قدمك" ومن قولهم نظر اليّ نظر يكاد يأكلني لو أمكنه بنظرة الصرع أو الأكل لفعل... قال الشاعر:
يتقـــــــــــــــــــــارضــــــون اذا ألتقوا في موطن         نظـــــــــــــــــراً يزل مــــــــــــــــواطن الإقدام
وانشد أبن عباس لمّا مرّ بأقوام حددّوا النظر إليه....
نظــــــــــــروا اليّ بأعيــــــــــــــــــــن محّــــــــــــمرة        نـــــــــــــظر التيـــــــــــوس الى شــــــــــفارِ الجازرِ
ومهما يكن فأن تهافت الأقوال والآراء من إصابة الرسل والأنبياء بالسحر والحسد
وبطلانها أمر لا يحتاج الى برهان ودليل بعد ان بلغوا كمال اليقين والتوكل فضلاً عن ما جُبلِتْ عليه نفوسهم من ذكر لله عزَّ وجل لا يفتر ومن كان حاله هذا كان حرّي بربه حفظه من السحر والحسد.. نعم قد يكون من مراتب الحسد ما يدبّره الحُسّاد من أساليب خديعة ومكر وتشهير واضلال وتضليل الى ان ينتهي بهم المطاف بعد فشل تلك المحاولات امّا بالوشاية عند حُكام وولاة الجور والظلم او بإشهار السلاح بوجههم وقتلهم والتنكيل بهم كما هو شأن ومصير الدعاة والمصلحين على مر التاريخ... على أنا ومن خلال استقصاء الحيثيات الموجبة لقراءة هذا اللون من الروايات الى الاف أُخر مبثوثة في بطون الكتب المعتبرة وغير المعتبرة اعرضنا حتى عن ذكر أسمائها وعناوينها فأنه يمكن إجمالها وحصرها في ثلاث مستويات:-
المستوى الاول: طائفة من الروايات رواتها الصحابة أومن تأثرّ بهم من التابعين لاشك
     ان هؤلاء جميعاً قد حملوا عند اسلامهم آثارِ واخبارِ ومعتقدات كانوا  يؤمنون بها في الجاهلية ثُم أنهم استعملوا بعضاً منها في تأويل ما أشكل عليهم من نصوص قرآنية ونبوية, لاشَّك أيضاً أنهم لم يكونوا بنفس القدر والمرتبة من العلم والإيمان...
وما مرَّ وسيمّر من خلال البحث من تدوين غريب الروايات وشواذها في كتب التفسير والحيث رغم ما بذل من جهود استثنائية لغربلة و تنقيح الكم الهائل منها الاّ ان عدد لا يُستهان به قد بقي شاخصاً الى يومنا هذا...  ومن ابرز وجوه هذا المستوى...أبو هريرة الدوسي, وأبو موسى الاشعريّ, وعبد الله بن مسعود وعثمان بن العاص وزيد بن أسلم, والوليد بن عقبة بن أبي معيـــــــــط وكعـــــــــــــب الأخبار وغيرهم...
 المستوى الثاني: طائفة من الروايــــــــــات رواتها الصـحابة والتابعــــــــين ممّن كانوا يعتنقون
           الديانتين اليهودية والنصرانية, وقد أستغل هؤلاء الفراغ الحاصل لدى المسلمين الاوائل من عدم وجود مرجعاً يفسر لهم غموض بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن الخليقة, وقصص الأنبياء والعقائد مع ما صحب ذلك الفراغ من وجود منعاً واضحاً لتدوين السنّة... ومعلوم ما تحويه كتب الإنجيل والتوراة من اختلاف واختلاق مرويات مدسوسة وقصص خرافة وأساطير... ومن أشهر هؤلاء- كعب الاحبار, وعبد الله بن سلام, وأبي بن كعب , ووهب بن منبه, وتميم الداري... فأما كعب الاحبار فقد  نقل المؤرخون تهديد عمر بن الخطاب له: "اذا لم تترك الحديــث عن رسـول الله       (صلى الله عليه واله وسلم) الحقتك بأرض القردة... وفي تذكرة الحفاظ للذهبي أنه ملأ الشام وغيرها من البلاد الإسلامية بخرافات اليهود, كما فعل تميم الداري بخرافاته وقصص الإنجيل المحّرفة, ومن بينها حديث الجساسة والتقاءه بالمسيح الدجال في جزيرة بالبحر والحيوان الخرافيّ الذي تكلم معه... ولا يختلف وهب بن منبه عن سابقيه من روايته الغرائب والعجائب حتى ان مفسراً كأبن كثير والمعروف عنه عدم التمحيص في النقل ربما أشتكى منه ومن كعب الأحبار ومنقولاتهما فيقول سامحهما الله تعالى فيما نقلاه الى هذه الإمة من اخبار بني اسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان ومما لم يكن ومما حُرّف وبدّل ونسخ..!!
  المستوى الثالث: طائفة من الآراء والاقوال أُنزلتْ بمنزلة الروايات والنصوص المقدسة
          فيما عدّ اصحابها واجتهاداتهم بمثابة المراجع أو الناطقين باسم الإسلام والمسلمين... وظهرت تلك الطائفة خلال القرون الوسطى – السادس والسابع والثامن الهجري, حيثُ سيطر على أصحاب هذه الطبقة من العلماء نزعة عدم التحري والبحث والتدقيق لكل ما ينقلون و يتأولون... كما يمكننا توصيف تلك الحقبة من تاريخ المسلمين بحقبة القرون الوسطى في اوربا  وما شاع عندهم من وأدٍ لروح التجديد والإبداع وغرس لثقافة التقليد والاتباع الاعمى...
   ويمكن تقسيم هذا المستوى الى ثلاث فرق أو تيارات:-
1- تيّار التصوف: ويــعّد هذا الاتـــــــــجاه والتيار الأوفر حظــــــــاً في ذلك العصر في
            استقطاب عوام المسلمين نحوه بعد ان سادهم التخلف والجهل واستشرت الامراض والأوبئة الفكرية والحسية واستولى عليهم شعورهم باليأس والهزيمة أثر اندحارهم على يدي المغول التتار, فكان ان وجد هؤلاء ضالتهم وما يخفف عنهم غلواء ما يجدون عن طريق إيمانهم بأفكار ومعتقدات التصوّف الزاخرة والمليئة بقصص الكرامات والمعجزات والتي غالباً ما تكون مرتبطة بعالم الغيب من الملائكة والشياطين والجن وقضايا السحر والحسد وغيرها... ومن رجالات ذلك الاتجاه وأعلامهما محي الدين ابن عربي, والسهروردي , واحمد الرفاعي, وعبد القادر الكيلاني, واحمد بدوي والبوني صاحب شمس, المعارف الكبرى... ولا يَخفى ما لمؤلفات هؤلاء من أراء باطلة ومقالات فاسدة كالقول بوحدة الوجود وأعمال للسحر والشعوذة...
2- تيّار السلفية: ويتزعم ذلك التيار أحمد بن عبد الحليم أبو العباس المشهور بأبن
             تيمية وتلميذه أبن القيّم وسيمر بنا من خلال البحث دور كل منها في ترسيخ كثيرٍ من الآراء والاجتهادات المخالفة للكتاب والسنّة...
3-ثلة من العلماء والفقهاء المتأثرين بشكل أو بآخر بالتصوف وربما كان لاتصال
          البعض منهم أو الاقتباس من كتبهم أثراً واضحاً في أعمالهم ومؤلفاتهم كضروب الأدعية المختلقة او طرق الاستشفاء من أمراض السحر والحسد وغيرها. ومن جملتهم الخواجة نصير الدين الطوسي وآل طاووس " وفي مقدمتهم الشيخ رضي الدين علي بن موسى" والشيخ " رجب الدين البرسي" , ورضي الدين ابي نصر الطبرسي , وتقي الدين علي بن ابراهيم الكفعمي .. وغيرهم..







السلفية الوهابية... وتأزيم اشكالية بدعة " المَّس"
   مثل ما عرف عن هذا المذهب الغريب في فقهه الشاذ في عقائده الكثير من الاجتهادات  الخاطئة ازاء النصوص المقدسة وجرأته علناً بتكفير مخالفيه فقد عرف أيضاً بتقديس الموروث بكل مؤاخذاته وسلبياته وتقليد غلاة السلف بكل معايبهم وخطاياهم... فمنذ قرابة الثلاثة قرون على فرض هذا المذهب بالنار والحديد في شبه جزيرة العرب وسعيه لطمس آثار بقية المذاهب الإسلامية فأن اتباعه ما برحوا يأتون بالأعمال المنكرة والاعتقادات الباطلة ولا سيما ما يعتقدونه في قضايا السحر والحسد.. فالمتتبع لوسائل الإعلام التابعة لهذا الفكر وما يمتلكهُ من ماكنة اعلامية ضخمة ومنها الفضائيات يجد أنها لا تخلوا من اجترار لهذين المعتقدين وما يدور في فلكها من قضايا المس او تلّبس الجن لأبدان المسلمين وطرق اخراجهم منها...

   وكما هو معلوم فأن أفكار وعقائد هذا المذهب وتعاليمه له من الجذور ما يتغذى منها وما يؤمن بها... فالمدرسة الوهابية بزعامة محمد بن عبد الوهاب هي امتداد لمدرسة ابن قيّم الجوزية والأخير تلقى علومه وتلمذته على يد ما يعرف بشيخ الإسلام" ابن تيمية" والذي كان بدوره من مجددي مذهب الإمام احمد بن حنبل والذي يهمنا في هذا الجانب هو اجتماع تلك المدارس على النهج المغلوط المتوارث في علاج ما يسمونه "الممسوس" ومخالفتهم النصوص الصريحة من الكتاب والسنة النبوية.. فقد جاء في احد  كتبهم المسمى " بطبقات الحنابلة" للقاضي ابي الحسين بن ابي يعلي الفداء- ان الإمام احمد بن حنبل كان يجلس في مسجده فأنفذ إليه الخليفة العباسي المتوكل صاحباً له يُعلمه ان جارية بها صرع وسأله ان يدعو الله  لها بالعافية .. فاخرج له احمد نعلي خــــــشب بشراك من خوص للوضوء فدفــــــعه الى صــــاحب له وقال له أمضي الى دار  أمير المؤمنين تجلس عند رأس الجارية وتقول له- يعني الجن- قال لك احمد ايما احب إليك  تخرج من هذه الجارية او تصفع بهذا النعل سبعين...؟!
   فمضى إليه وقال له مثل ما قال الإمام احمد فقال له المارد على لسان الجارية السمع والطاعة لو أمرنا احمد لا نقيم بالعراق ما أقمنا به ... أنه أطاع الله ومن اطاع الله اطاعه كل شيء... وخرج من الجارية وهدأت ورزقت أولاد.. فلما مات احمد عاودها المارد... فانفذ المتوكل الى صاحبه ابي بكر المروّذي وعرّفه الحال... واخذ المروّذي النعل ومضى الى الجارية فكلمه العفريت على لسانها... لا اخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا اقبل منك... احمد بن حنبل اطاع الله فأمرنا بطاعته... يقول"شيخ الإسلام" ابن تيمية ان دخول الجني بدن الأنسي وتكلمه على لسانه بأنواع الكلام وغير ذلك أمرٌ قد علمهُ  الكثير من الناس بالضرورة ثُم يضيف... كما قد فعلنا نحن هذا وجربناه مرات كثيرة يطول وصفها بحضرة خلق كثيرين..!! ثُم يضيف... وهذا الذيّ قالها أمر مشهود يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يُعرف معناه ويُضرب على بدنه ضرباً عظيماً والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله..!! ثُم يأتي من بعده ابن قيم الجوزية ليكمل سنّة شيخه فيذكر مشاهداته لشيخه ابن تيمية فيقول" وشاهدتُ شيخنا يرسل الى المصروع من يخاطب الروح التي فيه    ويقول- قال لكِ الشيخ- اخرجي فان هذا لا يحل لكِ- فيفيق المصروع- وربما خاطبتها بنفسه.. وربما كانت ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق المصروع وقد شـــــــــاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مراراً.. والحق ان هذه البدعة ليست الاولى في تاريخ هذه الفرقة فلقد ابتليت الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها بضروب البدع والفتاوى التي يكفرون بها المسلمين لأتفه الأسباب والمعتقدات فقد عملوا من خلال فتاوى شيخهم الأكبر أبن تيمية على انتهاك الحرمات والمقدسات بل يروى انه كان يقود الحملات العسكرية بنفسه فيشن الغارات  على القرى الآمنة فيحرقها ويقتل رجالها ويسبي نساءها... ومن أجل ذلك كثر نقاده وزاد مناؤيه من بقية المذاهب الإسلامية... يقول فيه الحافظ بن حجر في الدرر الكامنة "وإياك ان تصغي الى ما في كتب  ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله وكيف تجاوز هؤلاء الحدود وتعدّوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا انهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك.. أ.ه. واما الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي فيقول فيه: " ثُم ظهر لي من حاله انه ليس ممن يعتمد عليه في نقل ينفرد به لمسارعته الى النقل لفهمه ولا في بحث ينشأهُ لخلطه  المقصود بغيره وخروجه عن الحد جداً- ويصرح القنوي بأنه من الجهلة بحيث لا يعقل ما يقول..!!   وفي رسالة الذهبي تقريع شديد وتوبيخ عظيم أذ يكتب إليه " فيا خيبة من اتبعك فأنه معرّض للزندقة والانحلال فهل معظـــــم اتباعك الاّ قعيد مربوط خفــــيف العقــــــــل وعامي كذّاب بليد الذهن او غريب واجم قوي المكر او ناشف صالح عديم الفهم... الى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح والله بها أحاديث الصحيحين.. أما آن لك ان ترعوي؟  أما آن لك ان تتوب وتنتهي؟!وفيما أوجز الحافظ ولي الدين ابي زرعة العراقي رأيه فيه.. بأن علمه أكثر من عقله.. كان الحافظ ابو حيان الأندلسي  معرضاً آنفاً من الرد عليه بقوله هذا لا يستحق الخطاب..!. وبما ان القائمة تطول الى حد تأليف البعض مؤلفاً كاملاً للرد عليه وتبيان مخالفته الصريحة للكتاب والسّنة نختم بكتاب لشيخ الأزهر- الشيخ محمد بخيت المطبعي يذكر فيه ان ابن تيمية ابتدع ما خرق به اجماع المسلمين وخالف فيه كتاب الله  والسنة الصريحة والسلف الصالح وأسترسل مع عقله الفاسد واضله على علم- نقول وادل من ذلك ما حكم فيه قضاة المذاهب الأربعة في عصره من سجنه حتى وموته وللقارئ الكريم أن يتأمل ويلحظ كيف تنامت فتوى " علاج المس" من التخويف بالنعل عند الامام احمد بن حنبل الى الضرب المبّرح عند شيخ الإسلام  أبن تيمية الى الضرب المفضي للموت عند الوهابية وبعض من تأثر بهم وتبعهم من حمقى ومغفلين جهلة..!  وبعد أفلا يحق للمرء ان يقف مذعوراً وهو يرى ان فقهاء هذه الإمة ومن رضوا بحمل امانة العلم وهداية المسلمين قد تحولوا الى باب من ابواب الفتن ونشر البدع.. أ فرسول الله روي عنه انه بعث نعله مهدداً الى مجنون ليفيق..؟!! ام الخلفاء من بعده استعملوا العصي لإخراج ما يزعمون أنه الجن من أبدان المسلمين..؟!!لقد غضب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكسّر ألواحاً أدعى حاملوها ان فيها ما ينفع المسلمين فأبى عليهم الاّ إتباع سنتهِ.. تلك السنة التي كان عليها وجلاً وحذراً وحريصاً لوضعها بأيديٍ أمينة قبل التحاقه بالرفيق الأعلى.. ومن مصاديق تلك السّنة ما كان يراها النبي (صلى الله عليه واله وسلم) متحققة ولو في كلمة واحدة يوجب لفظها كما يحدثنا البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب ان النبـــــــي   (صلى الله عليه واله وسلم) قال: "يا براء كيف تقزل اذا أخذت مضجعك ؟ قال: قلتُ الله ورسوله أعلم... قال(صلى الله عليه واله وسلم) اذا آويت الى فراشك طاهراً فتوسد يمينك ثُم قل : " اللهم أسلمتُ وجهي إليك وفوضتُ امري إليك وألجأتُ ظهري إليك رغبة في وربة إليك, ولا ملجأ ولا منجي منك الاّ إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت - من قالها في ليلته ثُم مات مات على الفطرة- قال البراء : أستذكرهن... ورسولك الذي أرسلت . فقال بيده في صدري لا ... ونبيك الذي أرسلت..!.
غير  أنَّ منطق  العَنت والعزة بالإثم وعبادة الأصنام البشرية الذي يتمسك به هؤلاء يبعدهم ابداً ويعميهم عن قبول الحق واتباعه ومن باب الشيء بالشيء يُذكر فأنه حصل لكاتب السطور موقفاً مع بعض منهم- فقد كنتُ يوماً وخلال تأديتي لمناسك العمرة ان جلست لاستراحة قصيرة أمام ضريح النبي(صلى الله عليه واله وسلم) فوقع بصري على شيخ قد ناهز الثمانين من عمره وقد اقبل عليه شاب ملتحي وأراد أن يُقبل يده ورأسه والشيخ يُمانعه حتى أذعن لطلبه بعد توسل... وبين هذا المشهد وقع في خاطري أن اطرح بعض الاسئلة على الشيخ... فاقتربتُ أكثر حتى جلستُ بالقرب منهما وصرتُ أصغي الى كلام التلميذ مع أستاذه... ثُم أن الشيخ راح يطلعهُ على نسخ من كتب وكتيبات ذيّلت باسم الشيخ الدكتور ويخبره بأسعار كل منها وانه لا يريد  غير ثمن الطباعة وكانت عبارات الود والثناء والإطراء من قبل الشاب وتذكرته بإحياء سنة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وعمله الدائم المتصل بالله بأنه يبقى لصدق نيته وصفاء سريرته.. وفيما أنا أطيل اليهما النظر قطع التلميذ حديثه قائلاً لي باللهجة السعودية " مين معانا"؟ فأجبته بأن لي سؤالاً أود طرحه على جناب الشيخ, وبعد لحظات من انصراف الشاب ألتفت إليّ  الشيخ وهو مبتسم قائلاً :" لعلك من الامن أو المباحث؟" ... فضحكتُ واضعاً يدي بيده وقلتُ لا هذا ولا ذاك... ثُم قال هات ما عندك... ولعلمي أن أسئلة الفقه غالباً ما تكون أكثر" سيولة ومطاطية" فقد طرحتُ سؤالاً فقهياً... وأستدرك بعد الإجابة مسرعاً هات ما عندك..
فقلتُ له  يا شيخ ما رأيك بمسألة دخول الجن بدن الإنسان وتلبسه؟
فأجاب أن هذا وارد عند أغلب علماء المسلمين...
... وما هو علاج ذلك؟  ... الرقية الشرعية..  فقلتُ والضرب..؟ قال نعم..!
قلتُ ممّن أخذَّ العلماء الرقية والضرب ورسول الله كان بين الناس طيلة حياته وبعثته الشريفة, ولم يُنقل عنه أنه تلى "الرقية الشرعية" امام أصحابه أو قام بضرب "المجانين" وهم كثر يجوبون طرق مكة والمدينة؟!!
قال أن هذا ورد عن شيخ الإسلام أبن تيمية.. وقد فعلها هو بنفسه فقلتُ أني لم أسألك عن فعل وسنة أبن تيمية وانما أريد منك اثبات سنّة النبي او حتى سنّة الخلفاء من بعده؟  عندها ثارت ثائرته وصاح بي باللهجة السعودية " وكِّف" وضرب بيده على يدي هل كل الناس مجانين وأنت وحدك صاحب عقل.. واين أنت من اهل العلم ولست منهم... فأجبته ان الله قد وهبنا عقولاً لنبحث بها ما جاء به نبينا ولا نأخذ الاّ ما ورد عنه.. فصاح ثانية مغاضباً أنكم أهل العراق ما عندكم الاّ أن تشككوا الناس بدينهم وعقائدهم... ثم نهض وتركني وحدي مذهولاً وأنا أفكر تارة بعمر هذا الشيخ ودرجته العلمية وتارة بجرأة هذه الطائفة على دين الله وكتمهم سنّة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) وإظهار سنّن غيره وهم يدّعون زوراً وبهتاناً انهم وحدهم على منهاج النبوة..!!وللشهادة ... ولا نريد هنا التجني على أحد فأن أغلب من التقيتُ بهم وحاورتهم في هذا المكان المقدّس كانوا مع الأسف الشديد أقرب لرجال الأعمال منهم الى رجال الدين ذلك ان تجارتهم مع غير الله واضحة سيما ان وقفت احدهم موقف حق تَحرّجَ منهُ أشدّ الحرج وراح يرمي مخالفيه بالرأي بأقذع التهم والأوصاف مخرجاً إياهم من ملّة الإسلام وجاعلهم في زمرة المنافقين والملحدين والزنادقة.. فأن سألته عن أي طائفة من المسلمين تخالف مذهبه تطاولت عنقه للفتيا وانتفخت أوداجه حنقاً فيكفر أمم بأجمعها مستبيحاً دماء اطفالها ونسائها وشيوخها... ولو سألته عن جزئية صغيرة في فقه دم طير أو بهيمة ... طأطأ برأسه متواضعاً وردد بصوت خافت .. الله أعلم..!!
   وما ذاكَّ الاّ ليّعرف عنه التقوى وتمسكه بمقولةٍ لغلاة أسلافه ان نصف العلم قول  " لا أدري , أو "لا أعلم" ..!! بلى أنه يدري ويعلم ويوقن حق اليقين.. غير أن هّم هذه الفرقة الوحيدة وشغلهم الشاغل هو نيل الدرجات والألقاب العلمية والتنافس على المناصب والامتيازات التي خُلعت لهم بسخاء من لدن اصحاب الجلالة والفخامة والسمو تقديراً لتزلفهم المبتذل والحفاظ على عروشهم من الزوال.. فصفقات مواراة سوءاة بعضهم البعض بالريالات وقراطيس الفتاوى الجاهزة ابداً تكون قائمة وحاضرة وتتضح كلما كانت هناك دعوى لإصلاح وتغيير لهذا النظام وهذا المذهب الهدّام...


