-->
حبيب الرفيعي حبيب الرفيعي
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent



   

من مدونات الفقه الاسلامي
أضواء على
تسخير الملائكة والجن
وتحضير الأرواح


الفهرست

ت الموضوع الصفحة  
العنوان 1  
الفهرست 2  
المقدمة 4  
الأنسان وصلته بالملائكة... قراءة إسلامية موجزة 7  
تسخير الملائكة في عقيدة بعض المذاهب الإسلامية 11  
العقيدة الصوفية – توطئة 13  
مذهب التصوف وفلسفة تسخير الملائكة 19  
أقطاب الصوفية وادخال العلوم الغريبة ومنها تسخير الملائكة 22  
طرق تسخير الملائكة 29  
مدخل الى رؤية الملائكة بين الاعجاز و الامكان 30  
رؤية الملائكة في كتب التفسير 35  
رؤية الملائكة في كتب الحديث 49  
الجفر- من فقه لأهل البيت الى ادعاء علم الغيب وسجع الكّهان 62  
تأثر بعض المذاهب الإسلامية بالتصوف 70  
تسخير الأرواح والملائكة بواسطة الدعاء 86  
تسخير الملائكة بواسطة الاذن الروحاني 98  
تسخير الجن 105  
مقدمة في نشأة تحضير الأرواح 121  
تحول الفكرة الى علم 123  
ملخص فكرة تحضير الأرواح 124  
طرق تحضير الأرواح 126  
موقف رجال الدين من تحضير الأرواح 131  
حقيقة نزول الأرواح الى عالم الدنيا 143  
الروحية الحديثة دعوى لنسخ الديانات السماوية 147  
الروحانيون انكشاف الألاعيب وسقوط الأقنعة 150  
احتفاء البلدان الإسلامية " بالظاهرة الروحية" 158  
جرائم قتل ونصب واحتيال في جلسات تحضير الأرواح 165  
اعلان توبة  " وشهد شاهد من أهلها " 167  
السلف يسبقون الغرب بتحضير الأرواح بطريقة المرآة والكف 169  
العرفان والكشف والظاهرة الروحية الحديثة 171  
عالم الكشف في مخيلة العارفين 178  
طريقة الواح الويجا  والحديث مع الأرواح 181  
الثواب والعقاب في نظر بعض العارفين 183  
نتائج البحث 186-  188



المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
  {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الاعراف/157)
   الحمدٌّ للهِ الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكرهِ وسبباً للمزيد من فضله والصلاة والسلام على محمد خير خلقه من جنّه وإنسه وعلى اله مصابيح الدجى وسفن الورى  من ركبها نجى ومن تخلف عنها غَرقَ وهوى- وبعد:-
فقد كان المسلمون طوال البعثة الشريفة المباركة ذوي همة عالية وايمان راسخ وعقيدة صلبة, تلقفوا من بيان النبوة كل شاردة وواردة وحفظوا من جوانح الرسالة كل حركة وسكنة... وسألوا تقرباً وخشية حتى نُصحوا بترك السؤال رأفة بهم ورحمة ... لم ينشغلوا بسفاسف الأشياء رغم قلة تفقههم, ولم ينقادوا لزيغ باطل مع حداثة إسلامهم, وطأوا معتقدات الجاهلية وأوهامها.. فأوطأهم الله عز وجل عروش الأكاسرة والقياصرة ... غير ان ابتعادهم شيئاً فشيئاً عن نهج النبوة وهدي الكتاب وبمرور العقود وتعاقب القرون وما جرى خلالها من اتباع  وتقليد الحكام وولاة الجور وآراء فقهاء السلاطين, فجُعلتْ ألسُّنة فيهم بدعة والبدعة فيهم سُنّة وحلّ قول فلان وفلان مكان قول الله تعالى وقول الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فكانوا مصداق الآية الكريمة: { الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارَ} (إبراهيم/ 28).
  وإيماناً منا بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنزلته التي جاءت بحسب الروايات انهُ يعدل كافة العبادات أو كأنها بالنسبة إليه كالقطرة الى البحر فقد اثرنا العمل وبحسب وسعنا ما يمكن عدّهُ محاولة لتصحيح ما يمكن تصحيحه من اعتقادات علقت بتراث المسلمين وعُدت بعد لبس ودس وتزوير ولياً لعنق الحقائق من العبادات والقربات.
  لقد كان من دواعي البحث في جنبة مهمة من جنبات ذلك التراث ووقوع الاختيار عليه "تسخير الملائكة والجن و تحضير الأرواح" ما يشهده المسلمون من اجترار مكرور لمصطلحات ومسميات لم يقف الكثير منهم على حقيقتها والبحث عن جذورها وسبل تسللها مدونات الفقه الاسلامي...
   لقد عملت تلك المدونات مع الاسف الشديد وتحت غطاء من  الأخطاء الجسيمة كان في مقدمتها ترجيح مباحث الفروع على مباحث الأصول على منح تلك الأوهام والأباطيل بدءاً من عصر الترجمة وادخال العلوم الغريبة الى بلاد المسلمين مروراً بالعصور الوسطى, وما تخللها من انحرافات عقدية وفقهية وتصدر خرافات ورياضات التصّوف المشهد الديني وليس نهاية بالعقود المتأخرة وما نتج عنها من إتباع فلسفات وعقائد مقابلة للأديان السماوية وجعلها محل ابتلاء المسلمين..!!
   فغير خفي ما لهذهِ الأخطاء و" الخطايا" من زعزعةٍ لإيمان المؤمن ومن إثارة هواجس الريبة والتشكيك في كل ما يدور حوله فضلاً عما تولدهُ من مشاعر الإحباط واليأس وهو يرى ان قصصاً مثل هذه الموضوعات يصدّقها ويرّوج لها عدد غير قليل من " أُمناء الكتاب والسنّة واعلام الدين والملّة" ...ان الاعتقاد الجازم الذي نؤمن به ويشاطرنا فيه كل منصف إنهُ لابد من وقفة صادقة وشُجاعة تنطلق من خلالها لإعادة تنقيح تــــــراث الســلف والعــــمل على نفض وتطهير مناهج الدرس والتدريس من غريب العلوم كالمنطق والفلسفة وما  يُسمى بالعرفان ولا عبرة بالتبرير القائم بأن تلك العلوم تُدّرس كي تكون حجة على الأديان والمدارس الفكرية الالحادية وغيرها, ذلك ان الواقع يشهد عكس ذلك تماماً فأن اعتراف وتقدير تلك الأديان والمذاهب لا يتحقق الا عبر التأسـيس والانتماء لمنظومة قيمية واخلاقية تعكس ممارسات وسلوكيات المسلمين فيما بينهم من جهة وبين افراد سائر الديانات من جهة اخرى وليس على اساس ما يمتلكهُ المسلمون من إرث وخزين معرفي متمثلاً بمنطق أرسطو وافلاطون او فلسفة ومكاشفات ابن عربي والملا صدرا , لقد حذّر أئمة اهل البيت(عليهم السلام) من ذلك الاهتمام وسعوا بكل جهد لمناضلة تلك العلوم ومنع انتشارها بين الناس فهذا الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) وهو صاحب اكبر مدرسة فقهية يخاطب تلميذه محمد بن مسلم قائلاً" يا محمد ان الناس لايزال بهم المنطق حتى يتكلموا في الله فإذا سمعتم ذلك فقولوا لا إله إلا الله ليس كمثله شيء", إضافة إلى تحذيرات مماثلة تخص المنهج الفقهي وما تفرع عنه من مذاهب الصوفية والكشفية كما سنبينهُ في هذا البحث...
 وأخيراً نأمل ان نكون في هذه الصفحات قد أدركنا ما يمكن تسميتهُ تشخيصاً مهماً لأصل هذه المعتقدات وسبل تسللها متون الفقه وانتقالها عبرَ موضوعة التقليد ووفقنا بالإشارة عن كثب لمن اعيتهم الحيل وتفرقت بهم السبل الى الأنهار الجارية والعيون الصافية التي فجرها الأئمة الهداة المهديين بعلومهم النبوية واخلاقهم الربانية سائلين المولى ان لا يؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا ويغفر لنا ما لم نتعمده جهلاً وتقصيراً انهٌ واسع المغفرة والرحمة...



واخر دعوانا  ان الحمد لله رب العالمين....



رجب الأصب/1437ه
الأنسان وصلته بالملائكة ... قراءة إسلامية موجزة
   ليس من العسير التعرف على بدايات صلة الانسان القديم واعتقاده بتأثير الملائكة على نحو الاستقلال والتدبير أحياناً او اتخاذها وسائطاً والهة أحياناً  أخرى, فحيث ثمة  فترة ضعف وضمور عقيدة التوحيد واخفاقات الرسل والانبياء في تتميم رسالاتهم حلّت عقائد الشرك بالله وتنوعت اساليب وطقوس التقرب والتزلف والحاجة الى وسائط...ولقد دلت المصادر الديــــــنية المتـــــــــمثلة بالكـــــتب الســــماوية على هذا الفهم المتوارث عند المجتمعات والقرى التي أبتعث إليها الأنبياء والرسل- فيشير القرآن الكريم- اعمق المصادر التاريخية, الى هذا المنحنى واللون من الاعتقاد, فينقل لنا عبادة بعض المجتمعات الموغلة في القدم لأصنام كانوا قد اطلقوا عليها مسميات انثوية لا يمكن قراءتها إلاّ كرموزاً للملائكة فيقص على لسان نوح (عليه السلام) قولهم :{ولاَ تَذْرنَّ  آلهَتَكُم وداً ولا سِواعاً ولا يغُوث ويعوقَ ونسرا انْ يَدعُونَ مِنْ دوُنْه إلاَّ إِناثا}...{وَجَعَلُوا المَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}(الزُّخرف:19)...ومن المؤكد- وأن لم نهتدي الى روايات قطعية بهذا الشأن- ان تكون تلك المسميات والعبادة للملائكة من قبل القرى والأمم التي أرسل الله إليها نبي الله نوح (عليه السلام) كان معمولاً بها قبل تلك الفترة وان هناك مِنَ الأنبياء مَنْ سبقه الى دعوة اصلاح وتغيير تلك المفاهيم الخاطئة غير أن سبيل التقليد والإتباع ومجرى السنن في الأمم باقٍ على حاله قال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(الزُّخرف:23), وكما  قص الكتاب المقدس اخبار  تلك الأمم وأحوالهم وفصول تلك العبادة فأنه لم يغفل عن ذكر اخبار من جاء بعدهم من قبائل العرب وكيف انهم اتخذوا تلك المرمــــوزات الملائكية وسائطاً وآلهة  تقربهم الى الله وبطبيعة الحال وبحسب تقادم الأمم والعصور و تغيير الأفكار والمفاهيم ان تتغير وتتبدل تلك الأسماء فتضاف إليها أو تحل محلها أسماء وعناوين أخرى  فيقول متهكماً ومعيباُ عليهم معتقداتهم واختراعهم لأسماء آلهتهم:{أَمْ خَلَقْنَا المَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ}{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى  إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم} ومما لا شَّك فيه وبحسب مدونات اصحاب التأريخ والسير فإنَّ هناك اعداداً من غير هذه الأسماء كانت قد زيدت على أسماء آلهة أسلافهم من قوم نوح وغيرهم حتى أصبح مجموع تلك المسميات ثلاثمائة وستون توزعت على مختلف القبائل والبطون, إضافة الى ما هو متواجد داخل الكعبة وفوقها فكان سواع لهذيل, وكان يغوث لمذحج وقبائل اليمن, ونسرا – لذي الكلاع بأرض حميّر– ويعوق لهمذان, وكانت اللآت لثقيف والعزّى لقريش ومنات للأوس والخزرج وغسان, وأساف ونائلة على الصفا والمروة, ومجمل القول أنه لم يكن حيّ من أحياء العرب إلاّ ولهم وثن يعبدونه يُسمى أنثى بني فلان , وهذا ويذهب بعض المفسرين الى ان سبب نزول  الآية  قوله تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى}- الى ما كان سائداً في عقائد بعض القبائل والقرى من معتقدات غلو وافراط بشأث الملائكة, حيثُ كانوا يعتقدون اضافة الى تلك العبادة وتمثيلهم بهيئة الأصنام والأوثان أنهم بنات الله وان الله  قد صاهر الجن  فأولدهم الملائكة ... ولكون هذا اللون من المعتقد  يمثل انحرافاً  خطيراً في مسار التوحيد  وأنه سبباً أصيلاً  لخسران الإنسان  أهم صلة بينه  وبين خالقه  وهي العبادة المباشرة له وتجنب  اتخاذ الوسائط والغلو  فيهم , فقد أشارت  بعض الآيات إليه كقضية تختلف تماماً عن بقية القضايا الاخرى قضية تجرى في الملأ الأعلى حيثُ محكمة العدل الالهي قضية أطرافها حاكم ومتهم وبريء ومذنب.... فيوجه الحاكم  الخالق كلامه الى المتهمين من الملائكة بعد ان يجمع الاطراف الثلاثة :{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}(سبأ:40), وبديهي ان هذا السؤال ليس من باب الاستفهام وجهل عن حال وانما هو من باب التبكيت والافحام ولكي تظهر الحقائق من إجابة الملائكة ولكي يعلم هؤلاء الضالون ويخيب ضنهم ويعلمون بأن الملائكة مستنفرين ومتبرئين من أعمالهم فيصيبهم اليأس من النجاة, فتختار الملائكة اكثر الأجوبة شمولية واعظمها أدباً:{ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ}, ولا شك ان يكون الجن المراد بهم في هذا الدفع من الملائكة هم شياطين الجن الذين وسوسوا لهم واغروهم وزينّت في انظارهم عبادة  ووساطة تلك الأوثان الملائكية, ويأتي قريب من هذه المحاججة في الآية 28 من سورة يونس{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } فأنتم لم تعبدونا نحن مباشرةً بل كنتم تحاولون التقرب  والتزّلف لأجل قضاء حوائجكم  ورغباتكم الدنيوية من خلال طاعتكم لنا في المعصية وهذا كله قد أطلقت عليه الآيات تسمية العبادة, وأي عبادة أشّر وأضر بالإنسان والمجتمع من هذه العبادة..!!
   ومع ان هاتين الآيتين لا تحتاجان الى كثير جهد وتأمل في إدراك مضمونها ومرادها  سيما لمن عرف وخبر التوحيد ودرجاته  والشرك ودركاته الاّ ان بعض المفسريّن وقف عليها طويلاً لأجل الفصل بين ماهية وشكل عبادة الإنسان لهؤلاء الملائكة وبيان ذلك الدفع منهم ولأن ظاهر الشرك المعمول به بين المشركين لا يوحي الى تحقق عملي لتلك العبادة فيذكر بعضهم عند مروره بالآية الأولى " أما لأن الملائكة أشرف المخلوقات التي عبدها الضالون والتي لم يحصلوا على شفاعتهم يوم القيامة فماذا يستطيعون الحصول عليه من حفنة من الحجر والاخشاب او الجن او الشياطين.. !!أو انه من قبيل ان عبدة الأوثان كانوا يعتقدون بأن الأحجار و الأخشاب هي مظهر ونموذج الموجودات العلوية كالملائكة وأرواح الأنبياء فلذا عبدوها كما ورد في تاريخ الوثنية عند العرب ان سبب حدوث عبادة الأصنام هو ان عمر بن الحيّ مرَّ بقوم في الشام فرآهم يعبدون الأصنام فقالوا له ان هذه أرباب ننحتها على  أشكال الهياكل العلوية فنستنصر بها ونستسقى بها فتبعهم وأتى بصنم معهُ الى الحجاز وسوّل للعرب فعبدوها واستمرت عبادة الأصنام فيهم إلى ان جاء الاسلام.."
 والحق ان هذا الطرح  هو جانب من جوانب القضية ومصداق من مصاديق تلك العبادة لكن الجانب الأهم والذي يمكن تشخيصهُ والذي يتناسب مع كبير اهتمام الحوار الذي يجري بين الحق عزَّ وجل والملائكة وعظم المكان والزمان والموقف هو ما نتلمسهُ من مصداق العبادة المتمثل بذكر أسماء الملائكة ووظائفهم والاستعانة بهم والاستغاثة وطلب العون والمدد بصورة مستقلة ومنفردة واعراضهم عن منهج توحيد الألوهية والربوبية التي من اجلها بعثت الأنبياء والرسل, وفي مقدمة سبل هذا المنهج بلا ريب هو الدعاء الذي عبرت عنهُ النصوص القرآنية والحديثية  المتواترة بأنهُ مخ العبادة او محضها أو هو العبادة نفسها....












تسخير الملائكة في عقيدة بعض المذاهب الاسلامية

  اذا كانت الديانات القديمة قد أولت مسألة تسخير الملائكة مكانة هامة في ابجديات معتقداتها واعتبرت الإيمان به جزءاً لا يتجزأ من أركان الدين و وسيلة من وسائل الاتصال بالإله او لقضاء الحوائج من يتوسل بهم على نحو المباشرة, فلا شك ان يكون للدين الخاتمة نصيب من بين تلك الديانات وان يحذو حذوها حذو النعل بالنعل كَّما حذّر منه الحديث الشريف, ولا شك ايضاَ ان يتبع المؤمنون بهذا المعتقد بعض الحجج والأدلة الفقهية والمنطقية لتبرير صحة إيمانهم, وربما كان من جملتها ان هذا التسخير يُعّد نسخة أو فصلاً من فصول التكريم الذي حباهُ الله تعالى لآدم وذريته واوزعهم تسخير ما على الأرض من موجودات كسائر الحيوان والنبات والجماد وما تحتها من كنوز ومعادن, وإذا ما كان هذا التكريم لآدم خليفته في أرضه بلا حدود فلا مانع عقلي من تسخير ما في الغيب من مخلوقات الملائكة والجن وأرواح الموتى...!!
 هذا على صعيد أدلة المنطق واما على صعيد أدلة الفقه والحديث فقد أنبرت بعض المذاهب الاسلامية لتؤصل وتجّذر سبل اعتناقها عقيدتها في تسخير الملائكة اتكالاً على مرويات واحاديث نسبت تارة الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), وتارة الى صحابته او اجتهادات من جاء بعدهم من تابعين وأئمة مذاهب وتيارات دينية كما تبين ذلك عقيدة ما يُسمى بـ "السلفية", فقد روي عن ابن عباس ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) قال : " إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما سقط من ورق الشجر فاذا أصاب احدكم عرجة بأرض فلاة فليناد:- أعينوا عباد الله "... ورواهُ البيهقي في شعب الإيمان وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزار ورجاله ثقات وروى الطبراني في المعجم الكبير عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال : " إذا أضل احدكم شيئاً أو أراد احدكم عوناً وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل يا عباد الله اغيثوني يا عباد الله اغيثوني فأن لله عباداً لا نراهم".
  وروي عن ابن مسعود أنه قال قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):" اذا انفلتت دابة احدكم بأرض فلاة فليناد ياعباد الله احبسوا فإن لله حاضراً في الأرض سيحبسه", رواه الحافظ ابو يعلي الموصلي في مسنده والطبراني في المعجم الكبير
   وذكر البيهقي في شعب الايمان, وبسند صحيح أن الأمام احمد بن حنبل قد استغاث بالملائكة عندما أضل الطريق في الصحراء وهو ذاهب للحج, فعن عبد الله بن احمد بن حنبل قال سمعتُ ابي يقول حججتُ خمس حجج أثنين راكب وثلاث ماشي, فضلتُ الطريق في حجةً وكنتُ ماشياً فجعلتُ أقول: يا عباد الله  دلوني على الطريق, قال: فلم  أزل ذلك حتى وقفتُ على الطريق...
  وقد ذكر هذه القصة أيضاً ابن مفلج الحنبلي تلميذ ابن تيمية في كتابه الآداب الشرعية,  تحت عنوان " فيما يقول من انفلتت دابته او أضل الطريق.
  وذكر تلك الاستغاثة ابن تيمية في كتابه " الكلم الطيب" , رغم قوله بشرك من يستغيث بالملائكة والأولياء الصالحين !!! .
  وأما مذهب التصوف في مرحلته الوسطى والمتأخرة فَيعّد من أهم المذاهب الإسلامية التي أولت قضية تسخير الملائكة اهتماماً بالغاً من خلال المؤلفات والمصنفات وقطعت شوطاً كبيراً في هذا المضمار وللوقوف على هذا المنحى والانحراف في سير الفكر الإسلامي ومدوناته فينبغي الإطلالة أولاً على مقدمات ونشأة هذا المعتقد...



العقيدة الصوفية:-  توطـــــــــئة:-
    يكاد لا يتفق أرباب التاريخ من المسلمين وغيرهم من المستشرقين على أمر قدر اتفاقهم على ان بداية النهاية للمشروع الحضاري ومعالم الشريعة الاسلامية كان في نهاية القرن السادس وبداية  القرن السابع الهجري, ففي تلك الحقبة من التاريخ اوشكت معالم الدين بالاضمحلال والتلاشي وبوادر تصدع وتفكك المجتمع الاسلامي بدت ماثلة للعيان...
   لقد اطبق جميع هؤلاء على ان سبب ذلك يعود بالدرجة الأساس لفساد السلطة الحاكمة باسم الدين والخلافة الإسلامية, فقد اخذ التزهد بالكتاب والسنة لا يضاهيهما إلاّ التزهد بإعداد الجواري والغلمان حتى ان كثيراً من أصحاب النفوذ بالسلطة من قضاة ووزراء كان  يفضل معاشرة الغلمان على الجواري فيما اخذت الجواري التشبه بالغلمان في الملبس والمظهر فأطلق عليهنَّ لقب" الغلاّميات" يقول المؤرخ الشهير فليب حتي: " بعد اعتلال الخلافة العباسية, وشغب اصحاب المصالح وتطاولهم على السلطة صار الخلفاء صاغرون أذلاء قد رضوا لأنفسهم الإساءة والهوان, وهم يستوون مع الوزراء والقضاة وقوّاد الجيش في أنهم راشون مرتشون يعيشون في جو من  الغموض والريبة في غياب الاستقرار والأمان وكثرة نقض العهود والتحلل من الإيمان...
 أن سوء الحالة الاجتماعية والانغماس في البذخ والترف والعكوف على التسرّي والطرب والاخذ بأسباب اللهو والمجون الى حد الإفراط, وما رافق ذلك من نظام الحريم والخصيان واقتناء الجـــــواري والغلـــــمان وتدني مـــــقام المرأة وانحــــراف اخلاق الشباب, وذهاب المرؤة منهم, وإثارة الفتن واشاعة الفساد كل ذلك ساعد على تقويض معنويات الشعب ومهدَّ الطريق للغزو المغولي...)).
 ولعلَّ العلامة الفارقة في تلك المرحلة ان تشهد البلاد الاسلامية موجة غزوات متكررة ومتلاحقة بدءاَ من الشرق الى أقصى الغرب, وان تشهد كذلك فوضى عارمة في إدارة المؤسسات المدنية والعسكرية ففي مشهد يذكرهُ بعض المؤرخين يصور درجة التمزق والتخبّط التي تنتاب الخلافة الحاكمة, فبينما يُرسل والي الموصل رسوله الى الخليفة المستعصم يستغيثهُ بإرسال العدد من السلاح والجند, ويحذرهُ من زحف المغول الذي وصل الى تخوم بغداد يكون الخليفة قد ارسل جماعة من ندمائه  يطلب فيه المزيد من الجواري الأجنبيات والآلات الموسيقية, و الانكى من ذلك ان يحدث هذا في وقت كانت خزينة كلاً من الخليفة والوالي شبه فارغة بل لا تكفي حتى لدفع مرتبات الجنود او لجزء يسير منها.
   ويروي ابن الأثير في تاريخه وهو يصوّر آثار ذلك الغزو" ولقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر الحادثة استعظاماً لها كارهاً لذكرها فأنا اقّدم رجلاً وأخر اخرى, فمن الذي يسهل عليه ان يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟
 ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟
"فيا ليتني أمي لم تلدنّي و يا ليتني كنتُ نسياً منسياً"
   وفي ذلك العصر شهدت أيضاً بلاد الشام استباحة الحملات الصليبية المتكررة لعدد من المدن بعد وصول جيوشها إلى ثغور مصر وسقوط العديد من حصونها.
   وفي المغرب الإسلامي ونتيجة الانقسامات السياسية والصراعات الدامية على السلطة هوت دولة الموحدين, وبرزت ثلاث دويلات مستقلة اثر معركة العقاب سنة 609ه, واما الاندلس اقصى البلاد الإسلامية كانت الثورات والفتن الداخلية تعصف بآخر قلاع المسلمين لتمهد لاحقاً سقوطها وعودتها للغرب بعد عقود طويلة وازدهار حضاري ومعماري ما زالت اطلالها شاخصة إلى يومنا هذا...
 واستطراداً في الوصف وتتبع آثار انهيار الحضارة الإسلامية في بغداد وسائر البلدان الأُخرى, وما رافقها من دمار لمختلف شؤن الحياة الاجتماعية والاقتصادية فقد دوّن المؤرخون تلك الأحداث وما جرى على شعوب تلك البلدان من ويلات ومآسي يصعب وصفها, فضلاً عن تصديقها فيذكر المقريزي إن الغلاء اشّتد بمكة حتى نفذت فأعُدمت بها الأقوات وأٌكلت القطط والكلاب حتى نفذت فأكل بعض الناس الآدميين, وكثر الخوف منهم حتى امتنع الكثير من البروز إلى ظاهر مكة خشية ان يأكلوا...
   وينقل الشوكاني في تراجمة خبر مجاعة خراسان وفارس واذربيجان وديار بكر حتى جاوز الوصف فأكل الأب أبنه, والابن أباه وبيعة لحوم الآدميين في الأسواق جهراً ودام ذلك ستة أشهر,  ويتولى جلال الدين السيوطي نقل اخبار مصر بداية مجاعة مصر حتى بداية القرن السابع الهجري بقوله: " توّقف النيل بمصر بحيث كسرها, ولم يكمل ثلاثة وعشرون ذراعاً "يقصد ارتفاع منسوب النهر", وكان الغلاء المفرط حيث اكلوا جيف الآدميين وفشا أكل بني آدم", وروى من ذلك العجب العجاب, وتعدوا الى حفر القبور واكل الموتى وتمزق اهل مصر كل ممزق, وكثر الموت والجوع حتى كان الماشي لا يقع قدمه أو بصره إلاّ على ميت, بحيث إنَّ المسافر لا يّمر بالقرية ولا يرى فيها نافخ نار ويجد البيوت مفتحة واهلها موتى, وحكى الذهبي في ذلك حكايات تقشعر الجلود من سماعها قال:"صارت الطرق مزرعة بالموتى, وصارت لحومها للطير والسباع وبيعت الاحرار والأولاد بالدراهم اليسيرة, وقد اسهب المقريزي  في وصف هذه المجاعة المصرية لينقل لنا صورة قائمة سوداء عن احوال المجتمع الاسلامي هناك فيقول:" ثُم وقع الغلاء بالدولة الايوبية وسلطنة العادل ابي بكر بن ايوب" وهبَّ هواء أعقبهُ وباء وفناء حتى أكل الناس صغير بني آدم من الجوع, فكان الأب يأكل ابنه مشوياً ومطبوخاً والمرأة تأكل ولدها, فعوقب جماعة بسبب ذلك ثم فشا الامر وأعيا الحكام ... !!
   ويصف ابن عذاريحالات مجاعة سنة 635ه بالأندلس والمغرب نتيجة الحروب الأهلية وتفشي الوباء:" فكانت عدد من المدن الأندلسية تسقط تباعاً بعد حصار اهلها حتى يقع اهلها فريسة الجوع وبعد ان يأكل أهلها الجيف", وفي مراكش عاد الغلاء والوباء أرض المغرب, فأكل الناس بعضهم البعض, وكان يدفن في الحفير الواحد المائة من الناس , ومن المؤكد ان يواكب تلك الاحداث الجسام وما صاحبها من اختلاط الصلبيين والتتار احداثاً وتغييرات على المستوى الفكري والنفسي لدى المجتمعات المسلمة فيذكر هؤلاء المؤرخون ان الفوضى الاجتماعية قد عمت  سائر مرافق الحياة فكثر شرب الخمور ومظاهر المجون ولبس الحرير والذهب وقلة الرحمة بين افراد البلد الواحد وشاع الغش والتطفيف بالميزان, وكسب الحرام وحلَّ الجـــــــهل, حتى شَمل أهل العلم من رجال دين وفكـــــــــر وأدب وانتشـــــــــرت البدع والخرافات والمستحدثات في الدين وعادت الجاهلية الأولى, حتى يُقال ان الناس اخذت تطلق اسماء الحيوانات على مواليدهم ظناً منهم ان ذلك يُنجيهم من المهلكات ويكون سبباً في طول اعمارهم, وكان كثيراً منهم يأخذ دوابه الى مقابر اليهود والنصارى عندما تصيب تلك الدواب " المغل"  اعتقاداً منهم ان عذاب القبر الحاصل على أرواح اهل الكتاب يعمل عمله في شفاء ذلك المرض, ولندرة ولاة العدل وتفشي الظلم والرشوة بين الحكام جعل الناس عند معايشتهم بعض صور العدل من إبقاء الشموع والاسرجة مضاءة ليلاً مخافة زوال ذلك الوالي او الحاكم, فيما فضل بعض أولئك الحكام والولاة الاستعانة  بطائفة من اهل الدعارة والنهب واللصوصية عرفت آنذاك بالعيارية أو الشطّار فانتظّموا انتظام الشرطة أو الجند وعظم شأنهم في سائر المدن الإسلامية, وكثيراً ما كان الوزراء وغيرهم من أرباب الحل والعقد يقاسمونهم المغنم ويسكتون عنهم.
  بعد الوقوف على تلك المقدمة القصيرة التي جاءت بحسب شاهد من اهلها- فأنهُ لا يسع القارئ الحصيف إلا أن يستنتج وبحسب ما خلفَّهُ ذلك العصر في نفوس المسلمين من آثار خراب ويأس وإحباط ان يكونوا قد بحثوا عن مخلصّ لهم يُنجيهم من آثار وتبعات كل ذلك, ولا شك ان يكون الالتجاء للغيب والتشبث به احد أهم السبل الناجعة للخلاص, ومن المتوقع, بل المؤكد ان تنجح عقيدة كالعقيدة الصوفية في تلك المرحلة, وان يُشار لها ببسط اليد للمبايعة كخلافة بديلة عن خلافة المذاهب الإسلامية والمدارس الفكرية والعقلية الأخرى...
  لقد عانى أرباب مسلك التصوف طوال القرن الثالث الى السادس الهجري من تضييق وتشديد  الخلفاء العباسيين والتنكيل بهم وبرموزهم حد القتل والصلب من جهة, ومن حنق فقهاء المذاهب الاخرى بحجة اعتمادهم المنهج الغيبي الباطني للتأويل وادعائهم الخـوارق والمعـجزات وقولهم بالحقــيقة بدل الشـريعة غير أنهم وخلال القرون الثلاثة الوسطى السادس والسابع والثامن قد تمكنوا من هيمنتهم على الساحة الاجتماعية والسياسية والدينية واعادوا للمدرسة الصوفية والفكر الصوفي  عزته  ومكانته بين المذاهب الإسلامية الأخرى ولكن الفارق الكبير هذه المرة فقد عادوا – ومن سوء حظ المسلمين بالعديد من البدع والخرافات وبث مفاهيم ومصطلحات غريبة مثل الأقطاب والأبدال والولاية التكوينية, ونشر ثقافة وعقيدة مختلفة تمثلت بضرب الدفوف والتغني والمديح لأسلافهم لتحل محل قيام الليل للصلاة والتهجد وتلاوة القرآن, وبدل من المشي لقضاء حوائج المساكين والفقراء –المشي على الجمر والنيران والتسَّول والكَدية...
  وبرعاية من لدن حكام التتر والمغول في بلاد فارس والعراق وسلاطين الدولة الأيوبية في بلاد الشام وخلفاء الدولة الفاطمية بمصر وملوك المغرب والأندلس, أنتشرت  العقيدة الصوفية وراجت رواجاً كبيراً بين المسلمين حتى ان اغلب هؤلاء "الخلفاء والسلاطين" كانوا يتزلفون إليهم لكسب مودتهم ومرضاتهم والتكهن لديهم في شؤون تخص السياسة وبقاءهم في السلطة , ومما يذكر في هذا الشأن ما أوردهُ المقريزي المؤرخ "ان السلطان صلاح الدين الأيوبي كان أول من أقدم على بناء التكايا والخوانق واجرى لهم العطاء والكسوة والطعام, وربما كان فتح الفاتح هذا قد فتح الباب واسعاً لبقية السلاطين والأُمراء فأخذوا يقلدونه في رعايتهم لهم وربما زادوا عليه, لذا يمكن تفسير هذه الفترة بمثابة العصر الذهبــــــــــــي للفــــــــــــــرقة الصوفية وانتشار معتقداتها على أكمل وأتم وجه, فقد تمكن رواد العقيدة الصوفية من إرساء عدد من العلوم الفلسفية والمنطقية والفلك  والتي  قد وصلت إليهم عن طريق عصر الترجمة المأمونية ثم انهم اضافوا لها من الفكر والعقيدة والفلسفة الإسلامية الشيء الكثير فكانت المدرسة الاشراقية للسهروردي والمدرسة العربية لمحي الدين بن عربي التي تدعوان الى تكريس التصوف والعرفان بديلاً عن المدارس الفقهية, وراجت طرق الاقطاب والأبدال في الشرق والمغرب الإسلامي فكان القطب عبد القادر الكيلاني واحمد الرفاعي في العراق, واحمد البدوي وابراهيم الدسوقي في مصر , واحمد بن علي البوني في المغرب ليمثلوا عند اتباعهم رمزية دينية وروحية توازي رمزية الانبياء من اولي العزم ان لم تكن تفوق عليها في بعض الخصائص والمعجزات...







مذهب التصوف وفلسفة تسخير الملائكة
    بما ان لكل مذهب فلسفته الخاصة في طرحه عقائده ومتبنياته ومحاولة تأويلها بما يراه منسجماً مع أسس تلك الفلسفة, فأن العقيدة الصوفية لم تكن لتشذ عن تلك القاعدة, فنرى ان جلّ مبانيها وأحكامها وآراءها تصدر من طريق تقديس الحروف لذا سُميّ الصوفيون بالحروفيين, إذ اعتقدوا ان تلك الحروف تمثل سر وجود الموجودات وعليها مدار الخلق والمخلوقات... يقول ابن خلدون في مقدمته:"ان بعض المتصوفة كانوا أول من خاضوا في نوع من السحر هو علم أسرار الحروف مثل ابن عربي, وان اول من تعامل بالسحر في الأمة المحمدية هم الصوفية, ويضيف ان هذا العلم-السحر– حدث في الملة بعد ان صدر منها وعند ظهور الغلاة من المتصوفة- كالحلاج وبن  عربي والعفيف والتلمساني وابن سبعين وابن فارض وجنوحهم الى كشف حجاب الحس وظهور الخوارق على ايديهم والتصرفات في عالم العناصر وتدوين الكتب والاصطلاحات  ومزاعمهم في تنزل الوجود عن الواحد وترتيبه, وزعموا ان الكمال الاسمائي مظاهر الأرواح والأفلاك والكواكب وان طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء فهي سارية في الأكوان" ,ثم ان هذه الأسماء لديهم تؤتي انفعالاتها وتكون على أشدها في حال كتبت أو تليت بغير العربية, فهم يولون اللغة السيريانية والعبرية والأرمينية أهمية كبيرة ولا يخفون شغفهم وحبهم لها, فأن كثير من أسماء الملائكة والانبياء والألفاظ التي وردت في القرآن الكريم هي من هذه اللغات فمثلاً كلمة هيت لك –تعني بالعبرية هلم لك أو تعال, وكلمة أسفاراً- تعني بالسريانية محاسن الأشياء- ومريم بلغة قومها- تعني العابدة- او خادمة الرب- الى كثير من الأمثال كما يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن لغة الأرواح في البرزخ هي السريانية وسؤال ناكر ونكير يكون كذلك, وفي ذلك يقول الحافظ السيوطي في منظومته:-
ومن غريب ما ترى العيــــــــنان         أن ســــــــــؤال القبر بالسرياني
    وقال علم الدين البلقيني أن سؤال الملكين للميت بلفظة السريانية "مزار هو" ويجيبهم" مراد أزيد" بل وأقدم بعضهم من اتباع الطريقة البرهانية على نشر كتابين هما تبرئة الذمة في نصح الأمة, أو بطائن الأسرار, وأدعوا انها من تأليف أهل البرزخ...!! وينقل عن بعض أقطاب المغاربة الصوفية: أنهم يتقنون السريانية ولا يتكلمون العربية إلاّ اذا حضر رسول الله عندهم(صلى الله عليه واله وسلم) توقيراَ لهُ لأنها لغته!!  ويدافع الصوفية عن عقائدهم ورمي الكثير لهم بالشرك والكفر والسحر بالقول ان ما لديهم من علوم إنما جاءت بواسطة أقطاب طرقهم واصحاب الحقيقة ممن تدّرجوا بالمقامات حتى الفناء لتكون علومهم "لدنية" واخرى مكتسبة من طريق كتب اليونان وحكمائهم " كالحكيم هرمس" وأرسطو وغيرهم ومما وصل أليهم بواسطة علوم نبي الله سلمان (عليه السلام) ووصيه آصفي بن برخيا ونبي الله إدريس (عليه السلام), وان باستطاعة أي إنسان الوصول الى تلك المقامات الرفيعة شريطة مخالفة الهوى والزهد في الدنيا وترك المقامات, فقد حكى ابو حامد الغزالي قال: كان  سهل يقتات من ورق النبق مدة, وأكل دقاق ورق التين ثلاث سنين , وذكر أبراهيم بن البنا قال: صحبتُ ذا النون من أخميم إلى الاسكندرية – فلما كان وقت افطاره, اخرجتُ قرصاً وملحاً كان معي, وقلتُ هلمَّ, فقال :لي ملحك مدقوق؟
قلتُ: نعم, قال: لست تفلح! فنظرت إلى مزوده وإذا فيه قليل سويق شعير يستّف منهُ!  وقال ابو يزيد: ما أكلتُ شيئاً يأكلُ منهُ بنو آدم أربعين سنة! ولهم في ذلك قصص واحاديثُ يطول ذكرها ويصعب وصفها وتصديقها...ويبلغ الحد  ببعض فقهاء وأئمة المذاهب الإسلامية أن يحكم بخروجهم من الدين ورميهم بالكفر لما يصدر منهم من أفعال وسلوكيات يرفضها الشرع فيما يعزوا البعض الآخر ما يصدر منهم من أقاويل ومزاعم الاطلاع على الغيب والقدرة على تسخير الملائكة وخرافات الرياضة الى ما تسببهُ تلك العادة من هلوسات وأوهام نتيجة اصابة الدماغ باليبس او التخدير والحق ان عدداً من الدلائل معززة بنصوص الكتاب والسنة يقرب إلى الأذهان مطابقة ما ورد من حكم بحق هؤلاء, فقد أوضحت بعض الآيات القرآنية صور من مشاهد يوم الحساب يُحاجج فيها الله عز وجلْ الملائكة, بسبب عبادة البعض من الإنس والجن لهم وتبرئة الملائكة أنفسهم ونفيهم تلك التهم قال تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ{40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ{41}}(سبأ/ الآيات40- 41). ولا شكَّ ان الاستفهام هنا لا يُراد به إلاّ اقرار حقيقة عمل الدعاء الذي كان يُمارسهُ من يطلب الاستغاثة بالملائكة فسمّاها الحق عبادة وان لم تتمخض عنها حقائق حسية اذ الدعاء هو العبادة كما ورد عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) ويعدُّ ذلك من الاشراك المستوجب لدخول النار والخلود فيها شأنه شأن من يدعوا اللآت والعزى ومنات من المشركين والكفار, فغاية الأمر تسمية المشركين لأسماء الملائكة او الجن دونما علم يقيني ودعائهم تلك الأسماء لا يزيد بعض الجن إلا تصديقاً كما يُقال بحقهم من دفع الضَّر واستجلاب الخير ولا يزيد الملائكة إلا دفاعاً عن انفسهم وتبرّيهم من أي جهة تنسب لهم الاستقلالية بالعمل دون الرجوع الى الحق سُبحانهُ وتعالى, ثم ان تلك التسميات المفترضة من قبل مدعي المعرفة بشؤون الملائكة وأحوالهم وأعمالهم لا أساس لها من الصحة وانما هي من تكهناتهم ورجمهم بالغيب اذ لم تأتي عن طريق الوحي أو الرسل والأنبياء, قال تعالى:{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونبل ان السلطان الذي نزل به الوحي فبلَّغَ الأنبياء الناس به ان لا يتخذوا الملائكة والانبياء أرباباً من دون الله, بقوله تعالى:{ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران/ 80).