   "الرقاة... والمعجزات... وميثاق الأمم المتحدة"...!
  ومن بين مزاعم " الرقاة" انهم يتكلمون مع الجن الذين يحلون في أجساد البشر نتيجة عمل السحر او غير ذلك من علامات يضعونها, وأسباب موهومة يتقولوها وان باستطاعتهم الحديث معهم واجراء الحوارات المطّولة والتي غالباً ما تدور حول جنس وهوية الجني واسباب دخوله جسد المصاب ثُم عرض الاسلام عليه ولهم في ذلك اساليبهم وطرقهم الخاصة فبدأَ من قراءة الآيات والسور  ثم بشكل تدريجي يصل الأمر الى استخدام وسائل الاستنطاق القسرية كالأصوات العالية الصادرة من جهاز مكبرّ الصوت الهيفون-مرواً بأساليب سلف الامة- نعل الإمام احمد بن حنبل, ثُم عصا شيخ الاسلام ابن تيمية نهايةً بالخنق أو كهربة المصاب بأسلاك الكهرباء عند خلف الأمة من الوهابية ومن سار بركبهم, ومن باب التنزّل في الحوار- وبعد بيان ان لا دليل على حديث النبي(صلى الله عليه واله وسلم) او حتى الخلفاء الأربعة مع الجن فأننا نثبت الآتي:-
 أن هذا الراقي لا يمكنه اجراء هذا الحوار بدون استخدام ما ذكرناه من وسائل قسرية...
انه لن يتمكن من شفاء مصابين" بالمسّ" يختلفون معه باللغة والعادات والتقاليد- فالراقي المغربي او السعودي لن يستطيع شفاء شخص من الهند او الباكستان او سائر بلاد المسلمين...
 ان كلُّ ما يصدر من كلام غير مفهوم من قبل المصاب هو ليس لغة من اللغات المعروفة, وانما هو مجرّد ايحاء ذاتي يريد به المريض مجاراة الراقي لما يطلبه منه والاّ من أين له العلم بأن هذا الكلام الذي يصدر من الممسوس هو لغة البلد الفلاني..!! وهل أطلّع هو على كلُّ لغات العالم!! الاّ  ان يقول هؤلاء ان ثمة موانع وعوائق لسفر الجن ومنها اعتــــــــــرافهم بمواثــــــــــيق الامم المتحدة لعالم الأنس...!! وان وقع مثل هذا القول وصرّح به احد مشايخ الرقية... فلا سبيل لتصديقه بعد ان سخّر مركز الإفتاء في المملكة السعودية طاقاته الفكرية والفقهية وافتى بإمكان  خرق الجن لأجواء الدول وانتهاك سيادتها... حيثُ جاء في الفتوى المرقمة 47212 بتاريخ 24 صفر 1425ه- بعد سؤال عن دواب الجن واشكالهم وطعامهم- فكان الجواب: لا مانع من ان يكون منهم من يركب السيارات والطائرات...!!!
 ان محاولة تصديق "فتاوى أهل العلم" واصحاب "الرقى الشرعية" بصواب أقوالهم وأعمالهم لا يعني الاّ الإيمان والاعتقاد القطعي بأنهم أفضل من الأنبياء والمرسلين بما فيهم صاحب المعجزات الكبرى مع الجن سيدنا سُليمان (عليه السلام)  وخاتمهم محمد(صلى الله عليه واله وسلم)ذلك ان معجزات نبي الله سُليمان (عليه السلام) جاءت بعد دعائه المزبور في الذكر الحكيم : {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ}(ص:35), وهؤلاء مدعوا معجزة الحديث مع الجن قد نالوا نصيباً من ملك سُليمان (عليه السلام) – ودونما دعاء وأما أفضليتهم على النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) فأنهم ذكروا طرفاً ونوادر من قصص اخراجه للجن على شكل جروٍ أسود أو غير ذلك من أوصاف ولم يذكروا فيها استنطاقه للجن او حصول أي حوار بينهما... إضافة الى انهّم يعدّون أنفسهم حاكمين على معشر الجن فهم يعرضون عليهم الدخول في دين الإسلام او القتل ووفق هذين المطلبين فقد تداركوا نقصاً وتقصيراً واضَحْينِ في إكمال دينه وإتمام رسالتهِ ..!!
اذا كان ما يدعيه ورثة ملك سُليمان (عليه السلام) صحيحاً وهو من المحال أكيد فلماذا لا يتكلم الرجل " الممسوس" بصوت الجنية الأنثوي ولماذا لا تتكلم المرأة " الممسوسة" بصوت الجني الذكوري..!!



" أقوال تهدم مزاعم التلّبس "
    في أدناه طائفة من أقوال علماء المسلمين المتقدمين والمتأخرين تدحض معتقد ما يُسمى" بالمَّس أو التلبسّ" وغرضنا من هذا الأيراد هو استئناس القارئ وليس إتمام الحجج وسوق الأدلة فأنه لا شَّك بعد تلك المقدمات قد أصبح على بصيرةٍ بأن هذا المعتقد من المعتقدات التي نشأت في أحضان البداوة القديمة وكتب الأديان المحرّفة ثُم أن الإسلام حاول نقضه والتخلص منه طيلة فترة بعثة النبي(صلى الله عليه واله وسلم) ونزول القرآن ولكنهُ سرعان ما عادَ بعد وفاته(صلى الله عليه واله وسلم) وارتفاع الوحي شأنه شأن إرث البداوة ومعتقدات الجاهلية الأخرى...
 "وتخبط الشيطان من زعمات العرب يزعمون ان الشيطان يخبط الإنسان فيصرعه, والخبط الضرب على غير استواء كخبط العشواء فورد على ما كانوا يعتقدون- والمس هو الجنون أيضاً من زعماتهم وأن الجني يمسهُ فيختلط عقله..!  "
                                                          أبو القاسم الزمخشري , ت 538ه.
" أن الناس يضيفون الصرع الى الشيطان والى الجن فخوطبوا على ما تعارفوا من هذا وأيضاً  من عادة الناس أنهم إذا أرادوا تقبيح شيء ان يضيفوه الى الشيطان كما في قوله تعالى :{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} (الصافات/ الآية 65)  ثم ان الله تعالى حكى عن الشيطان أنه قال:{وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (إبراهيم:22) فصرّح بأنه لا قدرة له في حق البشر الاّ على إلقاء الوساوس والخواطر الفاسدة..! "
                   أبو عبد الله محمد الفخر الرازي , ت 606ه.
" هذا باطل أي مس الشيطان لأن الشيطان ضعيف لا يقدر على صرع الناس وقتلهم والشيطان يمسّ الإنسان بوسوسته المؤذية. محمد بن عبد الوهاب ابو علي الحبائي ,ت 303ه.
" وأما كلام الشياطين على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزامّين ولا يجوز الاّ في عقول ضعفاء العجائر, ونحن نسمع ونرى المصروع يحرك لسانه فكيف صار لسانه لسان شيطان؟ فأن هذا التخليط ما شئت وانما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها كما قال تعالى:{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ } وكما قال تعالى:{إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آَيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}  فهذا هو فعل الشيطان فقط...وأما أن يتكلم على لسان أحد فحمقٌ عتيق وجنون ظاهر نعوذ بالله من الخذلان وتصديق الخرافات
      "  أبن حزم الظاهري الأندلسي , ت 456ه.
" أن اهم النصوص التي احتجوا بها في الصرع واثباته لا تخلوا من احد أمرين:- الأول/ ان يكون معناها الذي ذكروا غير مسلم به مالم يذكروا من معانٍ أقوى في المسألة وارجح, الثاني/ ان تكون ضعيفة ضعفاً لا يقبل معه الاحتجاج بها ولا تستطيع بمجموعها ان تتقوى لأن أغلبها شديد الضعف واضح النكارة  في بعض رواتها ولأن قسماً منها نشأ من خطأ  بعض الرواة فأعرضنا عنها..!"                       محمد بن محمد ابو حامد الغزالي , ت 550ه.
" ان التشبيه مبني على ان المصروع الذي يعبّر عنه بالممسوس يتخبطه الشيطان أي أنهُ يُصرع بمس الشيطان له وهو ما كان معروفاً عند العرب وجارياً في كلامهم مجرى المثل... وأما كون الجنون مستنداً الى مس الشيطان فأمر غير ممكن لأن الله أعدل  من ان يسلّط الشيطان على عقل عبده او عقل عبده المؤمن..! "
                                        أبو محمد عبد الحق بن ابي بكر غالب الأندلسي , ت 546ه."
ولا سبيل للشيطان الى تخبطّ الأنسي وما تراهُ من التخبط والاضطراب ليس من فعل الشيطان لاستحالة فعل الفاعل في غير محل قدرته, وانما ذلك من فعل الله تعالى "
                                                                    أبو يعلي محمد بن الحسين الفراء المعتزلي, ت 458ه.
" ان مسّ الشيطان هو الوسوسة كما قال الله تعالى في قصة أيوب(عليه السلام): {ربي أني مسني الشيطان} بنصب وعذاب كما يقال في من تفكر في شيء يغمه قد مسه التعب لو كان يقدر على ان يخبط لصرف همته الى العلماء والزهاد وأهل العقول لا إلى من يعتريه الضعف وإذا وسوس ضعف قلب من يخصه بالوسوسة كما يتفق ذلك في كثير من الإنس اذا فعلوا ذلك بغيرهم"                       القاضي عبد الجبار احمد بن عبد الجبار الهمداني , ت 415ه.
" وأبدى لآكل الربا صورة تستبشعها العرب على عادتها في ذكر ما استغربته واستوحشت منه كقوله تعالى:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} (وقول الشاعر: "بخيلٍ عليها جِنّة عبقرية"  وأما أن يتكلم الجن على لسان احد فحمق عتيق وجنون ظاهر فتعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات.!"                                    محمد بن يوسف بن علي الغرناطي , ت 745ه.
" ان القرآن جرى على لسان  العرب لأنهم كانوا يعتقدون ان الصرع والاختلالات النفسية هي من آثار الجن...! "                                              السيد محمود الطالقاني
" ان الآية نزلت  على ما هُم يزعمون- أي العرب- من تخبط الشيطان للإنسان..!
                                                        الشيخ ناصر الدين البيضاوي
"ان هذا النص القرآني جاء موافقاً لما يعتقده العرب وانه كان من زعماتهم فكانوا يقولون رجل ممسوس أي مسهُ الجن ورجل مجنون اذا ضربته الجن..!"
                                                               الشيخ مصطفى المراغي
" فإذا لم يكن للشيطان سلطان تكويني على نقل الأنسان من قناعة الى قناعة اخرى مضادة في موضوع الكفر والإيمان والخير والشر فكيف يكون له سلطان على إلغاء عقل الإنسان بالكلية من خلال وسائل غير منظورة لا يملك الإنسان أمامها القدرة على المقاومة..! "                                                        السيد محمد حسين فضل الله
" ليس للجن مع الانسان شيء وراء الدعوة والوعد والوسوسة والإغراء والتزيين وان ليس للجن قدرة على التلبس بجسم الإنسان والنطق على لسانه والتحرك بحركته وان هذا من أوهام الناس ومصدره خارج عن المصادر الشرعية ذات القطع واليقين..! "
                                                                      الشيخ محمد شلتوت شيخ الجامع الأزهر
" أهل التزمت في الرأي ممن ركضوا وراء أهل البداوة في التفكير وأتبعوا خرافاتهم والأساطير البائدة, فالاعتراف بوجود الجن شيء ورفض مقدرتهم على التدخل في شؤون
الأنس شيء آخر والرفض في هذا الأخير لا يستدعي رفضاً في أصل الوجود..!"      
                                                 العلامة الشيخ محمد هادي معرفة
" يزعم الناس ان للشيطان قدرة على خبط الانسان وضربه ومسه مساً مادياً يؤدي الى الصرع وهذا الزعم باطل كل البطلان روجه في الناس طائفة من الدجالين والمس من الامور الغيبية ولو كان كما زعموا أصبح الناس جميعاً صرعى يتخبطون..!   "
                                                        الشيخ ابو الوفا محمد درويش
" ان ما يقال حول دخول الجن الى جسم الإنسان ما هو الاّ ضرب من الخيال ومزايدة من ضعفاء النفوس الذين يستعبدهم الخوف"  الشيخ بدر الدين احمد بن حمد الخليلي ( مفتي سلطنة عُمان)
" يريد الله ان يطمئننا ويزيل الخوف من ان يصيبنا ضرر من هذه القوى التي ترانا ولا نراها وانه جل جلاله يحفظنا ويرعانا ولا ينام ولا يغفل فيقوم على كونه أي قائم عليه في كل ثانية فيقول جل جلاله {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ}(البقرة:255) وان الشيطان اما ان يحرك نوازع النفس او يترك النفس تتحرك بنوازعها الى المعصية وهي كافية لذلك "
                                              محاضرات الشيخ محمد متولي الشعراوي""
" ان مثل هذه المعتقدات جاءتنا من معتقدات  الجاهلية حيثُ كان الواحد منهم وهو في سفر له ماراً بالأودية فأنه يقف على طرف الوادي وينادي يا عظيم الوادي أجرنا ويعني به كبير الجن, والحقيقة ان الله تعالى قد حجب سلطانهم علينا, ثُم ان الاسباب الطبيعية هي كلمات الله في أرضه فينبغي الأخذ بها وان لا ندع للدجالين سبيلاً علينا فأن للجن عوالمهم الخاصة بهم ونحن لسنا مكلفين بالبحث عنها..! "  
                                                            محاضرات الشيخ الدكتور احمد الوائلي
قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(النحل:99)  والخطاب في أنه يعني ابليس وابليس كان من الجن وهذا يعني ان الجن ليس له سيطرة على الإنسان..! "  
                                                                               السيد صادق الشيرازي
" هذه هي الحقيقة من الخيالات والأوهام ولا أصل لها والجن وان كان موجوداً واقعياً مذكوراً في القرآن ولكن ليس له هذه الأعمال "                 الشيخ ناصر مكارم الشيرازي  
" أن حقيقة القيام والنهوض والاستقلال يطلق مجازاً على تحسن الحال او على القوة ومن ذلك قولهم قامت السوق وقامت الحرب "                الشيخ محمد الطاهر بن عاشور
" وبعض الناس يجاوز النقل والعقل معاً ويتعلق  بمرويات خفيفة الوزن أو عديمة القيمة ولا يبالي  بما يثيره من فوضى فكرية تصيب الإسلام وتؤذي سمعته وأي روايات بعد ما كشف القرآن وظيفة الشيطان ورسم حدودها... فكيف يحتل الجني جسماً ويصرفه برغم أنف صاحبه المسكين..!! "                                              الشيخ محمد الغزالي











 "عاقبة الاعتقاد بالمـس"...
- نحن نقص عليك أحزن القصص!!-
   تكاد لا تحصى هي الحوادث المؤلمة والمفجعة التي سببّها اعتقاد ما يعرف "بالمسّ" والتي أفضت الى هتك الأعراض وقتل الأنفس البريئة نتيجة جهل الجهّال ونزق الكثير من المنظّرين والمؤيدين والعاملين بهذا المعتقد السقيم... ولا شَّك ان كل ذلك ما كان ليحصل لو أبصر هؤلاء بعيني الخشية والإنصاف تحذّير الحق جلّ وعلا من أتباع الهوى وسبيل التقليد الأعمى بقوله في كتابه المجيد على لسان أولئك المقلدين{ إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ }(الزُّخرف:23) لقد كان للتعصب المذهبي وتقديس الموروث وعبادة الأصنام البشرية والعمل بآراء وسنن "غلاة السلف" سبب ما يشهده المسلمون من فوضى فكرية وأخلاقية واجتماعية الى يومنا هذا...!!
   ان ما يحّز في النفس ويدمي القلب ان تغدوا تلك الآراء والفتاوى حول هذا المعتقد الأرض الخصبة لنمو شتى انواع النباتات السامة والتي تحولت بمرور الزمن الى أشجار ضاربة في العمق يجني ثمارها أجيال أقل ما يقال عنها أنها تنظر ولا تُبصر وتعبد ولا تقّلد وأن تفرز بالمحصلة طائفة كبيرة من الدجّالين والمشعوذين وما يعرف بالرقاة ممن تسببّوا بكل هذه الفواجع المؤلمة: وإنا أذ نضع بين يدي القارئ الكريم بعض من صور تلك المآسي والقصص المحزنة فلا نشك بان فراسته لا تخطاّه بوجود المزيد وان هناك الاف القصص قد وقعت في ماضي القرون واخرى معاشة وما خُفي كان أعظم...!!
القصة الأولى: نشرت صحيفة الغد الأردنية حكماً من محكـــــــــــمة الجنايــــــــــات الأردنيــــــة
 الكبرى على "معالج" بالأشغال الشاقة عامين ونصف العام لضربه طفل حتى الموت على مدى ثلاثة أيام متوالية بحجة إخراج "الجن" من جسد الضحية حيثُ كان "المعالج" يقوم بتنويم الطفل ذو الثلاثة أعوام على ظهره ويمسك بعصا ويتمتم ويدور

   حوله ويضربه وكان يضغط عليه بعصا بطريقة الوخز على المنطقة الممتدة أسفل بطنه وعلى منطقة الفخذ لمدة ساعتين.. بالإضافة الى قيامه بالضغط على صدر الطفل بيديه صعوداً ونزولاً ويقوم بصفعه وكان يردد أثناء ذلك أخرج يا حورش... وعندما قال له الوالد أنك آذيت أبني خاطبه " المعالج" قائلاً :" أنا أضرب الجني حتى يخرج من جسد أبنك... ثُم أستخدم أخيراً قلماً لجرح أصبع الطفل حتى نزل الدم منه بحجة إخراج الجن وفي اليوم الأخير فارق الطفل الحياة..!!
القصة الثانية: بعد ان زارت العديد من مستشــــــفيات  الدول العربية والأوربية والتــــــقت
         بمشاهير الأطباء النفسانيين المشهورين فيها ولكن لم تجد دواءً يشفيها وينقذها من العذاب الذي تعيش فيه منذ سنوات... كانت المأساة التي تعيشها تتمثل بسماعها أصوات غريبة... وفي إحدى الليالي سمعت صوتاً غريباً قال لها:" استيقظي حالاً استيقظت وهبّت مذعورة في الظلام ... لكنها فوجئت بزوجها يغط في نوم ٍ عميق... رددّ الصوت ثانيةً... الاّ تسمعيني؟ أتظنين أني زوجك؟ أنت واهمة... ومنذ هذه الليلة لم يفارقها الصوت الملعون الذي كانت تسمعه بوضوح... كان يحدثها متى أراد وفي أي مكان..!  وفي أحد الأيام أشارت عليها أحدى صديقاتها ان تذهب الى "الشيخ هادي" حيثُ عُرف وأشتهر بعلمه الواسع بعالم الجن الخفي... وفعلاً ذهبت الى الشيخ في منزله في أحد أزقة مدينة الحرية ببغداد... بادرها الشيخ... حائرة أنت ومتعبة؟
قال الشيخ وحيرتك بسبب شخص؟ رددت بدهشة... كيف عرفت؟
قال الشيخ سوف اخلصك من هذا الملعون... ثُم قام بإيقاد شمعة واشعل بخوراً وقدم
لها مشروباً يشبه العسل... ما أن تناولته حتى غابت عن الوعي, عندما أفاقت كانت نصف عارية, لكن الشيخ طمأنها وراح يبلل شفتيها بماء الورد ويلقمها في فمها حلقوماً...حتى عاد إليها وعيها  ثُمَّ طمأنها الشيخ مقسماً بأن أحداً لم يلمسها... وان الجني ذبح فوق رأسها...!!

القصة الثالثة: " من رقية القرآن ... الى كهربة الجان" نشرت صحيفة الاقتصـــــــــــــادية
        السعودية الصادرة في 7-11-2009 خبراً ان النيابة العامة في محافظة  "ذمار" اليمنية حققت مع مشعوذ يمني بتهمة قتل مريض نفسي بصعقة كهربائية حتى يخرج الجن منه وأوضحت الشرطة بأن المشعوذ" م. ع .ع " الشراعي الذي يبلغ من العمر 42 سنة كان يدعي أنه يعالج مرضاهُ بالقرآن لكنه بعد ان عجز من علاج مريضهُ بالقرآن قررّ المشعوذ بأن يعالجه خارج إطار القراءة.. فأخذ سلكاً كهربائياً مكشوفاً وغرسه في رقبة المريض حتى يخرج منه مساً من الجن حسب اعتقادهُ ما أدى الى وفاته صعقاً بالكهرباء..!!

القصة الرابعة: في محافظة" لحج" جنوب اليمن ألقي القبض من قبل الشرطة على
        أربعة معالجين" شرعيين" قاموا بضرب مريض حتى الموت بحجة إخراج الجن من جسده وكانوا الأربعة قد قاموا بربطه واستمروا في ضربه حتى فارق الحياة ولكنهم لم يكتفوا بذلك وأصروا على أن الجان قد خرج من جسمه الى جسم إنسان آخر وأصروا على ملاحقة الاخير في محاولة القضاء عليه لولا ان أجهزة الامن ألقت القبض عيهم واودعتهم السجن..!!



القصة الخامسة: " وأنقلب السحر على الساحر" عن مصدر في الشرطة المصرية ان
   الراقي الشرعي " وليد مسعد الإمام-20عاماً " وهو طالب في معهد التمريض أستدعي من قبل المزارع " محمد علي مصطفى- 35 عاماً" الى قرية دخميس- بالقرب من طنطا-120كم شمال القاهرة لمعالجــــــة زوجة الاخير من عفريت كان يستحوذ عليها وبعد ان أكمل معالجتها اصطحبه الزوج مع احد اقربائه " جمال علي -18 عاماً" الى منزله في المحلة الكبرى وفي الطريق أصيب" المعالج" بحالة هستيرية وهياج جعلت من الرجلين يعتقدان ان الجني الذي أخرجه من السيدة سيطر عليه فقاما بإنزاله من السيارة واخذ يضربانه بالأحزمة لكن الشاب لم يحتمل الضرب ومات فتركاه وهربا.. وبعدها تم القبض عليهما واحيلا الى التحقيق..!!
القصة السادسة: " مصائب قوم عند قوم فوائد... ومن المس ما أحيا النفس"..!!
    وبالعودة الى ماضي السلف ومن قصص التراث يحدثنا الجاحظ عن عقبة الأزدي أنه أتى اليه بجارية قد جُنت في الليلة التي أراد أهلها ان يدخلوها الى زوجها فعزّم عليها فإذا هي قد سقطت فقال لأهلها: " أخلو بي بها" فقال لها أصدقيني عن نفسّك وعليّ خلاصك.. فقالت أنه كان لي صديق وأنا في بيت أهلي وانهم ارادوا ان يدخلوا بي على زوجي ولست ببكر, فخفت الفضيحة فهل عنك من حيلة في امري..؟ فقال: نعم- ثم خرج الى أهلها فقال- ان الجني قد اجابني الى الخروج منها فاختاروا من أي عضو تحبون ان اخرجه من اعضاءها؟ واعلموا ان العضو الذي يخرج منه الجني لا بد ان يهلك ويفسد, فأن خرج من عينها عُميت وان خرج من أذنها صمّت, وان خرج من فيها خرست وان خرج من يدها شُلت وان خرج من رجلها عرجت , وان خرج من فرجها ذهبت عذرتها... فقال أهلها لا نجد شيئاً أهون من ذهاب عذرتها, فاخرج الشيطان من فرجها فأوهمهم انه فعل ودخلت المرأة على زوجها..!!


   "صلة السحر بالشياطين والجن"...
- بين الحقـــــيقة والوهــــم-
   من المفيد قبل بدء البحث عن وجود مثل هذه الصلة من عدمها فأنه ينبغي التمييز بين أمرين قد يلتبس على الكثير الاّ وهو عمل السحر وعمل الكهانة فالسحر كما جاء في الذكر الحكيم على قسمين:
الأول منه ما يدعى بالسحر التخيّلي: وهي أعمال تعتمد على خفة الحركة والخداع
                البصري ونحو ذلك من أعمال ونظيرها ما قصه القرآن الكريم في قصة موسى والسحرة قال تعالى:{فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (طه:66) .. وهذه الخدع التي أظهرها السحرة كانت ترتكز على طلاء الأوجه الخارجية للعصي والحبال بمادة الكروم ثُم يتم عمل ثقوب صغيرة في أماكن مختارة وتغلق  الفتحات الجانبية لها على ان يوضع داخلها احدى المواد ذات المعامل التمدد العالي كالزئبق أو الكحول وعند تعرض تلك العصي والجبالي المطلية والتي أخذت شكل الافاعي الى حرارة الشمس تتمدد تلك المادة ويزداد حجمها فتضغط على الهواء الموجود داخل العصا والذي بدوره يخرج بقوة من الثقوب فيدفع العصا بالاتجاه المعاكس, قال تعالى:{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}(طه:69)...فإيمان السحرة بالنبي ومعجزتهِ أنما جاء لعلمهم بتفاهة صنعتهم وضعة عملهم المرتهن بتظليل وخداع السذّج من الناس مقابل حقيقة ما شاهدوه من حجة وبرهان ساطع لا يقبل الجدل والمراء وآية لا يمكن ردها بسحر أو بغيره...
 وأما القسم الآخر ما يدعى بالسحر التأثيري: فهو إيجاد الضرر النفسي والجسدي
           وما يتولد عنه من آثار كإلقاء العداوة والبغضاء بين الناس أو التفريق
بين الزوجين وهو ما ذكرهُ القرآن الكريم في سورة البقرة الآية 102- قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ,
   وأما الكهانة فهي من الاعمال التي تتعلق بالأخبار عن المغيبات عن طريق وسوسة الشياطين وقذف ما تيسر سماعه من أخبار أهل الارض وبعض أخبار أهل السماء ثُم يقذفونها في قلب الكاهن... فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) قال : " أن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل , كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور فيخبرهم بأشياء تحدث وذلك في وجوهٍ شتى من فراسة العين وذكاء القلب ووسوسة النفس وفطنة الروح مع قذف في قلبه" ..!
  والى هنا يتضح ان الكهانة تختلف عن السحر بالاقتصار على الاخبار الغيبية التي تأتي بها الشياطين وقد يشترك للكاهن والساحر في بعض الصفات النفسانية والقدرات الذاتية من قوة الحدس والدهاء والمكر وانقطاع للرذائل من الافعال وإتيان المحرمات والفواحش...
   ولكن قد يُثار سؤال مشروع وهو في محله... وهو ان الآية السابقة قد تحدثت عن أعمال الشياطين من تعليم السحرة بعض علوم السحر, وعليه فأن ثمة صلة وثيقة بين  السحرة والشياطين وبالتالي قدرتهم على جلب وتسخير شياطين الجن لكشف الغائبات ولمعرفة مكان تواجد عمل السحر..؟ وجوابه ان ذلك التعليم المذكور في الآية كان في فترة أنتشار السحر الحقيقي بين الناس واتخاذه مهنة يزاولها الاعم الاغلب من الناس بعد وفاة نبي الله سُليمان(عليه السلام), ولما حصل هذا الشياع وانتشار المفاسد بين شرائع المجتمع كافة, فقد طمع الشياطين في اغوائهم أكثر وامعنوا في أضلالهم وافساد عقيدتهم بقذف بعض علوم السحر غثهِ وسمينه صحيحهِ وسقيمه وبالوساوس التي تزّين تلك الاعمال والحال والواقع انا نجد من قبيل تلك الاعمال الشيطانية في مختلف المجتمعات البشرية الشيء الكثير, فأن انتشار صناعة الخمور مثلاً والتفنن في طرق استخراجها من موارد الطبيعة ثُم ما تعمل تلك الخمور عملها في عقل الأنسان من ازالة له وارتكاب الفواحش والمنكرات الجسام من اتيان المحارم وقتل النفس ثُم السعي للتخلص من آثار الجريمة بالحرق والإخفاء وغيرها صوراً من صور الوساوس والقذف الشيطاني الذي يسترسل بها الجاني اتباعاً لخطوات الشيطان.... هذا في ما يخص صور السحر... أما ما يتعلق بالشياطين والجن فأن من المهم والمفيد أيضاً التمييز والتفرقة بين هذين اللفظين...فمن هم الشياطين؟ ومن هم الجن؟ ومتى أستعمل القرآن كلا التسميتين, وكيف استغلتا من قبل أرباب نظرية  "المسّ"... فالمتتبع للآيات الكريمة التي وردت فيها لفظ الجن يجد أنها قسّمتهم الى طائفتين:-
الاولى: مؤمنو الجن...                      الثانية : فسقة الجن...
  قال تعالى في سورة الجن الآية /11:{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}... وان الطائفة الثانية أطلق عليهم القرآن أسم الشياطين أسوة بفسقة الأنس قال تعالى في سورة الأنعام الآية /112:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} واصل كلمة الشيطان أطلقت على ابليس بعد وسوسته لآدم, قال تعالى:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}  (طه:120)
    وحتى في عصيانه لله من عدم السجود لآدم(عليه السلام) سماهُ الحق تعالى باسمه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ}(البقرة:34), وعليه فإبليس اسم  علم خاص, والشيطان او الشياطين اسم جنس... وبما ان ابليس قبل وسوسته لآدم لم تكن لديه ذرية بصريح الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة وانه كان من الجن" ولكن لطول عبادته واخلاصه لم تتعرف الملائكة على جنسه الاّ عند وقوع المعصية منه" ولم يكن بعد من الجن قد دخل في معصية الله قبل الأمر الالهي بالسجود, فيكون ذرية ابليس فطرياً وتكوينياً عصاة لله تعالى... فيما دخل من شاء من ذرية ابليس المعصية ليطلق عليهم جميعاً لفظ الشياطين, قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (الأنعام:128)
وحقيقة الأمر ان لا فرق تكويني بين ذرية ابليس والذرية من الجن قال تعالى على لسان ابليس:{ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}(الأعراف:12) وقال بشأن الجن:{وَخَلَقَ الجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (الرَّحمن:15) غير ان المغالطة التي يوردها أصحاب نظرية المسّ هو إستخدامهم للفظ الجن بدل لفظ الشيطان وهذه  من أساليب التعمية والإيهام زيادة على ما في الموروث الديني المحّرف وما يحمله المجتمع العربي من مخزون قصصي وروائي حول الجن بشكل  لا يقف عند حدٍ محدود, ومن الواضح ان آية " الاستمتاع" تكشف بما لا يقبل الشَّك مكان تواجد هؤلاء الجن فالحوار الذي يدور بين الأنس والجن ينبأ عن استمتاع حقيقي وواقعي مساحته الجسد والروح معاً فاستمتاع عصاة الأنس بالشهوات في الحياة الدنيا سببه هو وسوسة واغواء الجن لهم والذي يعني في نفس الوقت استمتاعاً للجن سببه طاعة الانس لهم بارتكاب الفواحش والمحرمات, وثمة حوار ثانٍ يقصّهُ القرآن الكريم أكثر وضوحاً وفي نفس ذلك اليوم من الحشر الجمعي لكن الخطاب فيه موجه هذه المرة الى الملائكة مع علمه عزّ وجـل بعصمتهم وبراءتهم مما آل اليه مصير الأنس والجن بسبب طاعة وعبادة بعضهم البعض, قال تعالى(الأنعام:22):{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ }للملائكة أهؤلاء كانوا اياكم يعبدون...فيأتي الجواب من الملائكة مستنكرين تلك العبادة ان تكون مصروفة اليهم- قالوا سُبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون, فالعبادة المتحققة التي دفعها الملائكة صوب الجن هي قطعاً عبادة الوسوسة والإغواء والانصياع للوساوس ولا قائل يقول أنها كانت على شكل أصنام حسّية للجن يتخذها الناس آلهة في الحياة الدنيا... وبطبيعة الحال فأن المتهم الوحيد والأول في شيوع هذا اللون من العبادة هو شيطان الجن الذي يشمل بوسوسته بني البشر وبني جنسه من الجن, قال تعالى:{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ {5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6} }(سورة الناس : الآية 5-6), وثمة حوار أخير يجري بعد صدور الحكم واعطاء كل ذي نصيب نصيبه يصف فيه الحق تعالى حال تخاصم أهل النار:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ} (فصِّلت:29)  ... وهذه الآية من أكثر الآيات صراحة تذكر الجن وتبين  أعمالهم وانهم يسكنون اجساد بني آدم من غير ان يتسببوا بأي أذىً خارجي او السيطرة على عقولهم ومسهم كما يزعم بعض المفسرين ومن سار بركبهم....
ومما ورد من ذكرٍ للتمييز والتفرقة بين لفظي  الشيطان والجن واتحادٍ في المعنى ما جاء عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بقوله: "ما منكم من احد الاّ وقد وكلَّ به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة... قالوا وأياك يا رسول الله؟ قال وأياي الاّ ان الله اعانني عليه فـأسلم فلا يأمرني الاّ بخير...
وعنه(صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال : " كان ابليس أول من ناح واول من تغّنى واول من حدى.. ولما اكل آدم من الشجرة تغنى- فلما هبط حدى به- فلما أستقر على الأرض ناح لتذكره ما في الجنة, فقال آدم(عليه السلام): " رب هذا الذي جعلتٌ بيني وبينه العداوة لم أقو عليه وانا في الجنة, وان لم تعنيّ لم أقو عليه..
 فقال الله عزَّ وجل : " السيئة بالسيئة والحسنةُ بعشر أمثالها الى سبعمائة...
قال:  ربِ زدني...
قال : لا يولد لكَّ ولد الاّ جعلتُ له ملكين يحفظانه...
قال: ربي زدني..
قال: التوبة معروضة في الجسد مادام فيه روح...
قال: ربي زدني... قال: أغفر الذنوب ولا أبالي... قال: حسبي
فقال ابليس: ربي ها الذي كرمتّهُ عليَّ وفضلتهُ ... وأن لم تتفضل عليَّ لم أقو عليه..
قال: لا يولد لكَّ ولد الاّ ولك ولدان...
قال: ربي زدني ... قال:  تجري مجرى الدم في العروق...
قال: ربي زدني ... قال: تعدهم وتمنيهم وما يعدهم الشيطان الاّ غرورا...
  وأخيراً يمكننا ان نوجز ما تلوناه من أدلة بأن " كل شيطان هو جني, وليس كلُّ جني هو شيطان" – يقول مولى الموحدين علي(عليه السلام): " شيطان كل أمرأ نفسه"... قلا تخلو النفس البشرية من تواجد لشياطين الجن غير انها تكون بصورة متفاوتة فتقوى وتتلابس وتتجانس في أهل المعاصي حتى انها تكون كنفس واحدة... وتضعف لدى المؤمنين حسب احوالهم, وتختفي عندما تكون تلك النفس ذاكرة متفقهة عابدة قد أخلصت العبودية لله تعالى كما في أنفس الانبياء والرسل والصالحين من اهل اليقين...








" الوقاية والعلاج من آثار
الحسد والسحر في السنّة المطهرة..."
  الوقاية خيرٌ من العلاج- ربما كانت هذه الحكمة المشهورة لها اسقاطاتها المثمرة في غير قضايا الطب الحسية والفسلجية- وربما كانت كثيراً من المسائل الدينية التي تحتاج الى حلول قد تندرج ضمن هذا المفهوم ومن بينها مسألة الوقاية والعلاج من الحسد والسحر... وانطلاقاً مما سلف يمكننا طرح التساؤل التالي: كيف يعرف الشخص أنه مصاب بالسحر والحسد؟
  ويكفي الإجابة بكلمات موجزة بسيطة تتبع ايجاز وبساطة العلاج- فأن مجرّد الشعور والإحساس بسوء حالة الشخص النفسية أو ظهور علامات وآلام مفاجأة في الجسم من غير ما سبب راجح ومعقول عندئذ يمكن عزو سبب ذلك الى عوارض الإصابة بالعين أو السحر وان كان تلك العوارض في حقيقتها لا تشكل الاّ نسبة ضئيلة جداً لا تتجاوز5% على أعلى تقدير بالنسبة للإصابة بالحسد وقد تصل الى ما نسبته 2% الى الإصابة بالسحر غير أن شيوع هذا النمط من الفهم المغلوط في التراث الشعبي والديني يرفع تلك النسب في بعض المجتمعات المسلمة لتصل الى 80-90 % كما هي في شعوب الخليج والعراق ومصر والمغرب  العربي بحسب الاحصائيات المتوفرة...  ولا شَّك ولا ريب ان العلاج ينبغي ان يكون في هذه المعتقدات حصراً من مصدري التشريع " الكتاب والسنّة"... وأما تفصيل ذلك فيستدعي الرجوع الى صدر الإسلام الأول ومعرفة طبيعة فهم المجتمع الإسلامي  للقضية من جهة وكيفية تعاطي الرسول مع ثنائية- القضية والمجتمع من جهة أخرى فمع أن المسلمين الأوائل حديثو عهد بالدين الجديد, ومع ان رواسب وعقائد الجاهلية كانت راسخة في أذهان طائفة كبيرة منهم الاّ أن ارادتهم القوية وعزيمتهم الصلبة وإيمانهم العميق بالرسالة وحبهم للرسول وخلقه العظيم جعــــــلت منهم أمةّ تســـــــــتخّف بتلك العـــــــقائد والأســـــــــاطير والخرافات وتنال بفترة قصيرة ومعدودة أشرف الغايات وأنبل الصفات حتى أضحت مقام مدح وثناء من قبل الحق تبارك وتعالى بقوله:
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ }(آل عمران:110) ... ومن جهته فأنه (صلى الله عليه واله وسلم) كان يأخذ بأيدي ضعاف المسلمين لما فيه صلاح دينهم ودنياهم ويشحذ هممهم من خلال التعامل باللين والحكمة لطمس بقية آثار الجاهلية... فكانت أحاديثه عن السحر والحسد مفهومة لدى الجميع لذا لم يجدوا كبير معضلة في التعامل مع هاتين المسألتين بعد أن سمعوا كلامهُ بالنهي عن إتيان العّرافين والكهنة وأيضاً فهم لم يكونوا بعيدين عن نزول سورتي المعوذتين وفهم معناهما وما تحملانه من شفاء وعلاج ملموس- ولا غرابة ان نجد بعد تسلح المجتمع الإسلامي بتلك الثقافة الإيمانية استغـــــنائه عن الوقوف امام بيت النبـــــي   (صلى الله عليه واله وسلم) طلباً للحصول على رقية شرعية أو لانجد آية قرآنية تعاتب المسلمين لطول جلوسهم عنده رجاء الشفاء من هذه العوارض...  وكذا دأب الأئمة(عليهم السلام) من بعده بإحياء السنن وأماتة البدع في كل عصر ومصر, فما ورد عنهم ما يروي عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أنه قال: " اذا خفت ان تُصاب بالعين أو تُصيب بها أحد فقل" ما شاء الله لا قوة الاّ بالله العلي العظيم ثلاثاً"  وعن محمد بن عيسى قال سأل الامام الرضا(عليه السلام) عن العين فقال: "حق فإذا أصابك ذلك فأرفع كفيك حذاء وجهك وأقرأ الفاتحة والإخلاص والمعوذتين وأمسحهما على نواصيك" فأنه نافع بإذن الله,  وعنه أيضاَ قال سألتُ الامام الرضا   (عليه السلام)عن السحر قال: "هو حق وهم السحرة يضرون بإذن الله فإذا أصابك ذلك فأرفع يدك حذاء وجهك وأقرأ عليه بسم الله العظيم رب العرش العظيم" الاّ ذهبت وانقرضت,
وفي حديث عن الإمــــام الرضا(عليه السلام)أنه قال: " من أغتسل من الماء الذي أغتسل فيه يعني به "حوض الحمام" فأصابه الجذام فلا يلومنَّ الاّ نفسه... فقال الراوي فقلتُ ان اهل المدينة يقولون أنه فيه شفاء من العين... فقال كذبوا ... يغتسل به الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرهما ثُم يكون فيه شفاء من العين...!! , إنما شفاء العين قراءة الحمدُ والمعوذتين وآية الكرسيّ" ....
    وخلاصة القول ان النصوص الإسلامية الصحيحة في علاج السحر والحسد هي واحدة في المضمون تتمثل بقراءة المعوذتين وهي من قصار السور وأدعية لا تتعدى كلماتها عدد أصابح اليد الواحدة...
  كما أن هذه النصوص تؤكد جميعها على حقيقة دعاء المصاب هو بنفسه لنفسه: "أرفع كفيك , فأرفع يديك... فقل كذا... وفيها أيضاً من القطع للشبهات والروايات الأخرى التي تتحدث عن كتابة الأدعية أو حملها أو حتى اتيان مَنْ عُرِفَ عنه التقوى والصلاح لأجل الدعاء لمن أصابه شيء من السحر أو الحسد ونحو ذلك من معتقدات كزعم الإصابة بالمّس وغيرها... وأما الوقاية من السحر والحسد فقد بينّت الشريعة المقدسة طريق ذلك وهو طريق الذكر والمداومة عليه أسوةً بما يتقي به المسلم عوارض وآفات وأمراض أخرى قال عزَّ من قائل في معرض ثنائه على الذاكرين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(آل عمران:191) {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ}(الأعراف:205)  فالتحذير من الغفلة عن ذكر الله عزَّ وجل من أهم أسباب  نفاذ الشيطان الى القلب وتحريض النفس وحثّها على أعمال السوء واجتراح السيئات والغفلة أبداً تكون من بواعث إثارة الوساوس الشيطانية من الشكوك وسبل أرتياب وظنون وأوهام وخيالات فاسدة والذكر يكون سبباً في إزالة جميع ذلك وتبصرة الذاكر: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف:201)  ومن بين مصاديق التذكر هو ذكر الله والاستجارة به من همزات الشيطان ولمزه ونفئه:{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ{97} وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ{98} }(المؤمنون : الآيات 97-98) , والشياطين كما يبين الذكر الحكيم صنفان: شياطين الجن وشياطين الإنس وكلاً منهما قد صدر من السنّة النبوية ما يبعد شرورهما وآذاهما, فعن النبي الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) قال : " ان الشيطان اثنان شيطان الجن ويُبعد بلا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم , وشيطان الإنس يُبعد بالصلاة على النبي واله....










" ثنائية السحر والحسد .... أوجـه شبه متعددة..."
   من المفارقات الموسومة في بحث قضية الحسد والسحر أن هذين المصطلحان قد جاء ذكرهما معاً وكأنهما حالة واحدة- فقد ورد التعوّذ منهما في سورتين متجاورتين متتاليين من كتاب الله وجمعت السنّة عدداً من الروايات تشير الى الصلة الوثيقة بينهما من خلال انبثاقها من مصادر شر وسوء  واحدة وهي النفس الشيطانية, فيما كانت على مستوى الموروث الديني القصصي- والموروث الشعبي الروائي تشكل ثنائية تحمل معها معاناة المجتمع الإسلامي بدءاً من البحث عن الأسباب والمسببات مروراً بانعكاس الآثار ونهاية بالسعي وراء سراب الشفاء والعلاج منهما... ومن هنا واستدلالاً بما تمَّ بحثه من عناوين وإيضاحات فأن بإمكاننا تلمّس عدداَ من المشتركات بين كل من الحسد والسحر:-
  أولاَ: أن كلاً منهما يُعدَّان بنظر الشارع المقدّس من الكفر فقد ورد الحديث الشريف  " أن أصول الكفر ثلاثة :البخل والحسد والكبر" وعن علي (عليه السلام) : "من تعلم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر..!!"
ثانياَ: أن كليهما ينبثقان من مصدر ووعاء واحد وهو النفس  ولهما عين القدرة من التأثير والتغيير في المقابل وان لا مكان أو مانع حسّي يحّد من تلك القدرة فقد يصل  أثر السحر أو الحسد الى الشخص وان بعد الاف الأميال... والساحر يستطيع عمل السحر والتأثير في المسحور من دون أن يراه وكذلك الحاسد... فالأعمى له القدرة النفسية لا البصرية على إحداث الضرر وإلحاق الأذى في نفس المحسود, قال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:109)...
ثالثاَ: أن لكل من الحاسد و الساحر ملكات وقابليات غير مستقيمة تصدر من نفس  متسافلة غير مؤمنة بقضاء الله وقدره ومشيئته في خلقه وهي نفس معقدة التركيب تحمل في طياتها خلال الطمع والأنانية والكراهية وان ظهرت خلاف ذلك في العلن.
رابعَا: أن للسحر تأثير في المسحور يقترب الى حدٍ كبير مـــــما يجده المحســـــــــــود من  الحاسد فكلاً منهم يتألم نفسياً وجسدياً بحسب نفس الساحر والحاسد وحتى ما قيل بشأن السحر وتفريقه بين الأزواج فأنه يمكن مشاهدة ذلك في المحسود وربما بصورة أكبر فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قوله: " كاد الفقر ان يكون كفراً وكاد الحسد ان يغلب القدر...
خامساَ: يشترك كلاً من الحسد والسحر بطريقة شفاء وعلاج واحدة وهي قراءة سورة المعوذتين والدعاء كما بيّنا ذلك في موضع سابق...
سادساَ: ثمة أوجه شبه أخرى متعــــــــارفة من قبيــــــــل ان الحاســــــــــــــد والساحر قد يضران  نفسيهما قبل الآخرين نظير القول المأثور... انقلب السحر على الساحر ... ولله درّ الحاسد ما اعدله بدأ بصاحبه فقتله...
 واتماماً للفائدة وما يتصل بالشبه السادس والاخير ولتحقق القول بتغليب أثر الحسد على السحر بخلاف المتعارف نورد بعضاً من قصص التراث تفصح عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الحاسد وهو يكابد هذا الداء العضال... فقد روى المجلسي في بحار الانوار أن رجلاً من اهل النعمة ببغداد في أيام موسى الهادي, حسد بعض جيرانه وسعى عليه بكل ما يمكنه فما قدر عليه... فأشترى غلاماً صغيراً فرباهُ فلما شبَّ وأشتد أمْره امَرهُ بأن يقتلهُ على سطح جاره المحسود وليؤخذ جاره به ويُقتلْ... وبالفعل فقد عمد إلى السكين وشحذها ودفعها اليه وقال له اذا فعلت ذلك فخذ في أي بلاد الله شئت فعزم الغلام على طاعة المولى بعد الامتناع والالتواء وقوله له الله الله في نفسك يا مولاي وان تتلفها لأمر الذي لا يدري أيكون أم لا , فلما رأه عازماً على ذلك قتله ورمى بجثته على سطح جاره فلما اصبح اهله خفي عليهم خبره فلما كان في آخر النهار, أصابوه على سطح جاره مقتولاً فأخذ جاره فحُبس ولما ظهر الحال بمسك مولى المقتول.. أمر الهادي بإطلاقه...
   وحكيَّ أن رجلاً من العرب دخل على الخليفة المعتصم فقربه وأدناه إليه لما رآه  عليه من ادب جم ولطف وحسن معشر وكلما طالت الايام ازداد تعلّقه بهذا الرجل حتى أنه جعله نديمه الخاص وأصبح يدخل على حريم القصر بدون استئذان...
 وكان للخليفة وزير حسود يغار من هذا البدوي فقال في نفسه: أن لم أحتل لهذا البدوي في قتله  أخذ بقلب " امير المؤمنين" وأبعدني عنه ثُم صار يتلطف بالبدوي حتى أتى به الى منزله وطبخ له طعاماً وأكثر فيه من الثوم فلما أكل البدوي منه قال أحذر أن تقترب من الخليفة فيشم منك رائحة الثوم فيتأذى من ذلك, ثُم ان الوزير ذهب الى الخليفة وقال له أن البدوي يقول عنك للناس بأنك أبخر وهلك من رائحتك..!! ثُم لما دخل البدوي على الخليفة جعل كمه على فمه حتى لا يؤذيه عندما يكلمه برائحة الثوم فلما رأى الخليفة من البدوي ذلك صدّقَ كلام الوزير وكتب كتاباً الى بعض عماله يأمر فيه بضرب عنق حامله, ثُم عاد البدوي وكلفه بأخذ الكتاب وإيصاله إلى العامل المذكور والرجوع بالجواب... فلما خرج البدوي بالكتاب لقيه الوزير فسأله أين تريد؟ فقال كتاباً للخليفة الى عامله على البلد الفلاني أوصله وأرجع... فقال الوزير في نفسه هذا البدوي يحصل له من هذا الكتاب خير كثير... ثُم قال له : انا أخذ هذا الكتاب عنك فلا تحمّل نفسك عناء السفر وانا أعطيك ألف دينار... فقال البدوي: كما تشاء  وفعلاً أخذ الوزير الكتاب الى عامل الخليفة لينفذ حكمه فضرب رأسه وأرسله الى الخليفة... فتعجب الخليفة من ذلك واستدعى البدوي فأستفسر عن القصة من أولها إلى آخرها...