أقطاب الصوفية وادخال العلوم
الغريبة ومنها تسخير الملائكـة
    لقد أولى اليونانيون الأعداد عناية كبيرة وخاصة الفيثاغوريون مما جعلهم يضعون طابعاً سحرياً على الأعداد – فأصبحت دراستهم للأعداد نصف رياضية ونصف سحرية, وأُغرمَ الفيثاغوريون بالأعداد وجعلوا العدد واحد أصلاً لكل الأعداد والموجودات ففسّروا الأشياء بالأعداد, ثُم فسروا الأعداد تفاسير مختلفة وتلاعبوا بالأعداد ورأوا فيها مفتاح الكون, فالخط المستقيم يتحد بنقطتين كما يتحدد المستوى بثلاث نقاط ويتحد الحجم بأربع نقاط, واعتبروا الكون كامناً في هذه الأعداد حتى أنهُ يمكن بناء هذا العالم من الأعداد, وهي1 ,2, 3 ,4 ومجموعها 10 واعتبارها قوة الهية جبارة,  وتمادوا في عملية الربط بين الأعداد والأشياء الموجودة في العالم فالأعداد الفردية مذّكرة والزوجية مؤنثة, والعدد "1 " ليس مجرد عدد واحد في حد ذاته بل هو مصدر لكل الأعداد فلذا هو رمز التعقل.
والعدد " 2 " هو رمز للرأي , والعدد " 3 " هو رمز للقدرة الجنسية
والعدد " 4" هو رمز للعدل , والعدد " 5" هو رمز للزواج ... وهكذا بقية الأعداد...
  كما أسّسوا طريقة البرهان الرياضي , وكونوا الأشكال المربعة المتساوية الاضلاع, ثم وضعوا في كل مربع عدد بحيث اذا جمعت الأرقام في أي صف واحد وفي أي أتجاه أعطت مجموعاً متساوياً, وبما ان فلاسفة الصــوفية وأقطابهم قد أولعوا بدراسة كل ما لهُ صلة بعلوم اليونانيـــــين من فلســـــفة وحسـاب وعلوم الفـــــلك وغـــــيرها ودراســـة كل ذلك من طريق الترجمة التي وصلت اليهم كما أسلفنا, ولم يغفلوا عن ما سطرتهُ تلك التراجم من تراث الديانات والمعتقدات اليهودية والنصرانية والفارسية وغيرها, وما اهتمت به من علوم الأفلاك والبروج والكواكب فيما يعرف بعلم الهيئة ومنحهم لكل كوكب رسم معين, كالمثلث الذي يرمز إلى كوكب زحل والمربع إلى كوكب المشتري والمخمس إلى كوكب المريخ.... وهكذا, لذا فأنهم أقدموا على جمع وتوليف وتنسيق كل ما وقعت عليه أيديهم من تراث وعلوم بهذا الشأن مع ما لديهم من واقع فلسفة للأحرف العربية كونها وحسب اعتقادهم ليست أحرف مجردة, وإنما هي أسرار لوجود هذا الكون- شأنهم شأن الفيثاغوريين في الأرقام- فهي عبادة وتقديس ان صح الوصف, وفي هذا يقول ابن عربي في الفتوحات المكية: "وحظ الاولياء منها ما اطلعهم الله عليه من علم الحروف وهو علم الأولياء, فيعلمون ما أطلعهم الله في الحروف والأسماء من الخواص العجيبة التي تتفعل الأشياء لهم في عالم الحقيقة والخيال, فهو وأن كان مذموماً بالأطلاق فهو محمود في التقييد, وهو من باب الكرامات وهو عين السحر عند العلماء, فقد كانت سحرة موسى مازال عنهم علم السحر مع كونهم أمنوا برب موسى وهارون ودخلوا دين الله وآثروا الآخرة على الدنيا ورضوا بعذاب الله على يد فرعون مع كونهم يعلمون السحر ويسمى عندنا " بالسيمياء" مشتق من السمة وهي العلامة أي علم العلامات التي نصبت ما تعطيه من الانفعالات من جميع حروف وتركيـــب أســماء وكلمات فمن الناس من يعـــــطي ذلـــك كله في " بسم الله" وحده فيقوم ذلك مقام جميع الاسماء كلها – وتنزل من هذا العبد منزلة " كن" وهي آية من فاتحة الكتاب, ويضيف مبرهناً وقد لقينا فاطمة بنت مثنى", وكانت من أكابر الصالحين تتصرف في العالم ويظهر عنها من خرق الفوائد بفاتحة الكتاب خاصة كل شيء.
ثم اعطى كل حرف عربي عدداً معيناً حسب ترتيب الحروف المسمى أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضطغ, وهذا ما ذكره أيضاً ابن عربي في كتابه  "معاني الحروف والآيات" , حيثُ يشير تقييم الى الحروف كالآتي:-

أ =  1 ب = 2 جـ = 3 د = 4 ه = 5 و = 6  
ز= 7 ح = 8 ط = 9 ي = 10 ك = 20 ل = 30  
م = 40 ن =50 س =60 ع = 70 ف = 80 ص= 90  
ق = 100 ر =200 ش =300 ت =400 ث = 500 خ =600  
ذ= 700 ض =800 ظ = 900 غ =1000
 
ثم ان  الاسماء صارت تكتب بالأعداد لا بالأحرف فمثلاً أسم محمد
 = 40 + 8 + 40 +4= 92     ويصبح محمد 92
 او مثلاً علي = 1000 + 30 + 10 =1040  ويصبح علي 1040
وهكذا ... وذكر ابن عربي ان للحروف طبائع كطبائع الأنسان تماماً
فالحروف الحارة هي (الألف , والدال, والطاء, والميم , والقاف, والشين, والذال)
والحروف الباردة هي (الباء , والواو , والياء , والنون, والضاد, والقاف, والضاد)
والحروف اليابسة هي(الجيم, والزاي, والكاف, والصاد, والقاف, والثاء, والغين)
والحروف الرطبة هي(( الراء, والحاء, والباء, والعين, والخاء , والسين , واللام))
   وبهذه الطريقة اعطيت الحروف كيفيات مشابهة للعناصر القديمة الحرارة والبرودة و اليبوسة و الرطوبة,  كما ذكر ابن عربي أنهُ لمّا كانت الحروف الـ "28" مثل المنازل " البروج" صارت طبائعها طبائع البروج ويكون فعلها بحسب طبائعها ثم انهٌ قسم الحروف على البروج وكالآتي :-
الألف فعله فعل القمر والمشتري,  الباء فعله فعل الشمس
الجيم فعله فعل المريخ     ,     الدال فعله فعل عطارد
الهاء فعله فعل المشتري    ,    الواو فعله فعل الزهرة
الزاي فعله فعل زحل       ,   الحاء فعله فعل القمر تارة وعطارد تارة
الطاء فعله فعل المريخ     , الياء فعله فعل القمر تارة والمشتري تارة
كما اعطى ابن عربي  للكواكب كيفيات مماثلة للأجسام وكالآتي:
 المشتري – حار ورطب, المريخ حار يابس, الثور السنبلة, والجدي باردة يابسة ترابية, الجوزاء والميزان و الدلو – حارة رطبة هوائية.
السرطان والعقرب الحوت – باردة رطبة مائية.
 كما أشار ابن عربي الى ان الحروف الرطبة تعطي سهولة المطلوب والحرارة تعطي سرعة النفوذ ,فإذا أردت قضاء حاجة من أحد فأكتب جميع عدد أسمك واسم الأم وأسم المطلوب, وإذا أجتمع من الجملة عدد فأرسمه في ساعة سعيدة وأمسكهُ عندك وأنهض به في طلب حاجتك –يقضى ان شاء الله تعالى .. !!
هذا ولأبن عربي عدد من المؤلفات في هذا المضمار إضافة الى كتاب المبادئ والغايات في معاني الحروف والآيات- كالعقد المنظوم فيما تحويه الحروف من الخواص والعلوم- وأما الرسم الذي يعني به ابن عربي وغيره من أقطاب الصوفية فهو الوفق – ويسمونه وفقاً –له وافقته لما وضع له –أو يُسمى بالخاتم- وهو لديهم –علم– يعني بقوة الأرقام وسُرها وخاصة الحروف وانفعالاتها وتركيبها في أوقات معينة بحركة الكواكب يمنح الطالب مراده وتختلف رسوم الوفق عندهم وأسماءها بحسب عدد أضلاعها ففي الحال الذي يكون عددها مثلثاً يسمى الوفق مثلثاً, وفي حال الأربعة يُسمى مربعاً, وهكذا إلى المعشر الذي هو الجدول المشكل من عشر خانات عمودية وعشر أفقية, ولكل صنف من الأوفاق أغراض يتوسل بها إلى قضائها فالمثلث للأعمال الخير وتيسير الأعمال كأطلاق المسجون وتسهيل الولادة ودفع الخصومة والظفر بالعدو والأمن من الغرق, والمربع لأعمال الخير– كالمحبة  والجذب ومنع التعب والنصرة في الحرب والجاه ولقاء الأمراء وكسب مودة النساء, أما المخمس– لأعمال الشر كتسليط المرض والفرقة والعداوة والخراب, المسدس – لأعمال الخير – كالرفعة والحجاب والعمارة وزيادة المال, المسبع- للظفر بالعدو وتسهيل العلوم ومنع السحر وإذهاب البلادة, المثمن لأعمال الخير والشر –كالجاه وجلب الأمطار والبرء من المرض, وذهاب الجنون وتسهيل العلوم, والاخفاء من اعين الناس, والمتسع- لأعمال الخير ودفع الخصومة والأمن من المكائد, والظفر في الحرب, ومنع برودة الأعصاب وإذهاب البلغم.
 المعشر- للعظمة والشرف ومنع الحديد ودفع السموم وذهاب الوباء وقضاء الحوائج من الامراء والسلاطين, فمثلاً في الوفق المثلث بعد ان تأخذ " الأرقام السحرية" مكان الأحرف الأصلية مع مراعاة الطالع يكون الوفق المثلث صالحاً لاستحضار الملائكة!
 وقد يكتب الوفق على ورقة او جلد حيوان او على بيضة وتتداخل جملة عوامل مساعدة كتلاوة العزائم المذكورة في كتبهم وهي سبعة أو تسعة عزائم يتوسل بأسماء الملائكة أو الجن او مادة الكتابة قد تكون سائلاً من محلول الزعفران او ماء الورد او دماء بعض الحيوانات كالثعلب او السلحفاة وغيرها من وحوش البرية, وتعتبر الحروف لدى الصوفيين او الحروفيين الركيزة الأساس للانطلاق منها نحو عمل تسخير الملائكة والهيمنة عليهم سيما حروف القرآن الكريم فيزعموا ان بكل حرف من حروف القرآن ملك موكل به وان باستطاعة الطالب أو المجتهد بهذا العلم ان يحظى بمراده غير أن ثمة شروط ينبغي مراعاتها منها الصيام عن أكل ذوات الأرواح كلـــحوم الحيـــــوانات وبيضـــها والخلوة والعـــــزلة عن النــــاس وقـــــد وضعوا لهذه الخلوة شروطاً منها ان يُعود نفسه السهر والذكر وان يتخلل الخلوة الظلام, ويتحّرى عدم دخول أشعة الشمس في المكان ويسد على نفسه طرق الحواس الظاهرة لأن في ذلك شرط لفتح حواس القلب وأن لا يتلهف كثيراً على ظهور الكرامات حال حصولها وان يكون جلوسه غير مستند الى جدار ولا متكأ على شيء مطرق رأسه مغمض العينين, وان بالإمكان معرفة أسماء الملائكة الموكلين بتلك الأحرف من طريق مقابلتها بأعداد وأحرف أسماء الانسان, فمثلاً أن أسم حسين مجموع أرقام حروف أسمه كما هو في الجدول المتعارف.ح     8    /     س     60   /  ي    10  ن .5                128
فإذا أسقطنا الحرفيين من مقطع أييل – أخر لفظ " لأي ملك " والتي
 أ      1    /   ي    10  /  ي    10  /   ل    30              51
ثم ننقص     51 من 128 =77   حيثُ   ز=7   و ع =70
ثم نقوم بإضافة حرفي ز ,  ع  إلى مقطع   أييل فيكون الروحاني الموكل بـ " حسين" هو " زعائيل " , أما أسم الجن الموكل بـ " حسين " فيمكن معرفته بنفس الطريقة حيثُ يطرح 128
مجموع أحرف حسين من حروف اللفظ " طيش" وهو آخر لفظ " لأي جني" =
9 +10+300=319
  ثم   يطرح 128 من 319   فيكون ناتج الطرح هو 191
حيثُ      1   يُقابلهُ    أ    90   يُقابله   ص    100   يُقابله    ق
   فيكون الجن الموكل بـ " حسين" هو " أصقطيش "
  ومن هُنا يظهر سبب تعدد أسماء الملائكة والجن المذكورة في كتب الصوفية بحيث يصعب حصرهم والوقوف على نهاية لعددهم يقول بعض أقطاب الصوفية ومنهم البوني ان هؤلاء الملائكة يمكن إحضارهم وتسخيرهم لقضاء الحوائج وذلك من خلال قراءة الدعوات الخاصة بالأسماء السريانية للملائكة ومناداتهم بأسمائهم واسماء حروف السور والآيات والتي لها الانفعالات كما أسلفنا فيقول في كتابه شمس المعارف الكبرى : "صُمْ ثلاثة أيام أولها الثلاثاء ثم الأربعاء والخميس وهو صيامك عن غير ذي روح وان تبخر بحصى اللبان و جاوي ليلاً ونهاراً وانت تقرأ السورة الشريفة لمدة ثلاثة أيام ألف مرة في تلك المدة المذكورة, فأنهُ يحضر لك خادمها وهو رجل قصير طويل اليدين فيجلس قدامك ويقول لك – السلامُ عليك – فثبت جنانك فأنه عليه هيبة عظيمة, وأعلم أنها من كتب الأنبياء والأولياء وأسرارهم- قل أوحيَّ إليَّ بإقدام هذه الدعوة الروحانية- أقسمتُ عليكم بهذه الدعوة وأسماء السورة بحق- أرقوش, كلهوش, بصطهوش, كمطلهوش ,  يهوش, قانوش- الملك الموكل بفلك الشمس, وفي رسائل ابن سبعين - الرسالة النورية نقرأ تسخيره للملائكة بقوله:" ومن أراد استعمال قوى الكواكب بحسب صناعة أهل العلم الرياضي لا بد لهُ من الذكر وان يكون الكوكب في بيت أو شرفه في الوتد كالزهرة في الميزان في الطالع- وزحل في الجدي أو في الميزان- فأنه يفعل الأمور المهلكة بأذن الله- ويقول... يا حمرلاييل... و يا ديدلأييل ويا جبراأييل- ومفهوم ذلك يا ملك القوى السارية في الاجسام الفلكية والطبيعية والذرات العارفة لك والتي فوقها يا نور النور, وأما الأمام السهروردي - الشهيد الثاني بعد الشهيد الأول الحلّاج حسب رأيهم فأنهُ يرى في الحروف والأسماء لمن داوم على ذكرها والدعاء بها أشياء لم يدركها قبله أحد, فقد خصص أربعين اسماً من أسماء الله تعالى- جعل لمن يدعوه بها  ما لا إذنٌ سمعت ولا عينٌ رأت ولا خطر على قلب بشر, فيقول في بعض منها وهو الاسم الخامس " يا حي حيثُ لا حيُ في ديمومة ملكه وبقاءهُ"و إنه من قرأ هذا الاسم ثلاثمائة ألف مرة على إنسان لا يمرض أبداً !! وفي الاسم الخامس عشر " يا نقي من كل جور لم يرضهُ ولم يخالطهُ في أفعاله" فمن قرأهُ اربعين يوماً " ستة الاف مرة" فأنهُ يرى العالم كلهُ أخضر- ثم يأتوه جماعة في الخلوة- يقولون لهُ يا ولدنا ما تريد؟ ويدخل عليه شيخ موشح بصوان وهو أمرد , ويسلم عليه؟ وبعد أيام يظهر له شخصان يعرضان عليه أسرار العالم!! وأخرى يحضر لهُ أرواح يدورون حول منديله ويقولون له قل لنا على مقصودك- ان كان مالاً يحضر لك سريعاً أو كان إنساناً يحضر لك حالاً!! وأخيراً يظهر لهُ غلمان كثيرة معهم شموع وأضواء وعساكر و بأصوات مختلفة واسلحة, ثم يظهر له سلطانهم راكباً جملاً وفي خدمته غلمان كثيرة وجميعهم يطـــلبونه ويسـلمون عليه حتى السلطان فأنهُ يقترب منه ويســـلمُ عليه فليقم قائماً, ولا يرّد سلامه وليقدم إليه ويضع يدهُ اليمنى على صدرهُ ولا يفتر عن الذكر, فيقول لهُ :- ما مقصودك؟ فليقل يا مالك الأرواح جزاك الله تعالى خيراً للذي اجبت دعوتي فأسألك عن مقصودي وأريد ان تعلم بي عساكرك ليقضوا لي مطلوبي, ثم يعرض عليه سؤاله وكل شيء يريده فأنهُ قادر على تحصيله .. ان شاء الله تعالى...

طرق تسخير الملائكة
    يُقسم أكابر الصوفية الملائكة إلى ثلاثة أقسام:-
القسم الأول: المــــــــــــــلائكة المهيمنون- وهذا القســـــــــــــــم لا يمكن الاتصـــــــــــــال بهم.
القسم الثاني: ملائـــــــكة التســـــخير- وهم الملائكة الموكلون بالأرزاق والامطـــــــــار   والآجال وهي التي ذكرها القرآن واسماها بالصافات والمرسلات والزاجرات والتاليات والمدبرات- وهؤلاء لا يمكن الاتصال بهم الاّ برياضات كبرى والاستعانة بأسماء الله الحسنى, وأسم الله الاعظم ويتم ذلك بالولاية والكشف ويعتبر نزولهم من الكرامات للشخص.
القسم الثالث: ملائــكة التدبيــــــــر- ويمكن تسخيرها وهي الارواح المدبرة للأجسام الطبيعية النورية والفلكية والعنصرية وثمة ثلاث طرق أوجدها من يعتقد بالتسخير لإتمام عمله:-
أولاً/طريقة العزائم :- وهي سبـــــــعة أو تسعة عزائم يزعمون ان لكل صنف من الملائكة
   اسماء امروا بتعظيمها وإجلالها ومتى أقسم عليهم بها أطاعوا وأجابوا وفعلوا ما طلب منهم وهي عادة ما تكون باللغة السريانية أو العبرية, وربما أضيف لها الشيء تلو الآخر بحسب ديانة ومعتقد من تقع بحوزته تلك العزائم.
ثانياً/طريقة الاستخدام :- وأهل الاستـــخدامات يزعمـون ان للكواكب إدراكات  روحانية
       اذا قوبلت ببخور ولباس خاصين كانت روحانية الكوكب " الملائكة" مطيعة لهُ.
ثالثاً / طريقة الطلاسم :- والطلسم كما عرفهُ البعض: "بأنهُ علم باحث عن كيفية
         تركيب القوى السماوية الفعالة مع القوى الأرضية المنفعلة في الأزمنة المناسبة للفعل والتأثير", وبعبارة واضحة هو: عملية اختزال للأعداد والحروف وللأسماء الحسنى لله واسماء الملائكة, وبعبارة أوضح: هو دعاء مختصر مضغوط قد لا يعلم سرّه إلا من كتبه بيده...!

مدخل إلى رؤية الملائكة بين الأعجاز والامكان
    لقد أوضحت العديد من الآيات القرآنية بما لا يقبل الشك والتأويل إن رؤية الملائكة على حقيقتهم أو تجسدهم بهيئة البشر كان مطلباً من المعاندين على مر الحقب وبعث الرسل, وأن ردّ القرآن كان حازماً و واضحاً باستحالة حصول هذا الأمر كونه يمثل سنة الله في خلقه إلى يوم القيامة ونهاية الابتلاء والاختبار الالهي- قال تعالى:{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ},وجعل طلب الرؤيا عين الاستكبار والظلم وسبباً لنزول العذاب, بقوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا},وقــوله تعالى:{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ{6} لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{7}مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ {8}} , ويبين القرآن الكريم ان رؤية الملائكة للمؤمنين والكافرين حاصلة بعد فراق الروح للجسد- قال تعالى : {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ}, وقال تعالى:  { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}, وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ }, وكذلك بين عدداً آخر من آيات القرآن الكريم صوراً لتلك الرؤيا مما سنثبتهُ لاحقاً عند تأويل الآيات الخاصة برؤية الملائكة لعدد قليل ممن خصهم الله عز وجل لتبليغ رسالاته أو ليكونوا محل ابتلاء البشرية بهم, إلا اننا ومع الأسف الشديد نرى في  اغلب تراث المسلمين ان كان على مستوى كتب التفسير أو الحديث ومما ينقلهُ الكثير من رجال الدين في خطبهم ومحاضراتهم ما يذهب إلى عكس ذلك تماماً, فيجعل لمن هَبَّ ودبَّ مكانة سامقة, ومنزلة رفيعة توازي منزلة الانبياء والرسل فيتناقل الكثير منهم قصصاً ومرويات لا سند لها في علم الحديث ولا دليل عليها من الشرع, بل أنها تقف بالضد منه وغالباً ما يدور محور الحديث فيها عن فضيلة البر والاحسان ومكافأة فاعلها بتجسيد الملائكة بصورة رجل ليحدثه ويحاوره أو القيام بفريضة الحج بدلاً عنه أو الانتقام له من الاعداء او بشارته الى غير ذلك من قصص وأخبار الأمم الماضية وربما كانت بعض كتب صحاح المسلمين خير معين لزاد أولئك الرواة والقصاصيين للنهل من معينها والاستعانة بها في موارد الاستدلال فعلى سبيل المثال أورد مسلم في صحيحه رواية عن ابي هريرة أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال:ان رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى, فأرصد الله له على مدرجته ملكاً, فلما أتى عليه قال ... أين تريد؟
قال: أريد أخاً لي في هذه القرية...
قال: هل لك عليه من نعمة ترجها؟
قال: لا .. غير أني أحببته في الله عزَّ وجلْ...
قال: فأني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما احببتهُ فيه.
 ومن المعـــــــــــلوم في الشــــــــرع أن الحــــب في الله والبغـــض في الله من أوثــــــق عرى
الايمان, غير ان هذا العمل لا يستدعي نزول ملك على شخص بمعزل عن الناس ليعلمهُ هذا التكريم, وهذه المنزلة العظيمة الاّ أن يكون هذا الرجل نبي من الأنبياء ليكون حجة على قومه في بيان آثار ثواب هذا العمل أو غيره من الاعمال وبمعنى آخر ان تقرير أو توصيف هذه الأعمال وبيان قدرها وجزاؤها موكل الى الأنبياء والمرسلين والتي غالباً ما تكون عبر قنوات محصورة بالكتب السماوية وسيرتهم القولية والفعلية... وثمة رواية أخرى أوردها الشيخ المفيد في كتابه الاختصاص مقاربة في المعنى جاء فيها عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن ابي عبد الله الصــــادق  (عليه السلام) قال: أستأذن ملك ربه ان ينزل إلى الدنيا بصورة آدمي فأذن له, فمر رجل على باب قوم يسأل عن رجل من أجل الدار فقال الملك: يا عبد الله أي شيء تريد من هذا الرجل تطلبه؟
قال: هو أخ لي في الإسلام أحببته في الله جئتُ لأسلم عليه قال: وما بينك وبيه رحم ماسّة ولا يرغبنَّك إليه حاجة؟
قال: لا إلاّ الحب في الله تعالى جئتُ لأسلم عليه, قال: فأني رسول الله إليك وهو يقول: قد غفرت لك بحبك اياه فيّ.!
والراويين للروايتين الأولى والثانية" أبو هريرة وعمرو بن شمر ومع ما بيناهُ من اشكالات في المضمون فقد جاء فيهما قدح وطعن من قبل اصحاب الحديث من كلا الطائفتين فأمّا ابو هريرة فقد عرف عنه نقله وتحديثه عن كعب الاحبار, وقد ثبت تهديد عمر بن الخطاب لهما وتقريعه لهما وضربهما بالدرة في اكثر من موقف بسبب نقلهما لكثير من قصص ومرويات الكتب الإسرائيـــلية والتحديث عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بما لا يصح, وأما عمرو بن شمر فقد جاء في كتب الرجال عنه انه يضع الأحاديث في كتب جابر وينسبها اليه فيما نصَّ النجاشي على انه ضعيف جداً وجاء في الخلاصة للعلامة انه لا يعتمد على شيء من مروياته والظاهر ان عمرو بن شمر قد نقلها من بعض الكتب مع تغيير بعض الألفاظ ودّسها في كتب اصحاب الأمام الصادق (عليه السلام)...
 وروى ابراهيم بن اسحاق الأحمر عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه قال: قلتُ لأبي عبد الله, فلان من عبادته ودينه وفضله, فقال كيف عقله؟
قلتُ لا أدري فقال ان الثواب على قدر العقل: ان رجلاً من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرى كثيرة الشجر طاهرة الماء, وان ملكاً من الملائكة مرّ به فقال: يا رب ارني ثواب عبدك هذا, فأراه الله تعالى ذلك فأستقله الملك, فأوحى الله تعالى إليه : ان أصحبه, فأتاهُ الملك في صورة أنسي فقال له :(أي الرجل) من انت؟ فقال انا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك..! فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له الملك: ان مكانك لنزه , وما يصلح إلاّ للعبادة فقال له العابد: ان لمكاننا هذا عيباً فقال له: وما هو؟
قال : ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناهُ في هذا الموضوع فإن هذا الحشيش يضيع!  فقال له ذلك الملك : وما لربك حمار؟!
فقال : لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش!!
فأوحى الله الى الملك: أنما اثيبه على قدر عقله؟
 والرواية لا ريب عند قراءتها للوهلة الأولى ربما بدت وكأنها قصة ذات طابع رسالي ترّكز في المضمون على موضوعة سلامة النية  وتكريس مفهوم العدل, وان الله يُحاسب الناس على قدر عقولهم...
 ولكن بقراءة دقيقة تنبئ عن اعتقادات فاسدة ومباني فقه باطلة , فالملك المعصوم من الخطأ يبدو في هذا الحوار كذّاباً متغابياً...
فأما كونه كذّاب فيظهر من كلامه حين قال : أنا رجلُ عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتكَّ لأعبد الله معكَّ..!!
 وأما كونه متغابياً حين يسأل وما لربك حمار؟!!
 وهذا النمط من الأقاصيص والحكايات طالما اتحفتنا بها كتب التفسير والحديث
 المشبعة الى حد التخمة بالإسرائيليات والتي لا تتحفظ ولا تتردد من نسبة كلام وأفعال الضلالات والأباطيل للرب والانبياء والملائكة على حدٍ سواء...
رجل إسرائيلي يعيش وحده في جزيرة...؟!
 وعلي أية حال فالرواية اضافة الى ما أشرنا فيها من عيوب فعيوب السند فيها جاءت متسقة مع المضمون فالراوي ابراهيم بن اسحاق الاحمر, قال عنه النجاشي ابراهيم بن اسحاق الاحمر النهاوندي كان ضعيفاً في حديثه متهماً في دينه, وقال ابن الغضائري يُكنى ابا إسحاق النهاوندي  في حديثه ضعف وفي مذهبه ارتفاع, ويروي الصحيح وأمرهُ مختلط, وفي الفهرست متهم في دينه, واما محمد بن سُليمان فقال النجاشيُّ بحقه "ضعيف جداً ولا يعَّول عليه" , وقال ابن الغضائري ابو عبد الله   ضعيف في حديثه مرتفع في مذهبه لا يُلتفت إليه, وقال الطوسي في رقم 376 له كتاب يرمى بالغلو من رجال الكاظم (عليه السلام), وقال في رجـــــــال الرضــــــا (عليه السلام) بصري ضعيف روى عنه كامل الزيارات...










رؤية الملائكة في كُتب التفسير
   تحتل مسألة رؤية الأنسان للملائكة اهمية كبيرة في التراث الإسلامي بدءاً بكتب التفسير والحديث الى كُتب السَيرْ والتأريخ والأدب ونظراً لتصدر قضية رؤية الملائكة والكلام معهم بقية القضايا في القرآن الكريم, ولما أولتهُ مصادر تدوين السنة من أهمية قد تمنح بموجبها الرائي "حصانة دنيوية" واخرى أستشفاعية اخروية, ولشيوع مصطلح تسخير الملائكة وكثرة تداوله كنوع من أنواع الابتلاء سيما في الرسائل العملية لمراجع التقليد والاستفتاءات المقدمة لأهل العلم, ارتأينا البحث في جذور هذه القضية بداية بآراء المفسرين واهل الحديث كونها عماد التشريع وأسّه.
 الآية الأولى
     قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ المَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة/248) .
 قال ابن عباس جاءت الملائكة تحـــــــــمل التــــــــابوت بين الســـــــــــماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون.
وقال عبد الرزاق عن الثوري عن بعض أشياخه جاءت به الملائكة تسوقه على عجلة
         على بقرتين وقيل على بقرة.
وقال السديّ –أصبح التابوت في دار طالوت فأمنوا بنبوة شمعون وأطاعوا طالوت.
وفي الكافي–بإسناد احمد بن  محمد بن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب الحلبي
      عن عبد الله بن سليمان عن ابي جعفر(عليه السلام) في قوله أن آية ملكه ...
الى قوله تحمله الملائكة – قال : كانت تحمله في صورة البقرة وأنت ترى إنَّ ما مرّ من أقوال-عدا قول السّدي- يُشير إلى حقيقة رؤية الناس للملائكة, وهم يَحملون التابوت المذكور في الآية ومع ترجيح الأقوال واستناداً إلى ما نتلوه من أدلة يكون قول السديّ هو الأصوب, وذلك لأن:-
أولاً :ان المعجزة في الآية المنزّلة " التابوت" هو ما يحتويه من تُراث لآل موسى ولآل
     هارون, وليس من يحمله أو الطريقة التي صاحبت النزول...
ثانياً :ان الملائــــكة خلقُ غيبي لا يُمكن للبشر رؤيتـــــهم إلا في حــــــالات خاصــــــة
     استثنائية تتصل بقضايا الأنبياء والرسل كما سيمرُّ بنا من خلال البحث...
ثالثاً :ان الــمراد بكلمة " تَحمـــلهُ الملائكة" والتي أكد عليها نبيــهم كما بلَّغ بها في  الآية
     الكريمة قد جاءت لنفي شبهة قد تُثار من قبل أتباعه عن كيفية وصول التابوت لهم, سيما أنهم اعترضوا بدايةَ على حُكم الله بعدم امتلاكه للمال الذي يُّعد في عرفهم من أسباب الحُكم والملك.
رابعاً: الرواية التي وردت في اصول الكافي ووصف حمل التابوت في صورة البقـــــــــــــــــرة,
     غير تامة اللفظ والمعنى إذ جاءت مبتورة, فهل كان التابوت في صورة البقرة بالمعنى المتبادر للذهن- وهذا ما لا يقبله عقل– أم أنهُ جيء به على بقرة, وهذا مالم يتم ذكره – ولعل عبارة " في صورة البقرة" صحّفت سهواً –  ولربما كان المقصود به سورة البقرة, ولما يكتمل تفسير الآية بعد –فأقتطع الناسخ هذه الكلمة من التفسير.
خامساً : من الواضــــــــح ان عبارة " تحمــــــــلهُ الملائكة الواردة في الآية الكريمة قد جاءت
     على نحو المجاز لا الحقيقة فإن باستطاعة ملك من الملائكة حمله لذا يمكن القول أنه نزل من السماء الى الأرض يحفظونه والقوم كانوا ينظرون إليه–ونجد نظير ذلك في قوله تعالى:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } .
فعن ابي الحسن الرضا(عليه السلام) في جواب له ان العرش أسم علم وقدرة  وعرش فيه كل شيء , ثُم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه لأنه أستعبد خلقه بحمل عرشه وهم حملة العلم وحملة العلم حَفِظَتْه.
الآية الثانية
     قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم {  إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ{124} بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ{125} وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{126} }             (سورة آل عمران / الآيات 123-126)
   فقد ذكر ابن كثير في تفسيره للآية من سورة آل عمران قول ابو اسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي بن ابي طالب (عليه السلام) قال : "كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض, وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم " .
  وعن العوفي عن ابن عباس(رضي الله عنه) قال : أتت الملائكة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) مسومين بالصوف فسوّم محمد وأصحابه انفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف, وقال مكحول مسومين بالعمائم...!
 وعن ابن ابي حاتم قال حدثنا الأحمسيّ, حدثنا وكيع , حدثنا هُشام بن عروة عن يحيى بن عباد: " ان الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجراً بها فنزلت ملائكة عليهم عمائم صفر....
وفي تفسير التحرير والتنوير لأبن عاشور " إن الله وعدكم بمدد من الملائكة عددهُ الف بقوله:{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} وذكر ان الله وعدهم بثلاثة الاف من الملائكة ثم صّيرهم إلى خمسة الآف – وقد ثبتَ إن الملائكة نزلوا يوم بدر لنصرة المؤمنين – وشاهد بعض الصحابة طائفة منهم وبعضهم شاهد آثار قتلاهم...!!
وفي مجمع البيان للطبرسي – قال السدي معنى مسومين مرسلين من الناقة المرسلة أي المرسلة في المرعى, وأما قوله تعالى, فأضربوا فوق الأعناق يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق, وجائز ان يكون هذا أمراً للمؤمنين, وجائزاً ان يكون أمراً  للملائكة وهو الظاهر...
  والقارئ لابد وأدرك الارتباك الحاصل في مضمون الروايات السابقة سيما ما يتعلق منها بالجانب التاريخي لأحداث معركة بدر, فلم يثبت انه ص أهتم "بمظاهر وشكليات" تلك الحرب المفاجئة البعيدة عن الاستعدادات المعهودة فضلاً عن الاهتمام بالعمائم وأشكالها...!!
 وأما رواية الزبير فلا مناص من ان واضعيها قد ابتغوا من احتذاء الملائكة بالزبير وعمامته الصفراء رفع منزلته وشأنه والتذكير بدوره في معركة بدر!!!
 وأما من ذهب الى مخالــــــــــــفة تلك الآراء فهم جمــــــــــــــــــــلة من المفســــــــــرين كالعلامة
الطباطبائي في تفسير الميزان اذ يقول : " ان الملائكة الذين انزلهم الله الى ساحة المعركة لم تكن مهمتهم قتالية لأن الله لم يرد للمسلمين ان يستسلموا للاسترخاء على أساس الاعتقاد بان الملائكة جاءت لتقاتل بالنيابة عنهم ولو كان الأمر كذلك لما كانت هُناك حاجة مُلحّة لأية معركة وأي قتال لأن القوة الغيبية كفيلة بتصفية جميع الأعداء- بل كانت مهمتهم تطمينيه نفسية – وهذا ما عّبرت عنه الآية" وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ" ليزيل من نفوسهم كل شعور بالقلق والخوف والاهتزاز ليندفعوا الى المعركة بقوة وثبات وليعـطوا كل طاقاتهم للقتال إضافة لما تواتر من ان قتلى  المشركين كانوا نصفهم بيد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والنصف الآخر بيد غيره من المسلمين.
 وفي تفسير الكشاف للزمخشري عند مروره بالآية" أنما قدّم لهم الوعد بنزول الملائكة لتتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله ومعنى" ألن يكفيكم" أنكار أن لا يكفيكم الأمداد بثلاثة الاف من الملائكة وانما جيء بـ" لن" التي هي لتأكيد النفي للأشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عددهم للآيسين من النصر".
   وفي التفسير الكبير للرازي –بعد ما ذكر عدد من الآراء – " الظاهر في المدد انهم يشركون الجيش في القتال ان وقعت الحاجة اليهم ويجوز ان لا تقع الحاجة اليهم في نفس القتال وان يكون مجرد حضورهم كافياً في تقوية القلب" .
  وذهب البيضاويمصدقاً تلك الآراء بقوله " وما جعل الله – وما جعل امدادكم بالملائكة إلا بُشرى لكم بالنصر ولتطمئن قلوبكم به ولتسكن اليه من الخوف, وما النصر إلا من عند الله لا من العدة والعدد وهو تنبيه على انه لا حاجة في نصرهم الى مدد انما أمّدهم ووعدهم به اشارة لهم وربطاً على قلوبهم من حيثُ ان نظر العامة الى الأسباب اكثر وحثاً على ان لا يبالوا بمن تأخر عنهم.
  والمتمعّن في أقوال كل من الطباطبائي والبيضاوي والزمخشري والرازي مع قرينة ما تواتر من أن نصف قتلى المشركين كانوا على يـــــــد أمـــــــير المؤمــــــنين علي (عليه السلام), وان بقية  القتلى كان جيش المسلمين قد أشترك في قتلهم يكون رأيهم هو الأصوب والأصح من بين تلك الآراء والروايات, ويمكن ان نضيف لذلك ان هذه النصرة قد حصل ما يُماثلها في آية أخرى نزلت تؤرخ " معركة الخندق" وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}فالآية الكريمة غاية في الوضوح جاءت لتؤكد ان نصر المسلمين في هذه المعركة بسبب" الريح والجنود", وحيثُ ان شيء من قتال لم يحدث بين الجانبين كانت الملائكة بتحريكها الرياح بقوة سبب من أسباب النصرة – ففي الحديث" قُلنا يا رسول الله - قد بلغت القلوب الحناجر فهل من شيء نقوله؟
قال نعم, قولوا اللهم أستر عوراتنا وآمن روعاتنا.. فضرب الله وجوه اعدائه بالريح فهزمهم الله بالريح, ويصف اصحاب الرسول(صلى الله عليه واله وسلم)مشاهدتهم  فكانت الريح لم تبق لهم ناراً الاّ اطفأتها ولا قدراً على الأثافي الاّ أراقته ولا خيمة ولا فسطاطاً الاّ ازالته حتى اضطروا الى الرحيل...ومن ذلك نصرهم  المؤمنين يوم الجمل – فقد روى الشيخ الطوسي في الأمالي بسند متصل عن ابي عبد الله الغزي انه قال- انا لجلوس مع علي (عليه السلام) يوم الجمل اذ جاءه الناس يهتفون به- يا أمير المؤمنين لقد نالنا النبل والنشاب – فسكت – ثم جاءهُ آخرون فذكروا مثل ذلك – فقالوا قد جُرحنا– فقال(عليه السلام) يا قوم من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال ولم ينزل بعد الملائكة- فقال الغزي انا لجلوس وما نرى ريح طيبة خلفنا – والله لوجدنا بردها بين كتفي من تحت الدروع والثياب- قال – فلما هبت – طلب أمير المؤمنين درعه ثم قام الى القوم فما رأيتُ فتحاً كان أسرع منه, وبعد ثمة عدد غير قليل من الآيات الواصفة نزول الملائكة للنصرة بعنوان  السكينة عادّة اياها من أهم مقومات النصر العاجل حيثُ ان بث الطمأنينة وتسديد المؤمنين والربط على قلوبهم  من صميم عمل الملائكة قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا},والواو المشفع بلفظ الجلالة معطوف على العبارة الأولى(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ) بمعنى الملائــكة هم من بث السكينة في قلوب المؤمنين, فهم جنوده المتأهبين لنصرهم (وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)
قال تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}, وفي هذه الآية نجد رضى الله عن من بايع رسوله(صلى الله عليه واله وسلم) على الشهادة والسمع والطاعة فأكرمهم الحق تعالى بنزول الملائكة عليهم تمّدهم بالسكينة وبفتح قريب ثواباً من عند الله على جهادهم وصبرهم وقوله تعالى :{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} ,فالملائكة نزلت على المؤمنين لتثبيتهم ولتربط على قلوبهم وليتمسكوا بكلمة التقوى ووحدة الصف ورصه وهو استحقاقهم الطبيعي لما قدموه من تضحيات جسام لنصرة نبيهم واعلاء كلمة الدين واهله, قال تعالى:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ{25}ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ {26}} وتثبيت الملائكة للمؤمنين واضح في هذه المعركة بعد ان هزموا بادئ الأمر فأنزل الله تعالى ملائكـــــــــــته لتعيد اليهم رشدهم وتوازنهــــــــم مع دعــــــوة النبـــــــي (صلى الله عليه واله وسلم) وتذكيرهم ببيعتهم له ولتنقلب الموازين ولترجح كفة المؤمنين وليتحقق النصر على الكافرين...قال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
 فمع ان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وصاحبه ليسوا بحاجة الى كثرة جنود الملائكة فهما لم يخرجا للقتال, وانما للفرار من المشركين غير ان الآية, توضح عمل هؤلاء الملائكة هي لنصرتهم من خلال بث الجزع واليأس في نفوس المشركين "وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ", وبقليل تمّعن يلحظ القارئ .. ان كلمة السكينة لم ترد إلا مقترنة تارة بلفظ "القلوب " أو بلفظ "المؤمنين" أو "الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) معاً تارةً أخرى...
الآية الثالثة
قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً{17} قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً{18} قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً{19} قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً{20} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً} (سورة مريم/ الآيات 17-21)
 والآيات اعلاه تبين معاجز ربما تكون من أهم ما نزلت على الرسل والانبياء نوعاً وعدداً فأما الأم فقد توّجت بلقب سيدة نساء العالمين , وأما الابن فقد حضيَّ بالتقديس من لدن الرب وأسبغَ عليه المعجزات تلو الأخرى فكانت ولادته معجزة وحياته مليئة بالمعاجز ووفاته الى آخر الزمان ونزوله معجزة – فإذا علمنا ذلك- علمنا ان ذلك لا يمكن ان يحصل إلا بمعجزة رؤية الملكْ والحديث معه لتبيان ما يُرافق تلك المعاجز من لغط وغموض ولبس من قبل المعاندين والمغرضين..
الآية الرابعة
   قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ{69} فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ{70} وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ{71} قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ{72} قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ{7}    (سورة هود/ الآيات 69-73)                              
   وقد تكلم المفسرون وغيرهم بخصوص ما ورد في هذه الآيات وبشارة سارة زوجة إبراهيم (عليه السلام), فذهب بعضهم إلى أن الملائكة قد تحدثوا معها معاينة –وقال آخرون غير ذلك فذكر القرطبي- في معنى قائمة- قال – قائمة بحيث ترى الملائكة, وقال محمد بن اسحاق –قائمة تصلي – وفي قراءة عبد الله  مسعود قائمة وهو قاعد, وفي تفسير الجلالين قائمة تخدمهم ,وعلى آية حال فان سياق الآية الكريمة يدل على أنها كانت تراهم ولا يرونها, وهذا الأمر متعارف لمن علم طبائع الانبياء وغيرتهم ثم لا غرابة ولا استكثار من رؤيتها لهم- فهي زوجة أبراهيم أبو الأنبياء وأم الأنبياء والتي لم يسجّل القرآن لها عِتاباً أو مؤاخذة, فهي من أهل بيت النبوة ممن تدعوا الملائكة لهم بالرحمة والبركة, ويصلي عليهم المسلمون في مشارف الأرض ومغاربها الصلاة الإبراهيمية إلى قيام يوم الدين...
الآية الخامسة
 قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم { وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ{77} }     (سورة هود/ الآية77) , ذكر المفسرون ان الملائكة أتت لوطاً وهو في زراعة قرب القرية فسلموا عليه وهم معتمون, فقال لهم .. المنزل..؟ قالوا: نعم ثم دخلوا منزله, فلما رأتهم زوجته,  رأت هيئة حسنة, فصعدت فوق السطح وصفقت فلم يسمعوا, ودخنّت فلما رأوا الدخان أقبلوا الى الباب يهرعون ,والمهم في هذه القصة وغيرها ان زوجة لوط (عليه السلام) وحدها مَنْ تمكن مَنْ رؤية الملائكة, وقد أستدل كثير ممن يرى, جواز رؤية الملائكة بهذهِ الحادثة.