" روايـات تمثل الشياطين ... بهيئـة البشر وغيره..!! "
   أن من بين القضايا التي تدخل في موضوع السحر ونتائجه من تلبس الجن بدن المسحور والتي تصلح أن تكون قرينة أخرى لما تم ذكره من تأويل المتأولين لبعض الآيات والسور القرآنية هو ذكر كثير من المفسرين وأصحاب الحديث وغيرهم  روايات تجسد الشياطين بهيئة البشر وبعض أنواع المخلوقات إضافة الى الروايات التي تتحدث عن خطف الجن للإنس أو الرواية عنهم أو الزواج منهم وسنعرّج عليها تباعاً:-
الرواية الأولى:- ما ذكر  من تمثل الشيطان في صورة رجل من العرب وهو ســــــــراقة  بن مالك وذلك قبل واقعة بدر من أجل شحذ همم المشركين للقاء المسلمين وقتالهم تأويلاً للآية الكريمة : {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ العِقَابِ} (الأنفال:48) فقد ذكر البغوي في تفسيره " وكان تزيينه أن قريشاً لما اجتمعت للسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب فكاد ذلك ان يثنيهم فجاء ابليس في جندٍ من الشياطين مع راياته فتبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم...وأورد ابن كثير في تفسيره : " أن جبريل (عليه السلام) أقبل الى ابليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثُم ولّى مدبراً وشيعته فقال الرجل : يا سراقة أتزعم أنَّك جار لنا؟ فقال: "أني أرى ما لا ترون أني اخاف الله والله شديد العقاب..." على ان المتمعن جيداً في فحوى الآيات الكريمة والاحاديث الصحيـــــــــحة في الســــــــنّة والتي تذكر عمل الشياطين لا يجد ما يؤيد ويوثق ويطمئن على وجود مثل هذه الأعمال فضلاً على أن هذا التأويل فيه من نقصان الدليل النقلي والعقلي ما يجعله يحكم عليه بالضعف والبطلان ولأسباب منها:-
أولاً :  أن الأنبياء والرسل- وليس جميعهم- وحدهم من يستطيع رؤية ابلـــــــيس وغيره من شياطينه وأعوانه وذلك بحسب ما أوتوا من معجزات النظر بنور النبوة وهذا النظر لا يتيسر لهم دوماً وبمشيئتهم, وانما يحصل لهم في حالات خاصة يريدها الله عزَّ وجل ولغايات تتعلق بتبليغ الرسالات واقامة الحجج وبعبارة أخرى فأن الشياطين لا يمكنها التجسد والتمثل بأية هيئة كانت وانما الأنبياء والرسل هم الذين ينفتح لهم عالم الغيب بإذن الله فيرون الشياطين والملائكة وغيرهم من أصناف وأحوال عالم الملكوت..!!!
ثانياً : أن رؤية الشياطين من قبل سائر البشر لا تكون الاّ في حال النــــــــــوم لا غير   فالنوم حسب التعبير القرآني هو الموت, قال تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الزُّمر:42) , وعندما تكون الروح في هذه الحالة فأنها تتحرر من أسر الجسد وقالبه الطيني فإذا كانت كذلك انطلقت لتكون ضمن عالم  الأرواح فترى في عالم الرؤيا ما خُفي عنها في عالم المادة ومنها الشياطين, ثُم اذا أستيقظ النائم رجعت  الروح الى أسر التجسد وحجب عنها جميع ذلك..
ثالثاً : لوصحّت هذه الرواية والتــــــأويل لصــــــح كل ما يرويه العـــــــــرب من أســــــــــاطير  وخرافات حول الشياطين والجن وأعمالهم ولكان سحرة الناس وكهّانهم بما يملكونه من ملكات شيطانية وطبائع شريرة أولى بهذه اللقاءات والمشاهدات الحسّية وهذا ما لا يدعيه عاقل أو يقول به منصف يتلوا كلام الله عزَّ وجل: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:27) ....
رابعاً : أن ما ذكره بعض المفسرين من قصص مختلفة لهذه الواقعة وتأويل الآية لم  يتم أسنادها الى المعصوم مباشرة وانما تركوا تأويلها لأقوال وآراء بعض الصحابة والتابعين أو رأي المفسر الشخصي وقد مرَّ بنا تأثر طبقة الصحابة الأولين بمعتقدات الديانات التي انحدروا منها أو تأثر البعض الآخر بما كانوا يسمعونه من قصص حول الجن والشياطين في الجاهلية قبل اسلامهم.. واما آراء المفسرين هؤلاء فأن الغالب عليهم تأويلهم النصوص بالنصوص والالتزام الحرفي بالنص ومنها قضية الاعتقاد " بالمس" وما يتعلق بها ومن الطبيعي جداً أن يكون تأويل هذه الآية تأويلاً حرفياً وان تعارض مع المنقول والمعقول...
خامساً: ثمة عدد من الأسئلة التي ينبغي ان تثار حول الواقعة ورؤية ابليــــــس فبعض الروايات تتحدث عن مجيء ابليس وجنوده وراياتهم وهذا يعني أنا إزاء مشهد تعدد وكثر فيه صور تمثل الشياطين لا في صورة سراقة حسب وانما في صورة العشرات أو المئات من وجوه بني بكر وخيولهم وراياتهم وأسلحتهم..!! وعلى فرض التنزّل واخذ ما ذكره البعض الآخر من رواية تمثل ابليس في صورة سراقة وحده فإنا نقف عند قوله- أي ابليس- أني بريء منكم أني أرى ما لا ترون.. فإلى من وجه كلامه هذا؟ ومن سمعه من المشركين؟ ومن سمعه من المسلمين؟!
سادساً: أن الحيثيات ووقائع الرواية تشير الى انها أُختلقْت من جهة المشركين ورواة القصة هم من اهل مكة تحديداً قبل دخولهم الإسلام وانه لا بد وأن يعطوا مسوغاً و مبرراً لهزيمتهم واندحارهم في معركة بدر ولأجل غسل ذلكَ العار الذي لحقهم وتجنب لوم بعضهم البعض فقد اخترعوا قصة خيانة سراقة لهم وتركهم وحيدين في أرض المعركة – ثُم أنهم بعد اسلامهم وجدوا في تأويل هذه الآية ما لا يلائم ويشاطر معتقداتهم وقصصهم عن حضور الشياطين أو الملائكة وتجسدهم بهيئة البشر ولا غرابة ان تروي كتب التفسير بعد ذلك هذا الزعم كما رووا عن سعد بن أبي وقاص قبل إسلامه قوله" كنت أرمي السهم فيردهُّ عليَّ رجل أبيـــض وماكنــتُ أعرفه" فظننتُ أنهُ ملك" ولا ندري تماماً مقدار هذا الظن ووقته قد وقع له قبل إسلامه أم بعده؟ وهل كانت سهامه الوحيدة التي ترجع خائبة إليه ام شاركه غير واحد من المشركين في هذه المعجزة! وإجمالاً يمكن ان نبين معنى الآية الكريمة وبقرينة بعض الآيات الأخر بأن الشيطان زيّن للمشركين الحرب وحرَّضهم على الاستعداد لها من خلال وسوسته وإلقاءهِ في نفوسهم بأنكم الغالبون في هذه المعركة" وأني جار لكم" وهو حديث الشيطان نفسه ولسان حاله... فلما برزت الفئتان ورأى الشيطان نزول الملائكة لنصرة المسلمين أدرك ان الغلبة والفوز سيكون نصيبهم لا محالة " فنكص على عقبيه" وترك المشركين يلاقوا حتفهم وقد تبرأ من أعمالهم... قال تعالى في آية أخرى مشابهة وموافقة في المعنى مختـــــــــــــلفة في المكان في سورة ابراهيم الآية 22  {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي آية ثانية مشابهة نقرأ قوله تعالى في سورة الحشر الآية 16: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ },وفي هلاك فرعون يُسمعنا القرآن حديث نفسه  بعد ان أدركهُ الغرق قال عزَّ وجل في سورة يونس الآية 90: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ }, وقد تطرق بعض المفسرين ومنهم الفخر الرازي في تفسيره الكبير قوله: "وفي هذا سؤلان:- أن الإنسان اذا وقع في الغرق لا يمكنه اللفظ فكيف حكى الله تعالى عنه أنه ذكر ذلك؟  والجواب منا وجهه الأول أن مذهبنا ان الكلام الحقيقي هو كلام النفس لا كلام اللسان فهو انما ذكر الكلام بالنفس لا بكلام اللسان, ويمكن ان نستدل بهذه الآية على إثبات كلام النفس... الى آخر قوله...!!" .
 وذكر القرطبي ذلك في تفسيره للآية الكريمة بقوله " وقيل هو من قول فرعون في نفسه ولم يكن ثم قول اللسان بل وفي ذلك في قلبه فقال في نفسه ما قال حيثُ لم تنفعه الندامة, ونظير ذلك انما نطعمكم لوجه الله فأثنى عليهم الرب بما في  ضميرهم لا لأنهم قالوا ذلك بلفظهم والكلام الحقيقي كلام القلب ..!..أ. ه.
   وذكر غيرهم من المفسرين رأياً مطابقاً لما جاء في هذه الآية وحكاية الرب عزَّ وجل لحديث النفس ولسان الحال لا القال منهم صاحب تفسير الميزان استناداً الى  رواية الإمام الصادق(عليه السلام) وقوله: "والله ما قالوا هذا ولكنهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم ويقولون لا نريد جزاءً تكافئوننا به ولا شكورا تثنون علينا به ولكنا إنما نطعمكم لوجه الله وطلب ثوابه..."
الرواية الثانية:-عن محمد بن وضاح قال حدثــــــــنا محمد بن سعيد قال حدثنا روح قال حدثنا ابو إسحاق عن حارثة بن مبّرد: " أن الناس نودي فيهم بعد ليلة أنه من صلى في المسجد الأعظم دخل الجنة؛ فأنطلق النساء والرجال حتى أمتلأ المسجد قياماً يصلون, قال أبو إسحاق أن أمي وجدتي فيهم, فأتى أبن مسعود فقيل له أدرك الناس؟ قال مالهم؟ قيل نودي فيهم بعد ليلة أنه من صلى في المسجد الأعظم  دخل الجنة, فخرج ابن مسعود يشير بثوبه:- ويلكم أخرجوا لا تُعذبوا إنما هي نفخة من الشيطان انه لم ينزل كتاب بعد نبيكم ولا ينزل بعد نبيكم... فخرجوا... وجلسنا الى عبد الله فقال: ان الشيطان اذا أراد ان يوقع الكذب أنطلق فتمثل رجلاً ثُم يلقى آخر فقال له ما بلغك الخبر؟ فيقول الرجل وما ذاك؟ فيقول كان من الأمر كذا وكذا فأنطلقْ فحدثْ أصحابك قال فينطلق الآخر...!
   والحق... أن رأي الصحابي ابن مسعود وردّه ربما كان عفوياً وصادقاً في وأد الفتن ومحاربة البدع في زمانه فهو يدعوا للتمسك بنص الأحاديث الواردة عن النبـــــــي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) أذ لا يوجد نص ينبئ عن دخول المسلمين الجنة بمجرد أداءهم للصلاة في هذا المسجد.. لكنه فتح من حيثُ لا يعلم أبواباً للفتن ومصائب ما زالت قائمة الى يومنا هذا... فقد بدأت رواية الحادثة في مدينته ثم انتقلت بعدها الى صحاح المسلمين وما أدراك ما الصحاح..!! وماذا تعني لهم.. فقد ذكرها مسلم في مقدمة صحيحه حيثُ ذكر حديث ابن مسعود من ان الشيطان يتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم ويحدثهم بالكذب فيتفرقون ,ثُم ان صاحب الصحيح لم يقف عند هذا الحد من التصديق والترويج للرواية رغم سندها المقطوع والذي ينبغي اسناده للمعصوم النبي(صلى الله عليه واله وسلم), فأضاف رواية أخرى" ألعن من أختها" فقد ذكر في مقدمة صحيحه عن طاووس عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: "ان في البحر شياطين مسجونة أوثقها سليمان يوشك ان تخرج فتقرأ على الناس قرآناً...!".
وربما كانت الرواية الأولى قد انتهت عند لفظ " فخرجوا" ثُم أضيف لها ما أضيف من قبل الرواة ومدوني الحديث والمفسرين أو ان عبد الله بن مسعود وأصحابه لم يعثروا على مثير هذه الفتنة التي وقى الله المسلمين شرها فعمد الصحابي " بكياسته وفطنته" لإزالة الغموض واللبس الحاصل بصرف أنظار المسلمين الى الغيب, ومن يكون سوى الشيطان المسكين, لتحميله أخطاء بعض الصحابة والتابعين والتي أثقلت وستضل تثقل ظهور المسلمين الى يوم الدين...!!
الرواية الثالثة:- ذكرها البخاري في صحيحه باب الوكالة... عن أبي هريرة أنه قال: "وكلّني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بحفظ زكاة رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثوا من الطعام فأخذته وقلت: والله لأرفعنك الى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فقال اني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال : قلتُ يا رسول الله شكا حاجـــــــــــة شديدة وعيال فرحمتهُ فخليتُ سبيله قال: اما انه كذبك سيعود فعرفت أنه سيعود لقوله (صلى الله عليه واله وسلم), أنهُ سيعود فرصدته فجاء يحثوا من الطعام فأخذته فقلتُ لأرفعنك الى رسـول الله   (صلى الله عليه واله وسلم) قال: دعني فأني محتاج وعليّ عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله؟ فجاء ثالثة فقال: دعني وأعلمك كلمات ينفعك الله بها...قلتُ ما هو؟ قال: إذا آويت الى فراشكَ فأقرأ آية الكرسي حتى تختم الآية فأنك لن يزال عليك حافظاً ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ما فعل أسيرك البارحة؟ قلتُ يا رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) زعم انه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليتُ سبيلهُ... قال ما هي؟ قلتُ آية الكرسي... فقال(صلى الله عليه واله وسلم) اما انه صدقك وهو كذوب...
  وعلى الحديث جملة من الملاحظات تذكر منها:
ان قول ابا هريرة " فأخذته" – أي الشيطان- وقول الشيطان "دعني" يعارض ما ذكر في صحيح مسلم من حديث تلاعب الشيطان بين يدي النبي(صلى الله عليه واله وسلم) أثناء صلاته وتركه له بعد ان تذكر دعوة  نبي الله سلمان(عليه السلام) وايضاً يتعارض مع حديث التسمية حيث اوردت الصحاح ان النبي(صلى الله عليه واله وسلم) قال: " ان الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر فيه أسم الله عليه فكيف والحال بطعام الزكاة..؟!!!.
ان علم النبي(صلى الله عليه واله وسلم) بتردد الشيطان على الصحابي ثلاث مرات دون ان يكون له موقف واضح أمر لا يمكن تصّوره وقبوله, فأن من أولويات مهام الأنبياء والرسل  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم المسلمين سبيل التعوذ من الشياطين والحاصل في هذه الرواية العكس تماماً... فالشيطان صار هو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والمعّلم والنبي(صلى الله عليه واله وسلم) لا شأن له في كل ما يرى و يحصل..!!.
ان هذا الحديث يتعارض مع ما جاء في الصحيحين من نهي النبي(صلى الله عليه واله وسلم) عن الاستجمار بالعظام والروث وقوله(صلى الله عليه واله وسلم):" ان العظام زاد اخوانكم من الجن... فإذا كانت العظام طعام مؤمني الجن فما هو طعام كفارهم؟ فهل هي  زكاة شهر رمضان التي أودعها النبي(صلى الله عليه واله وسلم) لأبي هريرة؟!!
اذا كان للشياطين هذه القدرة والكيفية  من التشكل والحضور امام البشر فَلِم لمْ يستخدم ذلك الشيطان قدراته تلك في الهرب من قبضة الصحابي وتجنب " ورطة السرقة وحدّ القطع" ... الاّ أن يُقال ان لبعض الصحابة معاجز" سليمانية" فهذا أمر أخر..!!
ان صحت هذه الرواية صح جميع ما يقال من ذرائع وحجج يلقيها المؤتمنون على أموال المسلمين وغيرهم بأن الشياطين والجن وراء كل نقص او سرقة تحصل على ما ائتمنوا عليه..!!
ان صح الحديث جملة او بعضاً فقد يكون المراد من قول النبي(صلى الله عليه واله وسلم) "هذا الشيطان" فان المقصود به شيطان من شياطين الانس... وليس شيطان الجن...وربما سقطت "الالف والام" سهواً فحصل ما حصل من تأويلات وتضخيم للحديث..!!
   والملفت في هذه القصة أن نراها تتكرر مع غير أبي هريرة... ولأسباب قد تكون من بينها إظهار "معاجز لصحبة الصحابي" أو شيء من هذا القبيل, فقد روي عن محمد حفيد أبي بن كعب قصة بأسلوب شيّق مفادها ان جده عنده "جرين تمر" فوجده ينقص وعند مبيته في الليلة التالية واذا هو بدابة تشبه الغلام ويداه تشبه الكلب فأخذه وامسك به لكنه علّمه حصناً يمتنع به عن الشياطين وهو تلاوة سورة البقرة أو آية الكرسي ثُم ان أبي كعب قد قصّ الخبر على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال له صدق الخبيث..!! ويبدو ان قصص" جرين التمر" أو الطعام أو الغول والسعالى قد استطابها بعض الصحابة والتابعين وفتحت شهية ارباب صنعة الحديث والمفسرين فقد نسبوا الى معاذ بن جبل من طريق أبي الأسود الدؤلي أنه قال- ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) جعله على صدقة المسلمين وانه تفحّص التمر فإذا هو في نقصان... ثُم يروي قصة صراعه مع ذلك الشيطان الذي تبدى له في صورة فيل وصور اخرى وكيف انه أمسك به وكاد ان يقتله لولا توسله بقلة حيلته وان له عيال يعيلهم واخيراً قول النبي(صلى الله عليه واله وسلم):"اما انه سيعود.." ومرة رابعة مع أبي أيوب الانصاري انه وقع له ذلك مثل ذلك ..!! ومرة خامسة مع أبي أسيد الانصاري لمّا قطع تمر حائطه , ومرة سادسة مع أبي عبد الله بن بريد بصورة امرأة غول فقال لـــــه (صلى الله عليه واله وسلم): " كذبت وهي كذوب ومرة سابعة مع زيد بن ثابت, وان الشيطان علمه " آية الكرسيّ" وعلى أية حال فأن "سلسلة" هذ الروايات لا شَّك قد تبين وضعها والتلاعب بمضمونها واصابع الدسّ والتحريف لا تَخفى على العاقل اللبيب سيما ما يتصل باستحصال النتائج وقطف ثمار " المحاولة الثالثة والاخيرة" فهي ابداً تكون من سمات الموروث القصصي الإسلامي خاصة.. فما ان تصل القصة او الرواية الى المحاولة الثالثة لها حتى تتجلى علامات انكشاف الغمة والشدة وينحسر الشر وتبدو صور الفرج  و الأمل تلوح بالأفق..!!
الرواية الرابعة:- عن الحســـــــــين بن احمد العلوي عن علي بن احمد بن موسى عن احمد بن علي عن الحسن بن ابراهيم العباسيّ عن عمير بن مرداس الدولقي عن جعفر بن بشير عن وكيع عن المسعودي عن سلمان الفارسي قال:" مرّ ابليس لعنه الله بنفر يتناولون أمير المؤمنين(عليه السلام) فوقف أمامهم فقال القوم من الذي وقف أمامنا؟ فقال: أنا ابو مرة... فقالوا : أبا مرة إما تسمع كلامنا؟
فقال: سوأة لكم تسبون مولاكم علي بن أبي طالب؟
فقالوا: ومن أين علمت أنه مولانا؟  فقال: من قول نبيكم " من كنتُ مولاه فعليُّ مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله..
فقالوا له: فأنت من مواليه وشيعته؟ فقال: ما انا من مواليه ولا أنا من شيعته ولكني احبه وما يبغضهُ احد الاّ شاركته في المال والولد..!!!
 والراوي هُنا لا يريد من هذه القصة الاّ اثبات واعلام مناوئيه وخصومه من المذاهب الأخرى بفضائل ومناقب أمير المؤمنين(عليه السلام) تلك المناقب والسجايا التي صدعت بها آيات الذكر الحكيم رؤوس الكافرين والمشركين والناكثين والقاسطين والمارقين وصدحت بها السنّة حتى انّ احداً من الصحابة لم ينل ما ناله الأمام من آيات الاجلال والإكبار والتبجيل والتوقير- ومن كان هذا شأنه ومنزلته بشهادة من فوق سبع سموات وتزكية أفضل الأنبياء والمرسلين, فمن المعيب والمشين بل من الظلم ان تستدعى لأجله شهادة أسوأ وانجس مخلوق عرفته السموات السبع والأرضين..!! وإضافة الى ذلك فأن جرأة هذا الراوي وأسلوبه المتحامق في هذه الرواية قد فتح ابواباً للشر والفتن كثيرة بتأكيده ظهور الجن والشياطين للبشر ليتحاوروا بينهم وليسمع كلاً منهم كلام الآخر.. وهذا ما نجده واقعاً في الكثير من الأسئلة المطروحة للفتيا حول جواز سؤال الجن أو الاستعانة بهم عن مسائل الغيب كمعرفة المال المسروق ومكان تواجد عمل السحر ومعرفة الساحر أو الاستعانة بالجن المؤمن لإخراج الجن الكافر من بدن البشر وغيرها من مسائل غيبية أخرى... هذا في ما يخص متن الرواية ووضوح اختلاقها واما من جهة السند فقد اشتملت على أسماء أربعة من المجاهيل بحسب رجال الحديث وهم ابو علي الحسن بن ابراهيم العباسيّ؛ وعمير بن مرداس الدولقي, والحسين بن احمد العلوي وكنيته ابو عبد الله وجعفر بن بشير المكي..!.
وفي المقابل فأن هناك من يريد ان يثبت عظم شأن الصحابة وان الشياطين في حال سوّلت أنفسهم إلحاق الأذى بهم فأن رصداً وحرساً من مؤمني الجن تمنعهم من ذلك كما تحدثنا هذه الرواية... عن عكرمة عن عبد الله بن عباس انه قال:" خرج رجل من خيبر فأتبعهُ رجلان وآخر يتلوهما يقول...أرجعا...أرجعا... حتى ردهما ثم لحق الاول فقال: أن هذين شيطانان واني لم أزل بهما حتى رددتهما فإذا أتيتُ رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فأقرأهُ السلام وأخبرهُ انا ها هنا في جمع صدقاتنا ولو كانت تصلح له لبعثنا بها إليه قال... فلما قدم الرجل المدينة اخبر النبي(صلى الله عليه واله وسلم)... فعند ذلك نهى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) "عن الخلوة" وجزي خيراً هذا الراوي أذ لم يجعل بين مؤمني الجن والشياطين حرباً تطيح فيها الرؤوس والأيدي, وأنهُ علم النبي(صلى الله عليه واله وسلم) على لسان "الجني" ما خُفي عليه من قضايا فقهية هامة منها... ان صدقات الجن لا يمكن ان يستفيد منها المسلمون... وان من الجن من يتمثل في صورة الرجل لينقذ الصحابة حصراً من أذى الشياطين..! وانه نبّه النبي(صلى الله عليه واله وسلم)ايضاً لأمر لم يكن ليعلمه وهو أن رؤية البشر للجن عياناً تكون في الخلوة الى غيرها من الفوائد تركنا استخلاصها لفطنة القارئ الكريم, والراوي لهذه القصة هو عكرمة مولى ابن عباس وقد تكلم فيه ابن حجر في مقدمة فتح الباري عن ابن عمر انه قال لنافع مولاه لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس, وفي المصدر نفسه عن بريد بن ابي زياد قال دخلتُ على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقّيد فقلتُ : ما لهذا؟ قال: انه يكذب على أبي..! وقال يحيى بن معين كان ينتحل مذهب الصفرية ولأجل ذلك تركهُ مالك نقول وإضافة الى ما تَّم ذكره من مطاعن فأنه كان ممن أعان على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وانه صاحب اختلاق رواية حرق الأمام للمؤلهة والتي يتناقلها غلاة بعض المذاهب الإسلامية الى يومنا هذا...!!
الرواية الخامسة:-عن ابان بن عياش من رواية سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي انه جاء الى علي(عليه السلام)وهو يغسل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فأخبره بما صنع الناس واخبره أن أبا بكر على منبر رسول الله, وان الناس يبايعونه بكلتا يديه فقال    (عليه السلام) هل تدري أول من بايعه على منبر رسول الله؟ فقال لهُ سلمان: "لا أدري غير بشير بن سعد وأبي عبيدة وعمر بن الخطاب وسالم", فقال له الإمام(عليه السلام): "لا أسألك عن هذا, ولكن هل تدري أول من بايعه حين صعد على منبر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)؟ قال: " رأيتُ شيخاً كبيراً متوكئاً على عصاه بين يديه سجادة شديد التشمير؛ صعد إليه أول من صعد وهو يبكي ويقول:- " الحمدُّ لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان... أبسط يدك... فبسط يده فبايعه ثُم نزل وخرج من المسجد, فقال علي(عليه السلام): أتدري من هو؟ قلتُ :لا... ولقد ساءني  مقالته وكأنهُ شامت بموت النبي, فقال له الإمام عل(عليه السلام): ذاك ابليس لعنهُ الله... أخبرني رسول الله ان ابليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله اياي في غدير خُم بأمر من الله, وأمر أبالستهِ الذين حضروا معه يوم ذاك ان يبلغ الشاهد منهم الغائب, فأقبل ابليس الأبالسة ومردة اصحابه فقالوا: " ان هذه أمة مرحومة معصومة وما لنا عليهم من سبيل, فأنطلق ابليس حزيناً كئيباً,ويضيف الراوي: أن علياً(عليه السلام)قال أن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)أخبرني ان الناس يبايعون أبا بكر و ان أول من يبايعه على منبري ابليس في صورة رجل شيخ مشمر ويجمع شياطينه وأبالسته فيسخر ويقول: زعمت أن ليس لي عليهم سبيل..! فكيف رأيتم ما صنعت بهم حتى تركو أمر الله وطاعته وما امرهم به رسول الله؟ ولسنا هنا بصدد بيان صحة صدور ما ورد في الكتاب من مرويات وأقاصيص من عدمه فقد تولى ذلك جملة من الاعلام والمحققين ورجال الحديث... والذي يعنينا متن الرواية موضوعة البحث... فمع تأكيد الذكر الحكيم استحالة رؤية الشيطان من قبل عامة بني البشر وأنهُ سُميَّ جناً لاجتنانه عنهم فأنا نقرأ في هذه الرواية مفارقات وتناقضات وعلامات ريبة وشَّك واضحة للمتمعن منها:-
اولاً: ان بيعة ذلك الشيخ- ابليس- للخليفة الأول وامام مرأى الجميع لم تثر أي وجوه
     استغراب حول هذه الشخصية" النَكِرة المتنكرة" أذ المشهور في مراتب انعقاد البيعة ان يتقدم كبار القوم ووجوههم ورؤساء القبائل ومن ثُم يتبعهم سائر الرعية...
ثانيًا: أليس من المفارقة العجيبة والمثيرة للشـــــكوك ان لا يحدثــــــــــــنا التراث عن صور
     تكرار تلك البيعة لمن هم دون الخليفة الأول في المثالب والعيوب بل والمشهود لهم بأجماع الإمة بالقسوة الوحشية وارتكاب الجرائم كبعض خلفاء الأمويين والعباسيين وغيرهم ممن جبلت نفوسهم على حب البطش والتنكيل والإسراف في دماء وأموال المسلمين...!!
ثالثاً: من المفارقات الأخرى هي ان نرى تكرار مشهد استشهاد الراوي بشهادة ابليس  لعلي(عليه السلام) – بزيادة ملحوظة في اعداد الشياطين هذه المرة- وكأن شهادة هذا المعلون على لسان الرب والخلق تعّد مفخرة للإمام(عليه السلام)وفضيلة تضاف الى فضائله... وأخيراً فأن هذه الرواية تتعارض مع رواية أخرى تحكي تصور ابليس عند بيعته بصورة المغيرة بن شعبة وانه قال لا تجعلونها كسروانية ولا قيصرانية وسعّوها تسع فلا تردوها في بني هاشم...
الرواية السادسة:-حدثنا محمد بن الحسن بن احمـــــد بن الوليد قال حدثنــــــــا سعــــــد بن
عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن ابن ابي نجران عن الحسن بن المختار عن الوليد بن صبيح قال: " جاءني رجل فقال لي: تعال حتى أريكَّ ابن الرجل, قال: فذهبتُ معه, قال: فجاء بي الى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر, قال: فخرجت مغموماً فجئتُ الى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلق بالبيت يبكي قد بلَّ أستار الكعبة بدموعه... قال: فخرجتُ أشتّد فإذا إسماعيل جالسٌ مع القوم فرجعتُ فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه, قال: فذكرتُ ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال: لقد أبتلي ابني بشيطان يتمثل في صورته...!!"
ولا ريبَّ ان الرواية من الموضوعات التي ربما وضعها طائفة من الإسماعيلية لأجل تبرئة ساحة اسماعيل من الشبهات وليدفعوا عنه باطل الأفعال وتنزيهه عن إرتكاب المعاصي او قد تكون من موضوعات مناوئيهم لأجل نفي الإمامة عنه وإثباتها في غيره فجعلوا تمثل الشيطان به حجةً ودليلاً على بطلان إمامته استناداً الى الحديث المشهور "ان الشيطان لا يتمثل بنبي او إمام" ..!!

الرواية السابعة:- وقد أوردها بعض المفســـــــــــرين كأبن كثير والطبـــــــــري ومن أرباب الحديث كالبيهقي في دلائل النبوة وفي قصص الأنبياء للراوندي فقد ذكروا باختلافات يسيرة , انه اجتمعت قريش في دار الندوة فجاءهم ابليس لما اخذوا مجلسهم فقال أبو جهل: " لم يكن احد من العرب أعّز منا حتى نشأ فينا محمد وكنا نسميه الامين لصلاحه وأمانته فزعم أنه رسول رب العالمين وسبَّ ألهتنا وقد رأيت فيه رأيا وهو أن ندّس إليه رجلاً فيقتله وان طلبت بنو هاشم بدمه اعطيناهم عشر ديات" ...فقال ابليس: هذا رأي خبيث فأن بنو هاشم لا يرضون ان يمشي قاتل محمد على الأرض أبداً ويقع بينكم الحروب في الحرم... فقال آخر: الرأي ان تأخذه فنحبسه في بيت ونثّبته فيه ونلقي إليه قوته حتى يموت كما مات زهير والنابغة...قال ابليس: أن بني هاشم لا ترضى بذلك فإذا جاء مواسم العرب اجتمعوا عليكم فأخرجوه فيخدعهم بسحره... فقال آخر: الرأي ان نخرجه من بلادنا ونطرده ونتفرغ لآلهتنا... فقال ابليس: هذا اخبث منهما فأنه اذا خرج يفجأكم وقد ملأها خيلاً ورجلاً فبقوا حيارى- فقالوا وما الرأي عندك؟ قال: ما فيه إلاّ رأي واحد وهو ان يجتمع من كل بطن من بطون قريش رجل شريف ويكون معكم من بني هاشم احد فيأخذون سيفاً ويدخلون عليه فيضربه كلهم ضربة واحدة فيتفرق دمه في قريش كلهم فلا يستطيع بنو هاشم ان يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه... فقالوا الرأي رأي الشيخ النجدي... فاختاروا خمسة عشر رجلاً فيهم ابو لهب على ان يدخلوا على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)... فأنزل الله تعالى قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ}(الأنفال:30) , وقد تعرضت هذه الرواية للنقد والجرح من قبل رجال الحديث فذكروا ان رواتها من فيهم المدلّس والكذاب والضعيف كباذان مولى ام هاني- قال الحافظ بن حجر ضعيفٌ مدلّس, ومحمد بن عمر الواقديّ قال عنه علي بن المديني: "الواقديّ يضع الحديث واورده البخاري في الضعفاء"- ترجمة- 334- متروك الحديث- وفيهم الحكم بن عتيبة- مدلّس كما جاء في التقريب , ج1 ,ص192, وسلمة بن الفضل قال عنه البخاري: عنده مناكير وفيه نظر- وأورده النسائي في الضعفاء والمتروكين"241" , واما رواية القطب الراوندي فتعد من المراسيل كونها تفتقد الى السند المتصل بالمعصوم... إضافة الى ان صاحب الكتاب يمثل علماً من اعلام مدرسة التصوف والتي تعتقد اعتقاداً جازماً بعالم الكشف وما يتصل به من واقع التواصل مع الملائكة والجن والأرواح وغيرها من العقائد الموهومة الباطلة....!!
   واما متن الرواية فلا مرية في تهافته- فالذي يعرف عصبية قريش المتجاهلة كل حدود قيم الإنسانية وبطشها وجبروتها لا يجد مندوحة من الطعن بمثل هذه الرواية, فأنى يتيسر لرجل مجهول غريب ان يدخل فجأة علي علية القوم وساداتهم ثُم يجعلوه حاكماً فيسفه آراءهم فيصفها " بالخبث" ثُم يملي عليهم حكمه وقراره..!!
الرواية الثامنة:روى الصدوق -عن ابي بكر محمد بن احمد بن الحسين بن يوسف  بن زريق البغدادي-عن علي بن محمد بن عيينة مولى " الرشيد" عن دارم بن قبيصة بن نهثل  بن مجمع النهشلي الصنعاني بسر من رأى عن علي بن موسى الرضا     (عليه السلام)عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن آباءه عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال: " كنتُ جالساً عند الكعبة وإذا بشيخ محدودب قد سقط  حاجباه على عينيه من شدة الكبر وفي يده عكازة وعلى رأسه برنساً احمر وعليه مدرعة من الشعر فدنا الى النبي(صلى الله عليه واله وسلم) وهو مسند ظهره الى الكعبة فقال يا رسول الله أدع لي بالمغفرة.. فقال النبي(صلى الله عليه واله وسلم) خاب سعيك يا شيخ وضل عملك فلما تولى الشيخ قال: " يا ابا الحسن أتعرفه؟ قلت اللهم لا...قال ذلك اللعين ابليس..!"
قال(عليه السلام): " فعدوت خلفه حتى لحقته وصرعته الى الأرض وجلستُ على صدره ووضعتُ يدي في حلقه لأخنقه...فقال لي: لا تفعل يا ابا الحسن فأني من المنظرين الى يوم لوقت المعلوم والله يا علي اني لأحبك وما أبغضك احد الاّ شركت أباه في أمه فصار ولد زنا فضحكت وخليت سبيله..!!"
فإبليس حسب هذه الرواية أصبح نادماً على ما صدر منه من معصية للرب... ومعلناً توبته فيما ارتكبه بحق عباده من غواية وضلال وافساد...!!
   والإمام لا يعلم بآية نزلت تنظر ابليس الى يوم الوقت المعلوم لولا ان ابليس ذكرّه والامام يذهب الى ابليس ليقتله دون ان يستأذن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)...!!
   ثُم ان ابليس من شيعة علي ومحبيه ولا شَّك أنه محب لمحبيه وشيعته..!! ومن احب علياً فقد احب رسول الله ومن احب رسول الله فقد احبّ الله...
  واخيراً ينبغي الإشارة الى ان أحداث هذه الواقعة قد جرت في المسجد الحرام حيثُ كان يخلو تماماً من أي سادن للكعبة أو طائف أو مصلي والاّ لأنبرى أحدهم لإنقاذ ذلك الشيخ المسكين من موت محقق او نزع يد الإمام من فيه على أقل تقدير...!!
هذا في ما يخص متن الرواية المتداعي واما سندها فقد تداعى هو الآخر بوجود رواة من مثل ابي بكر محمد بن احمد بن الحسين بن زريق البغدادي فقد ذكر الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم رجال الحديث بقوله: "لم يذكروه" في ما قرر السيد ابو القاسم الخوئي في معجم رجال الحديث " أنه مجهول" والحال نفسه عن مولى الرشيد علي بن محمد بن عيينه, وأما دارم بن قبيصة فقد قال بحقه الشيخ احمد بن الحسين الغضائري في كتابه الضعفاء: " لا يؤنس بحديثه ولا يوثق به" والخوئي في المعجم انه" مجهول" ...!!
الرواية التاسعة:أخرج الامام مسلم في صحيحه قال: " حدثنا زهير بن حرب حدثنا  يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال حدثني صيفي عن ابي السائب عن ابي سعيد الخدري قال سمعته قال:" قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ان بالمدينة نفراً من الجن قد أسلموا فمن رأى شيئاً من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثاً فأن بدا له بعد فليقتله فأنه شيطان..!! وفي رواية عن ابي السائب مولى هشام بن زهرة انه دخل على ابي سعيد الخدري في بيته قال فوجدته يصلي فجلستُ انتظره حتى يقضي صلاته فسمعتُ تحريكاً في عراجين في ناحية البيت فألتفت فإذا حية فوثبت لأقتلها... فأشار إليَّ ان اجلس فلما انصرف أشار الى البيت في الدار فقال: أترى هذا البيت؟ فقلتُ : نعم... فقال كان فيه فتى منا حديثُ عهد بعرس قال: فخرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)الى الخندق, فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) بأنصاف النهار ويرجع الى أهله فأستأذنه يوماً فقال له رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) خذ عليك سلاحك فأني أخشى عليك قريظة... فأخذ الرجل سلاحه ثُم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها به واصابته غيرة...فقالت: اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني, فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثُم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدري إيهما كان أسرع موتاً الحيّة أم الفتى؟ قال: فجئنا الى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فذكرنا له ذلك وقلنا أدعو الله يحيه لنا, قال: استغفروا لصاحبكم.. ثُم قال: أن بالمدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئاً فأذنوه ثلاثة أيام فأن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فأنهُ شيطان..!!"
  والحال والواقع ان الرواية الأولى هي تكملة الرواية التالية وبعبارة واضحة مما أضيف إليها بصيغة الدّس و الوضع والاّ فأنها تنتهي عن قول النبي(صلى الله عليه واله وسلم) استغفروا لصاحبكم, ثُم أن الرواة وأصحاب الحديث قد أطلقوا العنان لأقلامهم ومخيلتهم كدأب أسلافهم في الجاهلية وذلك بإسناد تأويلاتهم وتعليلاتهم لخفايا العلل والأمراض الى الغيب ولا شَّك ان اصابة ذلك الفتى بعلّة مفاجأة" كإصابته بالسكتة الدماغية أو القلبية" من بين تلك العلل... وقد مرَّ بنا في مقدمة البحث تلك العقائد السائدة المنتشرة في الجزيرة العربية كيف أنهم يرون أن الثعابين نوع من أنواع الجن وكيف ان حواراً في الشعر يدور بينهم وبين "الثعابين الجن" ثُم انها تنجيهم من المهلكات وتدلهم على آمن الطرقات..!! ولعل أوضح ما يؤخذ على الرواية هو تناقضاتها مع غيرها من الاحاديث كقوله(صلى الله عليه واله وسلم)... أقتلوا الاسودين في الصلاة الحيّة والعقرب أو أقتلوا الحيّة والعقرب وان كنتم في الصلاة..! ثُم ان قول النبي   (صلى الله عليه واله وسلم) للصحابة فأذنوه ثلاثة أيام لا يعنّي الاّ ان فيهم من المسلمين فكيف يدخل المسلم بيوت المسلمين ويطأ فرشهم دون إذنٌ منهم.؟!أم كيّفَ يروّع أطفالهم ونساءهم...؟! أن مما يؤسف له ان تشكل هذه المرويات فيما يعد إرثاً ثقيلاً لمدونات المسلمين وان تعتمد كمصادر تشريع على صحة ما جاء فيها وتصل الى حد القداسة في كثير من الأحيان... وان يعمد أصحاب تلك المدونات الى تأسيس قاعدة عقدية وفقهية لم يزل معمولاً بها الى يومنا هذا ترتكز على مفهوم تغليب وتقديم النقل على العقل والرواية على الدراية والحديث على الكتاب... فنقرأ مثلاً في بعض كتب الفرق الإسلامية كمجموع الفتاوى لأبن تيمية كلاماً مستفيضاً وقصص مطولّة عن تجسد الجن في هيئة البشر وغيره من الحيوانات.. وما دمنا في معرض تبيان حقيقة هذا المنهج وأثره في واقع الإسلام المعاصر نرى من المفيد التطرق لبعض ما جاء في تلك الكتب سيما وان اتباع هذه الفرقة  وبفضل ما تتمتع به من إمكانات مالية وإعلامية ضخمة جعلت منهم الصوت المسموع من بين أصوات سائر الفرق؛ فيقول في كتاب مجموع الفتوى:" ان الجن كانوا يتصورون على هيئته  هو وصورته ويفتون الناس أو كلام نحوه...!!", وفي كتابه "دقائق التفسير لجامع التفسير" يقول:  ودخلت الشياطين في أنواع من ذلك فتارة يأتون الشخص وهو في النوم ويقول احدهم انا أبو بكر الصديق وانا أتوبك وأصير شيخك..!! وانت تتوب الناس, ويلبسه فيصبح وعلى رأسه ما ألبسه فلا يشَّكُ... وتارة يأتون الى من هو ضال في البرية وقد يكون ملكاً أو أميراً كبيراً ويكون كافراً قد أنقطع عنه أصحابه وعطش وخاف الموت فيأتيه في صورة انسي ويسقيه ويدعوه إلى الإسلام ويتوب فيسلم على يديه ويطعمه ويدله على الطريق ويقول من انت؟ فيقول: انا فلان؛ ويكون في موضع- كما جرى مثل هذا لي... كنتُ في مصر في قلعتها وجرى مثل هذا الى كثير من الترك من ناحية المشرق وقال له ذلك الشخص انال ابن تيمية فلم يشّكُ ذلك الامير في انا هو واخبر بذلك ملك ماردين وارسل بذلك ملك ماردين الى مصر رسولاً وكنتُ في الحبس فاستعظموا ذلك وانا لم اخرج من الحبس ولكن كان هذا جنياً يحبنا فبصنع بالترك التتر مثل ما كنتُ أصنع بهم, لما جاؤوا الى دمشق كنتُ أدعوهم الى الإسلام فإذا نطق احدهم بالشهادة اطعمتم ما تيسر فعمل معهم مثل ما كنتُ أعمل وأراد بذلك  اكرامي ليظن ذلك أني انا الذي فعلت ذلك ...!!