    والمتأمل قليلاً يدرك ان هذه الرؤية قد توقفت عليها جملة أمور:-
ان هذه الرؤية من قبل زوجة لوط (عليه السلام) كانت سبباً مهماً وحجة دامغة لتسريع نزول العذاب وهلاك مجتمع بأكمله أراد بعمله الشاذ والشنيع تغيير سنة َّ ثابتة من سننّ الخالق في خلقه.
أن هذه المرأة كانت من الهالكين مع بني قومها أضافة لعدم معرفتها بحقيقة الضيوف هؤلاء ولم تجر معهم أي حديث ولو بكلمة واحدة...
ان حصول احداث القصة في بيت نبي من الانبياء أرسله الله عزَّ وجل لإنذار هؤلاء القوم لا يعني خلو بيوت الأنبياء والرسل من الابناء والزوجات المنحرفين الضالين وهذا ما يريد أن يؤكده القرآن الكريم.
الآية السادسة
 في قصة موسى (عليه السلام)
     قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ{95} قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي{96}}  (سورة طه/ الآيات95-96)
 قال ابن كثير: قال بصرت بما لم يبصروا- أي رأيتُ جبريل حين جاء لهلاك فرعون, فقبضتُ قبضة من أثر الرسول أي من فرسه, وذكر القرطبي في تفسيره- رأيتُ جبريل على فرس الحياة, وفي تفسير الصافي للفيض الكاشاني:- علمتُ مالم يعلموا, أو فطنت مالم يفطنوا له وهو ان الرسول الذي جاءك روحاني لا يمس أثرهُ شيء الاّ أحياه,  وفي التفسير الكبير للفخر الرازي:- يتبنى فيه صاحب التفسير رأي أبو مسلم الأصفهاني أذ يقول " ليس في القرآن تصريح بهذا الرأي الذي ذكرهُ المفســــــــــــرون ,فههنا وجه آخر وهو يكون المراد بالرسول موسى (عليه السلام) وبأثره سنتهِ
ورسمه الذي أمر به فقد يقول الرجل فلان يقفو أثره ويقبض اثره اذا كان يتمثل رسمه, وانما أورد بلفظ الأخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه لهُ ما يقول الأمير في كذا - وماذا يأمر الأمير واما دعاؤهُ موسى رسولاً مع جحده وكفره فعلى مثل مذهب من حَكى الله عنه بقوله تعالى:{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }( الحجر/ الآية 6) وان لم يؤمنوا بالأنزال, ثم يضــــيف صاحب التفســـــــير واعلم ان هذا القول الذي ذكره أبو مسلم ليس فيه الاّ مخالفة المفسرين, ولكنه أقرب الى التحقيق لوجوه:-
أحدها: أن جبريل(عليه السلام) ليس بمشهور باسم الرسول  ولم يجر له فيما تقدم,  ذكر حتى تُجعل لام التعريف– إشارة إليه فأطلاق اللفظ كأنه تكليف بعلم الغيب.
ثانيها :أنهُ لا بدَّ فيه من الإضمار – وهو قبضة من أثر حافر فرس الرسول والإضمار خلاف الأصل.
ثالثها: أنهُ لا بدَّ من التعسف في بيان ان السامري كيف أختص من بين جميع الناس لرؤية جبريل(عليه السلام), ومعرفته ثم كيف عرف أن التراب حافر فرسه هذا الأثر الذي ذكروه.
رابعَـــًا: أنه لو جاز اطلاع بعض الكفرة على تراب هذا شأنه لكان قائل يقول فلعل موسى (عليه السلام) أطلع على شيء آخر يشبه ذلك فلأجله أتى بالمعجــــزات ويرجع حاصله الى سؤال من يطعن بالمعجزات ويقول لمَّ لا يجوز ان يقال أنهم لاختصاصهم بمعرفة بعض الأدوية التي لها خاصية ان تفيد حصول تلك المعجزة أتوا بتلك المعجزة وحينئذ ينسّد باب المعجزات بالكلية. أ .ه
 والحق وليس من باب المجارات ولا من موجبات تفضيل الاقوال الموافقة للرأي على حساب الحقيقة القول ان ما أوردهُ الفخر الرازي من صحيح إستنتاجات في هذه المسألة المشكلة تعّد الأدق والأقوى والأكثر سبراً لأغوار الافهام وكشف حقائق الآيات, الأمر الذي يؤهله بحسب ما اطبق عليه الكثير من الباحثين والمحققين ان يكون ذلك التفسير الأكثر أهمية وفائدة في مجال التفسير ان لم يكن أفضلها على الاطلاق...

الآية السابعة
 قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (سورة البقرة/ الآية 102) واختلف المفسرون حول ما هية هذين الملكين أهما من البشر أم من الملائكة والذي عليه جمهور العلماء والمفسرين انهما من الملائكة ما خلا البعض منهــم, حيثُ يرى انهما من البشر, فقد ذكر الطبري في تفسيره جامع البيان وكذلك القرطبي والعياشي والقمي ان الملكين انزلهما الله من السماء لأجل فك السحر الذي جاءت به الشياطين, فيما يرى الفخر الرازي في مفاتيح الغيب" والذي انزل على الملِكين بكسر اللام" وهما  من البشر هاروت وماروت واللذّينَ أسبغ الله عليهما من فضله بواسطة نبي زمانهم, وما يعلمان من احد من أبطال السحر حتى يقولا له" انما نحن فتنة فلا تستغل ذلك لأجل طلب الدنيا فتكفر,وكذلك ابن الجوزي في زاد المسير قوله" ولأن الملائكة معصومة من ارتكاب  المعاصي حيثُ قرأ ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والزهريّ "الملْكِيْن" بكسر اللام, ولعل ما ذكره "فخر المفسرين الرازي" وغيره هو الأكمل والأصوب لوجوه منها:-
اولاً: ان تجسد الملائكة يكون تجســـداً آنياً لأجل ابلاغ رســـــــالة أو بشــــــارة أو إنزال
     وعد ووعيد وليس لأمر هو في أصلهِ موضع ابتلاء بين البشر والقرآن يقص علينا عشرات القصص والحوادث الموجبة لنزول الملائكة وليس فيها شيء من هذا القبيل أو قريب منه.
ثانياً: ان اعمال الملَكَـــينْ على ما ذهب إليه اغلب المفســــــرين لابد وان تنحى منحـــــاً
     بشرياَ فمخاطبتهم الناس والعيش في كنفهم وما يتخللها من فعاليات الجسم من اكل وشرب ولمس وغيرها لا بد وأن تكون كاشفة لحقيقة أمرهم.
ثالثاً: ثمة تماثل في استـــحالة رؤية المـــــلائكة والجن, فحيثُ ان رؤيــــة الجــــــــن من
    المحال لقوله تعالى محذراً من الشيطان وذريته" أنهُ يراكم هو وقبيله من حيثُ
لا ترونه" الاّ في موارد خاصة للأنبياء تتصل بمهام تبليغ الرسالات فكذلك كانت الملائكة مشاركة الجن في الاستتار- قال عزَّ وجل في معرض كلامه وقد نزَّهوا انفسهم من عبادة الأنس لهم, وجعلوا بينه وبين الجّنة نسباً- أي الملائكة لقول المشركين بنات الله- او ان الله صاهر الجن فأولد الملائكة- تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً, قال الطبري- فأبت العرب في لغتها الاّ ان الجن كل ما اجتن ومن أشعارهم يذكر الاعشى بن قيس هذا المفهوم السائد بينهم يذكر فيه مُلك سليمان بن داود (عليه السلام) بقوله:  وسخّر من الجن الملائكة تسعاً     قيــــــاماً يعمــــــلون بلا أجرٍ
رابعاً: ومما يدّل على ان هذين الملِكَيْن هما من البشر هو ذكر ما يُماثل عملهما
      المقارب لعمل الأنبياء, في آية أخرى ...
   في آية أخرى وفي نفس السورة حيثُ ذكر الحق تبارك وتعالى في الآية 247 بقوله : {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}فصريح الآية القرآنية تخبرنا باصطفاء  ملك عن البشر على أهل زمانه أسمهُ طالوت وأسباغ عليه الآيات الكبيرة والعلوم الغيبية, مما يؤهله لأن يكون  في مصاف الأنبياء, وان لم يكن منهم فكان من آيات اصطفاءه هو احضار الملائكة لتراث أنبــــــــــــياء من سبـــــــــــــــــقوه من آل موســـــــــــــــى وآل هارون بين يديــــــــه, قال تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ المَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}   (البقرة:248)  , وأيضاً كان من إنباءهِ الغيبي وصلتهِ بالوحي وهو يختبر إيمان وصبر جنوده وطاعتهم له,  قال تعالى : {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا اليَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة/249) فجعل القرآن طاعة الله من طاعته ومعصيته من معصية هذا الأنسان المؤيد بالكرامات والآيات, والحق ان الأعمال التي تحققت على يدي الملك طالوت وصِلتَهُ بالغيب هي أكبر بكثير من أعمال الملكين التي ذكرت في نفس السورة والتي اقتصرت على إبطال السحر, إلا أننا نرى ان للقراء وأجتهاداتهم والآراء الارتجالية لبعض المفسرين كانت ومع الأسف الشديد تنحو باتجاه مغاير لمقاصد الكتاب الواضحة, ولو انهم تدبّروا هذه الآيات جيداً وضربوا آيات القرآن بعضها ببعض لأدركوا الصواب ولوفروا على المسلمين عناء البحث والتخبط المزري الذي ألقى بضلاله على عقائدهم وأفسد ما أفسد من أمور دينهم ودنياهم.









رؤية الملائكة في كتب الحديث
  ومن كتب الحديث المعتبرة ثمة عدد غير قليل من الروايات تضع بعض المسلمين وجهاً لوجه مع الملائكة, وربما الحديث معهم في أحيان اخرى ولا شَك ان يكون الصحابة والتابعين على رأس القائمة ايماناً وتسليماً للحديث الموضوع والمفترى "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" , فقد جاء في صحيح البخاري - باب شهود الملائكة بدراً - قال حدثنا اسحاق بن ابراهيم حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه, وكان أبوه من أهل بدر قال جاء جبريل الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فقال: ما تعدّون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها- قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة...
 وروى الواقدي عن مجاهد انه قال – حضرت الملائكة يوم احد ولكنهم لم يقاتلوا وروى ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)" اعطى اللواء لمصعب بن عمير فَقتل مصعب فأخذه ملك في صورة مصعب فقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) تقدّم يا مصعب... فقال الملك: لست بمصعب, فعرف رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)أنه ملك أمِدّ به, وعن سعد بن ابي وقاص قال: " وهو يومئذ مع المشركين" كنتٌ أرمي السهم فيردهُ عليَّ رجلٌ أبيض حسن الوجه ما كنتٌ أعرفه " فظننتٌ أنهٌ ملك"...
   وفي رواية أخرجها البخاري عن سعد أيضاً أنهُ قال- رأيتُ عن يمـــين رســـول الله  (صلى الله عليه واله وسلم) وعن شماله رجلين عليهما ثياب بيض لم أرهما قبل ولا بعد – ج2 رقم 1054/ مسلم ح/2306.
 قال ابن حجر في فتح الباري هما جبرائيل وميكائيل – ج7, ص455.
   وذكر مسلم في صحيحه - قال ابو زميل عن عبد الله بن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين امامه أذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول:- أقدم حيزوم  فنظر الى المشرك أمامه فخر مستلقياً, فنظر اليه فإذا هو قد خطم انفه, وشق وجهه كضربة السوط, فجاء الانصاري فحدثَ بذلك رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم),فقال صدقت ذلك مدد من السماء الثالثة فقتل يومئذ سبعين وأسَّر سبعين... وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب قال:- بينما نحن عند رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)"ذات يوم أذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من احد حتى جلس الى النبي(صلى الله عليه واله وسلم ) وأسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع كفيه الى فخذيه, وقال يا محمد أخبرني عن الاسلام – الى اخر الحديث – وقد اخبرهم (صلى الله عليه واله وسلم) انهُ جبريل جاء يعلمهم دينهم وفي رواية أخرى ان عمر بن الخطاب تبعهُ ولم يجد لهُ أثراً... وروى الطبراني بمسنده الكبير عن قتادة قال – ان الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى أكتوى... وقال النووي: كانت الملائكة تُسلم عليه ويراهم عياناً, كما جاء مصرحاً به في صحيح مسلم, واخرج الترمذي في تاريخه وابو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة عن غزالة قالت- كان عمران بن حصين يأمرنا ان نكنس الدار ونحن نسمــــــع السلامُ عليكم...السلامٌ عليكم, ولا نرى أحداً- قال الترمذي: هذا سلامٌ الملائكة, وأخرج احمد في مسندهُ والخرائطي في مكارم الاخلاق من طريق ابي العالية عن رجل من الأنصار- قال- خرجتُ من أهلي اريد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فإذا به قائم ورجل معهُ مقبل عليه فظننتُ ان لهما حاجة- قال الأنصاري" لقد قام رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) حتى جعلتُ أرثي له من طول القيام – فلما انصرفت- قلتُ : يا رسول الله – لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلتُ أرثي لك من طول القيام- قال:  ولقد رأيتهُ؟ قلتُ: نعم –قال: أتدري من هو؟ قلتُ: لا –قال: ذلك جبرائيل ما زال يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنهُ سيورثهُ- ثُم قال: اما انك لو سلمت لرد عليكَّ السلام.
في صحيح البخاريعن هُشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت : لما فرغ رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) من الأحزاب, دخل المغتسل ليغتسل فجاء جبريل(عليه السلام) فقال: أو قد وضعتم السلاح؟ فأننا لم نضع سلاحنا بعد..! فقال: الى أين؟ فأشار الى بني قريضة قالت عائشة: كأني أنظر الى جبرائيل من خلل الباب, وقد عصب رأسه من الغبار... وعن القاسم عن عائشة ان جبرائيل أتّى الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على بـرذون وعليه عمامة طرفها بين كتفيه فسألتُ النبي(صلى الله عليه واله وسلم) عنه فقال: رأيته؟ ذاك جبريل(عليه السلام) واخرج البيهقي عن ابن عباس قال زار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) رجلاً من الانصار فلما دنا منزله سمعهُ يتكلم في الداخل فلما دخل لم يَر أحداً فقال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) من كنت تُكَلمْ؟  قال يا رسول الله دخلَّ عليَّ داخل ما رأيتُ رجلاً قطْ بعدك أكرم مجلساً ولا أحسن حديثاً منه- قال – ذلك جبرائيل, وان منكم رجالاً لو ان احدهم يقسم على الله لأبره... وعن ابن ابي عباس قال: كنتُ مع أبي عند رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) وعنده رجل بناحية وكان كالمعرض عن ابي فقال لي يا بني, ألم ترَّ الى ابن عَمكَ كالمعرض عني؟ قلتُ يا ابتِ انه كان عندهُ رجل بناحيته, فرجع فقال: يا رسول الله –قلتُ لعبد الله كذا وكذا- فقال انهُ كان عندك رجلٌ بناحيتك فهل كان عندك احد؟  قال: وهل رأيتهُ يا عبدالله؟ قلتُ: نعم – قال: ذاك هو جبريل هو الذي يشغلني عنك.
  وفي المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لأبن حجر العسقلاني ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد للإمام الحافظ نور الدين الهيثمي عن سلمة بن روح عن أبي أسيد الساعدي انه قال بعد ما عُمي- لو كنتُ معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي اخرجت منهُ الملائكة لا أشك ولا أتمارى...
  واخرج البيهقيعن ابي بردة بن نــــيار قال: جئــــــتُ يوم بدر بثـــــلاثة رؤوس فوضعتهن  بين يدي رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فقلتُ يا رسول الله اما رأسان فقتلتهما, وامّا الرأس الثالث فأني رأيتُ رجلاً أبيضاً طويلاً ضربهُ فأخذتُ رأسهُ, فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ذاك فلان من الملائكة.
  واخرج احمد  وابن سعد وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال- كان الذي أسرَّ العباس – أبو اليسر كعب بن عمرو وكان أبو اليسر رجلاً جموعاً  وكان العباس رجلاً جسيماً –فقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم): يا ابا اليُسر كيف أسرتْ العباس؟ قال: يا رسول الله لقد اعانني عليه رجل ما رأيت قبل ذلك ولا بعده هيئته كذا –كذا- فقال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) لقد اعانك عليه ملكٌ كريمٌ.
 واخرج البخاري ومسلم واحمد والنسائي وابو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة عن أسيد بن حضير أنه بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة, وفرسهِ مربوط عنده أذ جالت الفرس- وسكت, فسكنت, ثم قرأ فجالت فسكت, فسكنت فرفع رأسهُ الى السماء فإذا هي بمثل الظّلة فيها أمثال المصابيح عرجت الى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) فقال: تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت تنظر الناس اليها لا تتوارى عنهم...!!
  ولو دققنا النظر في الروايات السابقة لو جدنا اغلبها تروي مشاركة الملائكة القتال في معارك المسلمين سيما معركة بدر, وان كثيرا منهم شاهدهـــــم عياناً وهم يأسرون ويقتلون المشركين؛ والحقيقة ان كل ذلك لم يحصل والذي حصل هو نزول الملائكة لتثبيت وتطمين قلوبهم, وهذا ما حققهُ واثبته كبار أئمة المفسرين كالرازي والزمخشري والطباطبائي وغيرهم كما رأينا سلفاً, وعليه تكون تلك الروايات باطلة ولا أساس لها من الصحة وان سلمت من الأصل الأول لصحة الحديث " السند" والذي هو الآخر موضع تضعيف وتوهين من قبل اغلب ارجال الحديث...
  واما بقية الروايات فمن العجب العجاب ان ترى عدداً من الصحابة قد ذكرت أسماءهم وقد" تشرفوا" برؤية جبريل(عليه السلام) او مصافحتهم الملائكة من قبيل العباس بن عبد المطلب وعمران بن حصين واسيد بن حضير وآخر لم تُذكر لهُ أسماً واكتفت بوصفه رجل من الأنصار...!!  والحق ان المتتبع لسيرة هؤلاء لا يجد لهم من المزايا والمآثر ما يستحقوا عليه تلك المنزلة والكرامة فلا سابقة في الإسلام لهم بها يتميزون ولا منقبة خصّهم الله ورسوله بها يفتخرون, فمنهم الطليق ومنهم قاضي يعتزل معركة الحق, ويخذل امام زمانه والأنكى ان يهب اهل الحديث مكانة لآل بيته تعلوا مكانة ومنزلة آل النبي (صلى الله عليه واله وسلم)...!!  ثم آخر مقيم على كفره, ومن ثم يعلن إسلامه بعد عشرين عاماً من الهجرة... نعم.. يمكن القول ان مثل هذه الروايات وضعت لأجل رفع شأن بعض الصحابة ولإنصافهم مما يراه هؤلاء الرواة من مثالب وطعون نسبها خصومهم اليهم وان كان ذلك على حساب أسماء مشرفة أمتدحهم الله عز وجل في كتابه المجيد واثنى عليهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بأفضل ما يثني على أحد من صحابته كعمار بن ياسر وابو ذر الغفاري وسلمان  الفارسيّ, وقبــــلهم ثاني الثقـــلين عدل القرآن وعترته(صلى الله عليه واله وسلم) مهبط الوحي ومختلف الملائكة كخديجة زوج النبي اول الناس إيماناً وفاطمة الزهراء(عليها السلام) سيدة نساء العالمين, وعلي بن ابي طالب اخو رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) والحسن والحسين (عليهما السلام) سيدا شباب اهل الجنة, واما من طرق الامامية فانا نقرأ عدد من الروايات وهي تفصح عن مشاهدات للملائكة من قبل الأئمة(عليهم السلام) وأصحابهم أسوة بما حصل عليه اصحــــــــاب النبـي (صلى الله عليه واله وسلم) وربما كان انتحال بعضها من كتب ما أطلق عليها بالصحاح في مقدمة تلك الروايات.
  فقد جاء في علل الشرائع عن ابي خديجة قال: سمعتُ ابا عبد الله(عليه السلام) يقول مرَّ بأبي رجل وهو يطوف فضرب بيده على منكبه ثم قال: اسألك عن خصال ثلاث لا يعرفها غيرك وغير رجل فسكت عنهُ حتى فرغ من طوافه ثم دخل الحجر فصلى ركعتين وانا معه فلما فرغ نادى اين هذا السائل فجاء فجلس بين يديه فقال له سلْ فقال له عن والقلم وما يسطرون فأجابه ثم قال حدثني عن الملائكة حينَّ ردّوا على الرب حيث غضب عليهم وكيف رضيَّ عنهم فقال ان الملائكة طافوا بالعرش سبعة الاف سنة يدعونه ويستغفرونه ان يرضى عنهم فرضيَّ عنهم بعد سبع سنين – فقال صدقت... الى ان ينتهي الراوي لقول الإمام الصــادق (عليه السلام) فقال ابي ان هذا جبريل اتاكم يعلمكم معالم دينكم.. وإنا إذ نحسن الظن بما ورد في روايتي– البخاري وعلل الشرائع- من أجوبة نافعة ووصايا لا يماري احد في فضلها فأن ما لصق بآخر كل منهما من زعــــــــــــم رؤية جبريل(عليه السلام) يلزمنا بعدهم تصديق ذلك لما أسلفنا من أســــــباب تعارض عمل الملائكة وصحيح وصريح الآيات والروايات الدالة على استحالة رؤيتهم...
 - جاء في دلائل الإمامة عن يونس بن  ظبيان قال- استأذنت على ابي عبد الله
(عليه السلام) فلما ان صرتُ في الدار نظرتُ إلى رجــــــل على صورة ابي عبـــــد الله(عليه السلام) فسلمتُ عليه كما كنت أفعل- فقال من انت يا هذا؟
  لقد وردت على كفر أو ايمان, وكان بين يديه رجلان كأن على رؤوسهما الطير فقال لي أدخل – فدخلت الدار الثانية فإذا رجل على صورته(عليه السلام), واذا بين يديه خلق كثير كلهم صورة واحدة, فقال: من تريد؟ قلت: أريد أبا عبدالله(عليه السلام)فقال: لقد وردت على أمر عظيم اما كفر او ايمان!! ثم خرج من البيت رجل حين بدأ له الشيب فأخذ بيدي وأوقفني على الباب وغشي بصري من النور- فقلتُ: السلام عليك يا بيت الله ونور حجابه- فقال: وعليك السلام يا يونس – سلْ- نحن النور في ظلمات, ونحن البيتُ المعمور الذي من دخلهُ كان أمناً, ونحن عزة الله وكبريائه قال: قلتُ جعلتُ فداك رأيتُ شيئاً عجيباً!! رأيتُ رجلاً على صورتك : قال يا يونس إنا لا نوصف – ذلك صاحب السماء الثالثة يسأل ان استأذن الله له ان يصير مع اخ له في السماء الرابعة – قال: قلتُ – فهؤلاء الذين في الدار؟ قال: هؤلاء اصحاب القائم من الملائكة , قلتُ: فهذان؟ قال: جبريل وميكائيل نزلا  الى الأرض فلن يصعدا حتى يكون هذا الأمر ان شاء الله , وهم خمسة الاف يا يونس!!!!!
 وعن الحســـــــــــن بن محبوب عن الحسين ابن بنت ابي حمزة الثمالي قال: خرجتُ
في آخر زمان بني مروان الى زيارة قبر الحسين (عليه السلام) مستخفياً من أهل الشام حتى انتهيت الى كربلاء, فاختفيت في ناحية القرية حتى اذا ذهب من الليل نصفه أقبلتُ نحو القبر, فلما دنوت منه اقبل نحوي رجل-  فقال لي : انصرف مأجوراً فأنك لا تصل إليه, فرجعتُ فزعاً حتى اذا كاد يطلع الفجر اقبلتُ نحوه, حتى اذا دنوت منه, خرج إليَّ الرجل فقال لي: يا هذا انك لا تصل إليه, فقلتُ له: عافاك الله, ولم لا أصل إليه, وقد اقبلتُ من الكوفة أريد زيارته فلا تحل بيني وبينه- عافاك الله- وانا اخاف ان أصبح فيقتلني أهل الشام ان أدركوني ههنا؟
قال: فقال لي- اصبر قليلاً فأن موسى بن عمران (عليه السلام) سأل الله ان يأذن له في زيارة قبر الحسين فأذن له فهبط من السماء في سبعين الف ملك فهم بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ثم يعرجون الى السماء, قال: فقلتُ- من انت عافاك الله؟ قال: انا من الملائكة الذين أمروا بحرس قبر الحُسين(عليه السلام) والاستغفار لزواره, فانصرفت وقد كاد ان يُطير عقلي لما سمعتُ منه, قال: فأقبلت لما طلع الفجر نحوه فلم يحل بيني وبينه احد فدنوت وسلمتُ عليه ودعوت الله على قتلته, وصليتُ الصبح واقبلت مسرعاً مخافة اهل الشام..!!
 وفي الرواية الأولى ما لا يُخفى على السذّج من الناس, فضلاً عن غيرهم من الأطناب في الكذب والافتراء على الأئمة (عليهم السلام), ولولا الحيلة في إماطة اللثام عن الحقائق لكان الترفع اولى من ذكر هذه الروايات لضّــــــــمها صريح عبــارات الكفر والضلال- كزعم وجود جبريل وميكائيل في الأرض إلى يومنا هذا!! بل أن الراوي لم يجعلهما حتى في السماء الدنيا؟ وان الامام يقضي حوائج الملائكة, فهم ينزلون الى داره متوسلين!! الى غيرها من تخرصات- كتواجد خمسة الاف مَلك في دار الإمام وقد رآهم الراوي رأي العين!! وربما فاته بأي حجم كانوا وهم بهذا العدد والذي فاته هو الآخر فحّفزّته ذاكرته بتوكيد مثير للسخرية!! وهم خمسة الاف يا يونس!! وأما الرواية الثانية فأنَّ من المشين والمعيب بل من الجهل الفاضح ان تصل درجة اعتقاد بعض المسلمين بالأرواح الى هذا الحد...!! فلا نعلم ما سّر نزول نبي الله موسى(عليه السلام) من "بين جميع الأنبياء" الى الأرض لأجل أداء زيارة وعبادة هي في الأصل مرفوعة عن الأموات بنص الحديث المتواتر عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث....
  ان الذي يؤمن ويصدق بهذه المرويات وأمثالها لاشَّك يكون منكراً لحديث رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة, وانهم وبقية الشهداء احياء عند ربهم يرزقون فإن العندية تعني المكان المخصص للحياة البرزخية ايها العقلاء...ايها المؤمنون, ان الحسين(عليه السلام) مع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) والنبيين مع أبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم في اعلى العليين... في اعلى درجات الفردوس.
   نعم ثمة ادراك وعلم بزيارة المؤمنين لمشاهدهم المقدسة التي اسبغ الله عزَّ وجل من الفيوضات ما ينشرح لها الصدور ويستجاب فيها الدعاء وذلك وعدٌ وعد
الله به عباده الصادقين – أليس بعيداً عن السلوك العقلاني فيما لو دخل دارك صديق بعد فراق طويل –فبدل ان يُسلم عليك ويعانقك, يتركك فيذهب الى أثواب لك فيعمد الى تقبيلها وشمَّها وانت تنظر إليه؟!!
 ان هذا المشهد هو منطق الراوي في هذه الرواية وغيرها من الروايات نسمعها ونقرأها نجترها بكرة وعشيا دون تأمل قليل أو تدّبر, وما زاد الامر سوءاً وتعقيداً هو تثقيف بعض اصحاب المنابر والقصاصين لهذا اللون من الخرافة فتراهم يشغلون افكار العوام, ويتعبون انظارهم بل ويلـقون في روعهم مشـــــــككين بمن حولهم ان تكون تلك المرأة هي زينب(عليها السلام) الهابطة من السماء لحضور مجلس عزاء لنسوة ثرثارات ليس همهنَّ الاّ الغيبة والنميمة والتهام اصناف الطعام والشراب وان ذلك صاحب الكوفية والعقال ذو الملابس الرثة او الفاخرة أو المعمم هو المهدي المنتظر او احد الائمة (عليهم السلام) ممن هبط هو الآخر وظهر لنجدة صاحب سيارة تعطلّت في الطريق أو المشاركة في ركضة طويريج الشهيرة, الى كثير من اختلاق لقصص الخرافة والكذب على الله ورسوله واهل بيته – صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين.
  لقد كرسّ هذا النمط من الفهم للروايات وبمعونة الخطاب الديني الموروث على صياغة منظومة رؤى وثوابت وقَرت في نفوس العامة بأن للقبر والقبور هي فعلاً أماكن تواجد النعيم ودرجاته والعقاب ودركاته وليس الكواكب الموجودة في السموات, ولعّل هذا السبب المهم هو الذي دفع ببقية المذاهب الاسلامية بنبز أتباع مذهب التشييّع ونعتهم بالقبوريين, كما ان ثمة قصص وحكايات متناقلة تعزّز تلك المفاهيم والرؤى, وهي تشير الى سلامة سائر أجساد الأولياء وطبقات العلماء والصالحين وانها باقية على مر الدهور والعصور من غير تبدّل وتغيّر" كأنها دفنت لساعتها"!!
 والحق  ان لا دليل يثبت صحة تلك المزاعم سوى بعض حكايات ومرويات أما مرسلة أو ضعيفة السند لا تغني ولا تسمن من جوع, بل ان مضامين أكثرها ينتابها التناقض والخلط وكمثال بسيط على ذلك نقرأ هذه الرواية:-
  روي عن علي بن الحسن بن سابورقال: قحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن الأخير(عليه السلام) فأمر الخليفة الحاجب واهل المملكة ان يخرجوا الى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة ايام مــــــــتوالية الى المصـــــلى ويدعـــــون فما سقوا, فخرج الجاثليق في اليوم الرابع الى الصحراء ومعه النصارى والرهبان, وكان فيهم راهب فلمّا مدَّ يدهُ هطلت السماء بالمطر فشك الناس وتعجبوا وصبوا الى دين النصرانية, فانفذ الخليفة الى الامام الحسن (عليه السلام) وكان محبوساً فاستخرجه من حبسه وقال: ألحق أمة جدك فقد هلكت... فقال اني خارج من الغد ومزيل الشك ان شاء الله تعالى, فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه وخرج الإمام الحسن(عليه السلام) في نفر من اصحابه فلما بصر بالراهب وقد مدّ يده أمر بعض مماليكه ان يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين اصبعيه ففعل واخذ من سبابتيه عظماً أسوداً فأخذه الحســـــــن (عليه السلام) بيده, ثم قال لهُ أستسقِ الآن فأستسقى وكانت السماء متغيمةً فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء, فقال الخليفة ما هذا العظم يا ابا محمد؟
  قال(عليه السلام): هذا رجل مرَّ بقبر نبي من الأنبياء فوضع الى يده هذا العظم وما كشف من عظم نبي الاّ وهطل السماء بالمطر..!! والدّس والتحريف التي حملتها الرواية هذه من خلط وتناقض لا يحتاج الى بصيرة ودراية للوقوف عليها وعلى رأســــها ان الراوي اراد اثبات حقـــيقة معــــــاجز الامام الحسن(عليه السلام) فوقع في أشكال آخر كبير هو نسف ما تسالمت عليه الاكثرية من الفقهاء  من سلامة اجساد الانبياء من عوامل التغيير والتبديل..!!  
   وبعد فأن من نافلة القول طرح سؤال وتساؤل عن سبب هذا التضخيم والتهويل والجعجعة التي تصدر من قبل الكثير من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين والمتحمسين باندفاع لا نظير له ولا مثيل وهم يناضلون عن كل ما جاء في هذه المرويات  مع تهافت  في السند والمتن يحيط بها...هل ان توقير الانبياء والأئمة والصالحين وتعظيم شأنهم متوقف ومحجور على سلامة أجسادهم من قيام السنن الالهية المودعة في الأكوان من ان تأخذ مجراها؟..!! وهل ان اعمال المستكبرين والطغاة الحكّام بالتفنن بأساليب القتل والتقتيل والتمثيل بأجساد الرسل والانبياء ودعاة الاصلاح, وحرقها وتذريتها بالرياح مدعاة للحط من منزلتهم وحظوتهم عند المولى عزَّ وجلْ وعند المؤمنين بالقدر خيره وشره...؟! ومن هنا ينبغي ان تدرس بعض المفاهيم والمرتكزات الفكرية الخاطئة دراسة  تدبرية تفكرية علمية قُرآنية رسالية, لا دراسة عواطف واهواء وتعصّبٍ اعمى...
  ان الذي يريده القرآن منا واهل البيت(عليهم السلام), ان يكون المسلمون على مستوى المسؤولية, وان يقرأوا حياة وكفاح واستشهاد الأنبياء والرسل والأئمة(عليهم السلام) قراءة واعية تحمل في مضامينها عمق تجربتهم وسعيهم الحثيث لردع الظلم والظالمين واحقاق الحق واقامة العدل ونشر كلمة التوحيد, واما قضية قدسيتهم ومنزلتهم فينبغي ان تكون حاضرة في جنبة حياتهم وليس في ابدانهم وصورهم...
  ان المشكلة الحقيقية  القائمة اليوم  في هذه القضية وغيرها من القضايا ربما تكمن في براءة اغلب العوام وتصديقهم لكل ما يكتبه رجل الدين أو يتفوهُ به و كأن لسان حالهم يردد بثقة مطلقة وتسليم كيف يمكن ان يتجرأ مثل هذا الشخص العليم الجنان القوي في الحجة والبيان على سرد وأختلاق القصص والمرويات المكذوبة على الله ورسوله دون واعز من ضمير او خلق او دين ؟ وينسى هؤلاء او يتناسى أحياناً ان رجال الدين ما هم إلا بشر شأنهم شأن خلق الله... يخطئون ويصيبون ويتأثرون بضغوطات مجتمعهم, وربما لم يبذل واحد منهم غاية جهده في البحث والتحقيق بل لا تخلو نفوس الكثير منهم من حب للمال والشهرة , وحب الفخر وخوف الفقر والحسد و العجب والجشع وغيرها من أمراض اجتماعية وآفات...
   وروي في البصائر عن محمد بن عيسى بن عبيد  عن الحسن بن علي عن جعفر بن بشير عن عمر بن ابان عن معتب غلام الصادق (عليه السلام) انه قال: كنتُ مع ابي عبد الله الصادق بالعريض فجاء يتمشى حتى دخل مسجداً كان يتعبد فيه والده وهو يصلي في موضع من المسجد, فلما انصرف قال : يا معتب أترى هذا الموضع؟ قلتُ: نعم, قال: بينا ابي قائم يصلي في هذا المكان اذ دخل شيخ  يمشي حسنُ السمت فجلس- فبينا هو جالس اذ جاء رجل آدم حسن الوجه والسمة فقال للشيخ : ما يُجلسك, ليس بهذا أمرت فقاما وانصرفا وتواريا عني فلم أر شيئاً!!
فقال لي أبي: يا بُني هل رأيت الشيخ وصاحبه؟
 قلتٌ : نعم, فمن هما؟ قال: الشيخ ملك الموت, والذي جاء واخرجه هو جبريل!!
 - روى الشيخ الصدوق بأسنادهِ إلى جارية ابي علي الخيزراني انها رأت عنــــــدما ولد الامام المهدي(عجل الله فرجه) طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح اجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثم تطير فأخبرنا ابا محمد العسكري(عليه السلام) بذلك فضحك ثم قال: تلك ملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود وهي أنصارهُ إذا قام!!
والرواية تعد من المراسيل التي لا يًحتج بها فضلاً عن تخصيص تلك الرؤيا بالجارية التي لم يذكر أسمها دون سائر أهل بيت الأمام( عليهم السلام)- بما فيهم ام
الامام المهدي (عجل الله فرجه) والتي ينبغي ان تكون اول الناس رواية ورؤيا...
جاء في كامل الزيارات لأبن قولويه هذه الرواية :- حدثني ابي (رحمه الله تعالى) عن سعد ابن عبد الله عن بعض اصحابه عن احمد بن قتيبة الهمداني عن اسحاق بن عمار قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) اني كنتُ أصلي بالحائر ليلة عرفة, وثم نحو خمسين ألفاً من الناس جميلة وجوههم طيبة روائحهم يصلون الليلة اجمع فلما طلع الفجر سجدتُ ثم رفعتُ رأسي فلم أرى منهم احداً...!! فقال لي ابو عبدالله (عليه السلام): أتدري من هؤلاء؟ قلتُ: لا, فقال: اخبرني ابي عن ابيه قال: مرَّ الحسين (عليه السلام) بأربعة الاف ملك " خمسون الفاً" وهو يُقتل فعرجوا الى السماء فأوحى الله تعالى اليهم يا معشر الملائكة مررتم بأبن حبيبي وصفيّي محمد وهو يُقتل ويضطهد مظلوماً فلم تنصروه؟ فاهبطوا الى الأرض الى قبره فأبكوه شعثاً غبراً الى يوم القيامة فهم عنده الى ان تقوم الساعة...!!
 وعلى فرض صحة الرواية وهو من المحال- فأنها توجب حصول المعجزة للراوي صاحب المشاهدة وليس للإمام الحسين فأنه (عليه السلام) في غنى عن ذلك فمنزلته وقربه من الله جلَّ وعلا اجل من ان توصف وتروى لها المرويات المكذوبة, فالملائكة الكرام انوار قدسية معصـــــــــــــومة من الزلل والخطأ وارتــكاب المعاصي والآثام وعدم نصرتهم للإمام في واقعة الطف "هذا على فرض تكليفهم أصلاً" أكبر معصية اضافة لماحملّوا من تبعات تلك المعصية الموهومة بالبقاء المفروض قسراً وطلب تغيير صورهم وهيئتهم استعداداً الى الحزن السرمدي الى يوم يبعثون..
  ومع ذلك فان احد رجال سند الرواية – احمد بن قتيبة الهمداني هو من المجهولين بحسب ما ترجم له صاحب معجم احوال الرجال- ابو القاسم الخوئي- رقم 76, ج3 , روي لهُ  في كامل الزيارات...!!




               الجفر من فقه " لأهل البيت الى ادعاء..!!ا                                                                                        
                     علم الغيب وسجع الكهان


  الجفر في اللغة  هو الصغير ثم أطلقت على ولد الشاة اذا عظم وأستكرش-
     
 جلد الشاه التي ليست بالصغيرة ولا الكبيرة.
 ومن التعاريف اعلاه يمكن انتخاب التعريف الأخير كونه الاقرب لما ورد من روايات تخص الجفر.
 مضمون الجفر: استناداً لما متوفر من مؤلفات تخص الجفر, فان الجفر وعلومه يقع في ثلاثة أقسام:- منها ما يتحدث عن الملاحم والامور الغيبية وما يحصل الى ظهور الأمام المهدي (عجل الله فرجه).
 ومنها : ما اختص بعلم الحروف والاعداد واسرارها.
 ومنها: ما تعرّض للطلاسم وعلم الهيئة.
  مما سبق  يتضح ان صلة علم الجفر بالقسم الثاني والثالث تكون بديهية وذلك بحسب مدار بحث كل منهما في أمور الغيب ومحاولة سبر غور اسرار عالم الملكوت سيما تسخير الملائكة والجن, وبعبارة موجزة ان علم الجفر يتحصّل من خلال الاخبار الغيبي لخدام الحروف والاعداد, وخدام أرواح الكواكب من الملائكة والجن وعن ما يمكن وقوعه في المستقبل القريب والبعيد...
  اما يتعلق بالقسم الأول والذي يتحدث عن الملاحم والأمور الغيبية وما يحصل الى ظهور القائم, والأسباب التي دفعت لاعتناق البعض لهذا الرأي فهو وجود عدد من الروايات المروية عن بعض الائمة (عليهم السلام) والتي توضح صلة علم الجفر بأخبار الغيب.
  فعن سدير الصرفي عن الامام الصادق(عليه السلام) انه قال: نظرت في كتاب الجفر هذا اليوم, وهو كتاب يشتمل على علم البلايا والرزايا وعلم ما كان يكون الى يوم القيامة...
  وفي رواية عن الصادق(عليه السلام)انه قال: واما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وانجيل عيسى و زبور داود وكتب الله الأولى.
  وروى الشيخ الكليني عن الحسين بن علاء قال سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) : وعندي الجفر الاحمر... قلت وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال : السلاح وذلك انما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل...
  وعن نعيم بن قابوس- قال- قال لي ابو الحسن الكاظم (عليه السلام):"علي اكبر ابني آخر ولدي واسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري- وان كتاب الجفر معي وليس ينظر فيه الاّ نبي أو وصي نبيّ".
  وعن زرارة عن الصادق (عليه السلام) وان عندي كتابيين فيهما تسمية كل نبي وكل ملك يملك الأرض..!!
  وفي رواية أخرى " قلتُ وما الجفر؟ قال وعاء من آدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل"  ومما هو متيقن لمن تتّبع
آثار علوم ائمة أهل البيت (عليهم السلام) ومستقاها لا يجد بداً من تضعيف الأحاديث المارة ويحكم ببطلانها- وذلك لتعارضها:-
أولاً:- مع الأحاديث الموافقة للكتاب وفقه وسيرة الأئمة(عليهم السلام)- ولتضاربها مع   بعضها البعض, فنرى ان فيها من ينــــسب للجــــفر علوم البلايا و الرزايا وما كان وما يكون الى يوم القيامة من احداث وهذه الرواية بلا شك تحتاج الى مئات المجلدات ان لم تكن الالاف وليست قطعة متواضعة في الحجم من جلد الشاهّ..!
الاّ انَّ يقال انها تحتوي جفر الصوفية المشهور" ابجد هوز".. فهذا بحث آخر.
ثانياً:- لا تحوي هذا الصــــنف من العــــــــــــلوم, وانما تضـــــــــــــم كل ما ورد في الكتب السماوية الأربعة اضافة لما جاء به الرسل من حلال وحرام في تلك الشرائع, وهذا أيضاً يحتاج الى ضعف ما ذكر من مجلدات الرواية الأولى.
ثالثاً :- تخص الجفر بما يستخلفه الأئمة اولادهم وتسميتهم لتقلد عهد الامامة.
رابعاً:- تختص بأسماء النبين وهم على ما ورد اكثر من مئة واربع وعشرون الف
      نبي سوى ما يتضمنه الجفر من اسماء الملوك الأرض, وهم اضعاف عدد النبيين دون شك...
وأخرى – تنسب الجفر لآدم – فهو يتناقل منه الى النبيين والوصيين مروراً
        بعلماء بني إسرائيل " خاصة", وهذه الاخيرة تطفح بكيل الروايات السابقة وتنسف كل ما ورد فيها من اقوال ومزاعم, واما معارضتها لما ورد من روايات تتفق مع الكتاب والسنة والعقل وسيرة الائمة (عليهم السلام) وكلامهم عن حقيقة الجفر فتتضح من خلال بعض الروايات التالية:  في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم قال: نظرتُ الى صحيفة ينظر فيها ابو جعفر(عليه السلام) فقرأتُ فيها مكتوبا- ابن اخ وجدَّ المال بينهما سواء- فقلتُ لابي جعفر(عليه السلام): ان من عندنا لا يقضون بهذا القضاء, ولا يجعلون لأبن الأخ مع الجد شيئاً..! فقال ابو جعفر(عليه السلام): (أما انه املاء رسول الله وخط علي من فيه بيدهِ), وعن زراره بن اعين ومحمد بن مســــلم وقد دخلا على الإمام البــاقر والصـادق (عليهم السلام) وهما يقرأن فيها – أي الجفر- بعض احكام الارث.
 وعن الحارثبن مغيرة النصري قال: قلتُ لأبي عبد الله جعـــفر الصــادق(عليه السلام): جعلتُ فداك الذي يسأل عنه الأمام ليس عنده فيه شيء من اين يعلمه؟
 قال: " يُنكت في القلب نكتاً او يُنقر في الاذن نقرا ".
  وعن الحارث أيضاً عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: ان الارض لا تترك بغير عالم- قلت الذي يعلمه عالمكم ما هو؟
  قال وراثة من رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) ومن علي (عليه السلام) علم يستغني عن الناس ولا يستغني الناس عنه- قلت وحكمة تقذف في صدره او ينكت في اذنه؟ قال- ذاك وذاك...!!
  وعن ابي بصيرقال: اخرج إليّ ابو جعفر صحيفة فيها الحلال والحرام والفرائض قلتُ له: ما هذه؟ قال: هذا إملاء رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) وخـــــطهُ علي(عليه السلام) بيده... قال: فقلتُ ما تبلى؟ فقال: فما يبليها؟! قلت :وما تدرس؟ قال: وما يدرسها.. قال هي الجامعة. او " من الجامعة" .
   وبناء على ما مرَّ فأن ليس للجفر صلة بعلم الغيب كدعوة المهدي وظهوره ولا بالحروف والأعداد لاكتناه الغيب من خلاله, وانما هو بحسب الأحاديث الصحيحة أرث من العلوم الفقهية أُختصَّ به الأمام علي وولده(عليهم السلام), وفيه بعض الأحكام الخافية عن مدارك غيرهم من الصحابة والفقهاء كمسائل الارث والجروح والقصاص والديات وبمرور الزمن أصبح هذا الارث المزبور في جلد الشاه تملأهُ القصص والحكايات والأساطير, فأصبح لدى المسلمين جفراُ أحمراً وأسود وابيض, كما هو شأن سائر العقائد كالسحر أذ توسعوا فيه وصار ألوان شتى كالسحر الأسود والسحر الأحمر والأبيض وهلم جرا...
   يقول السيد محسن الامين- ليس الجفر من العلوم – وان توهم ذلك كثيرون ولا هو مبني على جداول الحروف ولا ورد به خبر ولا رواية غير ان الناس انما توسعوا في تفسيره, وقالوا فيه اقاويل لا تسند الى مستند.
  ويذهب الشيخ العلامة محمد جواد مغنية الى هذا الرأي بالقول " ان الجفر كتاب من الجلد فيه بيان الحلال والحرام وأصول ما يحتاج إليه الناس من الاحكام التي فيها صلاح دينهم ودنياهم وعلى هذا فلا يمت الجفر الى الغيب بصلة, كما انها ليست من أصول الدين ولا المذهب عند الامامية, وانما هي أمر نقلي تماماً كمسألة الرجعة والعلماء الأقدمين لم يقفوا فيه على حقيقة يطمئنون اليها, غير ان مثل هذه الاحاديث الصريحة الصحيحة التي تضع النقاط على الحروف وتستجلي الاستشكالات الموضوعة عمداُ, وتزيل النظرة الضبابية عن العقائد المحّرفة قد لا تروق للكثير, وتاريخنا الاسلامي مليء بهذه الأصناف والألوان من نمط التفكير فتراهم منغمسين في الصيد بكل ماء عكر ومتربصين هفوات الأنام واقتناص فرص الأوهام, موغلين كل الإيغال بما يشابه من الآيات معرضين عن محكمها فترى بعض من اقطاب الصوفية وحشوية الشيعة وقد انكبوّا وتفننوّا في توسعة المصطلح واخذوا يعدّون العدة ويحشدون كل شاردة وواردة من هزيل الروايات وشواذ           العلوم الغريبة ولعلَّ أبرز تلك الروايات ما تخص قضية الأمام المهدي وولادته ونشأته وحروبه الدامية المتواصلة لأجل اقامة دولته وبسط سلطانه على العالم, واذا كانت هذه القضية قد حسمت في بعض الروايات عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم) وائمة اهل البيت(عليهم السلام), فأنها عند بعض الفرق قد اخذت ابعاداً كبيرة وواسعة مستعينين بمنهج " الحقيقة" مقابل الشريعة- فرق الصوفية – المقال قبل الرجال- بعض فرق غلاة الشيعة- فهم يوردون الروايات الطوال ويضعون الاخبار المفصلة حول ظهور أمام آخر الزمان وكيفية سفكه للدماء حتى انها تجري كالأنهار وما يجري في حكمه من خراب للدول وافعال منكرة يشيب لها الولدان .
ويقول في ذلك العارف البسطامي الصوفي في الجفر الخاص بالمهدي " ان هذه الدرّة اليتيمة والحكمة القديمة ستدخل في باب السبب الى مكتسب الأدب ليقرأ لوح الوجود ثم يخرج منه ويدخل الى مكتسب التسليم ليطالع لوح الشهود وقيل يولغ فارس وهو خماسي القد عقيقي الخد قد أتاهُ الله في حل الطفــــولية الحكمة وفصـــــــل الخطاب, واما امه فأسُمها " نرجس" من أولاد الحواريين- وقيل يولد في جزيرة العرب وقيل يخرج من المغرب فأول من يشم رائحته طائفة من أرباب القلوب المطلعين على أسرار الغيوب, وأول من يُبايعه أبدال الشام عند قبة الإسلام واهل مكة بالركن والمقام- ولا يخرج منها حتى يُخرب حوز و كرمان وروم ويونان, ومن اكبر أمارات خروجه أنتشار " علم الحرف وقيل علم التصوف" وليس لهُ عدو مبين إلا الفقهاء خاصة ولولا السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله لكن الله  يظهره بالسيف والكرم فيطيعونه ويخافونه ويقبلون حكمه من غير إيمان بل يظهرون خلافهِ.!!
   والمتمعن جيداً في هذه الرشحات الصوفية وما يختلجها من ارهاصات عقائدية وعقد نفسية لا تَخفى على الباحث في تاريخ الحركة وما تلقتهُ من صدمات  ونكبات وتهميش مقصود وتكفير من قبل فقهاء المذاهب الاسلامية الاخرى يدرك مدى التحامل اللصيق والجروح العميقة التي أثرت  في نفوس أرباب التصوف حد الذي جعلوا من الامام المصلح الكوني ان يذر سائر المشركين والملحدين والمعاندين من بقية الديانات ويتوجه الى فقهاء المسلمين ويصب جام غضبه عليهم, ثم لا يتردد هؤلاء من التشبث بتلك العلوم الغريبة التي عملت على افساد
عقائد المسلمين وايمانهم بالغيب الى عهد قريب بالساعة ثم لا يفوتهم ان يجعلوا من الأمام المنتظر صوفياً وحروفياً وفارساً لا يشقُ له غبار في هذا المضمار.!!
 ولا زالت مثل هذه التكهنات عن طريق "علم الجفر" قائمة والى يومنا هذا وما برحت تلك البدع والخرافات يعيش تفاصيلها المسلمون فقد نقلت احدى الصحف المصرية الصادرة بتاريخ 24 حزيران 2011 ما نصّهُ " ان الامام علي تنبأ بسقوط الرئيس التونسي وثورة تونس فمن طريق علم الحروف بالجفر" وفي صفر يأتيك من تونس الخبر...!!
  وعن احداث مصر الأخيرة وما يجري من تغيرات سياسية  يظهر كتاب الجفر الآتي " وان خاض اللئام بأرضها وغارت السماء لكنانتها بعد ما غار الصدق وفاض الكذب وصار العفاف عجباً فزلزل زلزالها وبعد دهرٍ قام لها قائمها- صاحب لا رهج له ولا حس بعد ما كان مليء السمع والبصر اسمهُ معروف وبالحسن موصوف  ينشل مصر من شجرة الحنظل, ومن الف عين له نداء كرائحة الثوم بعد ما صال اليهود على الكنانة صيالة الكلب العقور فيوقظ الصحابي أهله من سبات ويبعثهم الله بعث الأموات فلكل أجل كتاب ولكل غيبة إياب" , وفي موضع آخر " لا ترى الكنانة الفرج الدائم إلا بعد انتباه النائم وتعمر القاهرة بالقلة الظاهرة يفوح شذى طيب الميم فلا يشمهُ إلا كريم ذو عقل سليم فيملك سهام الكنانة المهيئون لحفظ الأمانة الى غير ذلك من تنبؤات بهلاك أو سقوط  ملوك و رؤساء بلدان الخليج والعراق واليمن وليبيا.
  ومن هنا يظهر لنا ان منهج التصوف المشبع بخرافة الأعداد والحروف وما عرف بالجفر قد سارت عليه بعض الأمم المسلمة المستعبدة والمقهورة من قبل حُكامها وجلادّيها قديماً وحديثاً, وكيف ان المجتمعات والشعوب عندما تمر بمرحلة من فقدان الثقة بقدراتها على تغيير مصيرها, فأنها لا بدَّ ان تلجأ إلى التكهن بالغيب لأجل ان تُنفسّ عن كُرّبها ويأسُها وليمنحها على الأقل  ولو بصيص أمل وضوء في ذلك النفق المظلم.
  ومجمل القول في علم الجفر وما نسب الى الامام علي (عليه السلام) من تبنيه هذا العلم من طريق الحروف وترتيبها بصيغة عبارات وجمل تخبر عن احداث المستقبل القريب والبعيد , فأن كلام الامام نفسه يردّهً في أكثر من موضع لنهج البلاغة وذلك بقوله : " لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم ما كان وما هو كائن وما سيكون الى يوم القيامة", وهو قوله تعالى :{يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ} وان صح هذا الحديث عن الامام فأن المراد منه الأخبار الكلي, التفصيلي عن الحوادث كما ان ذلك لا يخرج عن نطاق تعلم من ذي علم –كما يخبر الامام احد المعترضين على تنبأهُ وقوله- لقد أتيت بالغيب يا أمير المؤمنين, وقد يكون من جملة الأسباب المؤدية الى زعم صياغة علوم الجفر على يد الامام من جهة بعض رجالات التصوف والتشيع وهو إنباءه عن عدد من الأمور الغيبية وحصولها فعلاً, كما قال من قبيل  قتالهِ المارقين والقاسطين والناكثين في موقعة الجمل وصفين والنهروان, وما حصل لسبطي رسول الله الحسن والحسين واستشهاد فاطمة (عليهم السلام), وتقمص الإمارة بعض طلابها كمروان بن الحكم والحجاج بن يوسف الثقفي وزوال دولة بني أمية, واقبال دولة بني العباس, وقد يكون كل ذلك من إفشاء رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) لعلي(عليه السلام) في بعض خلوته  ومجالسه الخاصة به,  ثم ان عدداً من أولئك الغلاة ولدوافع شخصية ونوازع نفسية ونتيجة ارتكاسهم في حضيض ما عرف بالعلوم الغريبة كالرمل والطلاسم والحروف والاعداد, عمدوا الى استخلاص فن استنتاج الوقائع والاحداث المستقبلية فألفّوا لأجل ذلك كتب في الجفر- فكان لمحي الدين بن عربي والبسطامي والتلمساني والبوني جفرهم الخاصة بهم ولعدد من علماء الشيعة كتباً في الجفر- كالجفر للبهائي العاملي والبرسي الحلي وجفر للطوسي نصير الدين وغيرهم مما لم يوقفنا التاريخ على أسمائهم ومؤلفاتهم...










تأثر بعض المذاهب الاسلامية بالعقيدة الصوفية
   اصاب علماء المسلمين بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم ابان القرن السابع الهجري ان يؤثر جميع ذلك بفرز ظاهرة "الاستقطاب الصوفي" وان تصطبغ جلّ المذاهب ليس من المذهبية وتصدع كيان المجتمع برمته اضافة الى الشلل الفكري الذي الإسلامية الغريب بعد تتبع الاحداث الدامية والصراعات على السلطة والحكم والانقسامات بالصبغة الصوفية واذا كان ثمة قول لا يجافي الحقيقة والواقع فإننا يمكن تسمية تلك الفترة او العصر "بالعصر الصوفي الخالص".
 لقد كان بحق العصر الذهبي بامتياز لانتشار العقيدة الصوفية حتى ان تحّول قادة المغول من عقيدتهم الى اعتناق الاسلام كان بفضل مشايخ الصوفية عبارة يكاد يتفق على صحتها أغلب المؤرخين... وليس من الغريب ايضاً ان يكون نصيب المذهب الامامي هو الاوفر حظاً من بين بقية المذاهب وذلك لاعتبارات خاصة تتصل ببعض عقائده ونشأتها وصيرورتها, الامر الذي جعل عدداً من المشتركات تؤشر تداخلاً يصل إلى حد التجانس والذوبان في بعض المفاهيم والمعتقدات والمصطلحات نظير القول بالغَّيبة للحي – الخضر – المهدي وتداول بعض الأدعية والطقوس المشتركة والإيمان بتسخير الملائكة والجن والقول بعلمية الجفر والطلاسم والتفسير الباطني للقرآن والغلو في الأئمة(عليهم السلام)...
   لقد لعبت بعض القيادات والزعامات الدينية في تلك المرحلة دوراً بالغ الاهمية في تأصيل كل ما ذكر -  وإرساء بعض مباني الفقه على أساس العقيدة الصوفية في سابقة خطيرة لم يشهدها فقه الامامية من قبل فنرى ان المدرسة الطوسية الثانية بزعامة الشيخ نصير الدين الطوسي ت672هـ قد اهتمت بدراسة وتدريس العلوم الغريبة كعلم هيئة وعلم الجفر وادخال كثيراً من أرث الصوفية كالأدعية والأذكار والأوراد الطويلة المطولة...
ففي مجال الهيئة و الاعتناء بالكواكب والزعم بتأثيرها على سلوك الأنسان أنشأ الشيخ الطوسي مرصداً في " مدينة مراغة" يعتني بمرصد حركة الكواكب والنجوم ومطابقته علم الأعداد والحروف فيما خصَّ نفسه بتأليف كتاب في الجفر أسماهُ "بالجفر النصيري" وزخرت مؤلفاته بعدد غير قليل من الأدعية والأوراد الصوفية, فنقرأ لهُ مثلاً اجتهادات واختراعات في فضل ترتيل سورة الإخلاص ألف مرة او ترديد بيت من الشعر ألف مرة ليحصل الطالب على مراده وبغيته وقضاء حاجاتهِ لذا يمكن القطع وبلحاظ تقصي الفترة الزمنية المواكبة لتصدي الشيخ زعامة الطائفة ومتابعة آثار أسلافه من المجتهدين بأنه كان أول من فتح باب الاجتهاد للخوض في العلوم الغريبة وتأليف الأدعية الممتزجة  بالتراث الصوفي وادخالها فقه وعقائد مذهب الامامية, ويبدو مشهد انشداد الشيخ الخواجة نصر الدين الطوسيّ وميله للفلسفة الصوفية واضحاً من خلال مؤلفاته " شرح الاشارات" لا سيما النمط التاسع الخاص بأهل العرفان ورسالتهُ العرفانية " أوصاف الاشراف" ومراسلاته مع تلامذة الشيخ الأكبر للصوفية محي الدين بن عربي وهم كلُ من أبن العديم الحلبيّ- صاحب تاريخ حلب- وصدر الدين القونوي ت 672هـ صاحب – شرح الأسماء الحسنى – وإرسال "مشاهداته ومكاشفاته العرفانية اليه" ثم يتبعه من يتبعه من معاصريه وتلامذته على هذا المنوال فتقرأ لرضي الدين علي بن موسى بن طاووس – ت سنة 664هـ مؤلفات له في " خواص الاسماء" و "مهج الدعوات" , وقد جمع فيها كماً هائلاً من غثاء الصوفية مع اجتهادات كثيرة غريبة وشاذة, فيقول مثلاً في خواص الأسماء ان تقول مئة الف مرة الغني المغني بشرط الاَّ تأكل في هذه المدّة ما يخرج من حيوان الى عشرات الروايات والأحاديث التي يزعم انها نُقلت عن أهل البيت(عليهم السلام) تحكي قصصهم مع الطلاسم والاحراز وحملهم لها او كتابتها لغيرهم من المسلمين بقصد الشفاء من السحر والحسد ودرء الأمراض والبلايا والفتن وواقع حال ذلك وحقيقته لا تعدوا ان تكون عقائد لليهود والنصارى والصابئة نقلت من كتبهم ثم جيء بها الى تراث المسلمين عبر رجالات الصوفية وأئمتهم فأخذها من وثق بهم وأطمئن إليهم جهلاً دون تدّبر وتحقق ثم يضيف المؤلف الى تلك المؤلفات كتاباً آخر أسماه "أمان الأخطار يعرّج فيه على قصص لا تبعد كثيراً عن أقاصيص الصوفية وأساطيرهم عن الجن والشياطين فيذكر في بعضه ما مجمله ان شخصاً استأذن الأمام النقي علي الهادي (عليه السلام) في زيارة الامام علي بن موسى الرضـــــا (عليه السلام) فقال الأمام له يكون معك خاتم فص عقيق منقوش عليه "ما شاء الله لا حول ولا قوة الاَّ بالله أستغفر الله", ثم ان الجن عند زيارتـهم قبر الأمام الرضــــــــا   (عليه السلام) سرقوا ذلك الخاتم من الشخص وصاروا الى عليل لهم, وغسلوا ذلك الخاتم بالماء وسقوه غسالته ثم أخطأوا في ارجاعه في اصبعه, واخيراً يفاجئ الزائر وقد منح من قبل الجن ياقوته ثمينة عند رأسه مكافأة له مقابل شفاء مريضهم..! واضافة الى ما ذكرنا فأننا نرى جملة من أعلام وفقهاء القرون الثلاثة الوسطى وقد اعتنقوا العقيدة الصوفية علانية أو دعوا لها من خلال مؤلفاتهم, فيما آثر آخرون مغازلتهم من طرف خفي عن طريق إيمانهم بالفلسفة الصوفية وادعاءات الكشف والشهود أو الاهتمام بالعلوم الغريبة كالطلاسم والجفر والأعداد والحروف.  ثــالـثاً: جمال الدين أحمد بن محمد بن طاووس ت ستة 672هـ.
رابــــعاً: غياث الدين عبد الكريم بن احمد بن طاووس ت سنة 693ه.
خامساً: سعد الدين محمد بن المؤيد المعروف بيسعى العجم أو سعد الدين الحموي ت 650ه تخرج في الطريقة الاكبرية ولبس خرقة الصوفية.
ســادسـاً: ابراهيم سعد الدين - ت سنة 722ه- قال عنه العلاّمة محسن الأمين انهُ من أعيان الشيعة- أبن يسعى العجم- لبس الخرقة قال عنهُ صاحب تذكرة الحفاظ- صدر الدين ابراهيم بن محمد بن المؤيد الخرُاساني الجويني شيخ الصوفية.
ســـابعـاً: مجد الدين ابو المجد محمد بن الحسين بن احمد القزويني ت سنة 622ه, روى عنهُ غياث الدين بن طاووس لهُ كتاب  الأربعين عن الأربعين.
ثامــــــــناً: كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني ت سنة 679ه.
تاســــــــــعاً: عز الدين ابو الفضل عامر بن عامر البصري.
عــــــــــاشراً : الملاّ عبد الصمد التطنزيّ المعروف بشيخ الاسلام ت سنة 699ه.
حادي عشر: رضــي الدين علي بن ســــــــديد الدين يوســـــــف بن شـــرف الدين علي بن
المطهر الحلي ت سنة 710ه, لهُ كتاب اغاثة اللهفان في تسخير الملائكة والجان وكتاب نص النصوص في شرح الفصوص وهو من اتباع الطريقة الأكبرية الحاتمية.
ثاني عشر: بهاء الدين حيدر بن علي العبيدي الآملي ت سنة 794, دعا الى الجمع بين التصوّف والتشيّع في كتاب أسماهُ " جامع الأسرار في أنّ عقيدة الصوفية موافقة لمذهب الأمامية الاثني عشرية" .
ثالث عشر: علي بن شهاب الهمدانيّ ت سنة 786ه.
رابع عشر: عفيف الدين ابو الحسن علي بن محمد بن عبد الجبار العلوي الحسيني قتل سنة 707ه.
خامس عشر: محمد بن مكي العاملي المشهور بالشهيد الأول قتل سنة786ه.
سادس عشر: رضي الدين رجب بن محمد البرسي ت سنة 813ه, عُرفَّ عنه اهتمامه بعلم الحروف والأعداد له رسالة في أسرار الأسماء والصفات والحروف- صاحب كتاب مشارق أنوار اليقين في أسرار امير المؤمنين.
سابع عشر: أحمد بن فهد الحليّ ت 841ه- قال عنه الغياثي: " ان لديه كتاب في العلوم الغريبة وذكر السيد محسن الأمين العاملي بأن له ميلاً الى الصوفية بل تفوه بها في بعض مصنفاته .
ثامن عشر: قوام الدين ابي الفضل هبة الله بن محمد ت سنة 733ه, ومن علماء الشيعة ومتصوفيهم في أصفهان.
تاسع عشر: فضل الله بن عبد الرحمن الحُسيني الأسترآبادي قتل سنة 804ه,  ويُعدّ من كبار الحروفية.
عشـــــــــــرون: ابن ابي الجمهور محمد بن علي بن ابراهيم الاحسائي ت 840ه, ويعزو إليه التصوف والغلو سيما في كتابه الاقطاب الفقهية,  وفي رياض العلماء عبر عنه بالفقيه الحكيم المتكلم الصوفي المعاصر للشيخ علي الكركي.
واحد وعشـرون: نعمة الله المولى ت سنة 893ه.
أثنان وعشـرون: تاج الدين عبد الله بن معمار البغدادي المعروف بأبن معمار صاحب " مسمار العقيدة" ت سنة 707ه.
ثلاثة وعشـرون: تقي الدين ابراهيم بن علي الكفعمي العاملي 840ه .
أربعة وعشـرون: صدر الدين موسى صفي الدين ت سنة 794ه.
خمسة وعشـرون: قطب الدين محمد الرازي البويهي الدمشّقي ت سنة 766ه يعرف بالقطب التحتاني تمييزاً عن قطب آخر ساكن بأعلى المدرسة بدمشق.
  واما في القرن العاشر الهجري وما تلاها فقد  كانت الدولة الصفوية التي قامت بفضل رجال الصـــــــــوفية بزعامة أســــــماعيل بن حيدر بن جنيد بن صـــــــفي الدين,
والمتواجدين في أعالي جبال إيران من جهـــة الشــــــــــرق, الاثر الكــــــــبير في أنتشـار العقيدة الصوفية في المذهب الشيعي, وعلى الرغم من تصدي كبار فقهاء الأمامية كالشيخ محمد باقر المجلسي , والشيخ علي أكبر الاردبيليّ من محاربة صريحة وواضحة تجاه هذا المدّ فأن عدداً من فقهاء المذهب: كالفيض الكاشاني, وصهره الملا صدرا, والشيخ بهاء الدين العاملي البــــهائي, والشــيخ زين الدين الجبعي العاملي المعروف بالشهيد الثاني وآخرون, قد لعبوا أدواراً مهمة في بلورة الفلسفة الصوفية وتعميق دراسة وتدريس العلوم الغريبة بإضافة لمسات وملامح جديدة تتسق مع عقائد الدولة الشيعية الفتية, حتى يمكن عَّد جهودهم في هذا المضمار ما يُضاهي جهود الشيخ الخواجة الطوسيّ, فقد أنشأ صدر الدين محمد الشيرازي "ملا صدرا" والذي ولد سنة(979ه - ت1050ه) مرصداً فلكياً وعكف على تدريس فلسفة ما يعرف بشيخ الاشراق شهاب الدين السهروردي, إضافة الى  الفلسفة المشائية وخلص الى مدرسة عرفانية خاصة بهتجمع بين كلا المدرستين أسماها "الحكمة المتعالية", لأجل ذلك كثر اعداءه من المناوئين للفلسفة والفلاسفة الصوفية حتى وصل ببعضهم الى تكفيره وعدّوهُ من الخارجين عن الملّة والدين, فكفر الشيخ علي أكبر الأردبيلي كلاً من الملاّ صدرا والفيض الكاشانيّ, وهاجم ابن عربي ووصفه بمميت الدين الاول بعد ان أدعى الولاية المطلقة وخصَّ نفسه بها وبخاتميتها ونفيُها عن الأمام علي(عليه السلام) وأمتداحهُ المتوكل العباسي في كتابه "محاضرة الأبرار", واعتباره  قطباً لهُ حيُ ينظر الله تعالى الى الكون من خلاله في زمانـــــــه, في وقت عُرف عن المتوكل سعيهُ الحثيث في هدم قبر الأمام الحسيــــن (عليه السلام), وتتبعه شيعة أهل البيت تحت كل حجر ومدر بين تنكيلٍ وتقتيلٍ وتشريدٍ وانتقدهُ بعض علماء الشيعة بسبب مدحهُ لأبن عربي في كتابهِ الأسفار الأربعة واشتراكهُ معه في نظرية وحدة الوجود وذمهُ كل من الشيخ محمد باقر المجلسي صاحب " بحار الأنوار" والميرزا محمد التنبكاني  والميرزا محمد باقر الخونساري الأصفهاني والميرزا حسين النوري, معتبرين ابن عربي عدوا للشيعة لاحتمال أقواله على عبارات الحقد والكراهية و تحامله عليهم ومزاعمه برؤيته لهم في عالم الكشف في صورة الخنازير وذمَّ منهجه في الفلسفة السيد أبو القاسم الخوئي, فوصف بعض عقائدهِ في العرفان بالعقائد الباطلة كقوله" ان الله جسم" والسيد محسن الامين العاملي بقوله: " واذا سلم صاحبنا من هذه المؤاخذة  أي بوحدة الوجود- فكل مؤاخذاة الأخرى يهون أمرها وليس الأنسان معصوماً من الخطأ", ولعدة أسباب تتصل بالخوض في المناهج الفلسفية والعرفانية إضافة لمصاهرته الملا صدرا , ذهب الفيض الكاشاني ولد سنة 1007 هـ , مذهب القائلين بوحدة الوجود واتفق كثيراً بالرؤى والاستنتاجات المطروحة من قبل الفلاسفة الصوفية, يقول صاحب " لؤلؤة البحرين" فيه, ان لهُ من المقالات التي جرى فيها على مذهب الصوفية والفلاسفة ما يكاد يوجب الكفر والعياذ بالله- مثل ما يدل في كلامه على القول بوحدة الوجود- ويضيف – وقد وقفت له على رسالة قبيحة صريحة في القول بذلك وقد جرى فيها على عقائد ابن عربي الزنديق وأكثر من النقل عنه, وان عَبّر عنه " ببعض العارفين في كتاباته", وكذلك الشيخ محمد طاهر القمي والشيخ علي الشهيدي العاملي حيثُ نُسب إليه كثيراً من الأقـــــــــــــــاويل والآراء الباطلة العاطلة التي تفوح منها رائحة الكفر, إضافة الى انتقاد بعض الفقهاء له ومحاولته  الطعن في شخصيات ورموز مهمة كالشيخ الكليني والقمي والطبرسيّ, ولعل شخصية شمس الدين ابو عبد الله محمد بن مكي العاملي المشهور "بالشهيد الأول" تعد من أبرز الشخصيات المهمة في وضع الحجر الأساس واللبنة الأولى في عقيدة تسخير الملائكة والجن وادخالها متون الفقه الامامي وذلك من خلال تأثره بالعقيدة الصوفية الرائجة والمنتشرة في تلك العقود من الزمن, وأيضاَ من خلال دراسته على كثير من فقهاء المذاهب الأخرى كقاضي قضاة مصر برهان الدين ابراهيم بن عبد الرحيم, وشمس الدين محمد بن عبد الله البغداديّ الحنبليّ, وشمس الأئمة محمد بن يوسف القريشيّ الكرمانيّ الشافعيّ, وشهاب الدين أبو القاسم احمد بن الحسن الحنفيّ, ثم أنهُ "عفَ" يصرّح بروايته عن أربعين منهم وذلك في اجازته لأبن الخازن " وأما مصنفات العامة ومروياتهم, فأني أروي عن نحو اربعين شيخاً من علمائهم بمكة والمدينة ودار السلام بغداد ومصر و دمشق وبيت القدس ومقام ابراهيم الخليل", فيروي صحيح بخاري عن جماعة كثيرة بسندهم الى البخاري وكذا صحيح مسلم ومسند أبي داود وجامع الترمذيّ, ومسند احمد بن حنبل , وموطأ مالك ومسند الدارقطني, ومسند ابن ماجة والمستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري, وبالرجوع الى كلام الشيخ مرتضى الأنصاري ت سنة 1281ه في كتابه المكاسب المعروف من بين كتب الفقه والمعتمد لدى جميع فقهاء المذهب المتأخرين, نرى أنهُ يستند الى كلاماً للشهيد الأول والشهيد الثاني سيأتي ذكره بأنهما "قد عدا من السحر واستخدام الملائـــــــــكة واستــــــــنزال الشيـاطين في كشــــــف الغائبات وكلام المصاب واستحضارهم وتلبيسهم بدن الصبي او المرأة وكشف الغائبات على لسانه " أ. ه كلام الشيخ الأنصاري, ومن هذا الكلام الأخير وما ذكر أنفاً من سيرة حياة الشهيد الاول ودراسته كتب علماء الســـــنة سيما صحيــــــحي بخاري ومســـلم, كان لِزاماً أن تبدوا امارات التأثـــير عليه واضحة ونفاذ بعض عقائدهم الى فكره جليّة, فنرى مثلاً كيف أن رواية تلبسّ الشيطان ببدن الصبي التي يرويها البخاري وخروجه على شكل جرو أسود بفعل ضرب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لصدر الطفل او روايات تصور الشياطين والجن على هيئة البشر وغيرها من روايات مغلوطة قد اعتمدت من قبل جناب الشيخ لتصبح فيما بعد ذريعة وحجة لمباحث ومباني فقه عدد لا يُستهان به من الفقهاء, وللقارئ ان يضع خطاً تحت عبارة بدن الصبي او المرأة التي أستّلت نصاً من رواية البخاريّ, وغيرها من الروايات التي لم يأخذ التحقيق والتدقيق فيها نصيباً ولو ان حياة النبي(صلى الله عليه واله وسلم) بتفاصيلها المعلنة لقرابة العقدين ونصف من السنين وعدم تكرار حادثة الجرو الاسود المزعومة خلالها كفيلة بالإعراض عن أي تحقيق بل أن تسفيهها يُّعد علامة جيدة تدل على نباهة وفطنة أئمة الحديث, ونرى بتساوق ملفت للنظر إيمان الشهيد الاول " عف" بادعاءات الصوفية بإمكانية تسخيرهم الملائكة والقول بقولهم, وما كان ذلك ليتم لولا دراستهُ على كبار أئمتهم ويظهر ذلك واضحاً من خلال تجواله في عدد من الامصار, في عصر كانت العقيدة الصوفية وحدها المهيمنة على الساحة الفكرية والاجتماعية, وأيضاً عبر أشعارهُ الممجدة المشيدة بالسلوك الصوفي, وكأنهُ قد أعتنق ذلك المذهب وآمن به كل الإيمان, ويقول معيباً على أهل التطرّف منهم:-
لا بالدفوف ولا بالعجب والصـــــلفِ         بالشـــــــــــوق والذوق نالوا عزة الشـــرفِ
ومذهــب القوم أخــــلاق مطهـــــــرة        بها تخلقت الأجســــــــــــــــــــاد في النطفِ
صبرُ وشكرُ وإيثارُ ومخمصــــــــــة         وأنفسْ تقـــــطع الأنفـــــــــاسُ باللــــــــهفِ
والزهــــــــدُ في كلِ فاقٍ لا بقـــاءٌ له         كما مضـــــــــت ســـــنة الأخيار في السلفِ
قومٌ لتصــفية الارواح قــــد عمــــلوا        وأســـــــلموا عوض الاشــــــــباح للتــــلـفِ
  ان من المفارقات العجيبة المرصودة في سيرة الشيخ الشهيد أضافة لما ذكر من ميل للصوفية وعلومهم هو نحوه لمنهج التكلف في الاستنباط الفقهي بطريقة لم يعرف لها تاريخ فقهاء المسلمين مثيل فنراهُ يعكف على تأليف كتابيه "الألفية" في واجبات الصلاة و"النفلية" ثلاثة الاف نافلة في الصلاة, واذا كان البعض يعدُ تلك الأعمال بمثابة" الانجازات العملاقة" في منهج كبار الفقهاء, وسعياً محموداً لأحداث, قفزة نوعية في عالم الفقه, أومن قبيل أحقية المجتهد لإبراز مواهبه العلمية فأن واقع حال الشريعة الإسلامية يذهب إلى عكس ذلك تماماً, فثمة عدد من آيات الكتاب وروايات أهل البيت(عليهم السلام)تدعوا إلى منهج التيسير وعدم التعسير والتضييق قال تعالى:{ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ}{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}, وقال النبي  (صلى الله عليه واله وسلم):" أتيتُكم بالشريعة السمحاء" , وقال أيضاً: " يسروا ولا تعسروا" , الى كثير من الآيات والروايات الإسلامية الحاثة على هذه الطريقة وهذا النهج في التبليغ, وأما الشيخ بهاء الدين حيدر الآملي فيمكن عدّهُ حلقة الوصل المهمة والوثيقة للتقريب بين المدرسة الصوفية والمدرسة الامامية, بل ان ذوبانه وانصهاره في العقيدة الصوفية جعلت منه الفقيه الأوحد من بين الفقهاء ممن بانت مساعيه الحثيثة نظرياً وعملياً بدعوة عدم التفريق بين المدرستين, ويتضح ذلك المسعى النظري من خلال مؤلفاته كما أسلفنا وعبر مسيرة حياته الحافلة بالتنقل بين الجبال والوديان ومعرفة أحوال الجليّ والخفيّ من أئمة الصوفية ومريديهم فيذكر  في تفسيره الشيخ" العارف" نور الدين الأصفهاني الطهراني الذي كان استاذهُ في السير والسلوك, وكيف أنَّهُ لبسَ خرقة التصوف, وان كان مجهولاً يعيش فــــــــي أصفهان واجتـــــماعه به في قريـــــــة "دردشـــــــــت" واجراء عقد الفتوة والاخوة بينـــــــهما, كما يذكر عارفاً آخراً في النجف الاشرف تعلم لديه شرح الفصوص للقيصري وشرح منازل السائرين للتلمساني وأسمهُ عبد الرحمن بن احمد القدسيّ, ثُم أنهُ يلفت النظر ويفتخر بأن شرح الفصوص الذي كتبهُ في أواخر حياته كان تلبيةً لطلب بعض المحبين العرفاء بعد عجزهم من الانتفاع بشروح غيره كشرح الجندي والكاشاني وبعد ممارستهم لهُ نظرياً وعملياً وان هناك عدد غير قليل من عرفاء قرن السابع الهجري ممن تتلمذ على أيديهم وممن لم تصل أسمائهم إلينا, واما خوضه في علوم الصوفية الغريبة فيترجمها كتابه السر المستتر في العلوم الغريبة والجفر, جاء في موسوعة طبقات الفقهاء- انهُ حببَّ إليه التصوف فأعتزل الوزارة وتزهد ولبس خرقة التصوف ولهُ مؤلفات عديدة منها- لبَّ الاصطلاحات الصوفية – ومدارج السالكين في مراتب العارفين, وجامع الأسرار ومنبع الأنوار- ونص النصوص في شرح الفصوص, فيما أعتبر كتابه الأخير من قبل صاحب أعيان الشيعة دليلاً على غلوه في التصوف, ولا يبتعد الشيخ الشهيد الثاني زين الدين بن علي الجبعي العامليّ 911-965ه عن سابقيه في ميله للصوفية وتأثرهُ ببعض علومهم وعقائدهم, ثُم تأثره الجلي بسيرة الشيخ الشهيد الأول محمد بن مكيّ العاملي, أذ ليسَّ من العسير الناظر في سيرته ان يُحدد مواطن الالتقاء ووجوه الشبه بالعديد من مفاصل حياته العلمية كأسفارهُ متنقلاً بين البلدان ومحاكاته آراءهِ الفقهية والفلسفية ودراسته على شيوخ المذاهب الاسلامية المختلفة, واعتكافه لدراسة أهم مؤلفاته وشرحها بل ويزيد تنبأهُ بمصرعه على غرار ما حصل للشيخ الشهيد الاول من وثاقة عرى الارتباط النفسي والروحي واقتفاء الأثر؛ فألتحق في اجتماعات الدروس عند الشيخ شمس الدين بن طولون وقرأ عليه جملة من الصحيحين واجاز روايتهما, وزار المقدس واجتمع بالشيخ شمس الدين بن ابي اللطف المقدسي, وقرأ عليه بعض صحيح البخاري وبعض صحيح مسلم وأجازهُ إجازة علمية , ودرس عند ستة عشر من أساتذة مصر, منهم شهاب الدين بن أحمد الرملي الشافعيّ, والملا محمد علي الكيلاني, والشيخ شهاب الدين بن النجار الحنبليّ, والشيخ أبو الحسن البكريّ, والشيخ زين الدين الجرميّ المالكيّ, والشيخ شمس الدين الديروطيّ, والشيخ شمس الدين محمد بن عبد القادر الفرضيّ الشافعيّ , وتعلم من خلالهم مختلف مفاهيم وأصول مذاهب أهل السنّة- ثم عَنَّ لهُ السفر الى الروم والاجتماع بأهل العلم والعلماء ووصل إلى القسطنطينية فأقام فيها مدة, وفي عام 952ه من شهر رجب توجه بحراً الى مدينة" أسكدار" وفيها أجتمع برجل هندي لهُ فضل ومعرفة بفنون كثيرة منها الرمل والنجوم وعلوم الفلك, وبعــــــد عودته من الروم أقام بمدينة بعلبك وشرع بتدريس المذاهب الخمسة في المدرسة النورية, أن تأثر الشيخ الشهيد الثاني بالشهيد الأول من جهة والعمل على ادخال بعض علوم أهل السُنة وبعض عقائد الصوفية الى فقه أهل البيت من جهة ثانية, يتبين بوضوح من خلال ذكر مصطلح تسخير الملائكة والجن وعدّهُ من السحر في كتابه" مسالك الافهام في شرح شرائع الإسلام" – ودراسته لحكمة الاشراق للسهروردي, وتتبع مؤلفات الشهيد الأول بالشرح والتحقيق ككتاب المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية- والفوائد الملية في شرح النفلية والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية, اضافة الى بعض كتب الطب مثل غاية القصد في معرفة الفصد والموجز النفيسي وغيرها, واخيراً يمكن للقارئ ان يدرك بفطنته مزيداً من اوجه الشبه بين حياة الشهيدين منها مقدار التزام الفقيهين بالتقية المكثفة التي لم تشفع لهما رغم انكبابهما على دراسة مذهب أهل الســــنة, واستــــــــبعاد ان يكون ذلك بمحض ارادة ورغبة حقيـــــــقية تنبع من إيمان بذلك المذهب فالمتتبع لسيرة المئات من فقهاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)لا يمكنه العثور على أي اقدام من هذا النمط – نعم قد يكون مجرد الاطلاع والعلم لإظهار الحقائق وافحام المقابل وفقاً لمقولة" اعلمهم أعلمهم باختلافهم" اما ان يكون ضرب أكباد الابل وقطع الفيافي والقفار, ومن ثم التأثر بمختلف المذاهب والعقائد على نحو ما شهدناه- فهذا ما لم يحصل البتة بل العكس من ذلك تماماً فانّا نجد ثمّة رواية يعرفها القاصي والداني والمقلّد قبل الفقيه من حديثٍ للإمام محمد الباقر(عليه السلام) لسلـمة بن كهيل والحكم بن عتيبــــــة وقوله لهما شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا أهل البيت, لذا فلا نحسب ان الشهيدين" عف" قد وفقا صوّب المسعى والهدف بل ان ما كان يخشى منه قد وقع, إذ تمكن بعض فقهاء المذاهب الأخرى من الوشاية بهما عند الوالي العثماني واستحلال دمهما بحجج وذرائع باطلة جاهزة للانتقام منهما- وثمة اسباب اخرى مجهولة تتعلق بسبب هذا الاقدام كانت قد قتلت معهما, والله العالم بالسرائر, نقول ومما تقدم يتبين سرّ تسرب مصطلح تسخير الملائكة الى مدونات الفقه الشيعي وتحديداً الرسائل العملية, اذ نجد الأجوبة المكرورة والمتداولة بين الفقهاء وتسلسلها من فقيه لآخر كما نلمس ذلك التردد الواضح والتأرجح وعدم القطع, وكأنهم قد أوقعوا أنفسهم في حرج شديد وحيرة فهم من جهة يتلون آيات الذكر الحكيم التي تحدد عمل الملائكة بالطاعة وتلقي الاوامر منه عز وجل فهم يتبعونه في قوله ولا يقولون حتى يقول فلا يسبق قولهم قوله ولا عملهم عمله, قال تعالى:{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (الأنبياء/27) إضافة لمنهج وسيرة اهل البيت(عليهم السلام)والذي يخلوا من أي ذكر أو إشارة الى هذه القضية, بين ما اتفق عليه السلف من إيراد هذا المصطلح والجواب عليه عبر بوابة أو ظاهرة التقليد التي لا يراد الاعتراف بتأثيرها على الواقع الفقهائي, والجواب التالي عن السؤال المطروح يعتبر أنموذجاً لأجوبة تكاد تقرأ في كل الاستفتاءات.  سؤال 675 - هل يجوز تسخير الملائكة, وهم يعملون بأمره عزّ وجل بنص الذكر الحكيم؟        الجواب : لا يجوز ذلك , وان أمكن تسخيرهم والله أعلم.
مسألة 20- عمل السحر حرام وكذا تعليمه وتعلمّه والتكسّب به والمراد منه ما   يوجب الوقوع بالوهم بالغلبة على البصر أو السمع او غيرهما, وفي كونه تسخير الجن أو الملائكة أو الانسان  من السحر أشكال, والأظهر تحريم ما كان مضراً بمن يحرم الأضرار به دون غيره..! هذا ولم يقتصر الأمر على هذا العدد الكبير من الفقهاء المتأثرين  بالمنهج الصوفي, وانما تبعهم طائفة ممن يُسمّونَ بأهل العرفان والفلسفة الجامعة- المشائية – والإشراقية من خلال اقتفاء أثارهم وتقليدهم عقائدهم مع فسولتها ومعارضتها الشديدة لأحكام الشرع كالأيمان بالطلاسم والاحراز والأوراد الطويلة وأقوالهم بالأحوال والمعاجز والمكاشفات ورؤية الأموات في الحياة الدنيا يقظة أو حياة بعض الصالحين واعتماد آرائهم الفلسفية كالقول بوحدة الوجود والمفارقة ان يكون من كبار المتصوفة من ينبز مذهب الشيعة ويطعن بعقائدهم ويحُقر منـــــزلتهم ويمـــــتدح اعدائهم, وربما وصــــــــل الأمر به إلى تكفيرهم كالذي جـــــاء في الفتوحات المكية لكبيرهم محي الدين بن عربي في قصة يقول فيها:  "وكان هذا الذي رأيته في "دنيسير" قد ابقى عليه كشف الروافض من أهل الشيعة سائر السنة فكان يراهم خنازير فيأتي الرجل المستور الذي لا يعرف منه هذا المذهب قط- وهو في نفسه مؤمن به- يدين به ربه- فإذا مرَّ عليه يراه في صورة خنزير فيستدعيه ويقول له تب إلى الله! فإنك شيعي رافضي, فيبقى الآخر متعجباً من ذلك فإذا تاب وصدق في توبته رآهُ إنساناً- وان قال بلسانه" تبت" وهو يضمر مذهبه لا يزال يراه خنزيراً فيقول له كذبت في قولك " تبت" واذا صـدق يقول له  "صدقت" ... فيعرف ذلك الرجل صدقه في كشفه – فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضي", ويضيف " الشيخ الأكبر" – وقد جرى هذا على رجلين عاقلين من أهل العدالة من الشافعية ما عرف منهما قط التشيع ولم يكونا من بيت التشيع غير أنهما أداهما اليه نظرهما وكانا متمكنين من عقولهما فلم يظهرا ذلك وأصرا عليه بينهما وبين الله فكانا يعتقدان السوء في أبي بكر وعمر ويتغالون في عليّ- فلما مرّا به ودخلا عليه أمر بإخراجهما من عندهِ .. فأن الله كشف له عن بواطنهما في صورة خنازير, وهي العلامة التي جعل الله له فيها أهل هذا المذهب وكانا قد علما من نفوسهما أن احداً من أهل الارض ما أطلع على حالهما- وكانا شاهدين عدلين مشهورين بالسنة فقالا له في ذلك- فقال" أراكما خنزيرين"  وهي علامة بيني وبين الله- فيمن كان مذهبه هذا.. فأضمرا التوبة في نفوسهما فقال لهما أنكما الساعة قد رجعتما عن ذلك المذهب.. فأني أراكما انسانين فتعجبا من ذلك وتابا..!!
  وفي محاضرة الابرار ومسامرة الأخيار يقول :"وقد اجتمعنا برجل منهم في شهر رجب وهو محبوس في بيته قد حبسته هذه الحالة-وهو بائع للجزر والخضر غير  أني سألته عن حالته فأخبرني بكيفيتها على ما كان علمي منها وكان يخبر بعجائب.. فسألته.. هل بقي لك علامة في شيء؟ قال.. نعم.. ليّ علامة من الرافضة خاصة أراهم في صورة الكلاب لا يستترون عني أبداً, وقد رجع منهم على يده جماعة مستورون لا يعرفهم أهل السنة الاّ أن منهم عدول- فدخلوا عليه.. فأعرض عنهم وأخبرهم بأمرهم فرجعوا وتابوا وشهدوا على أنفسهم بما أخبر عنهم مما ليس عند احد من غيرهم خبرهِ...! وتتمة لما أسلفنا من تتبّع آثار تأثر بقية المذاهب بمذهب التصوّف فأنا نجد ان مذهب الحنابلة من أكثر المذاهب الإسلامية بعد مذهب الأمامية تأثراً وميلاً تجاه العقيدة الصوفية سيما في القرن السابع الهجري وما يليه, ويتضح ذلك التأثر والميل جلياً من خلال تسرب أعداد مهمة من رموز المذهب وأئمته واعتناق العقيدة والدفاع عن فلسفتها وانحيازهم إليهم حتى بعد وفاتهم!! والغريب في الأمر ان يكون هذا المذهب تحديداً وهو الأكثر تشدداً في علم الحديث والفقه والعقائد الأخرى والمنافح عن آثار السنة النبوية كما يدعي أئمته واذا به يصبح من أكثر المذاهب خرقاً لسياج الشريعة من خلال ادخال البدع تلو البدع, فنرى مثلاً أحمد بن حنبل نفسه يعين ويؤسس لعقيدة المس بصبغة جديدة وسنة فريدة تدعوا لاستعمال" النعل" لإخراج الجن من بدن الإنسان فضلاً عن كثيراً من آراء في الفقه واجتهادات تراجع عن معظمها قبل وفاته! , ويستمر تلامذته ومن سار على نهجه كأبن القيم, وابن تيمية باجتهاداتهم الغريبة والشاذة في هذه المسألة وغيرها إلى الحد الذي يطفح الكيل بعلماء الإسلام من أهل السنة للرد عليهم بحزم ونعتهم بأقذع أوصاف الجهل والطيش والغرور, واذا كان هذان الرجلين قد أنكرا على الصوفية  في ذلك العصر ما شاهداه من بدع ومخاريق ومحاولة اقامة المناظـــــــــرات لأبطال حجــــجهم فلقد تفتق ذهنيــــهما عن عقائد سخيفة وتوهمات أصبحت بدع الصوفية لا تساوي شيئاً ازاء تلك المعتقدات والاجتهادات المجانبة للعقل فضلاً عن الكتاب والسنة, وفي منتصف القرن المذكور أيضاً نرى عدد غير قليل ممن ألتجأ الى الصوفية وأخذ عن طرقهم ولبس خرقتهم ودفن في مقابرهم وهم:-  أولاً: الشيخ عبد القادر الجيلاني –البغدادي ت سنة 561ه وهو من كبار الصوفية الحنابلة, وقد صدرت منه أقوال فيها  غلو وبعد عن روح المذهب الحنبلي منها قوله" وانا لكل من عثر مركوبه من أصحابي ومريدي ومحبي الى يوم القيامة آخذ بيده, وعلى الصوفي اذا طرح خرقته في حلقات السماع لا ينبغي له ان يعود فيأخذها واذا أمره  الشيخ بأخذها فليمسكها امتثالاً لأمره ثم يعطيها لغيره بعد ذلك.
   ثانـياً: الفقيه هبة الله بن حبيش البغدادي ت سنة 563ه, وكان مقدم جماعة الصوفية في رباط " بدر زيجان" بضواحي بغداد.
  ثــالثاً: عثمان بن مرزوق المصري ت سنة 564ه, وانتهت اليه تربية المريدين بمصر وأعمالها وعظموه الشيوخ وحكموه فيها.
رابعــاً: جاكير محمد بن دشم الكردي ت سنة 590ه, وكان له اتباع ومريدين وزاوية بسامراء.
خامساً: الفقيه عمر بن مسعود الفراس البغدادي ت سنة 608ه, تفقه على يد الشيخ الجيلاني وسلك طريقته وانقطع في زاوية له وقصده الناس بالنذور والفتوح وتاب على يده خلق كثير وألبسهم الخرقة.
سادساً: المقرئ عفيف الدين بن دلف البغدادي ت سنة637ه, كان صوفياً متفرغاً لقضاء حوائج الناس والسعي في الشفاعات لدى الصدور والوزارات والأمراء.
 سابعـــاً: الحافظ محمد بن ابي الحسن البونيني ت سنة 658ه, ويعد من أقطاب صوفية عصره.
ثامنـــاً: أبو القاسم بن يوسف الحواري ت سنة 663ه, وله زاوية واتباع في بلدة حواري من بلاد الشام و مريديه لا يحضرون سماعاً بالدف.
تاسعـــاً: الشيخ الفقيه احمد بن الشيخ العماد المقدس ت سنة 868ه تفرّد وأنصرف في زاوية له وصار له اتباع لا عمل لهم إلا الأكل والبطالة.
 عاشــراً: قطب الدين موسى بن الصوفيّ محمد البونيني ت سنة 726ه وهو صوفي حنبلي لم ينكر على الصوفية فعالهم الغريبة للشرع والذوق السليم فمن ذلك روى ان الصوفي أبا محمد بن شكر البونيني ت سنة 764ه داوم على خشونة العيش والمجاهدة حتى حصل على يبس في دماغه أفسد مزاجه وأورثه تخيلات باطلة. وأما من يصّرح – بانتمائه فمنهم:- الواعظ سعد الله بن نصر البغداديّ ت سنة 645ه, كان مخالط للصوفية فلما مات دفن برباط لهم, ولم يزل الحنابلة بأبنه حتى نبش قبرهُ ليلاً بعد خمسة أيام من وفاته ودفنه بمقبرة الأمام أحمد بن حنبل.
الثاني: الأديب يحي بن يوسف الصرصري البغدادي الضرير ت سنة 656ه  خالط
     الصوفية ولبس خرقتهم وحضر سماعهم.
الثالث: الطبيب أبو اسحاق بن احمد الرقي الدمــــــشقي  ت سنة 703ه, وكان يحضر
     أحياناً غناء الصوفية.
الرابع: المؤرخ عبد الرزاق بن الفوطي البغــــــــــدادي ت سنة 623ه, وخالط  الصوفية
     ولبس خرقتهم وبالغ في الثناء عليهم وسكن معهم في أربطتهم لقلة ذات يده ودفن في مقبرة الصوفية.
 ومن تولى مشيخة الصوفية في أربطتهم الفقيه هبة الله بن حييش الفقيه ابو أسماعيل عبد الله الأنصاري الهروي ت سنة 648ه, واتهم بالأتحاد والحلول...