  قال لي  طائفة من الناس فلم لا يجوز أن يكون ملَكَاً؟ قلت: لا أن الملك لا يكذب وهذا قال انا ابن تيمية هو يعلم انه كاذب في ذلك..!!
  وفي موضع آخر يقول ويمكن للجن ان تتشكل بصورة الإبل او البقر والغنم والبغال والحمير..!!
   ومن هذه الفتاوي يمكن ان نستدل بل نقطع بعصة شيخ هذه الفرقة وبكل ما يجود به قلمه... وان أي خطأ صغيراً كان أم كبيراً لا بد وان يكون قد صدر من الجن وليس منه..!! كما ان  على المسلمين "سيما مقلديه" أن يحذروا عند شرائهم الدواب واستعمالهم لها فقد تكون من أنواع الجن فتحلق بهم في السماء..!!  واما في حال الاستفادة من لحومها سيما الأبل- عفواً الجن- فعليهم الاطمئنان بحلية أكل لحوم الجن شريطة ان لا يسأل من يذبحه عن دين ومذهب ذلك الجن ان كان مجوسياً أو نصرانياً – شافعياً كان أو حنفياً..! كما أفتى بذلك مؤخراً احد مشايخ مذهب ابن تيمية المدعو "محمد الزغبي" من على شاشة العربية بجواز أكل لحوم الجن التي تتشكل على هيئة الابل قائلاً:- ان الجن يأخذ وقتاً غير معلوم في التشكل ولا يراهُ أغلب الناس مضيفاً أننا  نأخذ بما صحّ من المنقول لا بما تستحسنه العقول.... لذا من الجائز أكلها دون ان يقع ضرر على آكلها... نقول... ولا شَّك ان لهذه الفتاوى والآراء الوهابية التيمية جذورها الممتدة الى فقه الحنابلة القائل بوجوب الوضوء عند  أكل لحم الإبل.... فقد جاء في الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة في ج6, ص160, والانصاف للمرداوي وفي سنن البيهقي عن عبد الله بن مغفل مرفوعاً  "وإذا أدركتم الصلاة وانتم في اعطان الإبل فأخرجوا منها وصلوا فأنها جن من جن خلقت... الا ترى انها اذا نفرت كيف تشمخ بأنفها..!! أو صلوا في مرابض الغنم ولا تصلّوا في أعطان الأبل فإنها خلقت من الشياطين ....
   ويعلق ابن القيم تلميذ ابن تيمية على هذه الرواية : "ان العلة في الوضوء من أكل لحم الإبل لأنها خلقت من نار, خلقت مما خلق الله منه الجن- لذلك النار تبرد بالماء يعني الوضوء فيتوضأ الإنسان إذا أكل لحمها" ..!!
 ولعّل القارئ الكريم يرى في هذا التعليل مصداقاً من مصاديق النهج السائد منذ قرون في مدونات الفقه الإسلامي والقاضي بتقديم وتغليب جنبة النقل بهناته وعلله وسقطاته على نصوص الكتاب المقدس... فبدل من ان يحتج ابن القيم في تقييم الحديث ودراسة متنه وعرضه على الكتاب نراه يسرع في تصديقه وتبنيه وتبريره بمبررات واهية هزيلة لا قيمة لها... فأين هذا الرأي والاستنتاج السقيم وصموده ازاء قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ } (النور:45)  , أو ليست الإبل من الدواب..!!  ثُم ينتقل أئمة هذه الفرقة باتباعهم ومقلديهم للاعتقاد بالوان اخرى من تجسد الشياطين فتصل بهم درجة الاستخفاف بالعقائد والعقول ذروتها عندما يجعلون الجن تتجسد بأنواع الطيور وأصناف النبات والاشجار والثمار بل وحتى الحجر ثم تتكلم مع الناس من خلال تلك الأشياء..!!
  فيقول ابن تيمية في كتابه "مجموع الفتاوى, ج11 ص300" ما نصه: " وانا اعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع.. وانما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيه... واعرف من يخاطبهم الشجر والحجر وتقول هنيئاً لك يا ولي الله... فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك ... واعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها وتقول خذني حتى يأكلني الفقراء... ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنسان ويخاطبه بذلك... ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح وبالعكس..!!
  نقول: وربما لأسباب يجهلها المسلمون ويعلمها شيخ الإسلام وحده منعتهُ من حمل عصاه والذهاب الى تلك الأشجار والعصافير " الممسوسة" ليريحها من عذابات الجن.. ولكن لا بأس...ولا ضير– فقد أقدم على سد هذه الفجوة وتدارك ذلك التقصير بعض مقلديه من فقهاء " الفرقة الوهابية" المعاصرة فألف كتاباً أسماه " القول القائم في رقية البهائم" ومن هنا فليس من المستغرب والمستبعد ان نرى يوماً من على فضائيات السحر والحسد شيخاً أو مجموعة شيوخ قد احاطوا بجملٍ أو بقرة أو حصانٍ " اصيب بمس" وهم يتمتمون تارة ويضربونه تارة أخرى...
الرواية  العاشرة: عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي, عن فرات بن ابراهيم   بن فرات الكوفي , عن محمد بن علي بن كثير عن أبيه عن أبي هارون العبدي عن جابر  بن عبد الله الأنصاري قال: " كُنا بمنى مع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) أذ بصرنا برجل ساجد وراكع ومتضرع فقلنا: يا رسول ما أحسن صلاته..!! فقال(صلى الله عليه واله وسلم): "هو الذي اخرج أباكم من الجنة فمضى اليه علي (عليه السلام) غير مكترث فهزه هزة ادخل أضلاعه اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى... ثُم قال لأقتلنك ان شاء الله فقال: " لن تقدر على ذلك" الى أجل معلوم عند ربي... ما لكَّ تريد قتلي؟ فو الله ما أبغضكَ أحد الاّ سبقت نطفتي إلى رحم أمه قبل نطفة أبيه , ولقد شاركتُ معارضيكَّ في الأموال والاولاد وهو قول الله عزَّ وجَل في محكم كتابه وشاركهم في الاموال والاولاد... قال النبي(صلى الله عليه واله وسلم): " صدقت يا عليّ لا يُبغضُك من قريش الاّ سفاحيّ ولا من الانصار الاّ يهودي ولا من العرب الاّ دعيّ ولا من ساير الناس الاّ شقيّ ولا من النساء الاّ سلقلقية ثُم أطرق ملياً ثُم رفع رأسه فقال : معاشر الأنصار اعرضوا اولادكم على محبة علي فإن أجابوا فهو منكم وان أبو فليس منكم...  قال جابر بن عبدالله فكنا نعرض حبُّ عليّ(عليه السلام) على أولادنا, فمن أحب علياً علمنا أنه من أولادنا , ومن أبغض علي(عليه السلام) انتفينا منه...!! والواقع ان ابليس كان ولم يزل وسيظل كافراً وليس منافقاً وانما المنافق من حاكَّ هذه القصة السمجة وببلادة وحمق ظاهرين فمن علامة نفاقه أنه يجسد ابليس في صورة الساجد العابد المتضرع التالي للقرآن المحب لأمير المؤمنين(عليه السلام) المنافح عن قضيته , ثُم المتحدث معهُ وجهاً لوجه  بأقبح الكلام ُ و أفحشه , واما علامة بلادته وحمقه فيظهرها  من خلال جعل الإمام ينصت لحديث ابليس المسهب, واما ان ينتهي ابليس من كلامه حتى ينتقل فوراً الى تصديق النبي   (صلى الله عليه واله وسلم) له فيقول صدقت يا علي..!! فتأمل..؟










خلاصة روايات تجسد الشياطين
     ان اغلب الروايات والاحاديث المدوّنة من قبل أصحاب الصحاح وغيرها من الكتب المعتبرة وتفسير المفسرين والحاكية تمثل الشياطين بهيئة البشر وغيره قد نقلت عن بعض الصحابة الذين ظلت بعض معتقدات وأساطير الجاهلية عالقة بأذهانهم, إضافة الى التحريف المقصود من جهة الرواة والنسّاخ لمقاصد وغايات مذهبية وما تبع ذلك من اجتهادات  واخطاء لبعض أئمة المذاهب الإسلامية في حقب تاريخ المسلمين المختلفة, ووفقاً لمفهوم تقديس الموروث والعمل بتقليد السلف السائد منذ قرون فقد أسهم جميع ذلك بإرساء أسس هذا المعتقد , ثُم يمكننا القول بأن ما توفر لدينا من فوضى فكرية وعقدية في قضايا السحر والجن والتسخير والتلبس وغيرها كان سببها الاول والمهم هو التأويل الخاطئ لآية " أني جارُ لكم" , ثُم وجهت وحرّفت واخُتلقت بقية الاحاديث استناداً لهذه الآية...!











" خطف الشياطيــــــن للإنس..!! "
    من الادلة التي تساق على قدرة الشياطين على خطفهم الأنس ما ذكر في فقه المذاهب الإسلامية ودونها بعض الفقهاء في صحاحهم ومصنفاتهم وأفردوا ابواباً لها خاصة في أحكامهم, فقد أخرجً الإمام مسلم في صحيحه هذه الرواية:-
   حدثنامحمد بن المثنى حدثنا عبد الاعلى عن داود بن عامر قال: "سألتُ علقمة" هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليلة الجن..؟ قال: فقال علقمة سألتُ أبن مسعود فقلتُ: "هل شهد أحد منكم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ليلة الجن..؟ قال: لا – ولكن كنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب... فقلنا: أستطير أو اغتيل... قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا اذا هو جاء من قِبل حرّاء... فقال: فقلنا يا رسول الله فقداك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم..!! فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن... قال: فأنطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد.. فقال لكم كل عظم ذكر أسم الله عليه يقع في أيديكم اوفر ما يكون لحماً... وكل بعرة علف لدوابكم, فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): "فلا تستنجوا بها فأنها طعام إخوانكم"..!!
  والحديث في غاية التلفيق والكذب على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فلا يمكن الاستدلال به على قضية الخطف المزعومة لأسباب منها:-

ان قول الصحابة- أستطير- كان بينهم وليس أمام النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وإلاّ لأنكر عليهم هذا المعتقد الجاهلي..!
أن هذه الليلة غير معلومة ولا معرّفة من اهل بيته وازواجه فهي تكاد تكون من الاهمية أشبه بليلة الإسراء والمعراج وقيام أهله بالبحث عنه...!
ليس من مهام النبي(صلى الله عليه واله وسلم) ولا من تكاليفه تبليغ آيات القرآن لمعشر الجن السعي لهم " ليلاً" أو بمجرد دعوة أحدهم له فهم مكلفون بما أودعهم الله عزَّ وجلّ من قدرات الحركة الحضور عنده  والاستماع لحديثه كما قصَّ القرآن ذلك في سورة الجن...!!
أن انطلاق الصحابة مع النبي(صلى الله عليه واله وسلم) ليس له معنى ولا فائدة...فهل كانوا هُم في شَّك من دعواه... أم ارتاب هو في تصديقهم له...!!.
ان كلمة" سألوه الزاد" تعود للصحابي وليس للنبي (صلى الله عليه واله وسلم)- فسياق الحديث للمتأمل فيه جيداً ينتهي عند عبارة " فأرانا آثارهم وآثار نيراهم...!!"
 ان كان تخصيص النبي(صلى الله عليه واله وسلم) في تلك الليلة " البعر" علفاً لدواب الجن, فماذا كانت ترعى تلك الدواب قبل هذا التخصيص..!!
لقد وقع الواضع للحديث في خطأ كبير أثناء كتابته حين خصص الروث والعظام " فلا تستنجوا بها" طعاماً لمؤمني الجن " فإنها طعام إخوانكم" وجعل الدواب الجن إخواناً للصحابة والإنس...فدقق...
 أليس من الظلم الفاحش أن يجعل أصحاب الصحاح طعام شياطين الجن هو زكان المسلمين من الطيبات كالبر والتمر وغيره كما ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة كما مرَّ بنا وأن يجعلوا طعام مؤمني الجن من الخبائث كالعظام التي ترمى في المزابل كهذه الرواية التي بين ايدينا...؟!!
    وذكر الامام احمد في مسنده عن عائشة ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) حدّث نسائه ذات ليلة حديثاً فقالت : امرأة منهن يا رسول الله كأن الحديث حديث خرافة...!! فقال (صلى الله عليه واله وسلم):" أتدرون ما خرافة؟  أن خرافة كان رجلاً صالحاً من عذرة أسّرته الجن في الجاهلية فمكثًّ فيهن طويلاً, ثُم ردوه  الى الإنس فكان يحدث الناس لما رأى فيهنَّ من أعاجيب فقال الناس: حديثُ خرافة...!!
   ويبدوا ان الحنابلة وهم الأكثر شغفاً وولعاً بالغرائب والعجائب وشواذ ما سطّر من مرويات عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) من بين سائر فرق المسلمين ولأنهم لا يريدون أي احد الرد عليهم والطعن بما في كتبهم, فقد أتوا بهذا الحديث لتكون جميع احاديثهم وأحكامهم الفقهية والعقدية صالحة كصلاح خرافة..!!
 وإضافة لما تَم ذكره من تهافت متن الرواية فأن ما رسمته بقية مصادر الحديث من صور عديدة ومختلفة كل الاختلاف وان يكون " بطلها" ابن مسعود في كل مرّة..!!
  فقد أورد الهثيمي أن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)أجتهد "ليلة الجن" حتى أخرج من البيوت وهو بمكة... ثُم خطّ خطّة لأبن مسعود فقال له أجلس ولا تفرق ثُم أنه سأل رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) قائلاً: من هم هؤلاء الذين سمعتهم يكلمونك؟ قال: وفدٍ من جن الجزيرة..!!
  وفي رواية مغايرة تظهر أبن مسعود وكأنهُ يتصدى لأمر عظيم يعجز عن فعله صناديد الصحابة- أو مشهد يذكرنّا بموقف علي (عليه السلام) يوم الخندق.. فقد ذكروا ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال لإصحابه: "أني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني؟ فاطرقوا...ثُم أستتبعهم فأطرقوا...ثُم أستتبعهم الثالثة فتبعه عبد الله بن مسعود قال: ولم يحضر معه أحداً غيره- يقول أبن مسعود- فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل النبي شعباً يقال له شعب الحجون وخطّ لي خطاً ثُم أمرني أن أجلس فيه وقال لا تخرج حتى أعود إليك فانطلق عليهم فأفتتح القرآن... فجعلتُ أرى مثل النسور تهوي وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ورأيت غبشة أسودّت كثيرة حالت بيني وبينه حتى لا أسمع صوته ثُم طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين, ففرغ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) منهم مع الفجر فأنطلق إليّ فقال نمتُ؟
قلتُ: "لا والله يا رسول الله لقد هممتُ مراراً ان أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم
 بعصاك تقول لهم اجلسوا... فقال: لو خرجت من خطتك ما امنت عليك أن يتخطفك بعضهم..! ثُم قال هل رأيتَ شيئاً؟ قلتُ: نعم رأيتُ رجالاً سوداً عليهم ثياب بيض... قال: أولئك جن نصيبين سألوني المتاع فمتعتهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة... قالوا يا رسول الله يقذرها الناس علينا..! فنهى(صلى الله عليه واله وسلم)أن يستنجي بالعظم والروث... وقلتُ يا رسول الله سمعتُ لغطاً شديداً... فقال:  أن الجن قد تدارأت " أي اختلفوا فيما بينهم وتدافعت في الخصومة" في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إليَّ فقضيتُ بينهم بالحق...!!!
   ومن المؤكد أن لا يقف الرواة في الطرف الآخر دون أن يشعروهم بفضل ومنزلة بفضل ومنزلة أمير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام) وان يثبتوا امامته على معشر الجن فعمدوا الى رسم الخطة نفسها- فعن ابي عبد الله الصادق(عليه السلام) عن أبيه عن آباءه(عليهم السلام) ان أمير المؤمنين(عليه السلام) دخل الكوفة فأقام بها أياماً فبينا هو يدور في طرقها فإذا بيهودي قد وضع يده على رأسه وهو يقول- معاشر الناس أ فبحكم الجاهلية تحكمون وبه تأخذون وطريقاً لا تحفظون- فدعا به أمير المؤمنين(عليه السلام) فوقف بين يديه وقال ما حالك يا اخا يهود؟ فقال: "يا أمير المؤمنين اني رجل تاجر خرجتُ من ساباط المدائن ومعي ستون حماراً فلما حضرت موضع كذا... أخذ ما كان معي اختطافاً ولا أدري أين ذهب بها... فقال أمير المؤمنين(عليه السلام) لم يذهب منك شيء يا قنبر و يا أصبغ بن نباتة خذ بيد اليهودي وأنطلقا به امامي... فأنطلقا به حتى صار الى موضع الذي ذكره فخط أمير المؤمنين(عليه السلام) بسوطه خطّة, فقال لهم قوموا وسط الخطة ولا تجاوزوها فتخطفكم الجن, ثُم قنع فرسه واقتحم  في الصحراء وقال معاشر ولد الجن من ولد الحارث بن السيد وهو ابليس- ان لم تردوا عليه حُمره ليخلص ما بيننا وبينكم من العهد  والميثاق" ولأضربكم بأسيافنا" حتى تنيبوا إلى أمر الله..!
فإذا بقعقعة اللجم وصهيل الخيل- الطاعة- الطاعة لله ورسوله ولوصيه ثم تجرد في الصحراء ستون حماراً بأحمالها لم يذهب منها شيء فاداها الى اليهودي...!!!
نقول:- ولاشَّك بعد ان ضمّت دفتي "صحاح المسلمين" هذه الاساطير وقصص الخرافة" ان يتلاقفها أرباب التقليد الاعمى ويتوسعوا في تأويلها ويبنوا عليها مباني فقهية بل ويفردوا لها أبواباً خاصة, حيثُ يذكر البيهقي في السنن الكبرى باب من قال بتخيير المفقود إذا قدم بينها وبين الصداق...
وأورد الدار قطني في سننه مختصراً عن ابي عثمان –باب المهر- وجاء في كتاب المغني لموفق الدين المقدسيّ – في أحكام المفقود الغائب عن زوجته وأمواله- وذكر أن رجلاً فقد في عهد عمر وجاءت زوجته الى عمر فقال: "انطلقي فتربصي أربع سنين ففعلت ثُم اتته- فقال: انطلقي فأعتدي أربعة أشهر وعشراً ففعلت ثُم أتته- فقال: اين وليّ هذا الرجل؟ فقال: طلقها...ففعل..!! فقال لها عمر:" انطلقي فتزوجي من شئتِ... فتزوجت, ثُم جاء زوجها الأول , فقال لهُ : عمر اين كنتْ..؟  قال: "يا أمير المؤمنين- استهوتني الشياطين فو الله ما أدري في أي أرض الله كنتْ عند قوم يستعبدوني... حتى إذا اغتزاهم قوم مسلمين فكنتُ فيما غنموه.. فقالوا لي: انت رجل من الإنس وهؤلاء من الجن فما لك ولهم...؟ فأخبرتهم خبري فقالوا: بأي أرض تحب ان تصبح..؟ قلتُ : بالمدينة هي أرضي فأصبحت وانا أنظر الى الحرّة..! فخيره عمر ان شاء أمرأته وان شاء الصداق... فاختار الصداق وقال قد حبلت لا حاجة لي فيها...!!" وفي لقط المرجان " حكم المرأة اذا اختطف الجن زوجها...!!"
  وذكر الحافظ ابن ابي الدنيا في كتابه " الهواتف" عن ابنة عمرو بن مالك التي طلب منها أن تأتي بالماء من الغدير فوافاها عليه الجن فأختطفها... فأختطفها في الجاهلية وعادت لأبيها في زمن عمر بن الخطاب..!!
ونقرأ في مجموع الفتاوى " لشيخ الإسلام" أبن تيمية قصصاً أغرب من الخيال عن خطف الجن للإنس فيحدثنا بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مجدداً تلك المعتقدات على طريقته الخاصة في تدوين قضايا الفقه من ألسن القصاصين وكل ما يدور في مجالس العطّالين والبطالين فيقول: "الجن تخطف كثير من الإنس وتغيبه عن أبصار الناس وتطير به في الهواء". ويضيف ونحن نعرف كثير من هؤلاء في زماننا مثل شخص هو الآن بدمشق كان الشيطان يحمله من جبل الصالحية الى قرية حول دمشق فيجيء من الهواء الى طاقة البيت الذي فيه الناس فيدخل وهم يرونه ويجيء بالليل الى باب الصغير فيعبر منه هو ورفقته وهو من افجر الناس... وآخر كان بالشويك في قرية يقال لها الشاهد يطير في الهواء الى رأس الجبل والناس يرونه وكان الشيطان يحمله وكان يقطع الطريق..!
  وفي مكان آخر يقول: " ان غير واحد ذكر أنهم استغاثوا بي كل يذكر قصة غير قصة صاحبهِ, فأخبرت كلاً منهم أني لم أر احداً منهم ولا علمت باستغاثتهِ , فقيل هذا يكون ملكاً؟ فقلتُ: ان الملك لا يغيث المشرك انما هو شيطان أراد ان يضله وكثيراً منهم حمله الشيطان إلى عرفات او غيرها من الحرم فيتجاوز الميقات بلا إحرام ولا تلبية ولا يطوف بالبيت ولا بالصفا والمروة وفيهم من يقف بعرفات ويرجع ولا يرمي الجمار, فهو منهي عنه في الشرع, وقد زين لهم الشيطان ان هذا من كرامات الصالحين وهو من تلبس الشيطان..!! والحق ان الذي ذكره الشيخ من قصـــص في هذا المجـــال لم يكن الاّ لأجل هدف واحــــــد لا غير هو إبطال عقائد المتصوفة وادعاءهم الكرامات والمعجزات التي تحصل على أيديهم وإتباع العوام لهم وما كانوا يصنعون في ذلك العصر من تنكبهم السلاسل ومشيهم على النيران وأكلهم الأفاعي وللشيخ مناظرات وسجالات علنية معهم ذكرها هو في كتبه لكنه في الوقت نفسه أقحم المسلمين من إتباعه ومريديه وحشرهم في نفق مظلم ليس في نهايته الاّ ضوء خافت لا زالوا الى يومنا هذا يصّرون على تسميته " بالمنهاج النبوي" وان ما يلوح لهم من ضوء الخلاص والمضي قدماً لتلمسه "بالاعتذار" عما ارتكبوه من أخطاء تقليد أعمى لا يعني لهم إلاّ اقداماً على الانتحار...
  وما زال شيوخ هذه الطائفة إلى يومنا هذا يوهمون أنفسهم وغيرهم بأن ما صدر عن "سلف هذه الإمة" هو عين الإيمان الحق وعين ما جاء به الكتاب والسُّنة, ومن بين ذلك مرويات وإخبارهم عن خطف الجن, فقد ذكرت جريدة عكاظ الصادرة في 6/3/1427ه: قصة خط الجن للفتاة " زهور" حيثُ ذكرت على لسان والدها سعيد الحارثي ان أبنته أصابها " مس" من الجن وهي في سن تسع سنوات وهي تدرس في الصف الرابع الابتدائي, وانه ذهبَ بها الى عدد من المشايخ للقراءة عليها ولكن دون جدوى, ويضيف الوالد ان الجان كان يهددنا بقتلها او خطفها ويختفي بها في أماكن بعيدة وإنّا  نخاف ونحاول مهادنة الامور مع هذا الجان وندعو الله سُبحانه وتعالى ان يرفع عنها البلاء, وعندما وصلت الفتاة عند سن العاشرة أختفى بها في محافظة الباحة وأبلغنا الشرطة بذلك وفي 25/ 10/1428ه عادت زهور بعد ان أخبرنا أحد الشيوخ ان البنت ستعود لأن هناك "ضغوط" على الجان بإعادتها الى أهلها من قبل شيوخ الجان المؤمنين بالله..!!