تسخير الارواح والملائكة  بواسطة الدعاء
   لاريب ان للدعاء في العقيدة الإسلامية شأن مهم وذو مكانة  ومنزلة قد حثَّ الشرع المقدس للتمسك بها كون الدعاء يمثل روح العبادات المفروضة والمندوبة من جهة, ومن جهة أخرى يعتبر أصلاً أصيلاً لجميع صور تلك العبادات وآية واضحة الزم الحق نفسه بالاستجابة للداعيّ, وان كان على حساب رد القضاء وقد أبرم إبراماً ولهذا السبب فقد كثر الاهتمام به من قبل المسلمين الأوائل الى درجة أنهم كانوا لا يرغبون بشيء من عند الرسول والأئمة من بعده (عليهم السلام) قدر رغبتهم بتعليمهم الأدعية  أو الدعاء لهم, فيما كانوا(عليهم السلام)وايماناً منهم بخطورة هذه الشعيرة كونها تمثل سلاحاً ذو حدين يرقبون ويرصدون أي خلل من شأنه توهين  عقيدة المؤمنين أو دفعهم نحو مهاوي الشرك وسبل الكفر والضلال...
   لقد بينَّت العديد من الروايات الاسلامية انهم كانوا يحرصون  أشد الحرص على ان يكون أمر الدعاء أمراً توقيفياً لا ينبغي لأي أحدٍ مهما قربت منهم منزلته وقوى إيمانه من اختراع الادعية أو محاولة تقديم وتأخير بعض الكلمات والعبارات الواردة في أدعيتهم, وان أعطت المراد والغرض من الدعاء.
  فقد جاء في صحيح البخاري من حديــــــث البـــــــــــراء بن عازب قول رســـــــــــول الله
(صلى الله عليه واله وسلم) يا براء ... كيف تقول إذا أخذت مضجعك؟
قال: قلتُ الله ورسوله أعلم.  قال(صلى الله عليه واله وسلم): أذا آويت الى فراشك طاهراً فتوسد يمينك ثُم قل(" اللهم أسلمتُ نفسي إليك وفوّضتُ أمري إليك, وألجأتُ ظهري إليك رغبة ورهبةً إليك لا ملجأ ولا منجي الاّ إليك آمنتُ بكتابك الذي أنزلت, ونبيك الذي أرسلت"), من قالها في ليلة ثم مات... مات على الفطرة, قال البراء: قلتُ أستذكرهُنَّ... وقرأ الدعاء حتى إذا أنتهى الى كلمة ونبيك الذي أرسلت – قال : ورسولك الذي أرسلت, فقال بيدهُ في صدره ... لا ... ونبيك الذي أرسلت!.
  وفي رواية عن اسماعيل بن المفضل قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)عن قول الله عزّ وجل "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " قال : فريضة على كل مسلم ان يقول قبل طلوع الشمس وقبل الغروب عشر مرات " لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حيٌّ لا يموت بيدهُ الخير وهو على كل شيء قدير, فقلتُ: لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت, و يميت ويحي فقال: يا هذا.. لا شَّك في ان الله يحي ويميت و يميت ويحي ولكن قل كما أقول... وفي حديث العلاء بن كامل: قال : سمعتُ ابا عبد الله (عليه السلام) يقول وأذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفةً ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين... وعند المساء تقول: لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت و يميت ويحي وهو على كل شيء قدير قال فقلتُ: لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت و يميت ويحي بيدهُ الخير وهو على كل شيء قدير, قال: أن الله هو بيده الخير ولكن قل كما اقول: والذي يكلم القلبُ ويحز في النفس أن ما يُخشى عليه قد وقع فعلاً وما حذّر منه أهل البيت(عليهم السلام)صار بتوالي الدهور سّنة محمودة يثابُ عليها فاعلها ويمتدح عليها واضعها بأجمل عبارات المديح والثناء... والأدهى من ذلك والامر أن تحوي تلك الادعية ضروب الشرك والكفر وألوان الأساطير والخرافات وان تزَّين مساجد المسلمين ودور العبادة والعديد منها وهي تأخذ مكانةً ومكاناً أكبر وأوسع من كتاب الله وأهل البيت(عليهم السلام)- ولا ريب أن قضية الأدعية ليست بدعاً من سائر العقائد والأحكام التي نالت حضها الأوفر من الاجتهادات المخالفة لنصوص الشرع سيما خلال القرون الثلاثة الوسطى - السابع – الثامن – التاسع الهجري فبعد ما أثبتنا بالدلائل القاطعة سريان تأثر من علماء الشيعة بالعقيدة الصوفية من خلال تلك المرحلة وإدخالهم بعض عقائدهم متون الفقه الامامي فلا شَّك ان تكون الادعية الصوفية حاضرة في العديد من المؤلفات والمصنفات الدعوية – ولعلَّ أوضح مصاديق ذلك التأثر نجده بداية في مؤلفات الشيخ الخواجة الطوسيّ – فنقرأ لهُ ادعية مخترعة بلباس صوفي محض وبعيدة عن خط أسلافه من الفقهاء فضلاً عن منهج أئمة أهل البيت(عليهم السلام) جمعها في كتاب "مصباح المتهجد" فقد ضَّم بين دفتيه أصنافاً من الادعية المنسوبة الى الأئمـــة    (عليهم السلام)أو من الإنشاءات والاختراعات لعندية أو الاوراد والاذكار الصوفية المعروفة بطولها واكتنافها مصطلحاتهم ومسمياتهم المتداولة بينهم اضافة الى خلوا معظمها من السند "الرواة "وركاكتها من جـــــهة البيان وفقدانها اهم ركيزة في الأدعية وهو المضمون والهدف الذي كتبت من أجله هذه الأدعية وهي سمة واضحة من سمـات أدعية الأئـــــــمة (عليهم السلام) وما يميزها عن سائر الأدعية الأخرى, ثم نقرأ لهُ في مواضع أخرى تتبعّاً جلياً لخطى أقطاب الصوفية من شطحات غلو بأهل البيــت   (عليه السلام)ومن ذلك ما ذكره في بعض كتبه من صور التعّبد والدعاء والاستغاثة ببيت من شعر يقال مئة مرة..
يا قــــــــــاهــــــــــــــــر العــــــــــدو يا والي الولي       يا مظهر العجائب يا مرتضى علي
وربما كان هذا البيت من الشعر قد أستل حرفياً من انشاءات الصوفية وتحديداً من كلام القطب الشيخ عبد القادر الكيلانيّ ت سنة 561ه حيثُ ذكره في كتابه " الفيوضات الربانية في المأثر والأوراد القادرية " ما نصهُ:
نــــــــــادي علـــــــــــــــــياً مظهــــــــــــــر العـــجائب         تجـــدهٌ عـــــــــــوناً لك في النـــــــــــــــــــــوائب
كل همٌ وغمٌ سينجلي بنبوتك يا محمد         وولايتك يا علــــــــــــي يا علـــــي يا علي
وليس من المستغرب ان تنسج حول ابيات الشعر هذه وصيغة الأدعية بهذه الشاكلة العديد من القصص والروايات والأساطير الخرافية كرواية الحطاّب والدرة.
 وهذه القصة مشهورة ومعلومة متداولة في أسواق الكتب ومنتشرة في كثير من المشاهد والاضرحة ومفادها ان رجلاً أسمهُ " عبد الله" كان يعمل في بيع الحطب, وفي يوم من الايام خرج كعادته إلى البر لجمع الحطب ولما لم يجد شيئاً من ذلك وبينما هو في حيرة من أمره أذ خرج عليه فارس بهي الطلعة عظيم الشأن فأمره أن يأخذ بعض الأحجار التي بالقرب منه لتتحول إلى احجار كريمة ثم ليوصيه بعد ذلك ان يردد البيتين من الشعر نادي علياً مظهراً العجائب في كل محنة يقع فيها, وفعلاً يعمل الرجل الفقير بما أوصاهُ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) ومن المؤكد ان يتلاقف أرباب " التشيع الدنيوي" والمسترزقين على موائد "الغيب والغيبيات" وقصص الخرافة هذا اللون من الطرح في الوسط الشيعي الموالي لأهل البيت(عليهم السلام) فيزيدون عليها ما وسعهم الزيادة ويضيفون اليها من عندهم الشيء الكثير لتصبح بعد ذلك من العقائد الراسخة والأصيلة في المذهب ولا عجب ان يَرى كثيراً من عوام المسلمينَّ بل حتى من طوائف المتشرعة"  تنزلاً عند قاعدة التساهل في أدلة السنن" المعمول بها وهم "يبتاعون الحلوى والمكسرات في ليلة الجمعة" ثم ليقرأ عليها هذه القصة وبعد ذلك يشرعوا في طلب الدعاء والنذور وتوزيع ما بقي منها على الجيران إيماناً منهم بنزول " المدّد" من الامام وتحقيق امنياتهم ومنهم من يستعمل الطلسم المباع في الأسواق والحاوي على أسم الأمام علي (عيه السلام) والمحاط بالآيات والسور القرآنية الى جانب أبيات الشعر السالفة الذكر أذ يؤمن من يحمله في الجيب أو من يقوم بتعليقه على واجهات المحلات والدور والعجلات ان له آثار عجيبة للأـمان وجلب الأرزاق ودفع الآفات والامراض ومن بين صور الاستغاثة والدعاء والنذور ما يفعله الكثير من عوام المسلمين تأسياً بالفكر الصوفي ومعتقداته هو وجود نبي من أنبياء الله أسمهُ " الخضر" يعيش بالقرب من مجاري الانهار وانه حيّ الى الآن وسيبقى الى أن يأذن الله لهُ بالظهور وان من دواعيّ وجوده هو تسليتهٌ للإمام المهدي (عجل الله فرجه) فهم يقومون بإلقاء التحية والسلام ويثنون صدورهم عند عبور تلك الأنهر ويعبّرون عنه باسم  " حي الدارين" أي دار الدنيا ودار الآخرة, الى غيرها من ممارسة الطقوس الخاصة بزيارة ما يعتقدون انها مقامات له منتشرة كثيراً في بلاد المسلمين..!!
على ان من المؤسف في امر هذه المعتقدات أنها تحصل أمام مرأى ومسمع كبار فقهاء التقليد ومراجع الدين من دون نهي عن منكر وأمر بمعروف, وهم يعلمون اثر تلك المعتقدات على عقيدة التوحيد ذلك الأصل الأول من أركان دين الاسلام الذي حرص عليه أئمة الهدى من آل محمد على حمايته ورعايته وفي مقدمتهم أمام المتقين ومولى الموحدين علي (عليه السلام) الذين يروون هم أنفسهم انه كان اذا هالهُ أمر فزع إلى الصلاة...!! ثم يشتهر فقيه آخر بتدوين كل ما سقط عليه نظره وجنح له فؤاده من ادعية لم يعرف لها سنداً ولا أصلاً من الشرع وهو السيد علي بن موسى الرضا المعروف بأبن طاووس – مرَّ ذكره – فيجتهد في جمع عدة مؤلفات للأدعية أشهرها " مهج الدعوات" و "أمان الأخطار في الأسفار", وقد احتوت على معظم آثار الصوفية وعقائدهم في الطلاسم والأحراز وقصص الجن وشذاذ الأحزاب والأوراد, حتى كأنك حين تقرأها لا تبتعد كثيراً عن القراءة في كتب البوني الساحر الصوفي صاحب شمس المعارف وغيرها من كتب الدجل وشعوذة ويلمع في القرن التاسع الهجري نجم قلَّ نظيره ومثيله في جمع الأدعية وهو الشيخ تقي الدين ابراهيم بن علي المعروف بالكفعميّ – ويكرّس حياته لأجل إحياء هذا الفن الفريد فيتحف المذهب الجعـــــــــــــفريّ بمؤلفات من الأدعية  لتصبــــــح فيما بعد من أوسع مؤلفات الأدعية انتشاراً في المجتمع الشيعي- واهمها كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة والبلد الامين والدرع الحصين, ومع ان العنوان الأول يحوي أبواباً عديدة في الفقه والتفسير غير أنه ولكثرة فصول الزيارات والأدعية عدَّ من المؤلفات المخصوصة للأدعية, وقد تضمن أدعية غدت مثاراً للجدل وإثارة الشُبهات حول مصدره ونسبته للشيخ الكفعمي وذلك لأسباب منها ما أوصى به السيد ابن طاووس بقراءة أو حمل الكتاب – وهذا يعني ان الكتاب وصاحبه من المتقدمين على ابن طاووس ولا صلة للكفعمي به - الاّ ان يُقال انهُ أضاف إليه الكثير من الأدعية فهذا بحث آخر, ولأجل ذلك كثر الطاعنين بالكتاب ومؤلفه فقد ذكره الشيخ الميرزا نوري مستدركاً على كلام العلامة المجلسي في بحار الأنوار بقوله: "وكتاب مصباح الشريعة فيه بعض ما يريب اللبيب الماهر واسلوبه لا يشبه سائر كلمات الائمة سوى آثارهم, وان سنده ينتهيّ الى الصوفية ولذا اشتمل على كثير من مصطلحاتهم وعلى الرواية من مشايخهم ومن يعتمدون عليه في رواياتهم والله أعلم. أ.ه... وفي رياض العلماءذكر أيضاً من الكتب المجهولة كتاب مصباح الشريعة وقال عنه كتاب معروف متداول وقد يُنسب الى هشام بن الحكم على ما رأيت بخط الأفاضل وهو خطأ, أما أولاً: فلأنه أشتمل على الرواية عن جماعة هُم متأخرون عن هُشام, وأمّا ثانياً: فلأنه يحتوي على مضامين تُناديّ على أنهُ ليس من مؤلفاته بل هو من مؤلفات بعض الصوفية كما لا يُخفى لكن وصى به ابن طاووس . أ.ه.
   وانتقد الكُتاب الشيخ الحرّ العاملي في آخر كتاب الهداية بقوله وقد وصل إلينا ما ثبت عندنا كونه غير معتمد فلذا لم ننقل منه فمن ذلك كتاب مصباح الشريعة المنسوب للصادق (عليه السلام) فأن سنده لم يثبت, وفيه أشياء منكرة مخالفة للمــــتواتر
 وربما نسب تأليفه الى الشيخ زين الدين- الشهيد الثاني- وهذه النسبة باطلة لأنه مذكور في أمان الأخطار لأبن طاووس . أ.ه )) .
  ومن الأعلام المعاصرين الأمام الخميني ت 1410ه في كتاب المكاسب قوله: " بل لا يبعد ان يكون كتابه من استنباط بعض أهل العلم والحال ومن انشاءاته . أ.ه.
  نقول: أن جملة من الأدعية المزبورة في كتاب مصباح الشريعة كدعاء السيفي ودعاء الجوشن ودعاء أم داود ماهي إلا أدعية للصوفية مبثوثة في أمهات كتب أدعيتهم وان  وجدت بعناوين ثانية أو مقتبسة  لبعض فقرات تلك الأدعية.
    فدعاء السيفي هو دعاء مشهور لديهم أذ يعتبرهُ الصوفية من اعظم الأدعية وخاصة عند الطريقة القادرية, وقد ذكر في كتاب "سر الأسرار" للشيخ "عبد القادر الكيلاني", وفي كتاب" جامع الثناء على الله" للعلامة الشيخ يوسف النبهاني- ويعدّونه للحفظ والنصرة على الاعداء.
   كما وجدت بعض فقرات الدعاء مخطوطة منه في مكتبة " النور العثمانية" في إسطنبول في فن التصوف.
  وذكره أيضاً الشيخ أسماعيل النواب في رسالته المطبوعة على هامش الأحزاب الإدريسية في ترجمة سيد احمد بن ادريس اذ يروي " الحزب السيفي" عن الشيخ
المجيدري وهو عن قطب الجان عن سيدنا علي بن ابي طالب (كرم الله وجهه), ثم أنهم يروون لهذا الدعاء قصة مباركة النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) لهذا الدعاء بعد رؤية الشيخ عبد القادر الكيلاني للنبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) في المنام وسؤاله عما يحمل بيده؟ فقال له الشيخ: أنهُ دعاء السيفي– فطـــــلب منه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قراءته ثلاث مرات بدل  قراءته خمسمائة مرة!!!
    وأما دعاء الجوشن فيعرف عند الصوفية باسم" حزب الاسم الاعظم" وهو مطبوع في مصر في مكتبة البابي الحلبيّ.
   وقصة هذا الدعاء وأمره أهون من أن تصّدق ويتلى, وفيه ان جبريل(عليه السلام) نزل على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) , وعليه درعّ كبير ثقيل آلمهُ فأخبرهُ أن يخلع هذا "الجوشن" وان يقرأ هذا الدعاء فهو " أمان لك ولأمتك" ومن مزاياه أن من كتبه على كفنه أستحى الله ان يعذبه!!!
    قال عنه العلاّمة محمد باقر المجلسيّ في بحار الأنوار رواه جماعة من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) والله أعلم,  وعلى أية حال- فأن رأي المجلسيّ أعلاه قد سبقه حكمه على كتابيّ المصباح والبلد الأمين جملة بقوله: " لا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على الخلط والخبط..!!
   وفي دعاء " ام داود" يذكر المجلسيّ رأيه في جملة من ادعية الكتابين ويضعها ضمن  انشاءات علماء السلف ومن بينها دعاء أم داود.
    وفي معرض شرح الشيخ الكفعمي وتعليقه على هذا الدعاء يفصح بوضوح لا لبس فيه من خلال الاصطلاحات الصوفية وعقائدهم فيقول في هامش المصباح : " وقيل ان الارض لا تخلو من القطب, واربعة اوتاد واربعين ابدالاً وسبعين نجيباً وثلاثمائة وستين صالحاً , فالقطب هو المهدي(عليه السلام) ولا يكـــــــون الأوتاد أقل من أربعة لان الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود وتلك الاربعة اطنابها, وقد يكون الأوتاد اكثر من أربعة والأبدال اكثر من اربعين والنجباء اكثر من سبعين والصلحاء اكثر من ثلاثمائة وستين, والظاهر ان الخضر والياس(عليهما السلام) من الأوتاد وهما ملاصقان لدائرة القطب, واما صفة الأوتاد فهم قوم لا يغفلون عن ربهم طرفة عين ولا يجمعونَّ من الدنيا إلا البلاغ ولا تصدر منهم هفوات الشر, واما الأبدال فدون هؤلاء في المراقبة, واما النجباء فهم دون الأبدال, واما الصلحاء فهم المتقّون الموفون بالعدالة – جعلنا الله من القسم الأخير, والقارئ يلحظ جيداً في شرح الشيخ الكفعمي ما للصوفية من عقائد في الأقطاب والأوتاد والأبدال ومنازلهم ومراتبهم على حد زعمهم والتي تضاهي رتبة الأنبياء والرسل..!!   كما يلحظ تمسّكهُ وإيمانه بهذه العقيدة مع بعض العقائد الأخرى كحياة الخضر والياس (عليهما السلام)الباقية ودور كلُّ منهم ومســاندته للقطب – المهـــــدي(علية السلام)- وتسليته كما جاء في بعض الروايات المنقولة عن الأمام الرضا (عليه السلام) الى ان يأذن الله تعالى لهُ بالظهور, وليس خفيّ أيضاً منهج الشيخ وتأثرهُ بالعقيدة الصوفية من خلال الاجتهادات الخاصة الممتزجة بالنفس الصوفيّ كقوله مثلاً: " اذا أردت هلاك ظالم أو قضاء حاجة أن تقرأ أثني عشر ألف مرة البسملة وتصلي ركعتين تقرأ فيها البسملة " ألف مرة"  والحمد لله " ألف مرة" ولا اله إلا الله " ألف مرة, وتصلي على النبي واله" ألف مرة", أو مناهجه الغريبة واجتهادات العجيبة في كثير من المســـــــائل الإســـــــلامية ومطالب تخرج أبداً عن حدود المنهج العقلائي والتربوي لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) فيقول مثلاً في استغاثة خاصة بالإمام المهدي ان تكتب في رقعة وتطرحها على قبر من قبور الأئمة (عليهم السلام) أو تشدها واختمها وأعجن طيناً نظيفاً وأجعلها فيه وأطرحها في النهر أو بئر عميقة أو غدير ماء... فإنها تصل إلى صاحب الأمر وهو يتولى قضاء حاجتك!! إلى غيرها من قصص يوردها على نفس الطريقة مثل كتابة" قصة الكشمردية" وهي حكاية عن شخص موالي خلّصهُ الأمام علي(عليه السلام) من الشدّة "في المنام" حيثُ يزعم أن كتابتها على قُرطاس ويوضع في بندقة طين ثُم ترمى في البحر أو النهر أو البئر ليحصل الفاعل نظير ما حصل ذلك المواليّ من فرج..!!
  ولعل أبرز ما يحوي كتابيه –طوائف من الأدعية يدعّي نسبها إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأخرى يُصّرح هو بنفسه نسبيتها إلى غيرهم لم يفصح عن أسمائهم ناهيكَ عن عدد منها بقيت محل شَّك وريبة المحققينَّ وأرباب الحديث من بينها  " دعاء العهد": وهو مَّروي عن الإمام الرضا(عليه السلام) من دعا به أربعين صباحاً كان من أنصار القائم المهدي(عجل الله فرجه), فإن مات قبل ذلك أخرجه الله من قبــــــــــره, وفي ثـــــــــــــــنايا الدعاء ما يوجـــــــب الوقــــــــــــــوف على بعض العبــــــــارات
   كقوله: "اللّهُمَّ إِنْ حالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلى عِبادِكَ حَتْما مَقْضِيّا فَأخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَناتِي مُلَبِّيا دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الحاضِرِ وَالبادِي، وَاجْعَلْهُ اللّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبادِكَ وَناصِراً لِمْن لا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيْرَكَ وَمُجَدِّداً لِما عُطِّلَ مِنْ أَحْكامِ كِتابِكَ وَمُشَيِّداً لِما وَرَدَ مِنْ أَعْلامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاجْعَلْهُ، اللّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ المُعْتَدِينَ... اللّهُمَّ  ادْفَع عنْ وَلِيِّكَ وَخَلِيفَتُكَ وَصُحبتْكَّ على خَلقِكَ... وأحفْظهُ منْ بَينِ يَديهِ ومن خلفهِ ومن يمينه وشماله ومن فوقه ومن تَحتهِ... وحِفهُ بالملائِكةُ حفاً...اللهُمَّ إنَا نَشْهَّدُ لهُ يوَمُ القِيامةٌ يومَ حِلْول الطامةُ إنَّهُ لَّم يُذنبُ ذنباً ولا أَتى حَّوباً.. ولَمْ يَرتَكبْ معصيةٌ ولم يُضيعُ طاعة ولَم يَهْتِكُ حُرمةٌ وَلَمْ يُبدِلُ لكَّ فَريضةٌ... ولَم يُغير لكَّ شَريعةٌ "   أما قوله :- أخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي... الخ , ففيه إشارة إلى" عقيدة الرجعة" وهي عقيدة طالما سعى المنصفون من المحققين والأعلام العاملين لبيان مراد كلام الأئمة في أحاديثهم عن هذه المسألة, وهي عودة الحكم المتمثلة بدولة الأمام المهدي (عجل الله فرجه) وليست رجعة الأرواح والأجساد إلى حياة الدنيا...فضلاً عن الهيئة التي رسمها الشيخ في مخيلته تلبية لدعوة الجهاد والاقامة حكم الله على الأرض, فأنها هيئة لاشَّك مدعاة للتهكم والاستخفاف بأهم فرض من فروض الإسلام فأنىّ لجيش وهو بهذا اللباس من قهر أعداهُ المتربصين به, وأنىّ لجيش عدّته السيوف والرماح من مواجهة الآلة الحربية الضخمة والتقدم التكنلوجي الهائل الذي أحرزتهُ دول العالم المعاصر... !!وأما سائر فقرات الدعاء الحاثة على الدعاء لصاحب العصر والزمان(عجل الله فرجه) بالحفظ من الاعداء ولملكه بالبقاء فهي بمنزلة الدعاء لأن يكون الماء والهواء سبباً لحياة البشرية وحفظ النسل!  وأيضاً ان شهادته للإمام المهدي(عجل الله فرجه) يوم القيامة بعدم ارتكاب الذنوب والمعاصي وعدم تضييعه الطاعات وهتك الحرمات وتبديل الفرائض وتغيير الشرائع فهو ان كان يعتقد بعصمة الإمام فلا مجال لتعداد ما يتوقع منه من ذنوب أو معاصي ولا سبيل الى شهادته التي لا حاجة لله فيها فهي من خصوصيات الملائكة الموكلين بكل إنسان من يوم تكليفه الى يوم وفاته...
     " دعاء العشرات": سُمي بهذا الاسم لطلب في نهاية الدعاء ان تقول عشر مرات في عشر مواضع ينتابُها التهليل والتحميد والصلاة على محمد وآل محمد والتأمــــين, وفيه من التســــــبيح والحمد – ما اغنتنا الشــــــريعة عن ذلــــك فأنــــهم (عليهم السلام) كانوا يدعون بأوجز العبارات واعمقها روحاُ ومعنى من غير إسهاب واطناب – فمما ورد عن الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله وسلم) قوله:" سُبْحانَ الله عدد ما خَّلقَ  في السَماء، سُبْحانَ الله عدد ما خَلْقَ في الأرض, سُبحانُ الله عدد ما خلق بينهُما, سُبْحانَ الله عَدد ما هو خالِقُ- والحمدُ اللهِ ..مثلُ ذلك.. والله أَكْبرُ .. مثلُ ذلك.. ولا اله إلا الله ..مثلُ ذلك.. ولا حَّولَ ولا قُوةَ إلا باللهِ العليُ العظيم" .. مثلُ ذلك.. , من غير حاجــــــــــة الى أدعية تُحـــمد الله وتعدد خلائقهِ واحداً بعد واحد... كما يجري في هذا الدعاء "  وَلَكَ الحَمْدُ عَدَدَ الاِنْسِ وَالجِنِّ، وَالهَوامِّ وَالطَّيْرِ وَالبَهائِمِ والسِّباعِ عَدَدَ أَوْزانِ مِياهِ البِحارِ، وَلَكَ الحَمْدُ عَدَدَ أَوْراقِ الاَشْجارِ .. !!.
  " دعاء العديلة": وهو من أدعية مصباح الشريعة للكفعمي أورده الشيخ عباس القمي في كتابه مفاتيح الجنان مبتدأ " َشهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ واُولُوا العِلْمِ قائِما بِالقِسْطِ ..... , ويقول فيه صاحب مفاتيح الجنان: إن قراءة هذا الدعاء (دُعاء العديلة) واستحضار مضمونه في البال يمنح المرء أماناً من خطر العديلة عند الموت! ويضيف :- وأما هذا الدعاء فهل هو عَن المعصوم (عليه السلام) ام هو انشاء من بعض العلماء ؟ فيجيب الشيخ القمي على لسان خرّيت صناعة الحديث، وجامع اخبار الأئمــــــــة (عليهم السلام) العالمْ المتبحر الخبير، والمحدث الناقد البصير، مولانا الحاج ميرزا حسين النوري نور الله مرقده: واما دعاء العديلة المعروف فهو من مؤلفات بعض أهل العلم، ليس بمأثورٍ ولا موجودٍ في كتب حملة الاحاديث ونقّادها .أ.ه
  وممّا اشتملت عليه كتب أدعيةّ الشيخ الكفعمي دعاء صنمي قريش وربما كان هذا الدعاء من أكثرها ازدراءً في أعين المحققين وأهل صنعة الحديث, فملامح الوضع والاختلاق تكتنفه بدءاً من ضعف السند مروراً بكلمات اللعن والسب والتي نربأ بالأمام علي (عليه السلام) التلفظ بها فضلاً عن اتخاذها ورداً لهُ في " الليل والنهار" وليس نهاية بالثواب الجزيل والخير العميم لكل من عمل على إحياء هذه السنّة!!
  وخلاصة القول: ان تداول مثل تلك الأدعية المنسوبة جهلاً أو عمداً إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لابد وان تكون سبباً في نفرة المذاهب الاسلامية من مذهب اهل البيت الحق وذريعة في تشكيكهم بكل صريح وصحـــيح صدر عن الأئمة (عليهم السلام) وبالتالي ينسحب الأمر على مستوى الفقه والعقائد الاخرى, ومن هنا فأن الواجب الشرعي والاخلاقي يقتضي من رجال الدين تنقيح تراث الأدعية والالتفات الى مسألة التساهل في أدلة السنن وتضعيف هذه القاعدة التي انتقلت منذ قرون عبر بوابة التقليد فأن في ذلك مخالفة واضحة وصريحة لمنهج الائمة(عليهم السلام) وتهاوناً في النهي الوارد عنهم بتجنب اختراع الأدعية وان كانت قريبة الى المعتقد والنفس واكتنافها جوانب مشرقة وجميلة توحي الى الجذب والقرب من ساحة القدس الالهي.
لقد أسهمت تلك الأدعية ومع الاسف الشديد والى يومنا هذا اسهاماً فاعلاً في دق أسفين العداوات واثارة الأحقاد والكراهية وجرّت الكثير من المصائب والويلات والحروب الأهلية بين مختلف الطوائف الإسلامية سيما الطائفتين الكبيرتين, فقتُلتْ الأنفسْ وسُفكَتْ الدماء وخَّربت المسـاجد والديار وانتْهَكت الأعراض ونهبت الأموال من غير ان يكون لدى كلا المتنازعين دليلاً راجحاً من الكتاب والسًنة الصحيحة على حجة ما يزعمونه..!!
   فلا الذي يجوز اللعن والسب والشتم يمتلك الدليل الواضح والنص القاطع ما خلا ادعيتهِ المخترعة...!
ولا الذي يبيح القتل والسلب والنهب وإخراج الساب واللاعن من الملّة والدين سوى امتطاءهُ هوى نفسه وتعصبه الأعمى وانقيادهُ لغلاة أسلافه وفتاويهم التكفيرية.


تسخير الملائكة والأرواح بواسطة " الأذن الروحانــــي "
      يؤمن أغلب "العرفانييون" من أتباع المذاهب الاسلامية كالمتصوفة وبعض عرفاء الشيعة أن هناك أدعية " متوارثة" يمكن من خلالها تسخير الملائكة والروح لأجل قضاء حوائجهم والقيام بخدمتهم ونحو ذلك من اعمال يذكرونها في كتبهم غير أنهم يشترطون ما يعرف بينهم بتسمية " الأذن الروحاني" ويقصد به اقتصار الدعاء على اشخاص لهم ملكات نفسانية ودرجات إيمانية عالية مع رتب سامقة  من اليقين تؤهلهم للدعاء بتلك الأدعية.,  اما عداهم فلا يأمن عليهم الإصابة والابتلاء ببعض الآفات البدنية والنفسية من قبل نورانية الروح أو الملك المحضّر, ويختلف العرفاء فيما بينهم حول طبيعة ذلك الأذن- فيرى بعضهم أن ذلك مرهوناً برضا الشيخ صاحب الطريقة ومعرفته بأحوال السالك, فيما يرى غيرهم أنهُ مشروط بالقيام ببعض الرياضات الخاصة كالذكر المتواصل والصوم والخلوة لعدة أيام أو شهور متوالية " في حال عدم وجود شيخ يأذن له في الدعاء", وعلى أية حال – فأن كلمة الأذن الروحاني- ليس لها أثراً أو دليلاً في إرث العقيدة الإسلامية سوى ما ظهر في أبجديات الصوفية وعقائدهم كالأدعية وطرق تسخير الجن والملائكة, ولعل الكلمة أقرب منها اشارة الى ما ينسجم ومعناها – كالسر أو الأمر الخفي- الباطني- وهذا ما نشهده عند قراءة بعض تلك الأدعية وهي تحوي كلمات مثل : أشباح – أرواح –أسرار- تسخير – وغيرها,  ومن الأدعية التي يُحذّر بعضُ العارفينَ والروحانيين استخدامها بغير أذن منهم ما يعرف بدعاء الطمطام او القاموس ويعرف أيضاً بأسم دعاء السيفي فيزعمون ان لهذا الدعاء في كلمات الطلسّمات  والتسخيرات آثاراً غريبة ونتائج عجيبة منها انقباض الصدر بسبب اكتظاظ المكان بالملائكة...! فمما جاء فيه :  أنْتَ الذْي أَودَعْتَ سِرَ المحبّة والموّدة في قلُوبَ أَهْلُ الأسرْار , وأَنتَ العزيزٌ الَّذي أَكْملتْ ذواتُ الطالبينَّ بِنُورُ الأنْوار , وتجَليْتَ بالعْزِ والنور القائمِ على الأرواحِ  فألفت بين الأشْباحِ, اللَّهُمَ أني أسألُكَّ بِسرِ ودك وسَرَّيانُ حُبْكَّ في قُلْوبِ أنبيِائِكَّ وأوليائكَّ ان  وَتُلقي ودي وحبيِّ في قُلْوبِ عبادُكَ وسَّخْرهُم ليِ , الّلَّهُمَ كما ألقيتَّ  الوحي على قَّلبِ نبيكَّ محمد (صلى الله عليه واله وسلم) اللَّهُمَ سَّخر ليِ روحانية هذا الاسْمُ, أنكَّ على كلِّ شيءٌ قدير , وأنكَّ فعّالٌ لما تُريد وصلي على نَّبيُكَّ محمدٌ والهِ وصحبهِ سُبحانكَّ ربَ العِزةِ عَّما يَصِفون   .. فقد أورده صاحب مفاتيح الجنان تسامحاً منه في أدلة السُنن وتأسياً بالعلماء الأعلام...!!
" رَبِّ أَدْخِلْنِي فِي لُجَّةِ بَحْرِ أَحَدِيَّتِكَ  وَطَمْطامِ يَمِّ وَحْدانِيَّتِكَ وَقَوِّنِي بِقُوَّةِ سَطْوَةِ سُلْطانِ فَرْدانِيَّتِكَ حَتَّى أَخْرُجَ إِلى فَضاءِ سَعَةِ رَحْمَتِكَ وَفِي وَجْهي لَمَعاتُ بَرْقِ القُرْبِ مِنْ آثارِ حِمايَتِكَ مَهِيباً بِهَيْبَتِكَ عَزِيزاً بِعِنايَتِكَ مُتَجَلِّلاً مُكَرَّماً بِتَعْلِيمِكَ وَتَزْكِيَـتِكَ، وَأَلْبِسْنِي خِلَعَ العِزَّةِ وَالقَبُولِ وَسَهِّلْ لِي مَناهِجَ الوُصْلَةِ وَالوُصُولِ وَتَوِّجْنِي بِتاجِ الكَرامَةِ وَالوَقارِ وَأَلِّفْ بَيْنِي وَبَيْنَ أحِبَّائِكَ فِي دارِ الدُّنْيا وَدارِ القَرارِ وَارْزُقْنِي مِنْ نُورِ اسْمِكَ هَيْبَةً وَسَطْوَةً تَنْقادُ لِيَ القُلُوبُ وَالأَرْواحُ وَتَخْضَعُ لَدَيَّ النُّفُوسُ وَالأشْباحُ".
    ولما كانت الفرق الصوفية ومن تأثر بهم يؤمنون إيماناً راسخاً بإمكان التواصل بأرواح الأنبياء والأقطاب والصالحين, ولهم في ذلك مرويــــــــات واخـــبار يطــول شرحها فقد جعلوا طلب المددّ والاستئذان منهم سبباً وذريعة لفك معضلة ذلك الأذن الروحاني فقد جاء في بعض زياراتهم: أأستأذن يا رسول الله...أأستأذن يا ابا بكر...أ أستأذن يا عمر... أ أستأذن يا عليّ... أأستأذن يا أولياء الله من الجن والأنس لإعطائي السر... السلام عليكم يا رجال الغيب, السلامُ عليكم يا أهل الأرواح المقدسة يا نقباء يا نجباء يا رقباء يا أوتاد الأرض يا شيوخ يا أُمناء, وإذا كان ثمة من يسوّف ويماري ويقلل من شأن هذا التقارب والتداني فأي عذر وحجّة لهُ بعد تشديد النكير والتحذير من الاجتماع بجماعات الصوفية وحلقات الذكر والاستماع لها او حتى زيارتهم- لان جميع ذلك قد عَّد في نظر الأئمة الهداة (عليهم السلام) من المحذورات والمناهي الموجبة للضلال والبراءة من الله ورسولهِ وان ادعى هؤلاء إظهار مودتهم والانتساب إليهم, لقد كان الأئمة(عليهم السلام) أجمعهم حريصون كل الحرص ويقظين أيما يقظة لنأي شيعتهم عن تلك الفرقة منذ ولادتها وظهورها بلباس الزهد والتقشف الى اتخاذها الفلسفة ديناً ثم انحرافٌها سلوكياً وعقائدياً, فقد روي عن الامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)أنه قال: "انهم الصوفيةُ أعدائنا فمن مالَّ إليهم فهو منهم ويُحْشرهُ معهم" ,وعن الامام علي بن موسى بن جعفر الرضا(عليه السلام):"لا يقول بالتَّصوف إلا لخدعة أو ضلالة او حماقة", ومما رواهُ الشيد المفيد- عن محمد بن محمد عن الحسين بن ابي الخطاب أنــهُ قال: كنتُ مع الهـــــــــاديُ علي بن مــــــحمد(عليه السلام) في مسجد النبي(صلى الله عليه واله وسلم) فأتاهُ جماعة من اصحابه ومنهم ابو هاشم الجعفري ثُم دخل المسجد جماعة من الصوفية وجلسوا في ناحية مستديراً وأخذوا بالتهليل فقال(عليه السلام):"لا تلتفوا الى هؤلاء الخداعين فأنهم خلفاء الشيطـان ومخربو قواعد الدين يزهدون لراحة الأجسام ويتهجدون لصيد الانعام يتجوعون عمراً حتى يديخوا للأيكاف حمراً...لا يهللون الاّ لغرور الناس ولا يقلون الغذاء الاّ لملأ العساس واختــلاس قلوب الدفناس... يكلمون النــــــــــــــاس بإملائهم في الحب ويطرحون بأذيلائهم في الجب.. اورادهم الرقص والتصدية وأذكارهم الترنم والتغنية, فلا يتبعهم إلاَّ السفهاء ولا يعتقدهم إلاَّ الحمقى, فمن ذهب إلى زيارة أحدهم حياً أو ميتاً فكأنما ذهب الى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان" , ويحذر الأمام الحادي عشرمن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من نهجهم الفلسفي بقوله لأبي هُشام الجعفري: "يا أبا هُشام... سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة وقلوبهم مظلمة متكدرة, السّنة فيهم بدعة والبدعة فيهم سُنة, عُلماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض يميلون الى الفلسفة والتصوف", ويتجلى موقف الأمام الرضا(عليه السلام) الأكثر صرامة وشدة  فيخرج من لم يذمهم عن خط التشّيع والمولاة فعن أحمد بن محمد بن أبي نظر البزنطي ومحمد بن اسماعيل بن بزيع عن الامام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) قال: "من ذُكر عنده التصوف ولم يُنكره بقلبه ولسانه فليس منا, ومن أنكرهم فانما جاهد الكفار بين يدي رسـول الله (صلى الله عليه واله وسلم)....


" تسخير الجن "
    لا تختلف مسألة تسخير الجن في بعدها الفقهي والعقدي كثيراً عن مسألة تسخير الملائكة, حيثُ أننا وبدراسة هادفة يمكننا التعرف على الأسباب التي جعلت من هذا الموضوع الخرافيّ سبباً لولوجه أبواب الفقه وعقول بعض الفقهاء ناهيك عن مخيلة كثير من عوام المسلمين بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم..!! ذلك ان علاقة الجْن بالإنس علاقة وطيدة وقديمة قِدم الخلق والخليقة, وان قصة يوردها الكتاب المقدس تحكي "مشهد" السجود والاغواء بطريقة فلسفية تتطلب من دون شَك الترويِّ والتمعنُ في دراسة تلك الصلة, والاّ فأن قراءة دون تفقه وتدبر لجميع الآيات الأخر ذات الصِلّة يكون مصيرها قراءة ما في أذهان بعض أقطاب المذاهب الإسلامية والمفســـــــرين ممن أتخذ مذهبه اله وأضـــــــــــله الله على علم..!! وذهبوا الى تأويل" الآيات الشيطانية" تأويلاً يستند الى ميثولوجيا الشعوب البدائية وقصصهم الخرافية حول الجن والسعالى والغيلان, ولذا ومن أجل الوقوف على حقيقة هذه الصلة ينبغي التأكيد على جملة نقاط ارتأينا صياغتها بشكل أسئلة واجوبة, ولمن أراد المزيد من البيان مراجعة بحثنا الموسوم" قراءة في السحر والحسد بين الشرع والعرف"
سؤال رقم 1/ ما الفرق بين ابليس والشيطان والجن الوارد ذكــرهم في القرآن الكريم
             والأحاديث الشريفة؟
الجواب/ان القرآن قد ميزَّ بين هذه المفاهيم بصورة أو أُخرى وبحسب غرض الآية
 والسورة فأطلق لفظ الشيطان على عصاة وفسقة الجن والأنس, قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} .
وقال عن ابليس بقوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}
 وقوله تعالى: {وَالجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ}, وقال تعالى واصفاً استغاثة أصحاب النار من الجن والأنس وطلبهم من الحق تبارك وتعالى الاقتصاص من شياطين الجن والأنس لتسببهم في اغوائهم وضلالهم, بقوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}, وقال تعـــــالى:{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6}}, من هذه الآيات الكريمة تبين ان ابليس من الجن وانه صار شيطاناً فاسقاً هو وذريته من الجن العصاة أمثاله وان عصاة الأنس وفسقتهم شياطين أيضاً, وان عمل الوسوسة في صدور مؤمنيّ الجن والإنس مصدرهُ فسقة الجن حصراً...
سؤال رقم 2/ ما هي طبيعة الوسوسة التي أبداها شيــــــــــــــــــطان الجن الأكبر ابليس
            لأدم وزوجه؟
الجواب/ يبدو من سياق الآية الكريمـــة وبلحاظ الآيــــات الأخرى أن وسوســــــــة ابليــــس
   لأدم وزوجه كانت من قبيل الألقاء والنفث في الصدر وهو عين ما يُخالج نفوس ذريتهم من أماني ووعود سراب بتمني بقاء الملك, قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ } , ويقول امير المؤمنين علي (عليه السلام): "شيطان كلَّ امرأ نفسه" , فليس ثمة سبب من التفريق بين وسوسة النفس وشيطان الجن,ثُم أن سياق الآيات القٌرآنية يشير الى موضع عصيان ابليس كان في الملأ الأعلى مع الملائكة, وان آدم كان في جنّة من جنات الأرض وبعد ذلك جاء التحذير من قبل المولى عزَّ وجل لآدم وزوجته بعدم التقرب للشجرة, ولو كان حضور ابليس معاينة لأنكشف أمره ولتذكُرّ الزوجان وصية الرب, ويمكن أضافة عذر آخر لهما وهو أن اغواء آدم لم يكن في فترة قريبة من التحذير الالهي, وان ظهر هذا الامر في سياق الآية أو كما يتبادر للذهن.
سؤال رقم 3/ هل يمكن لشياطين الجن ومؤمنيهم التجسد للإنس؟
الجواب/ أن تجسد ورؤية الجن مؤمنـــــــهم وفاسقهم وان وردت في كثير من تفاسير
      المفسرين ورواة الاحاديث, غير أن آيات القُرآن والسُنن الالهية المودعة في مخلوقاته منذُّ النشأةُ الأولى, تذهب خلاف ذلك, قال تعالى مخاطباً بني آدم ومحذراً اياهم ترصّده الغيبي بقوله : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ }.
   فيما أكدت الروايات الاسلامية على ان شيطان الجن يجري في ذرية آدم "مجرى الدم من العروق", وأنهُ ممتنع تكويناً من التجسد لهم في الحياة الدُنيا الى قيام الساعة يومها تُحشر الشياطين على حقيقتهم ويرونهم الأنس مكاشفـــــــــةً – والآية المذكورة تفيد الاطلاق لا الحصر, واما ما يَحصل للأنبياء والرسل فهو من قبيل النظر بنور النبوة فهم يرون ما لا يرى غيرهم من الناس, وفي ذلك حكمة تتصل بمهام التبليغ الرسالي, وبـــــــيان مكامن الخــــــــــــوف والحذر كما في رؤية الرســـــــــــول (صلى الله عليه واله وسلم)" لشياطين الجن تحوم حول رؤوس الناس في الأسواق", وتحذيره ان أبغض الاماكن الى الله الأسواق, وأحبها اليه المســــــــاجد, أو كقوله  (صلى الله عليه واله وسلم)" ولولا ان الشياطين تحوم حول قلوب بني آدم لنظروا في ملكوت السماوات ", الى غيرها من رؤيا الأنبياء والمرسلين لهم, ومع كثرة مزاعم التجسد الواردة في أغلب كتب تراث المسلمين, فقد ادعى كثير من المدعين بقدرة التسخير وجلب الجن والملائكة عن طريق العزائم المتوارثة من نبي الله سًليمان(عليه السلام) ووصيه آصف بن برخيا, او عن طريق اختراع الأدعية, وفي ذلك محضٌّ وكذب وافتراء على القرآن وسُنن الله في خلقه, ومع الاسف الشديد فقد نفذت تلك المزاعم الباطلة الى أذهان رجال الدين شأنها شأن مسألة تحضير الأرواح التي روجَّ لها الغرب وأخذوا يرّدون على أسئلة عوام الناس بالجواز أو الكراهية أو الحرمة, فأستغل شياطين الانس وضعاف النفوس وعديمي المرؤة  الاختلاف الحاصل في تلك الاجوبة, فكان ان استشرت بين أوساط المسلمين أعمال السحر ومزاعم تسخير الجن والملائكة, وتسخير الارواح بشكل جعل من تلك الأجوبة بمثابة الدليل والبرهان على وجودها فعلاً...
سؤال رقم 4/ إذا كانت تلك العلوم قد اكتسبت حق الوجود ونالت الاعتراف من قبل المؤسسة الدينية, فما السبيل لطمس هذه المفاهيم وتنقية التراث الاسلامي منها؟
الجواب/ أن ذلك يتم من خلال تضمين أجوبة علماء المســــــــــــــــــــلمين عبارات تحثُ
        المسلمين على عدم تصديق مثل هذه المفاهيم وان لا أصل لهذه المسائل الدخيلة على الفكر الإسلامي الأصيل وبيان أسباب انتشارها, وسبل ولوجها تراث المسلمين في الفترات المظلمة من القرون الثلاثة الوسطى" السابع والثامن والتاسع الهجري", والتأكيد على خلو القرون المنصرمة قبل هذا التأريخ سيما فترة الدعوة, وصدر الاسلام الاول والخلافة الاسلامية, كما يمكنهم تدعيم آراءهم بأقوال أهل الاختصاص من المؤرخين والباحثين واستعانتهم بأهل الخبرة في هذا المجال...
سؤال رقم 5/ إذا كان نبي الله سُليـــــمان(عليه السلام) قد أُعــــــطيَّ ملكُ تَّســــخير الموجودات
    ومنها الجن, أفلا يُمكن للمتقين واهل الايمان الخالص ان يكون لهم جزء من هذا المّن والملك..؟
الجواب/ لقد بين الكتاب الكريم هذه المسألة بوضوح الآية الكريمة وقوله تعالى:
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ }, فحقيقة ملك نبي الله سُليمان(عليه السلام) قد أعطى لهُ بما فيه تسخير شياطين الجن نتيجة دعاء بخلاف ما أُعطيَّ أبيه داود (عليه السلام) وهو بلا شَّك أقل بكثير, وان في كنف هذا الدُعاء طلب مهم لم يقدم أو يجرؤ عليه نبي من الأنبياء وهو حيازته هذا الملك لنفسه دون سائر الأنبياء والرسل, فإذا كان الأنبياء والرسل وغيرهم محجوبون عن هذا الملك فمن باب أولى ان يكون الناس محجوبين أيضاً, أضافة إلى أن هذا الملك كما تبينه الآية الشريفة جاء عن طريق الدُعاء وليس عن طريق العزائم والطلاسم كما يزعم أرباب التسخير بأن ملك سُليمان جاء بواسطة خاتمهُ وأنهُ يرى جميع أجزاء ملكه فيه..!!
سؤال رقم 6/ يعتقدُ كثيراً من المُسلــــمين إن فرص التســـــــــــــــخير قائمة بدلالة وجود
     صلة للأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بطوائف الجن المؤمن ممن يقوم على خدمتهم فيما تذكر بعض الكُتب ان رؤية شياطين الجن ممكنة كما حصل مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقتاله لهم؟
الجواب/ هنالك عدة روايـــات رويت عن أئمة أهل البيـــــت(عليهم السلام) بهذا الشـــــــــأن   وسنقتصر على بعض منها من باب الاحتجاج بفساد مضمون وتعارضها مع صريح الكتاب والسنة النبوية.
 روىعلي بن محمد ومحمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن رجل على حد تعبير الراوي عن محمد بن جحرش عن حكيمة بنت موسى(عليها السلام) قالت: " رأيتُ الرضـــا (عليه السلام)على باب الحطب وهو يُناجي , ولستُ أرى أحداً- فقلتُ : سيدي لمن تُناجي؟ فقال: هذا عامر الزهرائي أتاني يسألني ويشكو اليَّ.
فقلتُ: يا سيديّ أحبٌ أن أسمع كلامه! فقال ليِّ:- إنَّك  أن سمعتَّ كلامه حممت سنة , فقلتُ:- يا سيديّ أحبُ أن أسمعه  فقال لي: أسمعي:- فاستمعتْ – فسمعتُ شبه الصفير وكبتني الحماء فحممتُ سنة...).
 روي عن علي بن محمد عن صالح بن ابي حماد عن محمد بن أورمة عن أحمد
بن النظر عن النعمان بن بشير قال : كنتُ مزاملاً لجابر بن يزيد الجعفيّ فلما أن كُنا بالمدينة, ودخل على أبي جعفر الباقر (عليه السلام)- فودَعّه وخرج من عنده وهو مسرور حتى وردنا الأخيرجة- اول منزل دخول من " فيْد" الى المدينــــــــة يوم الجمعة فصلينا الزوال- فلما نهض بنا البعير- اذ انا برجل طوال  آدم معه كتاب فناوله جابراً فقبلهُ ووضعهُ على عينه, فإذا هو من محمد بن علي الى جابر بن يزيد- وعليه طين أسود رطب – فقال لهُ متى عهدك بسيدي فقال : الساعة, فقال لهُ: قبل الصلاة أو بعد الصلاة..!! فقال بعد الصلاة, ففكَّ الخاتم وأقبل يقرؤهُ ويقبض وجهه حتى أتى على آخره ثم أمسك الكتاب... إلى آخر الرواية..!
وعن يحيى بن مساورعن سعد الأسكاف قال: أتيتُ أبا جعفر(عليه السلام) في بعض ما أتيته فجعل يقول: لا تعجل – حتى حُميت الشمس عليّ وجعلتُ أتتبع الأفياء فما لبثتُ ان خَرج عليَّ قوم كأنهم الجراد الصفر عليهم البتوت قد انتهكتهم العبادة, قال فو الله لا أنساني ماكنتُ فيه من حسن هيئة القوم, فلما دخلتُ عليه قال:  أراني قد أشفقتُ عليك؟ قلتُ : أجل والله لقد أنساني ما كنتُ فيه قوم مروا بي لم أر قوم أحسن هيئة منهم في زي رجل واحد كأَنَّ ألوانهم الجرادُ الصفر قد انتهكتهم العبادة.
فقال:- يا سعد رأيتهم؟  قلتُ: نعم – قال: أولئك اخوانك من الجن, قال: فقلتُ يأتونك؟  قال: نعم , يأتونا يسألونا عن معالم دينهم وحلالهم وحرامهم..!
   وروي عن محمد بن يحيى واحمد بن محمد عن محمد بن الحسن عن  ابراهيم بن هشام عن عمرو بن عثمان عن ابراهيم بن ايوب وعمر بن شمر عن    جابر الجعفي عن ابي جعفر الباقر(عليه السلام) أنهُ قال:" بينما امير المؤمنين  على المنبر اذ اقبل ثعبان من ناحية باب من ابواب المسجد فهّمَ الناس ان يقتلوهُ فأمرهم امير المؤمنين(عليه السلام) ان يكفوا عنه, فأقبل الثعبان ينساب حتى أنتهى الى المنبر فتطاول وسلم على أمير المؤمنين(عليه السلام), فأشار عليه أمير المؤمنين أن يقف حتى ينتهي من خطبته, فلما فرغ منها أقبل عليه وقال  له من أنت؟ قال: أنا عمرو بن عثمان خليفتك على الجن, وان أبي مات واوصاني أن أتيك وأستطلع رأيك, وقد أتيتك يا امير المؤمنين فما تأمرني به وما ترى؟ فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): اوصيك بتقوى الله, وان تنصرف وتقوم مقام أبيك في الجن فأنك خليفتي عليهم فودعه وانصرف, فقلتُ: جعلتُ فداك فيأتيك عمــرو وذلك واجب عليه؟ قال نعم.. وفي رواية ثانية انهُ قبّلَ أقدام الامام(عليه السلام) وتمرغ عليها ونفخ ثلاث نفخات..!!!
 ولاشك ولا ريب ان مثل هذه المرويات تقع أبداً في دائرة الغلو بالأئمة(عليهم السلام), وهي ممَّا حذر منهُ الأئمة نفسهم كونها تُسيء إليهم والى أتباعهم  وشيعتهم, فقد جاء في رواية الصدوق عن الرضا(عليه السلام) أن ابراهيم بن أبي محمود قال له: يا بن رسول الله, ان عندنا أخباراَ في فضائل أمير المؤمنين وفضائلكم أهل البيت, وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم افندين بها؟
  قال الأمام الرضا(عليه السلام): يا بن محمود ان مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدهما الغلو, وثانيها: التقصير في أمرنا, وثالثها : التصريح بمثالب اعدائنا, فإذا سمع السامع الغلو فينا كفرّوا شيعتنا, ونسبوا الى القول بربوبيتنا, واذا سمعوا التقصير اعتقدوا فينا, واذا سمعوا مثالب اعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا, وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } الى ان قال : يا بن محمود أحفظ ما حدثتك به فقد جمعتُ لَّك فيه خير الدنيا والآخرة.
ومن المؤكد ان تكون هذه القصة من اختلاق الوضاعيين النواصب ممن يرد بحقهم حديث الامام الرضا(عليه السلام): آنف الذكر لأجل توهين مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والنيل من اتباعهم, ويقيناً ان واضع هذه الرواية كان يضحك في قرارة نفسه وهو يضع أسم عمرو بن عثمان " رسول الجن" المطابق لأسم عمرو بن عثمان الموجود في سلسلة الرواة...
  وعن احمد بن ادريس ومحمد بن يحيى عن الحسن بن علي الكوفيعن ابن فضال عن "بعض اصحابنا" عن سعد الأسكاف قال اتيت ابا جعــــــفر(عليه السلام) :
أريدٌ الأذن عليه فاذا رحال إبل على الباب مصفوفة, واذا الاصوات قد ارتفعت ثُم
خرج قوم معتميّن بالعمائم يشبهون الزُطّ قال : فدخلتُ على ابي جعفر(عليه السلام) فقلتُ جعلتُ فداك أبطأ إذنك عليَّ اليوم ورأيتُ قوماً خرجوا عليَّ مُعتمين بالعمائم فأنكرتهم, فقال:"أو تدري من أولئك يا سعد؟ قال: قلتُ لا... فقال: أولئك اخوانكم من الجن يأتونا فيسألونا عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم...!!
وروى مالك بن عطية عن أبي حمزة الثمالي قال: كنتُ مع الامام ابي عــــبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة ولمدينة اذا التفت عن يسارهِ فإذا كلبٌ أسود بهيم فقال: ما لك قبحكَّ الله, وما أشدَّ مسارعتكَّ!! واذا هو شبيه بالطائر فقلتُ: ما هذا جعلْتُ فداك؟ قال: هذا عثيم- بريد الجن- مات هُشام الساعة وهو يطير ينعاهُ في كل بلدة..!!, وهذه القصة لا تعدوا أن تكون قصة منقولة من كتب التاريخ والسير المشهود لها بسرد الخرافات والأساطير ورواتها من الذين لا يُعبأ بهم ولا بتاريخهم الحافل بالكذب ومن بين هؤلاء الواقدي وسيف بن عمر.
   فقد أوردها الطبريّ وابن عساكر في تاريخ دمشق نقلاً عن كتاب هواتف الجان لأبي الدنيا ص105 رقم165- قال بينما رجل باليمامة في الليلة الثالثة من نهاوند مرَّ به راكب فقال: من أين؟ قال من نهاوند, وقد فتح الله على النعمان واستشهد فأتى عمر بن الخطاب فأخبرهُ فقال صدق وصدقت هذا عثيم بريد الجن رأى بريد الأنس ثم ورد الخبر بذلك بعد أيام وسمي فتح نهاوند بفتح الفتوح..
   هذا وقد ذكر الحافظ بن حجر ترجمة عثيم بأنهُ من رواية الواقدي وسيف بن عمر وهما متروكان...!!!
   وروى الشيخ المفيد في الاختصاص- وهذه الرواية مما لا يستحق ذكرها  لأسباب منها انها منقولة من كتب السير والتواريخ, وفيها من الكذب على الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) مالا عقل يرتضه ولا صاحب ناموس وفطرة سليمة حيثُ جعلت من شخصية جاهلية كَهنوتية محط تجاذب وشَّد الفرق الإسلامية كلٌ يروي من طريقه قصة اسلامها- ولكن بسبب مجيء تلك الرواية في كتابين مُهمينِ يُعوُّل عليهما ويعتمدهما كثير من رجال الدين وغيرهم فقد وقع الاختيار, ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم... وإليكَّ الرواية..
  نُقل ابو محمد عن صباح المزنيّ عن الحارث بن حصيرة عن الأصبغ بن نُباتة أنهُ قال: كُنا مع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) يوم الجمعة في المسجد بعد العصر, إذ أقبل رجل طوال كأنهُ بدوي فسلم عليه, فقال له علي(عليه السلام): ما فعل جنيّك الذي كان يأتيكَّ؟ قال: إنَّهُ ليأتيني الى ان وقفت بين يديكَّ يا امير المؤمنــــــــين, قال علـــي (عليه السلام): فحدّث القوم بما كان منهُ...فجلسَ وسَمعنا له فقال: أني لراقدٌ باليمن قبل ان يبعث الله نبيه(صلى الله عليه واله وسلم) فاذا جُني أتاني نصف الليل فرفسني برجله وقال: أجلسْ فجلستُ ذعراً منهُ فقال: أسمع قلتُ : ما أسمع؟ قال:
عجبـــــــــتُ للجـــــــــــــنُّ وابلاسُـــــــــــــــها           وركبــــــــــــها العيــــــــــسُ بأحلاسُـــــــــــها
تـــــــهوي الى مكــــة تبغي الهـــــدى           ما طــــــــــــــــاهر الجــــــنِّ كأنجاسِــــها
فأرحـــــــل الى الصفــــوة من هاشـمٍ          وإرمِ بعيــــــــــــــــنـــيــُك الى رأسِــــــهـــــــــــــــا
قال: فقلتُ والله لقد حدثَّ في ولد هاشمٌ شيء أو يحدث , وما أفصح لي واني لأرجوا أن يفصح ليّ, فأرقتُ ليلتي وأصبحتُ كئيباً فلما كان من القابلة, أتاني نصف الليل وانا راقدٌ فرفسني برجله, وقال: أجلسْ فجلستُ ذعراً فقال : أسمع, فقلتُ: وما أسمع: قال:
عجبـــــــــــــــتُ للجـــــــــــــنُّ واخبــــــــــــــــــــــــارُها            وركبــــــــــــها العيــــــــــسُ بأكوارهـــِـــــــــــــــــــــا تـــــــــــــهوي الى مكـــــــــــة تبغي الهـــــدى            ما مؤمـــــــــــــــــــــن الجــــــنِّ ككفــــــــــــــــارِها
فأرحــــــــــل الى الصفــــــــــــوة من هاشـمٍ            بــــــــــــــــــــــــــين رواسيــــــــــــــــــــها واحجارِها
قال: فقلتُ والله لقد حدثَّ في ولد هاشمٌ شيء أو يحدث , وما أفصح لي واني لأرجوا أن يفصح ليّ, فأرقتُ ليلتي وأصبحتُ كئيباً فلما كان من القابلة, أتاني نصف الليل وانا راقدٌ فرفسني برجله, وقال: أجلسْ فجلستُ ذعراً فقال : أسمع, فقلتُ: وما أسمع: قال:
عجبـــــــــــــــتُ للجـــــــــــــنُّ وألبابُـــــــــــــــــــــــــــــــها            وركبـــــــــــــــــــــها العيــــــــــسُ بأقتابِــــــــــــــــــــها تـــــــــــــهوي الى مكـــــــــــة تبغي الهـــــدى            ما صــــــــــــــــــــادقوا الجــــــنِّ ككذابِـــــــــــــــها
فأرحـــــــــــــل الى الصفــــــــــــوة من هاشـمٍ            أحمـــــــــــــــــــــــــــدٍ إذ هــــــــــــــو خيرُ أربابِها
قلتُ: قد والله أفصح فأين هو؟ قال ظهر بمكة يدعوا الى شهادة أن لا اله الا الله وان محمداً رسول الله, فأصبحتُ ورحلت ناقتي ووجهتها قِبَل مكةٍ فأول ما دخلتُها لقيتُ أبا سُفيان وكان شيخاً ضالاً فسلمتُ عليه وسألتهُ عن الحي فقال: والله انهم مخصبون- أي في عيشٌ رغيد- الاَّ أن يتيم ابي طالب قد أفسدْ علينا ديننا, قلتُ: ما أسمه؟ قال: محمد... أحمد, قلتُ: أين هو؟
قال: تزوج خديجة بنت خويلد فهو عليها نازل, فأخذتُ بخطامُ ناقتي ثُم انتهيتُ الى بابِها  فعقلتُ ناقتي ثمَّ ضربتُ الباب فأجابتني: من هذا؟ فقلتُ: أنا أردتُ محمداً. فقالت: أذهب الى عملك, ما تذرون محمداً يأويه ظل بيت فقد طردتموهُ وهربتموه وحصنتموه, اذهب الى عملك...
 قلتُ: رحمكِ الله أني رجلٌ أقبلتُ من اليمن, وعسى الله ان يكون قد منَّ عليَّ به فلا تحرميني النظر إليه, وكان رحيماً(صلى الله عليه واله وسلم) فسمعتهُ يقول: يا خديجة أفتحي الباب, ففتحت فدخلتٌ فرأيتُ النور في وجهه ساطعاً نور في نور ثُم درتُ خلفه فإذا أنا بخاتم النبوة مختوم على كتفه الأيمن فقبلته ثم قمتُ بين يديه وأنشـــــــــــــــأت أقول:
أتاني نجــــــــيٌ بعـــد هدوٍ ورقـــــــــــــــــدة         ولم يكُّ فيما قد تلـــــــــــــــــــوت بكاذبٍ
ثـــــــــلاثُ لـــــــيال قــــــــوله كل ليـــــــــــــــــلة        أتاكَ رســــــــــول من لـــؤي بن غالبِ
فشمرّتُ من ذيلي الأزرار ووسطتُ        بيَّ الذعلبُّ الوجناء بين السياسب
فمـــــــــرنا بما يأتيكَّ يا خـــــــــــــــير قادرٍ       وان كان فيما جاء شـــــــــــيبٌ الذوائبِ
واشـــــــــــــهد ان الله لا شيءٍ غيــــــــــــرهُ        وأنـــــــــــكَّ مأمـــــــــــــــور على كلِ غـــــائبِ
وإنكَّ أدنى المرســـــــــــــلين وســـــــــــــــيلةٍ        الى الله يا أبن الأكرمين الأطايـــــــــب
وكنْ ليَّ شفيعاً يوم لا ذو شفـــــاعة        الى الله يُغــــــــــــــني ســــــــــــواد بن قـــــارب