" الروايـة عن الجـن في فقه المتقدميــن..!! "
  بين أيدينا عدد من الفتاوى والروايات عن " رجال الجن" وقد أخذت مكانها في بطون كتب الفقه الإسلامي وهي تشرعن خصيصة من خصائص الجن رغم غرابتها ونزعة من نزعات الغلو لدى مدوني السنّة انفردوا بها مع شذوذها وتعّديها حدود الشرع والعقل فضلاً عن تعارضها تارة مع قواعد علم تخريج الحديث والاستخفاف بضوابط صحته تارة أخرى... فمما روى عبد الله بن احمد بن حنبل في كتابه زوائد المسند- وهو ليس بمستغرب بعد أن كرّس والده لعقيدة تلبس الجن وعلاجه المتمثل بإرسال نعليه الى جارية المتوكل لإخراج الجن- كما مرّ بنا- من طريق مسلم بن قتيبة قال حدثنا عمرو بن نبهان حدثنا سلام أبو عيسى حدثا صفوان بن المعطل قال" خرجنا حجاجاً فلما كنا " بالعرج" اذا نحن بحيّة تضطرب فلم تلبث ان ماتت فأخرج رجل منا خرقة من عيبة له وكفّنها وحفر لها ودفنها... فإنا بالمسجد الحرام أذ وقف علينا شخص فــــــقال ايكم صاحب عمرو بن جابر..؟  قلنـــــا : ما نعرفه...! قال: أنهُ الجان الذي دفنتم فجزاكم الله خيراً أما أنه أخر التسعة الذين آتوا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يستمعون القرآن, وأخرج ابن عدي عن عثمان بن صالح قال:- رأيتُ عمرو بن طلق  الجني – فقلت له هل رأيتُ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)؟ فقال: نعم وبايعته وأسلمت وصليتُ خلفه الصبح فقرأ سورة الحج فسجدٌ فيها سجدتين...
وعن ابن عدي أيضاً في كتابه الكامل في الضعفاء الباب الثلاثون- ما يتوقع في آخر الزمان من ظهور الشياطين يتحدثون ويفتون- حدثنا عمران بن موسى بن مجاشع أخبرنا سويد بن سعيد أخبرنا عبد الله بن يزيد المقري عن سعيد بن أيوب حدثني أبي, عن أبن عجلان عن عبد الواحد البصير عن واثلة بن الاسقع قال: قال النبي(صلى الله عليه واله وسلم) : "لا تقوم الساعة حتى يطوف ابليس في الأسواق يقول حدثني فلان بن فلان بكذا وكذا.." وذكر الإمام السيوطي في الخصائص الكبرى, ان ابن عدي والبيهقي أخرجا عن عيسى بن ابي فاطمة الفزاري , قال: "كنتُ جالساً عند شيخ في المسجد الحرام اكتبُ عنه" فقال الشيخ : حدثني الشيباني فقال رجل حدثني الشيباني فقال عن الشعبي فقال: حدثني الشعبي فقال عن الحارث فقال: " قد والله رأيتُ الحارث وسمعتُ منه" , فقال عن علي(عليه السلام): قال:" قد والله رأيتُ علياً وشهدتُ معه صفين, فلما رأيتُ ذلك قرأتُ آية الكرسي , فلما قلتُ: ولا يؤده حفظهما ألتفتُ فلم أر شيئاً...!" وينقل لنا الحافظ بن حجر العسقلاني (ت852ه) قصة ابن السّراج قاضي" قوص" وكان وجيهاً في زمانه ومكانه, حيثُ كان في منزله فخرج عليه ثُعبان مهول المنظر ففزع منه فضربه فقتله فأحتُملَ في الحال من مكانه ففُقد من أهله فأقامَ مع الجن الى ان حملوه الى قاضيهم, فأدعى عليه ولي المقتول فأنكرَ ...فقال له القاضي: على أي صورة كان المقتول؟ قيل في صورة ثُعبان... فألتفت القاضي الى من بجانبه فقال: سمعتُ رسول الله  يقول(صلى الله عليه واله وسلم): " من تزيا لكم فاقتلوه.. فأمر القاضي بإطلاق المذكور ورجعوا به الى منزله..!"ويعدُّ ابن حجر العسقلاني من أكثر المتحمسين لفكرة الرواية عن رجال الجن حتى أنه تتبع آثارهم وأستقصى أسمائهم في كتب التفسير والحديث وجمع في كتابه " الإصابة في تمييز الصحابة" عدد غير قليل منهم:(1) أبيض الجني- وقع ذكره في كتاب السنن لأبي علي بن الأشعث,ج1, ص177.(2) الأدرس – ج1 , ص192. (3)الأرقم الجني- ذكره اسماعيل بن ابي زياد في تفسيره –تفسير سورة الجن. (4)حاصر الجني- ج2,ص4. (5) حسان الجني – ج2 , ص58(6) زوبعة-احد الذين سمعوا القرآن, جاء في ذكره في المستدرك للحاكم وابن أبي شيبة  واحمد بن منيع في مسنديهما... ج2 , ص 479
(7) سمحج-روى الدار قطني في الأفراد,ج3,ص148.
(8)عثيم الجني- ج4,ص383.
(9) عفرطة بن سراح الجني من بني نجاح , ج4 , ص402.
(10)عمرو بن جابر الجني- روى عبد الله بن احمد بن حنبل في زوائد المسند والبارودي والحاكم والطبراني, وابن مردويه في التفسير- حديث صفوان بن  المعطل قال: " خرجنا حجاجاً ... الى آخر الرواية" ..
(11)عمرو بن طلق الجني ويقال له عمرو بن طارق اخرج الطبراني في الكبير من طريق عثمان بن صالح حدثني عمروا الجني, فقال: "كنـتُ عند النبـــي (صلى الله عليه واله وسلم) فقرأ سورة النجم .. الى آخر الحديث...!!
(12) مالك بن مهلهل بن أيار – ويقال دُثار الجني...
(13) مالك بن مالك الجني- ج9, ص479.. لهُ ذكر في حديث اخرجهُ الطبراني   من رواية محمد بن ذليعة الأسدي, عن محمد بن أبي حي عن أبيه قال: قال عمر يوماً لأبن عباس : حدثني بحديث تعجبني به- فقال حدثني خريم بن فاتك الأسدي, قال: خرجتُ في بغاء إبل لي فأصبتها" بأبْرَقِ العِزّاف" فعقلتها وتوسدت ذراع بكر منها وذلك حدثان خروج(صلى الله عليه واله وسلم) ثُم قلتُ : " أعوذ بكبير هذا الوادي فإذا بهاتـــــــــف
يهتف بي ويقول:-ويحــــك عذ بـالله ذي الجـــلال       منــــــزّل الحـــرام والحـلال
                  ووحـــدّ الله ولا تبــالي ما هول       ذي الجــن مـــــن الأهـــــوال
                 فقلتُ يا أيها الهاتف ما تخــــيلُ       أرشدٌ عنـــــــــدك أم تضلــيل
فقال: هذا رسول الله ذو الخيرات   جاء بياسين وحاميمات .... فقلتُ: من أنت؟
قال: انا مالك بن مالك بعثني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) على جن اهل نصيبين نجد...!!



" زواج الأنس من الجـن في فقه المتقدمين والمتأخرين..!! "
  ينقسم علماء المسلمين حول مشروعية هذا الزواج من عدمه الى ثلاث فئات فالفئة الأولى تذهب الى جواز مثل هكذا أنكحة ولأصحابها أدلتهم الخاصة بهم التي إليها يرجعون- وفئة ثانية تقول بالجواز على كراهية... وأما الفئة الثالثة فترى تحريم مثل هكذا زواج لما يترتب عليه حسب زعمهم من مفاسد كانتشار الزنا واختلاط الأنساب بين الأنس والجن وغير ذلك من معوقات وموانع تتصل بطبيعة خلق الجن وقدرته على التشكل..!! فأما أتباع الرأي الأول ومنهم ابن جرير الطبري فيذهب الى جواز وقوع هذا النوع من التزاوج متأولين قوله تعالى:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} (الرَّحمن:56) , وهو أيضاً قول القرطبي في تفسيره مبيناً استدلاله بما استدل به مجاهد من ان الله تعالى وصف الحور العين بأنه لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان يعلمك ان نساء الآدميات قد يطمثهن الجان وان الحور العين قد" برئنَّ من هذا العيب ونزّهنَّ" والشوكاني في فتح القدير والآلوسي في روح المعاني بقوله: " ولا شَّك في إمكان جماع الجني أنسية بدون ان يكون مع زوجها الغير ذاكر اسم الله تعالى ويدل على ذلك ما رواه ابو عثمان سعيد بن داود الزبيدي, قال كتب قوم من أهل اليمن الى مالك يسألونه عن نكاح الجن- وقالوا ان ها هنا رجلاً من الجن يزعم انه يريد الحلال..؟ فقال ما أرى بذلك بأساً في الدين ولكن أكره اذا وجدت امرأة حامل قيل من زوجك؟ قالت من الجنفيكثر الفساد في الإسلام... ثُم ان الشيخ الآلوسي ذكر تفسير الآية "وشاركهم في الأموال والأولاد..."متأولاً مشاركة الشيطان بالنكاح من المرأة الأنسية, وقد أستدل جمع من فقهاء المذاهب الإسلامية بالجواز معتمدين على بعض ما روي عن النبــــي(صلى الله عليه واله وسلم) , وما نسب إليه من احاديث فقد جاء عن عائشة ان رســــول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قال:" ان فيكم مغربين,  قلتُ يا رسول الله وما المغربين؟ قال: الذي يشترك فيهم الجن, قال الهروي: سُمّوا مغربين لأنه دخل فيهم عرق غريب... وعن ابي هريرة عن النبي       (صلى الله عليه واله وسلم) قال: كانت بلقيس ملكة سبأ احداً أبويها من الجن..!! وفي حديث الزهري- قال: نهى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) عن نكاح الجن..! وعن مجاهد قال: "اذا جامع الرجل ولم يسلم أنطوى الجان على احليلهُ , فجامع معه, فذلك قوله تعالى:{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}(الرَّحمن:56)
  وفي المنتظم لأبن الجوزي: ان امرأة كانت من بني النجّار يقال لها فاطمة بنت النعمان لها تابع من الجن فكان يأتيها- أي يعاشرها- وحين هاجر النبــــي (صلى الله عليه واله وسلم) انقض على الحائط فقالت مالك لم تأت كما كنت؟ فقال قد جاء النبي الذي حرم الزنا والخمر...! وفي القنية- سأل الحسن البصري عنه – فقال: يجوز بحضرة شاهدين غير ان ثمة من يذكر للحسن البصري قولاً غير ذلك حيثُ كتب تحت سؤال السائل: "يصفح السائل لحماقته"!! وفي حياة الحيوان للشيخ الدميري ان الشيخ عز الدين بن عبد السلام سئل عن ابن عربي فقال شيخ سوء كذاب.. فقيل له: وكذاب أيضاً؟ فقال: نعم.. تذاكرنا يوماً نكاح الجن, فقال: " الجن روح لطيف, والأنس جسم كثيف  فكيف يجتمعان؟ فغاب عنا مدة وجاء وفي رأسه شجة فقيل له في ذلك فقال: تزوجت إمرأة من الجن فحصل بيني وبينها شيء فشجتني - هذه الشجة... وفي مجموع الفتاوى "لأبن تيمية" فما كان من صرعهم للأنس بسبب الشهوة والهوى والعشق فهو من الفواحش التي حرمها الله تعالى كما حرم ذلك على الأنس وان كان برضا الآخر, فكيف إذا كان مع كراهته فأنه فاحشة وظلم..!!   وفي مقال آخر يقول: " وقد يتناكح الأنس والجن ويولد بينهما ولد وهذا كثير معروف , وقد ذكر العلماء ذلك
وتكلموا عليه وأكثر العلماء مناكحة الجن...!!

 واما من ذهب الى إمكانية حصول ووقوع هذا الزواج وجوازه على الكراهة فهم " الحكم بن عيينة, وإسحاق بن راهويه, وعقبة بن الأصم.. وغيرهم. وأما المنع فقد نقل عن أئمة المذهب الحنبلي والحنفي ورتبوا على ذلك الوطأ احكاماً فقهية كوجوب الغسل من عدمهِ.. فقال أبو المعالي بن منجي الحنبلي: " لو قالت امرأة جامعني رجل جني كالرجل فلا غسل عليه لانعدام سببه هو الإيلاج والاحتلام فهو كالمنام بغير انزال, وقال بعض الحنفية لا غسل عليها... وقال الماوردي بخصوص " المناكحة بين بني آدم والجن... وهذا مستنكر للعقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين اذ الآدمي جسماني والجن روحاني وهذا من صلصال كالفخار وذلك من مارج من نار والامتزاج مع هذا التباين مدفوع والتناسل مع الاختلاط ممنوع هذا مع ما تقدم ذكره من سد الذريعة الى الفساد فقد تتذرع المرأة الفاجرة بأن الحمل من الجني لتدرأ عن نفسها العقوبة" وأما من الفقهاء المعاصرين من يرى حصول هذا النكاح تبعاً لما سلف من اراء وفتاوى أئمة مذاهبهم فيقول المفتي الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن بن جبرين " ان بعض الجن يتصور للأنسي في صورة المرأة ثُم يجامعها الأنسي, وكذا يتصور الجني بصورة رجل ويجامع المرأة من الأنس كجماع الرجل للمرأة ويجوز لذلك لذّة محسوسة ويحصل منه الأنزال المعروف- ويضيف الشيخ: " ولا أدري هل يحصل التوالد أم لا..؟!" , وهذا ما حكاه لنا من أثق به ولكن ذلك نادر هكذا يخطفون الانثى من البشر وتغيب عندهم ويفتقدها أهلها وتتزوج منهم ويباشرها كما يباشر الرجل أمرأته وهكذا وقد حكى بعض النساء انها تبتلى بشخص من الجن... وألفَّ الشيخ الاستاذ عبد الخالق العطار مؤلفاً تحت عنوان " حرمة زواج الأنس بالجن" أنتهى فيه الى إمكانية حصول هذا الزواج وبقوله ان الأصل في الامور الإباحة الاّ اذا ورد نص على التحريم الاّ أنه لم يثبت ان تزوج أنسي بجنية أو العكس لا على عهد النبــــي (صلى الله عليه واله وسلم) ولا على عهد الصحابة والتابعين..!! وقالا صاحبا فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين- الشيخ عبد الله الطيار- سامي المبارك- والذي نراه ان هذه المسألة نادرة الوقوع ان لم تكن ممتنعة حتى لو وقعت فقد تكون بغير اختيار والاّ لو فتح الباب لترتب عليه مفاسد عظيمة لا نعلم مداه الاّ الله, فسد الباب من باب سد الذرائع وحسم باب الشر والفتنة والله المستعان.. وقد علق مفتي المملكة عبد العزيز بن باز قائلاً هذا هو الصواب ولا يجوز لأسباب كثيرة..!. والحق والواقع ان ما طرح من قضية زواج الجن في مدونات الفقه الإسلامي قديماً وحديثاً من عقائد دخيلة قد جاء تحصيل حاصل لما أثبته بعض الفقهاء والمفسرين وصنّاع الحديث على الفكر الإسلامي الأصيل, فقد بدأوا بما تسالموا عليه من عقيدة رؤية ابليس كما مرَّ بنا في تأويل الآية {َإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ اليَوْمَ مِنَ النَّاسِ }(الأنفال:48)  وما تبع ذلك من اختلاف وتحريف للأحاديث النبوية مروراً بما اصطلحوا عليه "بمس الجن" تأويلاً للآية: { الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ }(البقرة:275)  وما صحب ذلك التأويل من استدعاء الموروث الجاهلي وقصص الخرافة وميثولوجيا الأديان المحّرفة... ثُم انهم وجدّوا ضالتهم وما ينفسّون به انشداهم الوثيق والمطلق بالغيبيات ومنها عالم الجن بآيـــــة {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولَادِ} (الإسراء:64), وآية { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}(الرَّحمن:56),وبعض المرويات الضعيفة والموثورة وأقوال وفتاوى من يقدمون المنقول على المعقول ويستشهدون بقصص العجائز وضعاف العقول...
    نقول... ليت هؤلاء وقفوا الى هذا الحد من السخرية والاستهزاء والعبث بعقولهم اولاً وعقول من قلدهم امور دينه ثانياً, فما زالوا الى يومنا هذا يوحون الى شياطين الجن بأن لهم شأناً وسطوة وسلطنة على نفوس وعقول المسلمين ويشعرون المسلمين بخطر الجن عليهم بل يؤكدون لهم من خلال فتاويهم واعمالهم بأنهم ليسوا في مأمن منهم فكانوا من حيثُ لا يشعرون مصداقاً لقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}(الجنّ:6),والى القارئ الكريم صورة من صور هذه الإستعاذة التي ذكرتها الآية وليقف على فداحة الخطب وهول المصيبة وما آل اليه مصير المسلمين من انحطاط وخذلان وهوان:-
التاريخ:   (15 رجب /1430)   (8  يوليو/2009)
الموقع:  25 كم جنوب شرق المدينة المنورة
المحافظة/ مهد الذهب.
الدعوى والقضية: دعوى أسرة ضد الجن..! المدعي: اسرة من الإنس, المدعي عليهم : الجن.!
التهمة: "سرقة جولات ورمي الحجارة ليلاً وتهديدات صوتية عبر الجوال بضرورة مغادرة المنزل"
أسم ورئيس المحكمة: رئيس المحاكم الشرعية بمحافظة مهد الذهب " الشيخ عمرو السلمي"
قرار المحكمة: " تامين سكن للأسرة بأسرع وقت واخذ القضية بعين الاعتبار كون المدعي عليه ليس فرداً واحداً والسكن يقع في منطقة جبلية"
هذا ما نشرته  صحيفة الوطن السعودية /العدد: 3204

 والحقيقة ان اقامة مثل هكذا محاكمات لفّض النزاعات الحاصلة بين الجن والإنس من قبل فقهاء المسلمين ليست الأولى من نوعها ولا هي بالمستحدثة – وانما كان   لسلف هذه الإمة وأئمتها حيازة قصب السبق, فيحدثنا التأريخ الإسلامي عن "قاضي الجن" محمد بن عبد الله العقيلي الجزري (ت168ه)- حيثُ ذكر الخطيب البغدادي سبب تلقيبه, وذلك ان بئراً كانت بين حران وحصن مسلمة فكان من يشرب تخبطه الجن, قال: فوقف عليها, فقال: أيها الجن انا قضينا بينكم وبين الإنس- فلكم الليل ولهم النهار, فكان الرجل اذا استسقى منها بالنهار لم يصبه شيء وان استسقى بعد  المغرب جاءه الرجم وقاضي الجن هذا يعّد من الموثقين عند بعض أئمة علم الحديث بعد أن وثقه الخليفة العباسي "المهدي" واسند له قضاء الخلافة وهو اعلى منصب رفيع في الدولة الاسلامية آنذاك...!!
"
" وسائل الاعلام و دورها في نشـر ثقافة التجهيـل والتعمية..!!
  يمكننا حصر وسائل الاعلام بأقسامها "المرئية والمسموعة والمقروءة" والتي تتناول قضايا السحر والحسد الى أربعة مستويات:-
المستوى الأول: ما يعرض على الفضائيات من أفلام ومسلسلات "دراما" من مشاكل يزعم صانعوها انها مستوحات من واقع المجتمع العربي والإسلامي وما يعانيه من مشاكل اجتماعية وأسرية وفي مقدمتها قضية الحسد والسحر وبشكل مبالغ فيه وبصورة توحي للمتلقي بأن جلّ ما يداهم البيت العربي المسلم مردّه وسببه الإيمان بهذا المعتقد ثُم ان القائم على العمل يضيف على القضية من التوصيفات وطرق اعمال سحرية بعيدة عن الواقع ولا أصل لها في الشرع مثل محاولة وضع عمل السحر في المأكل والمشرب ونحو ذلك او السعي للتخلص منه بالذهاب الى ما يعرف بأصحاب "الرقى الشرعية" لأجل معرفة الساحر ومكان السحر وابطاله...
المستوى الثاني: ما تظهره العديد من الفـــــــــــضائيات وهي تعّد بالعشــــــــــرات من برامج  تغييب وتجهيل للعقل الإسلامي مادتها الأساسية والأولى الشفاء من آثار السحر و"المس" عن طريق خلط القرآن وآياته بوسائل الشعوذة والأعشاب ليصل الأمر بعد ذلك الى ما تنشره القناة لأهم الاكتشافات الجديدة في عالم الشفاء من الأمراض الخطيرة المستعصية التي وقف الطب الحديث عنها عاجزاً ومكبلاً, ناهيك عن برامج قراءة الطالع والأبراج وادعاء معرفة الغيب والمستقبل واخرى لتأويل الرؤى والاحلام والمؤسف له ان يكون متابعي تلك الحلقات والبرامج من هم في مستوى عالٍ من التحصيل العلمي سيما النساء فقد اتضح لأغلب المتصلين وسائل الاستدراج الشيطاني التي يعدّها العاملــــــــــــين في تلك القنوات  فالإيقاع بالضحية تبدأ حين يبدأ المتصل بالاتصال على رقم هاتف المدوّن أسفل الشاشة, فيشترط مساعد المعالج المكلف بالشؤون المالية إرسال (100 $) لبدء العلاج, وبعد الاتصال الثاني يطلب بإرسال (100$) إضافية اخرى لإرسال الطرد والعلاج الذي يصفه بأنه يتكون من زيوت ومساحيق الاعشاب النادرة, وفي الاتصال الثالث اما ان يتنكّر الموظف للمتصل فيطلب منه اعادة المحاولة من جديد واما يطلب مبلغ مالي ضخم لا يستطيع المريض جمعه, هذا في حال تواجد الشيخ أو "الراقي الشرعي" خارج البلد, اما اذا كان داخل البلد فيكون الذهاب الى المؤسسة او مقر تواجد " المعالج الروحاني", ويبدا معه مسلسل الاستدراج "بأجرة الكشف" والتي غالباً ما تكون زهيدة لا قيمة لها ثُم بتوالي الجلسات وعرض اسباب الشفاء من اعشاب وانواع  العسل النادر الذي تصل كلفته حسب ادعاء المعالج الى مئات الدولات ويتضح اخيراً للمريض ان ما كان يسعى اليه لم يكن سوى سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً وان الشخص الذي كان يعالجه لم يكن سوى شيطاناَ من شياطين الانس..!!
المستوى الثالث: ما يمكن سماعه ورؤيته او قراءته من محاضرات اسلامـــــــــــية وخطب توعوية وارشادية تحمل في مضامينها صوراً عديدة للإيمان بتأثير السحر والجن وتدخله في حياة الإنسان المسلم وجلب المصائب والاذى له وهي اما تكون بصورة مباشرة مستقاة من ما بيناه في بحثنا ككتب تفسير ورواية الأحاديث الضعيفة والمكذوبة والمدسوسة أو بصورة غير مباشرة كالحديث عن قصص الكرامات والمعجزات التي حصلت لبعض المؤمنين ورجال الدين وهي قصص في الغالب تدور حول رؤية عالم الغيب عن طريق ما يسمونه " بالكشف والاطلاع في الحياة الدنيا على احوال الأموات ورؤية الجنة والنار والملائكة مما يقرب الى فهم المتلقي صحة ما يقال ويتناقل من قصص وأساطير وخرافة ومن أي جهة ومصدر كان, ومع تشكيكنا" الذي ربما يشاركنا فيه الكثير" بصحة الادعاءات والمزاعم هذه والتي غالباً ما تنسب الى أناس التحـــــــــــقوا بالرفـــــــــيق الأعلى, فأن كل ما لدينا من موروث ماضي ومعاصر ما هو في حقيقة الاّ موروثاً صوفياً محضاً أو من توهمات وظنون وهواجس وخيالات بعض ذوي الفطرة السليمة والنوايا الحسنة ممن التبست عليهم الأمور فصار ينسبون جميع مشاهداتهم من وقائع واحداث أو ما يحصل لهم مصادفةً صوب الترتيب والاعداد والتوفيق الرباني...
 ان من المؤسف حقاً رؤية هذه القصص والمرويات تشغل حيزاً في فكر اغلب مراجع التقليد مروراً بأرباب المنابر والمحاضرات الدينية وأئمة الجمع ونهاية بتصديق المكلف العفوي لكل ما يقال له ويسمع دون ابداء أية ملاحظة أو اشارة أو تعليق...
 ينقل احد العلماء وهو من مراجع التقليد المشهورين بكثرة المؤلفات واللقاءات المتلفزة قصة مفادها ان رجلاً شاعراً لأهل البيت(عليهم السلام) قد تلاح مع شاعر آخر من مذهب مغاير حول قوة ورصانة قصيدة كلاً منهما فما كان منهما الاّ الاحتكام الى قبر أمير المؤمنين(عليه السلام) وفي معجزة خرج من الضريح الشريف رقعتين احدهما كتبت بمداد الذهب بينما كتبت الأخرى بمداد الفضة... وشاءت المقادير والكلام للمرجع- ان يظهر الإمام(عليه السلام) الى الرجل في "عالم الرؤيا" وربما تروى بعد مدة الى حضور فعلي و"مشاهدة عينية" وليبدي الشاعر استغرابه ودهشةٍ للإمام عن مزية ذلك الرجل عليه وهبته رقعة الذهب مع انه ليس من مواليه فيبادره الإمام قائلاً : "ان الحكمة من وراء ذلك العمل هو لأجل كسب المخالف الى مذهب الولاية لأهل البيت(عليهم السلام)...
وقد يقول قائل: " ان ليس لهذه القصة صلة بموضوع البحث والحال ان ترسيخ مثل هكذا مفاهيم وعقائد لا تنفّك ان تكون ذريعة ووسيلة بيد المشعوذيّن والخداعيّن من مدعي العلاج بالرقية الشرعية ومحضّري الارواح كون مادة الغيب وصور الكرامات ابداً تكون من صميم عملهم فهي عدتهم التي بها يعملون  على استقطاب وجذب أكبر عدد ممكن من سذّج الناس ووسيلتهم التي بها يصطادون قلوب المتعاطفين والمصدقين بهكذا قصص وحكايات...!!
المستوى الرابع: السحر والعنف والجنس ... هذه الثلاثية الحاكمة والماسكة لأغلب ما  تعرضه الفضائيات المخصصة للصغار من افلام كارتونية تتطور صناعتها يوم بعد آخر... واذا كانت ثمة مجتمعات قد ألفت واستساغت ما تعدّهُ جزءاً من ثقافتها ولديها القابلية والقدرة على التمييز بين غثها وسمينها وصحيحها وسقيمها في هذه المنتجات فهي ليست كذلك بالنسبة لمجتمعات المسلمين ولا يُخفى سبب ذلك على احد... فأن ما يُشاهدهُ الطفل في هذه المرحلة المهمة من عمره قد يكون له في قابل العمر مرتكزاً ذهنياً مصدقاً و متواسقاً لما يقرأهُ ويسمعه من قصص وروايات سعت لها جهود سلف وخلف الأمة لإيصالها اليه بكل منّة واخلاص...!!
ولمزيد بيان هذا المستوى ولتقريب صورة الواقع المعاش بسلبياته الكثيرة فقد وقع اختيارنا على فلم مدمج D.V.D – يُباع في الأسواق- وهو فلم من بين العشرات التي تحمل نفس الفكرة- وهو يحكي قصة نبي الله سُليمان(عليه السلام) مع الجن والشياطين, حيثُ يبدأ بحديث للنبي وهو ينذر قومه من بني إسرائيل بنزول بلاء عظيم نتيجة اقحام نفوسهم بالذنوب والخطايا من تحريف للتوراة وأكلهم الربا والغش بالمعاملات وغيرها.. ويتحقق ذلك الوعد وينزل العذاب, وتظهر مقاطع الفلم نزول افواج من الجن ليتلبسوا بالمذنبين وقليلي الإيمان ونتيجة لذلك التلبس يحتدم القتال بين طائفتين من الأنس, عقلائهم ومجانينهم وبعد نهاية المعركة تكون الغلبة والظفر للمجانين بعد ان تظهر لقطات انتشار جثث القتلى في شوارع واسواق المدينة, وهنا يخرج نبي الله سليمان(عليه السلام) وقد امتلكته الحيرة والدهشة , فيتخذ قراراً بإرسال جيش كبير لتلك المدينة المنكوبة يأمر فيها قادة الجيش بقتل أولئك المجانين, وينفّذْ الامر ويُعمل السيف فيهم فيقتل من يقتل ويأسر من يأسر, ثُم ان النبي وبتلاوة تعويذة و همهمات غير واضحة يتمكن من انتزاع تلك الارواح الشريرة من أجساد الأسرى بعد ان رددّوا معه كلمة " يا الله" ثُم يختتم المخرج فلمه بانتصار ساحق يحققه النبي وذلك بمهاجمة اوكار ومعاقل الجن, حيثُ كانوا يتحصنون ليتم أسرهم جميعاً ولتحقق معجزة تسخير الجن له حسب ما جاء في القرآن الكريم...!!
والمظنون بل المتيقن ان احداث هذا الفلم قد استلهمت أو أستِلَّت من قصص التوراة والانجيل المحّرفة او إتكاءً على بعض الروايات الضعيفة والقصص المختلقة في الموروث الإسلامي, ثُم ان القائمين على هذا العمل قد مازجوا ذلك مع مهاراتهم الفنية في التصوير والإخراج لغرض تحقيق أكبر قدر من عناصر التشويق والإثارة.. والاّ فإن فطرة الناس مع اجماع عقلاء المّلة وتواتر النصوص تقضي بأن الأنبياء والرسل ما بعثوا الاّ لإنقاذ البشرية من نير الحكّام وظلم الظالمين وهدايتهم وبث الطمأنينة والأمن والأمل في نفوس الضعفاء والمستضعفين سيما فاقدي الإرادة والعقل" كالمجانين" وليس الانتقام منهم وتقتيلهم كما ذهب الفلم بإنشائه وتصويره بذريعة حلول شياطين الجن في أجساد المذنبين والتي هي بدورها عقوبة لا أساس لها من الواقع وبعيدة كل البعد عن صفات الرحمة والعدل الإلهي..!!