   فرجعتُ والله مؤمناً به(صلى الله عليه واله وسلم)ثم خرج الى صفين فأستشُهد مع أمير المؤمنين (عليه السلام), واما الرواية الاخرى فقد جاءت في صحيح البخاري باب اسلام عمر بن الخطاب" ح3866" قال : حدثنا يحيى بن سليمان قال: حدثني ابن وهب قال: حدثني عمر ان سالماً حدثه عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعتُ عمر لشيء قط يقول اني لأضنه كذا الاّ كان بينما عمر جالس اذ مرَّ به رجل جميل فقال لقد أخطأ ظنيّ او ان هذا على دينه في الجاهلية او لقد كان كاهنهم.. عليَّ بالرجل- فدعيّ له فقال له ذلك.. فقال : ما رأيت كاليوم أستقبل به رجل مسلم قال فأني أعزم عليك الاّ ما أخبرتني.. قال: كنتُ كاهنهم في الجاهلية قال : فما أعجب ما جاءتك به جُنيتك ؟ قال : بينما انا يوماً في السوق جاءتني اعرف فيها الفزع فقالت:
ألم تــــــــــــــرَّ الجنِ وابلاسِــــــــــــها         ويأســــــــــها من بعد أنكاســـــــــها
                        ولحوقها بالقلاص واحلاسها؟
  قال عمر: صدق بينما انا نائم عند آلهتهم أذ جاء رجل بعجل فذبحهُ فصرخَ بهم صارخ لم اسمع صارخاً قط اشدَّ صوتاً منه يقول: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا اله الا الله فوثب القوم قلتُ: لا أبرح حتى اعلم ما وراء هذا... ثُم نادى يا جليح أمر نجيح رجل فصيح يقول لا اله الا الله, فقمتُ فما نشبنا ان قيل هذا نبي..!! والروايتين الاولى والثانية لا ريب انها ما وضعت الاّ لبيانُ فضيلة " الخَصْميْن الأزليين" عند كلا الطائفتين وكيف انهما يعلمان الغيب ومنهما أخبار الجن وسجعهم واشعارهم..!!
 وما سواد بن قارب الا سلمٌّ للوصول الى غايات ومآرب أولئك الغلاة وأشياعهم ولمَ لا يكون وهو الكاهن المخضرم محدّث الملائكة الذي بشَّرَ بولادة النبي(صلى الله عليه واله وسلم) وهو في بطن امه فقد حدّث الواقدي- الكذاب بإجماع أئمة المذاهب أنهُ لمّا أتى على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في بطن أمه سبعة أشهر جاء سواد بن قارب الى عبد المطلب فقال له : أعلم يا ابا الحارث أنيّ كنتٌ البارحة بين النوم واليقظة فرأيتُ أبواب السماء مفتحة, ورأيتُ الملائكة ينزلون الى الأرض ومعهم ألوان الثياب يقولون: ""زينوّا الأرض فقد قرب خروج من أسمهُ محمد وهو نافلة عبد المطلب, رسول الله الى الأرض و الى الأسود والأحمر والأصفر و الى الصغير و الكبير والذكر والانثى "صاحب السيف القاطع والسهم النافذ, فقلتُ لبعض الملائكة من هذا الذي تزعمون؟  فقال : ويحك ! هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف فهذا ما رأيت: فقال لهُ عبد المطلب: أكتمُ الرؤيا ولا تخبر بها أحداً لننظر ما يكون..!
 ورؤيا الجن والتحاور معهم لم تقتصر في هذه الروايات على الأئمة (عليهم السلام) حسب وانما شمل غيرهم من سائر البشر, وثمة تعارضاً واضحاً يكتنف بعضها بعضاً, فرواية تظهر سقماً يطال من يستمع اليهم واخرى تتحدث عن حوار يجري دون أي اذى او مرض..!! اضف لما يعتري تلك المرويات من تعارضات وتقاطعات مع صريح آيات الكتاب والسنة, فأما مع الكتاب – فقوله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}فالجن من حيثُ الجوهر وجبلة الخلق مؤمنهم وفاسقهم – هُم من النار السموم- وسُميَّ الجن جِناً لاجتنانهُم عن البشر واختفاء صورهم عن ملاحظة العيون, وفي سورة الجن يُبين القُرآن حقيقة أستقاء الجن معالم الدين واحكامه قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا}
فرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) لم يعلم بوجود هؤلاء النفر من حوله لولا أن اخبره الله تعالى شأنهم, ثُم تبليغهم قومهم لمّا رجعوا ما أنزل الله على رسوله من آيات القرآن (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا), وكيف ان هذا الكتاب يهدي الى الرشد ونبذ الشرك- وان ما كان يروجه لنا سفهائنا الفاسقين من شطط القول والجرأة على الله دون علم ويقين باتخاذ الله عز وعلا زوجة وأولاد كان محض افتراء وكذب وانا كنّا نعتقد بفطرتنا السليمة ان من المحال ان يتفوه الأنس والجن على الله الكذب, وانا ظننا ان لن تقول الأنس والجن على الله كذباً الى آخر السورة المباركة التي كررّت لفظ" انّا" تأكيداً على الاستقلالية في الشأن ثمان مرات ولفظ " أنه" أربع مرات " وأنهم" مرة واحدة, وفي آية أخرى بياناً اكثر لأمتناع رؤية الجن وطريقة تبليغ رسالة السماء فيما بينهم لما اودعهم الله تعالى من سرعة الحركة والتنقل بين أطراف الارض وطرائق السماء, قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ{29} قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ{30} يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{31} وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{32}}وفي الحقيقة ان هذا المذهب من التبليغ هو عينه لدى الأنس فمعلوم ان حياة الرسل بالتبليغ ومهامهم تنتهي بوفاتهم او قتلهم فيما تكون مهام التبليغ ونشر دعوة التوحيد والإحكام الإلهية منوطة بمن يخلفهم من الأوصياء والاتقياء والأمناء على حفظ الشريعة وصيانتُها من عَبث العابثين, فلكل امة من الأنس والجن ثمة أناس مهيؤون لهذه المهام وليس ثمة تداخل بين الحياتين والعالميْن, فلا أنس يبلغ عن الجن ولا الجن يبلغ عن الأنس, ولا الجن يقضي بين الأنس , ولا الأنس يقضي بين الجن ولا نكاح ولا حروب ولا دماء..!!
   وهذا ما حصل مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) طيلة ثلاثة وعشرين عاماً من عمر البعثة النبوية الشريفة, وعليه فلا صحة لما ورد من اخبار تتصل بحرب امير المؤمنين (عليه السلام) او القضاء بينهم, ولحسن الحـــــظ نقول بأن نساء أهل البيــــــــــت (عليهُنَّ السلام) قد أفلتنَّ من قبضة هؤلاء الرواة والا كانت لنساء الجن معهن صولات وصولات في مخيلة أولئك الحمقى والمغرضين..!!
سؤال رقم 7/ تتحدث آيات تسخير الجن لنبي الله سُلــــــــــــيمان (عليه السلام) عن اعمــــال
          كانت تؤديها شياطين الجن كأعمال الغوص والبناء وصنع التماثيل والمحاريب – واعمال لمؤمني الجن كجلب عرش الملكة سبأ- بلقيس- وأخرى لم يتطرّق لها الكتاب المقدس, والسؤال- هل كانت حاشية النبي وبطانته ترى كل هؤلاء الجن وهم يقومون بهذه الأعمال؟
الجواب/ ليس ثمة دليل على رؤية الجن من قبل اصحاب النبي سليمان(عليه السلام) وانما
      كانت آيات تسخير الجن من قبيل الآيات الاخرى كتسبيح الجبال ومعرفة لغة الحيوانات كما في طير الهدهد ولغة الحشرات كما في خبر النملة, والذي يحصل ان الناس  من حوله كانوا يرون الجاهز من الأفعال والأعمال والتي لا يشك فيها مؤمن سوى ثلة من اتهمه بأعمال السحر كما هو مزبور في الآية: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} أي ما توسوس به شياطين الانس والجن للناس بانَّ سليمان كان ساحراً وليس نبي قد سَّخر لهُ الجن.
سؤال رقم 8/ اذا كان عالم الجن والملائكة محجــــــــــــوبان عن عالم المادة باستثــــــــــناء
       الحالات الخاصة للأنبياء والتي تتصل بمهام التبليغ الرساليّ ودعوتهم, فلم صار الملائكة يتجسدون فيما حجب ذلك التجسّد عن الجن؟
الجواب/ ان ذلك يرجع الى جوهر الملائكة المخلوقيـــــــــــــــــــن من نور وجوهر الجن
        المخلوق من نار السموم, فالملائكة بما اودعهم الله عزَّ وجل من طاقات نورانية تمتلك خصائص التجسد لأداء مهام تبليغ تقتضي التمثل ولا سبيل انفع وانجع منه كما في قصة مريم(عليها السلام) وذلك لبث الطمأنينة والسكينة في نفسها وإلا فإن غير هذه السيبل ستكون قطعاً مدعاةً الإثارة هواجس الربية والفزع و الرعب سيما طبائع النسوة وإذا كان كل ذلك قد حصل مع زوج ابراهيم (عليه السلام) ووجود الزوج فمن المؤكد حصوله لمريم (عليها السلام) الفاقدة لهُ أصلاً, وأما الصورة الثانية فحدثت عند تمثل الملائكة بصورة فتية حسان حيثُ حمل ذلك التمثل رسالتين مهمتين للإنسانية ما زالت آثارهما باقية وستبقى الى قيام يوم الدين, فأولهما نبأ نزول العذاب على طائفة من الناس حاولوا بأعمالهم الشنيعة الوقوف بوجه سنن الله في أرضه وخلقه واما الثانية فكانت بشارة بولادة عدد من الانبياء وبطريق الأعجاز كان لهم الفضل في إرساء قواعد التوحيد وتغيير مسار التاريخ الإنساني, واما خلاف هاتين الحالتين فهو مثار جدل ومراء بين أهل الحديث والمفسرين لمختلف المذاهب الاسلامية.
سؤال رقم9/ للمذاهب الاسلامية الاخرى أقوال متقاربة في صحة مدعي التسخير
     الجن سيما مذهب الحنابلة واتباعهم من المذهب الوهابيّ, فما حقيقة انتشار تلك المسألة في فقه هذه المذاهب ؟
الجواب/ المتأمل في متون الفقه واقــــــــــــــــوال تلك المـــــــــذاهب وآراءهم يجـــــــــد ان ثمة
      مقدمات وتصورات وروايات ساعدت على اسباغ مقبولية مسبقة لدى فقهاء الفترة المظلمة من القرون الثلاثة الوسطى "السادس والسابع والثامن الهجري" والى جانب ما استشرى في هذه المرحلة من كساد فكري وتخلف اجتماعي وثقافي وسياسي كانت كثيراً من الروايات والتفاسير المغلوطة قد وجدت في اذهان هؤلاء المرتع  الخصب  لنمو اشجارهم التي ما زالت الاجيال تقطف ثِمارها والتي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
فمن هذه الروايات ما تسرد قصص تجسد الشيطان في معركة بدر او سرقة الجن لطعام الصحابي ابو هريرة او محاولة اخراج الجن من قبل الامام احمـــد بن حنبل بواسطة نعله" المقدس" او صراع الخليفة عمر بن الخطاب مع الجن وتحقيق نصره المؤزر أو قتل الجن لسعد بن عبادة وقولهم الشعر في ذلك ناهيك عن فتاوى واجتهادات" فارس قصص الجن" في عصره الامام احمد بن تيمية, فهي والى يومنا هذا تحظى بتقدير وتقديس الكثير من فقهاء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وربما تكون قد ترجمت ودرّست في العديد من الجامعات والمعاهد الإسلامية ..ّ !!
فمثلاً يقول الأخير في احد كتبه " منهاج السُنة" أهل الضلال والبدع الذين فيهم زهد وعبادة على غير الوجه الشرعي ولهم أحياناً مكاشفات ولهم تأثيرات يأوون كثيراً الى مواضع الشياطين التي تنهى عن الصلاة فيها لأن الشياطين تتنزل عليهم بها وتخاطبهم لبعض الامور كما تُخاطب الكُهان  وكما كانت تدخل في الأصنام وتكلم عابديّ الأصنام وتعينهم في بعض المطالب كما تُعين السحرة , وقد تقضي بعض حوائجهم, أما قتل بعض اعداءهِ أو إمراضّه وأما جلب بعض ما يهوونه أو إحضار بعض المال, ولكن الضرر الذي يحصل لهم بذلك أعظم من النفع بل قد يكون اضعاف النفع, فالجن برأي "أبن تيمية "يمكن تَسخيرهم لقتل الناس, وخطف النساء الجميلات والغلمان الحُسان, وإحضارهم للمُسخِر, بل وتجلب لهم الأموال أو أي شيء يخطر ببالهم... !!
سؤال رقم 10/ يدعي كثيرٌ من يؤمن بتســــــــخير الجـــــــــن ان هُناك طرق وأســــاليب
             لإحضارهم ومن ذلك الطلاسم فما حقيقة ما يدّعون .. ؟
الجواب/ بعد ان صرَّح القرآن الكريم بحقيـــــــــقة تسخير الجن وحصرها في نبي الله
  سُليمان (عليه السلام)حين دعا الله سُبحانه وتعالى بطلب مُلك لا يتهيأ مستقبلاً لأي مخلوق غيره بما فيهم الأنبياء- كان لزاماً على المسلمين كافة ان يرفضوا أي فكرة تُطرح خلاف ذلك, وان يَسد باب المراء والجدل فيه من الأصل, وان تكون الآية الكريمة: {َلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القِطْرِ وَمِنَ الجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} والتأكيد على الأذن الرباني في الآية تسخير الريح والجن معاً واعتبارهما معجزة كبرى لا ينالها احد من بني البشر بقوله تعال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ } جواباً على المزاعم والتخرصات, واعتبار أي اجابة بلغة الفقه تصدر من أي شخص تعتبر بمثابة الخوض بالباطل وإعانة على الإثم..
سؤال رقم 11/ يقصُّ القرآن الكريـــــم في آياته عدد غيـــــــــــــر قليل من المعجــــــــــــــزات
   الحاصلة على أيدي الرّسل والأنبياء- فهل يّعد ما يتفوه به البعض من قدرة على تسخير الجن في دائرة المعجزات؟
الجواب/ لاشَّك ان تسخير الجن من أكبر المعجزات ولاشّك أيضاً أن منــــــح تلكَّ
   المعجزات إضافة الى غيرها تعّدُ دليلاً لأثبات نبوة ملك سُليمان(عليه السلام) وأحقيتهُ في إرساء حكم الله على الأرض فمعلوم ان المعجزات الإلهية لا تكون إلا لأجل تعزيز موقف وعمل يستدعي إظهار دين الله وهداية الأمم الى ما فيه صلاحهم وإخراجهم من عبودية المخلوق الى عبادة الخالق وهذا ما حصلَّ من جرّاء تلك المعجزة ودخول ملكة سبأ وقومها دين الإسلام بعد علمها بحقيقة تسخير الجن لنبي الله سُليمان(عليه السلام)كما حصل مع إيمان السحرة أمام معُــــجزات نبي الله موســى(عليه السلام) الى كثير من المعجزات الغيبية الاخرى.
سؤال رقم 12/ ما دليل بعض الفقهاء الى إمكانية تسخير الجن؟
الجواب/ من خلال استقراء واستنطاق اجوبة هؤلاء الفقهاء نجد انها تعتمد اعتـــــــــماداً
      كلياً على الروايات الضعيفة والتي غالباً ما تكون مستلّه من " الاسرائيليات" ومن دخل إلى الإسلام من اليهود وكتبهم كوهب بن منبه وتميم الداريّ واعتمدتّ فيما بعد من قبل المفسرين دليل على صحة ما ورد عنهم وأن خالفت " الكتاب وسنة النبي فعله وقوله وتقريره" والعقل إضافة إلى اجتهاداتهم الخاصة بهذه المسألة وتحميل تلك المرويات الضعيفة  ما لا تحتمل من التفريعات والتأويلات الى الحد الذيّ وصلت به الرسوخ في الذهن والاستقرار بالنفس, ثُم أن الاعتداد المطلق بالرأي يجعل الكثير منهم غير قادر على الاعتراف بالخطأ الى آخر أيامه,  يقول ابن تيمية في ذلك: "فمن كان من الأنس يأمر الجن بما أمر الله ورسوله من عبادة الله وحدهُ وطاعة نبيه, ويأمر الأنس بذلك فهذا من أفضل أولياء الله تعالى وهو في ذلك من خلفاء الرسول ونوابه, ومن كان يستعمل الجـــــن في أمور مباحة له فهو كمن أستعمل الأنس في أمور مباحة لهُ كأن يأمرهم بما يجب عليهم وينهاهم عما حّرم عليهم ويستعملهم في مباحات لهُ فيكون بمنزلة الملوك الذين يفعلون مثل ذلك وهذا اذا قّدر أنهُ من اولياء الله تعالى فغايته ان يكون في عموم أولياء الله مثل النبي الملك مع العبد الرسول كسُليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد(صلوات الله وسلامهِ عليهم أجمعين) ومن كان يستعمل الجن فيما نَّهى الله عنهُ ورسوله أمّا في الشَركُّ أو في قَتلُ معصوم الدم او في العدوان عليهم بغير القتل كتمريضهُ أو انسائهُ العلم وغير ذلك من الظلم, واما في فاحشة كجلب من يطلب منهُ الفاحشة فهذا قد استعان بهم على الإثم والعدوان...
 ثُم إن استعان بهم على الكُفر فهو كافر, وان استعان بهم على المعاصي فهو عاصي اما فاسق او مذنب غير فاسق, وان لم يكُن تام العلم بالشريعة فاستعان بهم فيما يَّظن أنهُ من الكرامات مثل ان يستعين بهم على الحج وان يطيروا به عند السماع البدعي او يحملوه الى عرفات ولا يحج الحج الشرعيّ الذي أمرهُ الله به ورسوله وان يحملوه من مدينة الى مدينة نحو ذلك فهذا مغرور به قد مكر به " فأبن تيمية في فتاويه" هذه يعتقد بإيمان لا لبس فيه ان تسخير الجن موجود رغم انعدام الدليل "الشرعيّ والفقهي" ما خلا بعض الروايات والتفاسير المختلقة وقصص من يعمر مجالسه الخاصة بهم, وهم كما يصفهم الحافظ الذهبيّ " قعيد مربوط ضعيف العقل أو عامي كذاب بليدُ الذهنٌّ او غريب واجم قوي المكر وناشف  صالح عديم الفهم" , ثُم أنهُ يجعل من هؤلاء الكذابين مدعي التسخير أولياء الله بل من أفضل أولياءهِ, ثم يرتقي بهم ليضعهم في مقام خلفاء الرسول ونوابه ويعني بهم "ابي بكر وعمر وعثمان وعلي" بل لم يكتف حتى أوصلهم الى درجة الأنبياء من أولي العزم" ابراهيم وموسى وعيسى ومحمد(صلى الله عليه واله وسلم)!
  وبالمقابل نجد في الموروث الشيعي من يجعل للأنس خدماً من الجن يدعونه ويستغيثون به حين الشّدة والعسّر, فقد ورد في وسائل الشيعّة والخصّال بإسناده عن علي (عليه السلام) في حديثُ الأربعمائة قال: " ومن ضلَّ منكم في سفر وخافَّ على نفسهِ فلينادِ يا صالح أغثني فأن  في اخوانكم من الجن جنياً يُسمى صالحاً يُسيح في البلاد لمكانكم نفسه محتسباً نفسه لكم فإذا سمع الصوت اجاب وارشد الضال وحُبس عليه دابته": أي أمسك لهُ الدابة, ومما نقل عن خط العلاّمة الشيرازي قوله: "اذا أردت ان تحضّر الجان ويخدموك فأقرأ سورة الفاتحة سبع مرات ومثلها سورة الشمس وسورة الليل وسورة الضحى وسورة الانشراح وسورة التين وكذلك نقرأ بعدها  قوله تعالى: { يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}( الأحقاف / الآية 31)
  فأنهُ يجيء في ساعتها بأذن الله فتأمرهُ بما شئت ولتكون القراءة بعد المغرب في أي وقت من الليل كان.! ولا نعلم يقيناً لأية غاية وهدف تُرشدنا هذه الاجتهادات؟  وأين مكانها من السنّة النبوية المطهرة وأدعية الأئمة(عليهم السلام) الداعية الى التوحيد الخالص لله عزَّ وجل منطلقين من قوله تعالى:{أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }...
  وبعد... أليسَ من حق أي منصف ان يقف مذعوراً شريد الذهن مكلوم القلب وهو يقرأ هذه الاجتهادات؟ أيرضى الحسن والحسين هذا المنهج؟! أيرضي زين العابدين السجاد هذا الكلام وهو يروي عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنهُ كان إذا هاله أمرٌّ فَزِعَ الى الصلاة..!!
سؤال رقم 12/ يرد في أغلب أجوبة الفقهاء عن مسألة التســـــــــخير الآتي: " وأما
     تسخير الجن ففيّ عدهُ من السحر فيه أشكال, ويحرم منه ما كان مضراً بمن يحرم الاضرار به؟
الجواب/ المستفاد من الاجـــــــوبة " المتحدة اللفظ" أنهُ اذا كان تســـــــــــــخير الجن يتم
   بطرق يستخدم فيها السحر فهو مشكل, ويحرم تسخير الجن فيما اذا يتم إحضار
الجن قهراً أو رُبما حصل للإنس ضرر من هذا التحضير, وعلى هذه الأجوبة عدة اشكالات منها ان لا دليل على امكانية تسخير الجن لا عن طريق السحر ولا بغيره من الأدعية والطلاسم المزعومة فأن كلُّ ذلك من التوهمات والأكاذيب, وان تلك المقولة او الآية قد انتهت بموت نبي الله سُليمان (عليه السلام) وهي آية من آيات ملكه ونبوته, ومنها لو فرضنا تنزلاً ان تسخير الجن فيه فائدة للمسّلمين لدّلنا عليه رسول الله والأئمة الهداة المهديين (عليهم الصلاة والسلام) أو ضرر لحذّرنا منه اجتناب تلك الأعمال...
 وخلاصة القول:- أن الله قد اخذ على عقـــــيدة كانت سائدة لدى كثيراً من القبائل في الجاهلية وقبل نزول الوحي انهم كانوا يستغيثوا ويستعينوا بما يسمونه سيد الوادي, وكبير الجن وشيخهم فزاد هذا التعظيم للجن طغياناً وتجبراً والبشر المستعين بهم ضعة وانحطاطاً وتيهاً, وبقوله تعالى(سورة الجنّ/ الآية 6):{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} ... وبغض النظر عن النتيجة الحتمية من استحالة حصول أي مكروه للبشر من أولئك الجن أو نجدة وفائدة ترجى الاّ إن مجرد الاقتناع بهذه العقيدة عدّها القرآن الكريم من ضروب الشرك الجلي الذي يُحاسب عليه كلا الفريقين الأنس والجن على حد سواء...





مقدمة في نشـــــأة ظاهرة  تحضـــير الأرواح "

  ان فكرة تخاطب الأرواح " أرواح الموتى" والتقاءها فكرة قديمة قدم وجود الأنسان ومعرفته الموت, فمنذُ الأزل كانت تراود الأنسان أسئلة شتى عن كنه الروح ومسيرتها الى عالم مغاير خطط لهُ مع نفسه ان يكون عالماً أفضل من هذا الذّي يعاني منه قسوة الطبيعة وتزاحمٌ وتضاد المصالح والرغبات وحب البقاء والخلود مع بني جنسه لذا من الطبيعي أن يكون لذلك المخلوق الضعيف هاجسُ نحو أيادٍ خفية تمد لهُ يد العون لتنجيه من صروف ونوائب وتشفيه من آفات وعلل جسدية ونفسية, فكانت أرواح الآلهة حيناً وكانت ارواح الموتى حيناً آخر, فمما جاء في أحدى الطقوس البابلية والتي تُعنى بتحضير أرواح الآلهة من قبل العرّافين القائمين على الطقس بعد تحضير الأشياء الخاصة به من رغيف القُربان وقطعة من خشب الأرز وثلاثون رغيفاً مصنوعة من طحين جيد ناعم وجناح صقر, وجزة خروف... ومن ثُم يقوم العّرافون بتجهيز جرار يحتوي على خمر وعسل وزيت وثمار متنوعة وكعك الزبدة ثُم يخرجون من بوابة معينة من أبواب المدينة الى الفلاة, ويبدأون بصنع دروب من قُماش مجدول يُثبتْ طرف واحد منها على المائدة ثُم يُسحب مسافة طويلة في أحد الاتجاهات وعلى طول الدرب يجري صب الخمر والزيت والعسل في خطوط متوازية على جانب الدرب وفي نهاية كل درب توضع التقدمات المختلفة من كعك وزبد وأرغفة والثمار, بعدها يبدأ المعزمّون بتلاوة التعزيمة التي تقرأ فيها " أيها الآلهة انظروا لقد فرشت لكم الطرق من أمامكم  بوشاحٍ, وسكبتُ لكم ومن أجلكم طحيناً جيداً ناعماً فهلموا وأمشوا الى هذا المكان , وفي مصر القديمة نقرأ أحد الطقوس المعدّة لاستخدام أرواح الموتى فقد وجد في بردية ترجع الى العصر "البطلمي" والتي يلجأ فيها شخص يُدعى" سارابامون"  الى الساحر لاستخراج أرواح الموتى من أجل الاستحواذ على قلب فتاة تُدعى " بتوليميسي", وآخر من أجل اخراج روح ميت حلّت في جسد شخص وسببت لهُ صداع يقول فيها الكاهن" ان لم تتركني "صدغ" فلان ابن فلانة فسوف احرق الروح الخاصة بك وأشعل النار في جسدك ان لم تصغي كلامي فسوف أقلب السماء وأشعل النيران بين آلهة " هليوبوليس"
   وأما في الحضارة الاغريقية والرومانية فقد ظهرت الأرواح الخيّرة والشريرة في آدابهم وفنونهم من نحت ورسوم وشعر ومسرحيات فأساطيرهم تجعل من الأبطال والملوك وزوجاتَهم ونسائهم واولادهم كواكباً ونجوماً او آلهة اسطورية فتخّلدهم على مرّ العصور, فهناك آلهة للغابات والمراعي وآلهة للجمال وآلهة للحرب وآلهة للسلم, وهناك سحرة وساحرات وعرّافات وعَّرافون يجعلون من الأرواح تتصارع حول الخير والشر, فالملك أو البطل الذي قتل ظلماً لا بدَّ ان تبقى روحه وتخلّدْ لكي تعود وتنتقم من قاتله, والبطل القوي لابدَّ من أن تبقى روحه مصدراً دائماً للخير والعطاء كما إنَّ أرواح الأجداد تبقى لكي تتحكم في الحياة وقريبة من أحوال الناس, وقد أصبحت هذه المعتقدات لديهم ولفترات طويلة منبعاً ثراً لكثير من الآداب والفنون وأطلقت العنان لمخيلة الشعراء وابداع النحاتين والرسامين...
  وأما عن طريق الاديان والكتب السماويّة فنجد ان كلمة الأرواح أو محضري الأرواح قد ذُكرت في الأناجيل المختلفة فقد جاء في نبوءة اشعيا// 8-19 :"  فإذا قالوا لك أسئل مستحضري الأرواح والعّرافيين والمهمهمين والمتمتمين قل أعليهم ان يسألوا الأموات عن الأحياء" ؟
  وفي سفر الأحبار // 19-31: " يجب ان لا يســـــعى شعــــــــب الله الى مستحضريّ الأرواح أو الجن , وإذا فعلوا هذا وجب فصلهم من الشعب أولئك الذين يتصلون بالأرواح يجب رجمهم" .
  وفي سفر الجامعة // 9-6: " ليسَّ للأمــــــــــــــــوات نصيب للأبد في كل ما يجري
    تحت الشمس " , في ت ث //18: 9-14: "  ذات مرة تحدث الله لشعبه أثناء سيره في البرية  متى دخلت الأرض التي يعطيك الرب الهك لا يوجد فيكَّ من يعرف عرّافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقي رقية ولا من يسأل جاناً أو تابعاً ولا من يستشير الموتى لأن كلٌّ من يفعل هذا مكروه عند الرَّب " .
 وفي العهد القديم عن الكتاب المقدس حيثُ طلبَ أول ملوك اليهود ملك شاؤول من مشعوذة " أندرو" ان تستحضر روح النبي " شاموئيل" ليعين الجيش في قتالهم الفلسطينيين في أرض كنعان...
-----------------------------------------------
" تحــول الفــــكرة إلى عـــــلم "

   ليس من الغرابة ان تتحول فكرة ما الى حركة ومن ثُم تتجسد هذه الحركة في منظمة لها اتباع وفروع في العديد من دول العالم فإن ما يعضدها من جذور عقائدية كما مر بنا في المقدمة يجعلها كذلك, وهذا ما حصل مع فكرة تحضير الأرواح فقد طورت في عام 1841م على يَّد الجراح الانكليزي " جيمس بريد" بعد وضعه نظرية التنويم المغناطيسيّ وإدخالها حيزّ التنفيذ مجال عمله- حيثُ أعتبر التنويم المغناطيسيّ الخطوة الأولى لدخول فكرة تحضير الأرواح مجال العلوم التجريبية- وبعد حواليّ سبعة أعوام من ذلك أي عام 1848م انتشرت فكرة او علم تحضير الأرواح كما سُميَّ فيما بعد في أميركا وأروبا ثُم صار يُدرس في بعض الجامعات وقامت العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تُعنى بتحضير الأرواح.
  اما انتشارها في العالم الاسلامي فقد كان في ثلاثينيات القرن العشرين على يَّد عدد من الأساتذة الأكاديميين الذين دَرسوا في الجامعات الغربية منهم الأستاذ محمد فريد وجدي والدكتور علي عبد الجليل راضي والأستاذ احمد فهمي ابو الخير والشيخ طنطاوي جوهريّ وغيرهم , حيثُ تأثر هؤلاء بالفكرة, وروجّوا لها وأنشأوا أول جمعية عرفت " بجمعية الأهرام الروحية " التي أصدرت مجلة باسـم "مجلة الروح" .

" ملخــــــــص فــــكرة تحضـــير الأرواح "


    تستند فكرة او طرق تحضير الارواح على قاعدة أسّها امكانية السيطرة على الارواح بعد موت الجسد والقدرة على استحضارها في أي وقت لتتحدث عن حالها في عالم الملكوت وعن بعض الحوادث التي حصلت في الدنيا سواء في الماضي أو حتى في المستقبل فيما يؤمن القائمون عليها من الروحانيين ان لا قيامة للجسد, وإنما القيامة للأرواح سواء دخلت الجنة او النار وان الكافر يمكنهُ ان يتوب بعد الموت , وان الروح تسكن عدة أجساد في مراحل زمنية متعاقبة كي تكفر عن سيئاتها, وان الأرواح الطيبة تصل الى اول مراتب الجنة بعد الموت لكنها يمكن ان تهبط الى الأرض في مهام الخير كألهام الشعراء والعباقرة, كما يؤمنون بأن عذاب البشر السيء هو عقابهم بحبسهم في الدنيا دون جسد مادي , فمثلاً روح البخيل تَسكن بجوار ماله فتتحسر عليه..!!
 لقد وجدت هذه الفكرة صدى ومسمع عند كثير ممن يؤمن بإحدى نظريات العالم " البرت أينشتاين " التي تتحدث عن الأزمان – أذ عدّ الزمن بعداً حقيقياً كالطول والعرض والارتفاع, وان الازمان تحدث في آن واحد, وان الانسان يتنقّل من خلال تلك الازمان, فنحن الآن في زماننا هذا توجد ازمان  اخرى محيطة بنا كأيام العصر الحجري والعصر الاسلامي وما تتخللها من وقائع واحداث, فالموتى في هذه الأزمنة ما زالوا أحياء بيننا والاتصال بهم يكون عبر الوسيط وحسب معتقد الروحانيين والاينشتانيين ربما يأتي اليوم الذي نرى فيه بأعيننا صور وحوادث تأريخيه لأشكال الأنسان القديم وأسلوب حياته مثلاً أو حروب البابليين, وغزوات الرسول(صلى الله عليه واله وسلم), أو غزو المغول التتر وان ذلك يتم عبر الوسيط أو استنطاق واستجواب ما نلمسه من آثار وأطلال تلك الأزمنة...

  هذا وللروحانيين مؤتمراتهم ومقرراتهم السنوية التي تُعقد للحديث عن آخر اكتشافاتهم الروحانية واما مرتكزاتهم في اطلاق مشروعهم الروحاني فيتمثل بالآتي: " ان لب الدين هو بذل الخير لخلق الله ولا حرج على الناس ما وراء ذلك  وان طقوس الأديان على اختلاف أديانهم بحدٍ سواء مسلمهم او مسيحيهم او يهوديهم او بوذيهم كلهم يعيشون أخواناً في ما وراء الموت, وان باب التوبة مفتوح أمام الكافر والفاسق والمخطئ بعد الموت, وان الجنة والنار حالة عقلية او حالة نفسية او هما واقع يجسمهُ الفكر ويضعهُ في الخيال الذّي يعكس باطن صاحبهُما وحالتهِ النفسية", نحنُ مرسلون من عند الله كما أُرسل المرسلون قبلنا, غير أن تعاليمنا أرقى من تعاليمهم فإلهنا هو الههم الاّ ان الهنا أظهر من الههم واقل صفات البشرية واكثر صفات الهية لا تخضع لأية عقيدة مذهبية لا تقبل بلا بصر ورويه – تعاليم لا تستند الى العقل ولا تأخذ بلا تحفظ , وحياً جاء لأحوال خاصة في عصر من العصــور وليس هو بامتياز لأمة دون أمة ولا لشخص دون شخص, والله يكشف نفسه للإنسان شيئاً فشيئاً...
   لقد جاء على لسان كبيرهم " آرثر فندلاي" في كتابه على حافة العالم لأثيري والذي يستشهد به بعض رجال الدين " ان الانبياء هم وسطاء على درجة عالية من درجات الوساطة, والمعجزات التي جرت على ايديهم ليست إلاّ ظواهر روحية كالظواهر التي تحدث في حجرة تحضير الأرواح...!!