مطالب وفوائد
   من المفيد التعرف على بعض المطالب والفوائد التي لها صلة مباشرة او غير مباشرة بموضوع البحث آثرنا صياغتها على شكل أسئلة ربما تكون حاضرة في أذهان الكثير فيما كانت الأجوبة عليها من صريح وواضح الآيات والأحاديث المعتبرة التي لا تحتاج الى بيان وتفسير...
سؤال / هل ان للسحر أقسام وانواع كما هو مزبور في كثير من كتــب الســحر والشعوذة : كالســــــحر
                    الأسود والأبيض والأحمر وغيره...؟)
الجواب: لا يمكن بأي حال الاعتراف والتصديق بأي من هذه المزاعم والتخرصــــــــــات
        والمتيقن ان هذه التسميات جاءت من أرباب الشعوذة و مدعي عمل السحر أنفسهم لأجل إثارة الرعب والخوف في نفوس من يقع ضحية هذه الأوهام والبدع وإدخالهم في نفق مظلم لا يستطيعون الخروج منهُ...!
سؤال / كيف يمكن التفريق بين السحر والحسد؟
الجواب: ان أعراض الإصابة في الحالتين هي واحدة من اعتلال النفـــس أو البدن من
   غير سبب راجح ومعقول فإذا حصل شيء من ذلك في ظن او نحو من الإلهام فيمكن عزو ذلك الى تلك الإصابة..!
سؤال / ما هي الآثار النفسية والبدنية التي تعكسها الإصابة بالسحر والحسد؟
الجواب:  يكاد يشترك كلاً من السحر والحسد بنفس الأضرار الموجبة لقطـــــع الرزق  
    والتفريق بين الأزواج وغيرها من العلل التي تؤثر بصورة مباشرة بالبدن كتقلّبْ المزاج وفقدان شهية الأكل وما يتبعها من علامات اصفرار الوجه ونقصان الوزن, وبعبارة واضحة ان العلل التي تصيب النفس بسبب السحر والحسد هي مقدمة وما يلحقها من تغير سلوك وانفعالات عصبية التي تؤدي الى الطلاق بين الزوجين والشعور بالنحول والخمول والكسل المؤدي الى قطع الارزاق هو نتيـــــجة... ولا دليل ثابت وقطعي على ان للسحر والحسد تأثير مباشر او غير مباشر للإصابة بالأمراض الخبيثة كما يشاع ويروّج له المتصيدين في الماء العكر من شياطين الأنس وأتباعهم....
سؤال / يدعي بعض " الروحانيون" أن لهم باع طويل و دراية في علم ما يُسمى " تحضير الأرواح"
                وان لهم القدرة على الشفاء من جميع الأمراض بما فيها السحر وتلبس الجن ولهم فيها وسائل متعددة لذلك كالتنويم المغناطيسي وغيره ...؟
الجواب: لقد ظهر ما يُسمى بعلم" تحضـــــير الارواح" في بدايات القرن التاسع عشـــر
      على أيدي ثلة من المدعيّن في أمريكا وآروبا كمحاولة منهم للوقوف بوجه الدعوة المادية البغيضة والتي احكمت قبضتها على شعوب تلك الدول ثُم بدأ بالانتشار في البلدان الإسلامية عن طريق بعض العلمانيين المتأثرين بتلك الأفكار وأول ما ظهر في مصر ثُم بقية البلدان التي اجتاحها المد الشيوعي الإلحادي آنذاك... ومع تهافت تلك الدعاوى والمزاعم الكاذبة وكشف الأيادي الخفية التي حاولت النيل من الاديان السماوية سيما الدين الإسلامي, وإعلان توبة العديد من القائمين على إدارة المؤسسات الروحانية التابعة للحركة وضمور هذا الفكر واختفاءه مع اختفاء الفكر الشيوعي من الساحة السياسية والاجتماعية  فأنه بات من الواضح ان كل ما كان يدعي هو مجرد ألاعيب وحيل مدروسة انطلت على الكثير في تلك الفترة...
سؤال / هل ان قدرات الجن أكبر أم الأنس؟
الجواب: لا شَّك ولا ريب ان للجـن قدراتهم الكبيرة التي لا يمكن إغفالها بيد ان وقفــــة
     بتأمل عبر فصول التأريخ البشري من بناء حضارات ما زالت شامخة الى يومنا هذا كبناء الأهرامات وسور الصين العظيم وما عرف بعجائب الدنيا السبع وغيرها من انجازات وانشاءات معاصرة مهولة كبناء ناطحات السحاب والبوارج الحربية والطائرات  العملاقة وانشاء السدود الضخمة فأن الناظر لا يسعه الاّ أن يقف مذعوراً لأجل ذلك والانصياع لفارق القدرة بتفوق الأنس لكن ما تورّث من عقائد سقيمة وأوهام زائفة جعل  الظن السائد والخوف من ذلك العالم الخـــــفي يتـــــسلل الى قلوب  البشر قبل عقولهم بما في ذلك الاعتقاد بسيطرة الجن على الأنس وتشّكلهم بأية صورة يشاؤون وعلمهم بما يحدّث الأنسان به نفسه الى غيرها من توهمات وزعمات لا أصل لها ولا حقيقة في الواقع...
سؤال / أ ين يعيش معشر الجن؟
الجواب: من مجمل آيات الذكر الحكيم والروايات الإسلامية يمكننا القول ان السماء  
        الدنيا والارض هي مساحة تحركهم ومكان عيشهم وان منهم متمسكون بإداء تكاليفهم الشرعية والتي من غير السائغ والسليم السؤال عنها فلدى الأنسان ما يكفيه ويشغله من تكاليف وابتلاءات ومنهم المتمردون على تلك التكاليف والفاسقون الذين همهم وشغلهم الشاغل وسوسة واغواء بني جنسهم وبني البشر على حدٍ سواء...  واذا كان القرآن الكريم قد نصحنا بعدم الخوض في ما لا طائل وفائدة منه بقوله عن أعمال بني جنسنا من البشر:{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (البقرة:134) , فمن باب أولى ان لا يكون ثمة أسئلة عن عن تلك العوالم ولنا في رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته وصحابتهِ أسوة حسنة فيما أعرضوا عنه من عدم الخوض في فتح باب الأسئلة والحوار...
سؤال / كيف يمكن التمييز بين وساوس النفس ووساوس الشيطان؟
الجواب: من المؤكد ان الشيطان أعجز من ان يعرف او يعلم ما في ضمـير الأنســان    
       فضلاً عن ما يدور في خلد بني جنسه... وأما قضية التفرقة والتمييز بين الوساوس فتختلف باختلاف تلك الأنفس وما جبلت عليه فربما كانت بعض النفوس مجبولة أو مولعة ببعض الشهوات كشهوة حب المال والجنس والشهرة و الجاه فهذه النفوس لا تحتاج الاّ النزر القليل من الوساوس لأجل  إيقاظها وأيقاعِها في المحارم  ومن ثُم يحصل الاستمتاع المتبادل:- الشيطان بما يراه من معصية من جهة واستمتاع بني آدم بشهواته من جهة أخرى , وأما النفوس المجبولة على الطاعات فأنها تكون حتماً بمنأى عن وساوس شياطين الأنس والجن ولذا قيل ان النفس إنْ لم تشغلها بالطاعات أشغلتك بالمعاصي...
سؤال / كيف يتسنى للمسلم  معرفة صدق من يدعي شفاء المرضى من السحر والعين وما يطلق عليه" " بالمس" من  خلال استخدامهم آيات القرآن وتلاوتها باسم " الرقية الشرعية" ؟

الجواب: لا يوجد في الدين الإسلامي شيء أسمه الرقية الشرعية او غير شرعيــــــــــة  
        فشرع الله الواضح الذي بيّنهُ النبي واهل بيته(صلوات الله عليهم)في الشفاء من السحر والحسد هو تلاوة المعوذتين وبضع كلمات معدودة كدعاء كما أثبتناه في بحث الشفاء, وأما قضية تصدي البعض باسم هذا العنوان وغيره فلا أساس ولا أصل لهُ في الدين, وما هذا الزعم الاّ من صناعة وإشاعة شياطين الأنس المفترين الضالين المضلين الذين تقع مسؤولية محاربتهم والوقوف بوجههم وفضح نواياهم على عاتق رجال الدين أولاً وكل من لديه القدرة والاستطاعة من المؤمنين ثانياً...
سؤال /  هل ان العثــــــور على بعض الطلاســم والأشياء المادية في البيوت وغيرها تعّد دليلاً على حصول السحر" ؟
             
الجواب: السحر من العلوم المتوارثة عبر الاجيال وله قواعده وشروطه التي يعمل
        بها لنفاذه ومنها ما يتصل بحركة النجوم والكواكب ومنها ما يتعلق بقدرات وملكات الساحر النفسية ومنها ما له صلة باستخدام انواع الطلاسم المناسبة في الأوقات والأمكنة المناسبة واذا كانت كذلك علمنا بأن اعداد هؤلاء قليلة جداً وان اكثر من يدعي العلم بعقد السحر أو فكه ما هم الاّ متطفلين على هذا العلم ومتكسبين عالة عليه, وان جلّ ما يملكونه مجموعة من تجارب شخصية متراكمة وحيل مدروسة لا تنطلي الاّ على الحمقى والمغفلين....



دراسات واحصائيات
   بين يدي القارئ الكريم دراسات وإحصائيات تبين حجم المأساة وعظم المصيبة التي أصيب بها المجتمع المسلم جرّاء ما ورثه من تركة ثقيلة توزّعت بين اخطاء متعمدة واجتهادات خاطئة في موضوعة السحر والحسد وليلحظ بعد ذلك مدى تفاعل وتأثر هذه المجتمعات بالآثار السلبية المورثة وكيف انها صارت جزءاً لا يتجزأ من عقيدته وثقافته وسلوكه اليومي...  بين فقراء لا يجدون قوت يومهم مثقفون وأميون... مرضى عانسات يقع جميع هؤلاء ضحايا الوهم والسحر والشعوذة, هذا ما أكدته دراسة أجريت بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية في مصر حيثُ أشارت الى ان نسبة الإنفاق على أعمال السحر والشعوذة في البلدان  العربية يفوق (9 مليارات دولار) سنوياً, وان نسبة النصف من نساء العرب يؤمننَّ بالسحر والخرافات, وان هناك حوالي نصف مليون يمارسون أنشطتهم سراً وعلانية في هذه الدول... وفي الإمارات العربية " دبي وحدها" بلغت حجم الجرائم الاقتصادية ومضاعفة الأموال باستخدام أساليب السحر (207 مليار درهم) عام 2003 فقط, وفي مصر وحدها ينفق (3 مليار دولار ونصف) سنوياً على أعمال الدجل والسحر والشعوذة, كما ان هناك مليون و200ألف مواطن في مصر يعتقدون بتصنيف الجن الى أزرق واحمر, كما يعتقدون ان الحذاء القديم الملقى في الشارع هو الدواء الوحيد الناجح للوقاية من الجن والعفاريت " استناداً لما مرّ ذكره من قصة الإمام احمد بن حنبل مع جارية المتوكل وإرسال نعله" الذين يسكنون المقابر والمنازل المهجورة, وان 75% من المصريين يتحاشون ضرب القطط والكلاب ليلاً لاعتقادهم بأن العفاريت تتشكل في أشكال هذه الحيوانات كما يعتقدون ان الجن قادر على الزواج من النساء وبالعكس والإنجاب منهم...  وان 90% من المصريين حسب ما أورده البحث يؤمنون أشد الإيمان بخرافة الربط الجنسي وانه عليهم استخدام الأحجية او الأحراز... وبالفعل فأن نسبة 8% من المصريين يستعملها في أغراض كثيرة منها إبطال تأثير العفاريت...
 وفي دراسة أخرى أجراها المركز القومي في أيلول 2003 ان هناك في مصر مليون مواطن يعتقد أنه ممسوس, وان هناك 350 ألف آخرين يعملون لإخراج الجن بصفة معالج او شيخ...كما أظهر تقرير المركز " بيو" للأبحاث ان ما يعادل 86% من المغاربة مقتنعون بتأثير الجن مقابل78% يؤمنون بالسحر و16% من مستعملي وسائل أخرى لطرد العين وإبطال السحر وان عدد قارئات الكف بالمغرب يبلغ 16 الف قارئة كف وفنجان وتؤكد دراسة أُجريت عام 1996 ان 43% من الأُمهات في دول الخليج العربي استعملت التمائم للتخلص من اعراض مرضية يعتقد انها نتيجة الإصابة بالجن والشياطين أو السحر أو الحسد...
وأخيراً نستطيع ان نوجز في قراءتنا لقضية السحر والحسد بهذه المقارنة

السحر والحسد في نظر الشرع السحر والحسد في نظر العرف  
الحسد أكثر تأثيراً من السحر السحر اكثر تأثيراً من الحسد  
الوقاية والعلاج منهما في سورتي المعوذتين أو بضع كلمات كدعاء مصدرها الكتاب والسنة. الوقاية والعلاج منهما بطلاسم وأحراز وتعويذات مصدرها بقايا ديانات قديمة وبدع الصوفية ومن تأثر بهم.  
ليست لها أي صلة و علاقة بالجن والشياطين لهما صلة وعلاقة وطيدة بالشياطين والجن, بل ان الجن يتلبسون بني آدم نتيجة عمل السحر أو الحسد...  
ان نفس الساحر أو الحاسد لا تؤثر الاّ على النفس البشرية... ان الساحر والحاسد يؤثران بجميع الموجودات والأشياء كالجماد أو الحيوان والنبات إضافة الى الأنسان  
يكون العلاج من قبل المصاب بالسحر والحسد نفسه وفي حال يكون المصاب قاصراً او عاجزاً يقوم وليّه او من يحسن القراءة والدعاء في البيت يكون العلاج من قبل العرّافين او ما يعرف بالمعالجين بالقرآن والأعشاب  
يعتمد تأثيرهما على درجة كفر وتسافل نفسية الساحر والحاسد... يعتمد تأثيرهما على أدوات السحر وشكل الحاسد وبعض الامور الحسية الاخرى...  
 الوقاية من السحر والحسد تكون بالذكر المتواصل لا وقاية من السحر والحسد لأي مخلوق كان بما فيهم الأنبياء والرسل...  
ان مدة بقاء الآلام النفسية والجسدية تكون لفترة قصيرة لا تتعدى عدة دقائق أو ساعات أو بضع أيام كحد أقصى... أن مدة بقاءها تكون لفترة طويلة جداً وربما تستمر الى وفاة المصاب...  
ان السحر علم متوارث عبر الاجيال ولا يتقنه الاّ فئة قليلة جداً من السحرة.... كل من يدعي ويزعم العمل بالسحر أو الشفاء منه فهو ساحر لا يحتاج في ذلك الى دليل أو برهان...  
ان كلاً من الساحر والحاسد لا يمكنهما إيذاء احداً الاّ بإذن الله ومشيئته وإرادته... ان اصابتهما وأذيتهما متحققة ومؤكدة في الناس لا يمنعها مانع الإرادة والدعاء...
كلمة الختام
    لا يختلف اثنان من اولي الرشد والقول السديد على ان الحديث في تبديل وتغيير القناعات والثقافات والسنن الواردة في قضية السحر والحسد تكاد تكون للأعم والأغلب من الناس شبه مستحيلة, ذلك ان لبعض المعتقدات والممارسات الخاطئة درجة من الالتصاق بالأذهان والعقول كالتصاق الجلد ببدن الإنسان... ولا لوم ولا تثريب... فأن من يجد آثاراً واخباراً لأسلافه من جهة النسب واخذ العلم لا بد ان يكونَّ –الاّ من رَحِمَّ ربي- متبعاً مقتدياً... قال عزَّ من قائل على لسان أولئك: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} (الزُّخرف:22) ...
  لقد انحدر المسلمون في دركات ذلك التقليد الأعمى حال ما قرروا نبذ كتاب الله ومغادرة السنة الشريفة واخذهم باجتهادات الصحابة والتابعيين البعيدة كل البعد عن هذين الأصلين الأصيلين: ثُم انحدروا مرة ثانية عندما انقادوا مذعنين لأحكام وفقه ائمة مذاهبهم وخلعهم لهم من خلع القداسة والعصمة ما حسبوه حرز حريز وكهف منيع من شبهات الخطأ والنسيان...
 وزادوا تيهاً وضلالاَ واندرسوا ومعالم دينهم فلم يبقوا للإسلام الاّ أسمه والقرآن الاّ رسمه حين ذابوا بفتاوى غلاة مقلديهم واحكموا طوق مفهوم السمع والطاعة لهم في قضايا لا ينبغي التقليد فيها كأصول الدين والمعتقدات... غير ان ذلك كله لا يصح ان يكون حجةً وذريعة لترك فريضة أوجبها الحق عزَّ وجل على كل ذي دين ومرؤة وعقل ولو بأضعف الإيمان... او بتذكرة عسى ان ينتفع بها من رام الانتفاع وقصد الهداية...
  ولعلنا في هذه الصفّحات قد تمكنا من إزالة بعض الاتربة عن صفحات تراثنا وأن نكون قد وفقنا الى حد ما في إظهار ما امكن من حقائق ربما غابت عن البعض أو تثير حفيظة الكثير, ولا غضاضة من ذلك والقرآن المجيد ما فتأ يذكر الكثرة إزاء القلة في مورد إتباع الحق وكراهيته....
ويبقى الامل لا غير والتفاؤل بوجود المصلحين العاملين لوجهه تعالى من أجل مراجعة ذواتنا المنكؤة منذ قرون وإزالة ما علق بتاريخنا الإسلامي من آثار سلبية ووخيمة أهمها التقليد المجانب للكتاب والسنة وتنقيح وغربلة تراثنا الإسلامي وإخراجه من غياهب الأهواء المتبعة والأحكام المبتدعة وان ذلك ليس بالمعجزة التي يخالها البعض... فلا بأس ولا ضير على رجل الدين مهما كانت منزلته العلمية ووجاهته المجتمعية ان ينزل الى حياض الحق ورحابه وان يشير الى ما وقع فيه سلفه من هنات واخطاء فقهية وعقدية ما دام ثمة عقاب لمن يكتم بشهادة عند الله وثواب لمن يسعى لهدف أسمى وغاية نبيلة لإصلاح وأحياء النفس الإنسانية " من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" والله المستعان وهو يتولى الصالحين ويرعى المصلحين انه نعم المولى ونعم النصير

تَّم بعون الله  تعالى ويليه ...
من مدونات الفقه الإسلامي
" أضواء على تسخير الملائكة والجن وتحضير الارواح"
                                 رجب الاصب / 1438ه

بسم الله الرحمن الرحيم
      قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ {1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ  {2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ{3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{5}
صدق الله العلي العظيم



بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6}
صدق الله العلي العظيم

عن المدونة

يوسف الرسام مدونة عراقية خاصة للاستاذ حبيب الرفيعي

0 تعليق على موضوع : قراءة في السحر والحسد/المؤلف حبيب الرفيعي من العراق

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    أقسام الموقع

    تغريداتي علي التويتر

    حمل تطبيقنا

    زوار المدونة

    إحصائيات المدونة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    حبيب الرفيعي

    2017