" طــــرق تحضـــير الأرواح "

   يزعم المؤمنون بتحضير الأرواح ان ثمة  عدة طرق لجلب واحضار الأرواح من العالم الآخر الى عالمنا المادي وفيما يلي بعض صور تلك الطرق الشائعة.
  طريقة التقمص بالوسيط: وهي من الطرق التي تستـــــــــــــــخدم التنويم المغناطيسي
                   للوصول الى النتائج المبتغاة.
      ومن المفيد قبل البدء في شرح هذه الطريقة ان نعرّج على نشأة التنويم المغناطيسيّ ودوره في عمل تحضير الأرواح فقد ذهب عدد من المتخصصين في هذا المجال ان بدايته كانت مع الجراحّ الانكليزي "جيمس بريد " حيثُ لاحظ ان الأنسان اذا حدّق في نقطة لامعة وركز الذهن في مدّة تخدرت أعصابه ودخل في نوع من الغيبوبة او الذهول, وهذه الطريقة كان يستخدمها كهنة بني اسرائيل قديماً, حيثُ كانوا ينومون انفسهم بواسطة التحديق في الحجارة المقدسة الموجودة في دروعهم, وفي هذا الشأن يقول البرفسور" جان لرميت" من أساتذة كلية الطب بباريس: "ان الفرق بين النوم الطبيعي والنوم مغناطيسيّ هو بالدرجة لا بالنوع ففي كليهما يخّف الوعي وتضعف الفعاليات الإرادية التي تتميز بها حالة اليقظة" .
  وخلاصة الفكرة ان صوت المنوّم هو المسيطر على شعور وعي النائم إيحائياً, حيثُ يبدأ بخفض المنوّم صوته تدريجياً حتى لا يكاد يسمع ثم يكرر عبارات تحوي كلمات مثل: نائم... حالم... مسترخي... ثم يبدأ عمله فعلى سيبل المثال وهي حالة شائعة يقوم المنوّم بتنويم شخص مغناطيســــياً يوحي لهُ ان الماء الذّي سيرشفه سيكون ممتلئاً بالفلفل بعدها يوقظهُ من النوم, وسيبصق الشخص حينئذٍ باشمئزاز, ولن يكون بمقدور أي انسان في العالم ان يبعد عن ذهنه هذه الفكرة بغية انتزاعه منه, ويدعي العاملون في هذه الطريقة ان الروح تحتل جسد الوسيط بعد الدخول في غيبوبة, وتتكلم الروح بلسان هذا الوسيط, وتجيب عن كلُّ ما يوجّه لها من أسئلة, ويدعيّ المحضرون ان هذا ممكن بسبب ان الأرواح مادة أرق وألطف من مادة جسومنا واعلى درجة اهتزاز منها, ولذلك لا بٌدَّ من وجود مادة تُساعد على تَكثيف مادتهم, وبعبارة أخرى- على جعلها تقارب من حدة اهتزازنا فتتباطأ حتى تصير في منسوب درجة اهتزاز عالمنا, ومن ثُم تَستجيبُ لها مشاعِرٌنا أي نراها أونسمعها أو نحسُّ بها, وهذه المادة هي مادة "الاكتوبلازما" التي يعرفها علماء الحياة, وهذه الاكتوبلازما يساعد على التواصل لأنهُ يكثف الى حدٍ ما أعضاء الجسم الروحيّ أو الأثيريّ وذلك بتخفيض اهتزازات هذه الاعضاء فتستجيب لها مشاعرُنا ويستعيد الروح الراغب في التواصل مع هذه الاكتوبلازما من الجالسيّن جميعاً فإذا ما انتهت الجلسة ردَّ الاكتوبلازما الى الجالسّين- ويلاحظ ان أوزان الجالسّين تنقص عند حدوث التواصل ثُم يعود في نهاية الجلسة الى ما كانت عليه, والوسيط كثرت فيه مادة الاكتوبلازما- لذلك فالظاهرة الروحية تكون في وجوده أشد وضوحاً منها في غيابه..
  طريقة الويــــــــجا: يرى البعض ان جذور هذه الوسيلة تعود الى الصين القديمة حيث   كان كهنة الديانة الطاوية يستعملون أسلوب الكتابة التلقائية للاتصال بالأرواح, فقد كان الكاهن يتلوا بكلمات من عندهِ ثُم يمسك بعصى ويترك ليدهِ العنان لتخط ما تشاء من الحروف والكلمات فوق الرمل, زاعماً ان الارواح هي التي تحرك العصا من أجل إيصال رسائلها الى العالم الآخر, وربما بوحيٍ من هذه المزاعم والادعاءات, وبسبب شغف الناس وولعهم الكبير بقصص الأشباح أخترع العالم الأمريكي " اليجة بوندا" في  

عام 1890م لعــــــبة منضــــــــــديه أسماها "الويجا" اذ أشتق أسمها من دمج كلمتي " وي أي " تعني " نعم" بالفرنسية وجا" بالألمانية, وسرعان ما ذاع صيت هذه اللعبة كوسيلة مبسطة وسهلة للاتصال بالعالم الآخر من دون الحاجة الى تعلم الأساليب الصعبة والمعقدة والمخيفة المستخدمة في تحضير الأرواح .
     والويجا عبارة عن لوح منضدي مستطيل الشكل عادةً ما يكون من الخشب خُطت على صفحتهِ من جميع الاحرف الأبجدية أضافة إلى الأرقام من صفر إلى تسعة, وفي زوايا اللوح نقشت أربعة كلمات هي ( نعم...لا.. مرحباً... وداعاً) ويتم اللعب بواسطة مؤشر على هيئة القلب مصنوع من الخشب وفي وسطه ثقب لإظهار الحروف والارقام, كما يمكن صناعة ذلك المؤشر من المقوى او استعمال قدح بلاستك عادي يتم تحريكه فوق اللوح بواسطة أصابع اللاعبين , ويسمح عادةً لأربع أشخاص أو ثلاثة وحتى أثنين أو واحد بمفرده على شرط أن تكون حجرة التحضير مضاءة بالشموع أو أية اضاءة خافتة, وفيما يطرح "عريف الجلسة" الأسئلة فأن اللاعبين يضعون " اصابعهم المسترخية" على المؤشر الخشبي فمثلاً يكون طرح السؤال كالآتي:    
     هل هُناك روح معنا في الحجرة؟      هل هي ذكر أو أنثى؟
ومجموع الاحرف التي تقف عليها الأصابع  الجالسين حول المنضدة تتشكل عبارات وجمل قد تكون حلاً لبعض الأسئلة المطروحة على تلك الأرواح..!
طريقــــــــة المرآة : وهي ان يجلس المُحضر صامتاً أمام المرآة, ويبدأ في التساؤل
      بينه وبين نفسه عن وجود أرواح في المكان, فإذا كانت ثمة أرواح فأنهُ يتغير الشكل الذي يظهر في المرآة...
طريقة المؤشـــــــــــر : يؤتى بشخص وينوم مغناطيسياً ونمسكهُ بقلم ومؤشر يشير
      الى كلمتين قد كتبتا مسبقاً وهي: (نعم... لا..) وعند سؤال الوسيط عن أسئلة فأنهُ يحرك المؤشر باتجاه كلمة نعم... أو ... لا .
طريقة الفنـــــــــجان : وهي ان تجلس أنت ومن معك وقد وضعتم فنجـــــــــــاناً فوق
    المائدة بعد ان تكون حروف الهجاء واضحة على ورقة, وان تجعل هذه الورقة
محيطة بهذه الدائرة ويكون الفنجان وسط المائدة مقلوباً ويضع كل الجالسين أصابعهم على قاعدته على ان يستمر ذلك برهة من الوقت, ويقوم الجالسين بالتفكير في الروح التي يراد تحضيرها وبعدها يحرك الفنجان والاصابع  موضوعة عليه ويتجه الى الحروف حرفاً... حرفاً؛ فتكتب تلك الحروف وتقرأ وتكوّن جملاً مفيدة, وقد يكون من البديهي ان يتحرك ذلك الفنجان نتيجة تباين شدّة ضغط أصابع الجالسين لاختلاف درجة ضغط كلاً منهم – ولعّل من بينهم من كان أكثر دهاء وخبرة في خداع الآخرين وتغيير حركته تجاه الحروف المراد الوقوف ازاءها وغالباً ما يكون هذا هو صاحب
 جلسة التحضير والمشرف عليها او من مؤيدي مذهبه.
طريقة الســــــــــلة : وهذه الطريقة تُمارس في دول شرق آسيا وتتلخص بما يلي:
    يأخذ أحد الأشخاص سلة – سلة عادية ويضع خشبة طويلة على هيئة صليب ويضع على هذا الصليب قميصاً, وفي أعلى القميص يرسم صورة وجه أنسان- فتّكون أقرب إلى " فَزّاعة مزارع", ويثبت في ورقة الوجه عودين من البخور ثُم يضع في مقدمة السلة قلماً رصاص ويضع القلم في فتحات السلة , ثُم يجعل السلة بمساعدة صديق لهُ على أن يمسك الزميل المساعد له ورقة امام القلم- ثُم يشعل البخور ويردد كلمات دينية كالفاتحة للمسلمين وغيرها من تعويذات لبقية الاديان ويطلب من الروح المراد احضارها- الحضور حالاً- بعد ذلك بدقيقة تندفع السلة إلى الأمام وتكتب بلغة الروح التي حلت بها, ويستطيع ان يُكلمها وأن يسألها الأسئلة وسوف ترد عليها كتابةً, والطريقة هذه بسيطة الى حد انها لا تنطلي إلا على السذّج من الناس فأن حامل السّلة هو من يتولى كتابة الأجوبة التي تنطق بها الروح المستحضرة بواسطة يده الممسكة بالقلم من خلف القميص, وبعبارة أخرى ان عملهم لا يمكن إتمامهُ  بدون الستار أو القميص الذي يغطي السلّة أو من خلال شخص واحد...
  وبقراءة عابرة لما تحمل هذه الطرق من سذاجة واخرى تصل الى حد السخف اعرضنا عنها يلحظ القارئ فيها اختلافاً واضحاً بين الوسائل والأساليب المتبعة في التحضير مع عدم اغفال مكانة المعتقد والديانة التي يتبناها الروحانيون عن قصد, فنجد ان طرقاً مثل الصليب تنتشر في البلدان التي تعتنق الديانة المسيحية حيثُ تتخلل تلك الجلسات مزاعم حضور أرواح مريم العذراء(عليها السلام) أو الملائكة مثل جبرائيل أو م يكائيل وغيرهم, فيما تكون طريقة الوسيط شائعة في بعض البلاد الإسلامية اذ تنتابُها تراتيل وأذكار الاستغفار والتهليل والتكبير وقراءة سور من القرآن الكريم وادعاءات حضور أرواح أهل البيت والصحابة والعلماء والصالحين وبشكل متسق ومتواز مع سائر الديانات الاخرى كالديانة البوذية حيثُ تنتشر طريقة السلة والمرآة...
    كما يمكن تأشير ملاحظة اخرى تتمثل بقرب ما يجري في طقوس تحضير الأرواح وأعمال الروحانيين ووسائلهم وإستخدام بعض الأدوات مع من  يستخدم العزائم أو الطلاسم للاتصال بعالم الأرواح في العالم العلوي .
    فهي تجتمع معها في عين الهدف من مخاطبة واستخدام واستنزال تلك الأرواح لقضاء حوائج محضرّيها, وتختلف أشكال تلك الطلاسم باختلاف العقيدة والدين وربما المذهب أحياناً تبعاً لاختلاف ديانة ذلك البلد, فنجد ان طلاسم بلاد النصارى تحوي أسماء الملائكة باللغة السريانية ونجد الرسوم التي تشي بالديانة اليهودية مع أحرف اللغة العبرية عند اليهود وربما كان للمسلمين رأياً آخر بحسب عقيدة الصوفية راعية تلك العلوم ونظرتها للأديان والأكوان " باعتبارها حقيقة واحدة" اذ تحتوي جميع ذلك فتجد الطلاسم المتداولة في بلدانهم تجمع الاسماء بالسريانية أو الصابئية أو اليهودية مع الأسماء المقدسة والآيات القُرآنية..!








موقف رجال الدين من الروحانيين وتحضير الأرواح

   من خلال استقراءنا المصادر التي تناولت بالدرس مسألة تحضير الأرواح وموقف رجال الدين منها نجد التباين على أشدّه فبين مؤيد ومدافع بقوة عن تلك الفكرة عاداً إياها دليلاً مهماً على وجود الخالق والغيب وبين منكرٍ لوجودها أصلاً وأن ما يحصل ليس سوى طرق مدروسة للحيل والخدع- وبين محرّم لها ناسباً ما يجري إلى أفعال الجن والشياطين فيما آثر أخرون مسك العصا من الوسط مشترطاً لمزاولتها أن لا يكون هذا العمل من أعمال السحر! وأنهُ يجوز تحضير أرواح دون ارواح اخرى ....   وفيما يلي استعراضاً لآراء من ذكرنا مع أدلتهم:
الرأي الأول: لقد أستدل أصحابه على أن مسألة تحضير الأرواح هي من العلوم
       الحديثة التي اكتشفت مؤخراً, وان لا مانع من التواصل مع ارواح الموتى, ولهم في ذلك أدلة من القرآن , حيثُ تأولوا عدد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية وأدعّوا ان في تلك الآيات إشارات وعلامات يمكن الاسترشاد بها للتوصل الى أسرار هذا العلم, ومن بينهم الشيخ طنطاوي جوهري صاحب تفسير الجواهر في تفسير القرآن الكريم", حيثُ ذكر أن ما جاء في بعض الآيات كالآية "67 من سورة البقرة" في قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ{67}} هو دلالة على أمكانية تحضير الأرواح , وقال أيضاً: " لما كانت الســـــــورة التي نحنُ بصــددها قد جاء فيها حياة العزير بعد موته وكذلك حماره ومسألة الطير وابراهيم الخليل (عليه السلام), ومسألة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت فراراً من الطاعون فماتوا ثم أحياهم, " وعلم الله أننا نعجز عن ذلك جعل قبل ذكر تلك السور ما يرمز الى استحضار الأرواح في مسألة البقرة, ويضيف المفسر- وكأنهُ يقول- أي الله عز وجل- اذا قرأتم ما جاء عن بني إسرائيل في احياء الموتى في هذه السورة عند أواخرها فلا تيأسوا من ذلك فأني قد بدأتُ باستحضار الأرواح فاستحضروها أنتم بطرقها المعروفة بقوله تعالى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(الانبياء/ الآية 7), وينصح الشيخ " المحضّر للروح" بقوله " ليكن المحضّر ذا قلب نقي خالص على قدم الانبياء والمرسلين كالعزير و ابراهيم و موسى فهؤلاء لخلوص قلوبهم وعلوّ نفوسهم أريتهم بالمعاينة ليطمئنوا وانا أمرت نبيكم أن يقتدي بهم فقلتُ فبهداهم اقتده- الأنعام /19 ومنهم صاحب المؤلفات الكثيرة الأمام السيد محمد الحسيني الشيرازي حيثُ ذكر وهو في معرض ردهُّ على الملحدين " وقد أرتكس بعض الماديين في الجهل الشائن فزعم أن ليسَّ هناك أمر وراء المادة والروح وإنمَّا هيَّ من آثاره وأقاموا لذلك شواهد زاعمين أنهم بذلك تحرروا من توابع الروح, لكن كشف سِتار جهلهم استحضار الأرواح الذّي اصبح من العلوم الشائعة من نصف قرن تقريباً, وما كتاب "على حافة العالم الأثيري" إلاّ كقطرة بالنسبة إلى البحر من هذا العلم العجيب..!! "
  ومن الروايات التي اخذت نصيباً عند أصحاب الرأي الاول والاستدلال على صحة دعاوى الروحانيين ما رواهُ البخاريّ وغيره من أن النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) أمر بقتلى بدر من المُشركين فألقوا في قليب ثُم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم يا فلان ابن فلان... و يا فلان ابن فلان, هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فأني وجدتُ ما وعدني ربي حقاً... فقال له أحد الصحابة يا رسول الله ما تُكَلِمُ من اجساد لا أرواح فيها؟  فقال(صلى الله عليه واله وسلم): والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جواباً, ومنهم من أستدل بما أوردهُ الكلينيّ في أصول الكافيّ من حديث حبة العرني قال: خرجتُ مع أمير المؤمنين علي(عليه السلام) الى الظهر – الكوفة فوقف بوادي السلام كأنهُ مخاطب لأقوام فقمتٌ بقيامه حتى اعييتُ ثُم جلستُ حتى مللتُ ثمَ قُمتُ حتى نالني مثل ما نالني أولاً ثُم جلستُ حتى مللتُ ثُم قمتُ وجمعتُ ردائي فقلتُ يا أمير المؤمنين أني قد اشفقتُ عليك من طول القيام فراحت ساعة- ثُم طرحتُ الرداء ليجلس عليه- فقال لي يا حبة أن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته قال قلتُ يا أمير المؤمنين وأنهم كذلك؟ قال: نعم – لو كُشف لكَّ لرأيتهم حلقاً حلقاً مخبتين يتحادثون فقلتُ أجسام أم أرواح؟ فقال: أرواح, وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحهِ ألحقي بوادي السلام, وأنها لبقعة من جنة عدن...
  وفي الحديثُ الأول حجة على القائلين بإمكانية التواصل مع الأرواح لا حجة لهم فإذا كانت هذه الأرواح لا تستطيع جواب النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) وهو أعمق الناس حاسة روحية وأوصلهم بعوالم الغيب فكيف يستطيع من هو أقل شأناً ومنزلة, بل لا يُقاس بأضعف صحابته إيماناً وعملاً من أن يتواصل مع تلك الأرواح..!!
   وأما ما نقله صاحب الكافي من رواية حبة العرنيّ فهو مما لا يصح بعد أن أوضحت النصوص الإسلامية من آيات القُرآن الكثيرة والسُنة المطهرة للنبي وأهل بيته (عليهم السلام) الى عدد غير قليل من الأدلة بما فيها واقعة الإسراء والمعراج من أن أرواح المؤمنين والكفار هي في السموات وليس في الأرض وان ما جرى على الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) من أسماع صوته لقتلى بدر إنما جاء على سبيل الإعجاز, وما منعهم من الجواب إلاّ لأنهم دخلوا حفراً من حفر النيران البرزخية السماوية, نعم- يمكن أن يُقال ان البُقاع التي وردت في هذا الحديث وغيره كبقعة وادي السلام , أو وادي برهوت في اليمن, قد تكون من بين أماكن الجنان أو النيران التي سَتُعّد بعد أن تبدل الأرض بغير الأرض, ومن بيــــــــــــنها أيضاً ما بين قبر الرســـــــول (صلى الله عليه واله وسلم) ومنبره والحائر الحسيني وغيرها مما صح وثبت من الأخبار والروايات... وبعبارة موجزة أن الأحاديث الواردة بشأن القبور ومنها حديث ان القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران أنما يراد به تلك الرياض أو الحفر البرزخية السماوية, وبعد فأن هذه الرواية تتعارض مع رواية أُخرى يرويها الفضل بن شاذان قال : خرجنا مع أمير المؤمنين(عليه السلام) حتى إذا أتى الغريين فجازه فلحقناهُ وهو مستلق على الأرض بجسده ليس تحته ثوب – فقال له قنبر : يا أمير المؤمنين إلا أبسط لكَّ ثوبي تحتك؟   فقال(عليه السلام): لا – هل هي الاّ تربة مؤمن او مزاحمته في مجلسه؟ فقال الاصبغ : يا أمير المؤمنين تربة مؤمن قد عرفناها كانت أو تكون فما مزاحمته في مجلسه؟ فقال(عليه السلام): يا اصبغ بن نباته لو كشف لكم لرأيتم أرواح المؤمنين في هذا الظهر- حلقاً يتزاورون ويتحدثون- أن في هذا الظهر روح كل مؤمن وبوادي برهوت نسمة كل كافر, وانما الذّي يصّح من كلام أمير المؤمنين ما عرف عنه(عليه السلام) من خلو حشو الألفاظ والمعاني وملائمته الفطرة النقية التي تتحد والحكمة الإلهية المتعالية ورسالة التوحيد الخالصة, فأنت حينما تقرأ بعض منها تستشعر حقيقة قول شارح  النهج فيه أنهُ كلام فوق كلام المخلوقين وتحت كلام الخالق, ولنقرأ معاً كلام له(عليه السلام) لما رجع من صفين واشرف على القبور مخاطباً إياهم(( "يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة والقبور المظلمة, يا أهل التربة و يا أهل الغربة و يا أهل الوحشة أنتم لنا فرط سابق ونحنُ لكم تبع لاحق, أما الدور فقد سُكنت  واما الأزواج فقد نُكحت, وأما الاموال فقد قسّمت هذا خبر ما عندنا  فما خبر ما عندكم؟  ثُم ألتفتَّ الى أصحابه فقال .. أما لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى"))... "ولو" في كلامه (عليه السلام) حرف بفيد أمتناع جواب لامتناع شرط – أذ لا جواب قطعاً – ومع ذلك فقد نسب وجهة الجواب الصادر في حال حصوله الى اصحابه.! - واستدل بعضهم بمقالة الروحانيين بقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَلْ للهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ المِيعَادَ } (الرعد/31) مدعيّن بأن هناك بعض آيات القرآن الكريم لو تليت فأن الأرواح المراد حضورها قد تحضر فعلاً وان بإمكان الشخص التالي لهذه الآيات ان يسأل ما يشاء من أسئلة, ويكفي للرد على ما جاء في تفسير الجواهر ان المفسر والتفسير قد سقطت من اعين الناس بسبب هذا الاستنباط الغريب والشاذ حتى عدهُ البعض ان كل شيء فيه الاّ التفسير, وامّا ما أستدّل به الأمام الشيرازي مع جلالة قدره في الاوساط الدينية فلا نحسبه قد وفق في هذا الطرح والرأي, فمن العجيب حقاً ان يستدل مثله بمثل هكذا كاتب وكتاب يدعي فيه ان الانبياء هم وسطاء روحانيون حالهم حال الوسطاء الذين يستخدمهم, وان معجزاتهم ليست بمعجزات حقيقية وانما هي ظواهر روحية يمكن ان يأتي بها وسطاء الروحانيون الى غيرها من أقوال الكفر والشرك والتي تقرأ من أول الكتاب الى آخره, ثُم ان محاججة أهل الالحاد لا تتم بإثبات ظاهرة تخالف خلافاً حرفياً وصريحاً نصوص القرآن الكريم والسّنة النبوية المطهرة بل تلغي كل ما أرسل به الرسل والانبياء من رسالات وكتب, وفي استدلال الآية التي يستدل البعض من ســـــــورة الرعد كبير مغالطة إذ أن "لو" في هذه الآية تفيد أمتناع جواب لامتناع شرط, والآية الكريمة نزلت بإجماع المفسرين بسبب ان مشركيّ قريش طلبوا من النبي (صلى الله عليه واله وسلم) تعنتاً ان يســـــــــيّر بقرآنه الجبال من مكة فتتسع لهم ويتخذون فيها بساتين وان يفجر به الأرض عيوناً وانهاراً وان يتلوه على موتاهم فيخاطبوهم ويخبروهم بصدق دعوته, فأنزل الله هذه الآية ... أي: وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَلْ للهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ... الى آخر الآيــــــــــــــــــــة  لكان هذا القرآن وأعجب من قول غيرهم من رجال دين واحتجاجهم بأن لا دليل على وجود الأرواح من الشهداء والمتقين بالقرب من ساحة القدس الإلهي كون الله ليس يحده مكان ولازمان وكأن قولهم هذا رداً على القائلين بعدم جواز تحضير الأرواح حسب الآية الكريمة:{إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} فكأنهم في استدلالهم هذا قد جهلوا او تجاهلوا قواعد اللغة العربية وبلاغة القرآن- فالعندية  في الآية الكريمة تعني الملك والسلطان وليست بمعنى القرب الملامس الذي يتوهمون- اضافةً لتغافلهم عما ثبت من الدين بالضرورة من رحلة الإسراء والمعراج ورؤية النبي محمد(صلى الله عليه واله وسلم) في السموات السبع الانبياء والصالحين في جناتهم يتنعمون وللكفار والمشركين والمنافقين  انواع العذاب في جهنم يصطلون...
الرأي الثاني  : ويذهب اصحابه مذهب الرافض للفكرة من الأســـــــــــــــاس وان ليـــــس
    هناك ما يُسمى" بتحضير الأرواح" عادّين ما يحصل من قبيل تضليل الناس وابعادهم عن الإيمان والرسالات السماوية بطرق مدّروسة من الحيل والخدع, وأن الأرواح بعد خروجها من الحياة الدنيا تأخذها الملائكة الحفظة الموكلين بها إلى حيثُ النعيم في الجنات أو الجحيم في النيران, ولهم في ذلك أـدلة من القرآن والسنة, فمن الآيات القرآنية قوله تعالى {حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{100}}   (المؤمنون/ الآيات99-100) فأرواح الموتى لا تعود الى الحياة الدنيا بعد ان محصّت وامتحنت وانتهى قضاء الله اليها بالمكوث الى يوم القيامة يوم يبعثون من قبورهـــــــــــــم فتعود تلك الأرواح الى أجسادها مرّةً أخرى كما أخبر القرآن بالعديد من آياته: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }(الأنفال/ الآية 50) فلا مهرب ولا مفر من قبضة ملائكة غلاظ شداد يفعلون ما يؤمرون, وقوله تعالى: { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ{83} وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ{84} وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ{85} فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ{86}تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{87}فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ{88} فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ{89} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ{90} فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ{91} وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ{92} فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ{93}وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ{94} إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}(الواقعة / الآيات 83-95)  وقوله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ{54} فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}(القمر/ الآيات54-55)  فهي بين يدي سلطان ملك قاهر مقتدر لا يَخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء عالم بدقائق الأمور, وما تسقطُ من ورقة الاّ يعلمها ولاحبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الاَّ في كتاب مبين... يقول أحد المؤيدين لهذا الرأي الدكتور" رُشدي شحاتة" أستاذ الشريعة في جامعة حلوان : " من المؤسف ان عالم الروح وخاصة ما بعد مرحلة الحياة قد خالطه كثير من المفاهيم الخاطئة, وأنا قد أتفهم ان هذه المفاهيم قد تنتشر بين أهل الوثنيات أو بين بعض أهل الالحاد أو وسط العامة والجهال ولكن لا يمكن ان أتقهم وجود بعض هذه المفاهيم وسط المجتمع المسلم, لأن عقيدة التوحيد واضحة بل شديدة الوضوح ولان عالم الغيب أورده القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة الإيراد المناسب له, فالله قدّم للبشرية هذا العالم تقديماً يتناسب مع طبيعته وأمرنا ان نؤمن إجمالاً دون تفصيل, وحذّرنا من الخوض فيه دون علم, ولهذا لا يصح أن نتوقف كثيراً عن تفاصيل ما بعدَّ الموت ولا ان ندعيّ ما يدعيه البعض من إمكانية التعامل من الروح الميت بما ليسَّ عليه دليل من شرع أو دين أو عقل, ويؤيد شيخ الازهر هذا الرأي بقوله: " وكما لم يَّرد نص في شيء من ذلك كلهُ لم يرد شيء فيما يختص بتحضيرها لدعوة الإنسان كما لم يدل على حس موثوق به أو تجربة صادقة وكل ما نسمعه في ذلك لا يخرج عن مظاهر خداع وإلهاء بالخيالات لا يلبثُ أن ينكشف أمره...

الرأي الثالث: يعتقد أتباع هذا الرأي أن تحضير الأرواح من الأعمال المحرمة غير
     أنهم وان استقرت آراءهم على وجوده حقيقة الاّ أنهم اختلفوا في ماهية تلك الأرواح المحضّرة فقد زعموا انها من الأرواح السفلية من شياطين الجن وليست أرواح إنسية فارقت الحياة, وأن من يقوم بتلك الأفعال ما هم الا سحرة ومشعوذون لا يألون جهداً ولا يدَّخرون وسعاً في استخدام العزائم والطلاسم وفنون السحر لجلب تلك الأرواح, وحقيقة الامر ان تلك الآراء والأفكار لها ما يعضدها, فأغلب بناة التصورات هذه هم من غلاة رجال الدين ومتشدديهم ممن  أنتهج منهجاً يطابق حرفياً ما استلهموه من تُراث اسلافهم, ولبيان هذا الرأي أكثر نتطرق لبعض ما جاء في ذلك التُراث الذي أصبح اليوم يُشكل جزءاً مهماً في قراءة ظاهرة تحضير الأرواح... يقول شيخ الإسلام" أبن تيمية" وهو من اعلام القرن السابع الهجري والذي ما زالت اطروحاته وفتاويه تدرّس في عشرات الجامعات الدينية في مختلف انحاء العالم الإسلامي فيما يخص تخاطب الارواح :" وأني اعرف من تُخاطبه النباتات بما فيها من المنافع, وانما يُخاطبه الشيطان الذي دخل فيها واعرف من يخاطبهم الحجر والشجر, ويقول له هنيئاً لك يا وليّ الله والشياطين هي التي تُخاطبه فإذا قرأ آية الكرسيّ ذهب ذلك, وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير, وتقول خذني حتى يأكلني الفقراء ويكون الشيطان قد دخل فيها فتخاطبه, ومنهم من يكون في البيت وهو مغلق فيرى نفسه خارجه وهو لم يفتح ومنهم من تأتيه الشياطين بمن يهواه من امرأة, وصبي لفعل فاحشة من زنا ولواط كما ان بعض الشياطين يتنزلون بأشياء من المُكاشفات والتأثيرات على هؤلاء فيسمــــــعونهم كلاماً كما كانت الشياطين تدخل في الأصـــــنام وتكــلم عابديها في الجاهلية وفي غير الجاهلية بعد الإسلام فيتخل هؤلاء ان الاصنام تتكلم, ثُم أن هؤلاء يجتمعون في أماكن الخبث والأماكن المقفلة المهجورة واماكن الأوساخ والقمامة, ومنهم من يظهر بصورة رجل شعراني جلده يشبه جلد الماعز فيظن من لا يعرفه انه أنسي وانما هو جنيّ, فهذه من التلبيسات أيضاً..!!, والحق إنّا لا ندريّ ايهما أعجب في حياة هذه الامة المنكوبة؟! أ مراجعها وهم على هذا النحو من الفهم الشاذ والفكر المنحرف؟ أم اتباعهم من المسلمين ممنّ قلدوهم تبيان ما اشكل عليهم وصاروا يأخذون  منهم كلُّ ما ينطقون ولو كان قيءٌ من قيح أو دماً عبيطاً فاسداً.... أ عصفور يقول خذني حتى يأكلنيّ الفقراء!! واشجار ونباتات تتكلم!!!  فعصافير ونباتات المسلمين وحدها أم غيرها في بلاد الله الواسعة!! في عصر أبن تيمية حصراً ام في غيره من العصور!!! وأما من رجالات الدين المعاصرين, ومنهم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في دار الإفتاء في المملكة العربية السعودية ممن ساروا على نهج وخطى الأسلاف فقد أصدروا فتوى عن تحضير الأرواح ما هو نصه " التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني يسلطهُ المنوِم على المنوَمْ فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الاعمال بسيطرته عليه ان صدق مع المنوَمْ وكان طوعاً لهُ مقابل ما يتقرب به المنوم إليه ويجعل ذلك الجنيّ له ان صـــدق ذلك الجنيّ مع المنوِم وعلى ذلك يكون استــــــــــغلال التنـــــويم المغناطيـــسـي واتخاذه  طريقاً أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو لقيام بأي عمل آخر بواسطة المنوِم غير جائر بل هو شرك لما تقدم ولأنهُ التجاء لغير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها الله سُبحانه الى المخلوقات واباحها لهم " ولا ادّل على وهن وبطلان دعاوي ومزاعم من ركنوا الى تفسير هذه الاعمال والحيل الخفية بأنها من أفعال الشياطين والجن, وهذا دأب من اعيتهُ التخاريج والحلول ومال للجاهز من التبريرات والتعليلات وأتخذها نهجاً بدلاً من التدقيق والبحث والتقصيّ سيما ما يصدر من اجوبة دار الإفتاء هذه والحال أنهاء أصبحت دار محنٍ وبلاء على المسلمين فأنكَّ لا تجد فتوى أو بيان يخلوا من  كلمات لهم أربع "شرك – كفر– شياطين – جن".!!

الرأي الرابع: يختلف أرباب هذا الرأي عن غيـــرهم فهم ربما اجمعوا في أجوبتـــــهم
      على بضع  كلمات مقتضبة لا تُغني ولا تُسمن من جوع فهيَّ لا تعطي  فهماً واضحاً وجواباً شافياً لما يدور حول هذه المسألة من إشكالات فتارة  جوزوا عمل تحضير الأرواح غير أنهم جعلوا شرط حرمة تحضير الأرواح المؤمنة حال تأذيتهم به, وتارة اشترطوا الجواز اذا لم يكن التحضير من أعمال السحر, فأضفت كلماتهم تعقيداً ومشكلاً آخر بدل حل المشكل الأول بينما نهج آخرون نهجاً مفرطاً فأخذوا يفرّعون تفريعات, ويخترعون المخترعات ويرتبون الاحكام الشرعية المتوالية كالدية والقصاص بمن يتحكم ويقتل تلك الارواح المحضّرة فكأنَّهم زادوا على إيمان المحضرّين انفسهم واعطوا للمترددين دفعة قوية نحو اعتناق هذا المذهب الخطير والغريب عن الفكر والعقيدة الإسلامية, أو كأنهم احدثوا حدثاً في الفقه وشرخوا شرخاً في جسمه, ودعوا إلى عرفنة الفقه بعد ما كان عرفانهم مقتصراً على العقائد!!وعلى أية حال من الأحوال المذكورة فالإشكالات واضحة عليها منها أن لا دليل على استطاعة تلك الأرواح المؤمنة المقدسة من الأنبياء وائمة اهل البيت والصالحين من ترك مكانها في حياة البرزخ وتستجيب لطلبات ضعاف النفوس والعقيدة من جهلة ومغفلين سذّج ومن لا منزلة لهُ في الإيمان والدين, ومنها أن قولهم بجواز تحضير الارواح مشروط بعدم احتواء ذلك العمل شيء من السحر, قول لا يخلوا من خلط وابهام فالسحر شيء وتحضير الأرواح شيء مغاير, فالسحر كما هو متعارف عليه عند الفقهاء انفسهم هو رقي و عزائم و طلاسم تؤثر في نفس المراد سحره من "الأحياء" حصراً لجلب منفعة او إلحاق ضرر, وأمّا تحضير الارواح بحسب زعم الروحانيين فهو علم أُكتشف حديثاً يتم بواسـطة طرق معروفة لأجل إحضار أرواح موتى من عالم البرزخ الى عالم المادة, ومن المؤمنين بهذا الرأي من علماء الافتاء من انطلت عليه مع الأسف الشديد –حيل وخدع الروحانيين والذي نعزوه إلى انجذاب هؤلاء الى المسلك العرفاني المحض وانشدادهم وتصديقهم للغيب والمغيبات بكل صورها واشكالها وان تعدى حدود العقل والشرع, فنرى منهم من يقصد جلسات التحضير ويأخذ بالتصديق بكل ما يدور فيها من حركات وإشارات وعلامات مشبوهة وربما شاركهم الرأي واستجاب لرغباتهم في طرح ما يدور في خلده من أسئلة فقهية وأخرى عن حياة وأحوال المؤمنين في عالم البرزخ ومحادثتهم-أو دفع بعضهم الإيمان بالفكرة لتدوين مشاهداته في مؤلف أجهد نفسه وشغل وقته فيه...! ولتقريب موقف الإفراط الذي أشرنا إليه نستشهد بما حرره البعض من فتاوى تخصّ هذه المسألة وكما وردت في الأصل.
مســـألة6: لو فرضنا إمكان تبديل روحين لجسـدين بأن يدخل روح زيد في جسد عمرو وبالعكس
الجواب: -جاز برضى الطرفين-ويدل على الجواز إطلاق دليل لحل لكن بشـــــرط أن لا يكون هناك محذور وحينئذ فأحكام الزوجية والنسب وغيرها حل يتبع الجسد أو الروح ؟
احتمالان...
مســــألة 7:لا يجوز إخراج روح الإنسان بالوسائل النفسية- وقد كان هذا معمولاً به
   في القديم- ما يظهر عن حديث ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) وذلك لأنه أماته – نعم اذا لم يكن أماتة بل كان من قبيل التنويم المغناطيسي لم يكن به بأس بشرط رضى الطرف لأنه تصرف في سلطنته.
مســـــــألة 8: الظاهر ان النظر الى روح الميت المجســـــد كالنظر الى جسمه في حرمة نظر  شخص الى رجل أو امرأة يحرم عليه
     .
مســألة 9: يجوز التعّلم من الأرواح المحضـــرّة بواسطة التنويم أو ما أشـــــبه ذلك كما
    ينقل من تعلم عالم عن روح أحد العلماء " أشعة ليزر" التي كانت توجه المركبة الفضائية .
مســــألة 10:هل يمكن الاعتماد على قول الروح المستحضر في كونه دائناً لفلان أو
  مديوناً أو ما  شابه ذلك؟ الظاهر لا
مســـــــألة 13:هل يمكن الاعتماد بلفظ العقد أو الإيقاع الذي يجريه الروح؟
الجواب:- مشكل جداً لانصراف الأدلة عنه وكذا بالنسبة لأداء الروح صلاة الميت وصومه وما شابه.
مســـــــألة 14: يجوز للإنسان ان يوفد روح نفسه او روح إنسان آخر أو روح ميـــــــــت
     الى البلاد النائية أو ما أشبه للاستخبار أو الاخبار- فإن حرمة تسخيرّ الأرواح وان ذهب إليها بعض الفقهاء وكنتُ أميل إلى ذلك سابقاً – لكن لا دليل مقطوع عليها- فالأصل الحلية.
مســــــــــألة 16: هل ان أصوات الارواح حجــــــــــة فيما إذا علــــــــــــمنا بالكلام  كما لو
   أحضر بسبب التحضير روح عادلين وشهدا على قضية؟
الجواب:- مشكل جداً – اللهم الا إذا حصل العلم من ذلك وكان يكتفي الاعتماد على العلم في الترتيب الأثر الشرعي- لانصراف أدلة الشهادة على الحيّ.
مســـــــــألة 18: لو أمكن قبض روح إنسان بالوســـــــــــائل النفـــــــــسية – ك"الهندية" فقبض إنسان روح إنساناً ظُلماً فالظاهر وجوب إرجاعه ولو لم يرجع ما في البلاد
   كان قاتلاً وانما يجب الارجاع بحرمة القتل ولأنهُ أولى من إرجاع المال المسروق ونحوه.
مســــــــألة 27: الظاهر جواز أخذ أصوات الاموات بواسطة التــــــــــنويم المغناطيــــــــسي
   والتحضير  كما يجوز اخذ خطوطهم كما تُعارف في بعض البلاد حيثُ ينصب القلم على السلة المتعلقة بالروح فيكتب كما لو كان إنساناً حياَ ...!!
والحق ان من يقرأ هكذا مسائل وأجوبة وهو يستحضر في ذهنه فقه محمد وآل محمد(عليهم السلام) لاشَّك ان ينتابه اليأس والإحباط ويحزن لما وصل إليه حال المسلمين, فأن كان للبعض من رجال دين من حجج واهية وبراهين سقيمة في مسألة السحر أو الحسد ونسبتها لقوى غيبية كالجن والشياطين والملائكة في تأويل آيات القران الكريم حسب ما تشتهي أنفسهم أو في بضع روايات مرتبكة ومعلولة السند والمتن, فلا ينبغي لهم في مسألة "تحضير الأرواح" ذلك وعدّها من العلوم العصرية وإدخالها ميدان الإفتاء وجعلها تحت مشرط أقلامهم فلا آية تُسعفهم ولا حديث صحيح ولا دليل عقلي يجدو ضالتهم من خلاله, ومن هنا فينبغي على الفقيه ومرجع التقليد ان لا يزيد الطين بلة ويذهب بعقول المسلمين محلّقاً في عوالم الغيب المجهول, وان كان ثمة رواية غريبة ووحيدة وشاذة يعتقد أنها تعزّز من رأيه في معتقد ما فالواجب عليه الاعراض عنها فالمكلف لم يكن ليلجأ الى السؤال الا بعد ان ضاقت به الحيل وسبل التوصل للحقيقة وأوصدت بوجهه ابواب العلم واليقين, فما أبتلي به من ابتلاءات كثيرة من فرائض وكدح مضني لجهاد نفسه وشيطانه يجعلهُ دون شَّك موضع شفقة واسترحام من قلده أمور دينه, فبعد ان كان يبحث عن جواب له أدلته وبراهينه الشرعية والعقلية على وجودٍ لمشكلة أسمها " تسخير الملائكة والجن"  نراهُ اليوم ينشغل باحثاً عن حل وجواب لمعضلة بل مصيبة سميت " تسخير أرواح الموتى"  لقد حُشرت في هذه المسائل – مع الأسف – كل خرافات الأمم والديانات من هنود وزرادشت وغيرها من عقائد باطلة وزائفة.. فأرواح البشر الأحياء هنا تُخرج وتُقتل بالإشارات والإيماءات من قبل المرتاضين واهل الطرق؟؟!!! وأرواح الموتى تشهد كالأحياء في المحاكم الشرعية إذا دُعيت!! وتجيب على أسئلتنا عبر سلة نُفايات!!  وتعلمنا علوم الفضاء!!
ثُم أنها تشتري وتبيع وتتزوج وتُصلي صلاة الميت...!!!
وان شئنا أرسلناها للتجسس على أعدائنا وجلب أخبارهم..!!






" حقيقة نزول الأرواح إلى حيـاة الدُنيا "

    ربما يكون من جملة الأسباب التي تدعوا بعض المسلمين للاعتقاد بظاهرة تحضير الأرواح وهو ما نلمسه في احتجاج واستشهاد هؤلاء بعدد غير قليل من المرويات الحاكية لنزول وتواجد الأرواح الى الحياة الدنيا وبصورة "زيارات طوعية أو استجابة لأدعية العرفاء والصالحين بما يُسمونه الكشف أو الكرامات ونحو ذلك, وكمثال على طائفة الروايات التي تكشف حال الأرواح واطلاعها اهل الأرض تستعرض ما اشتهر منها في أهم الكتب وثاقة عند المسلمين..
روى الشيخ الكليني في اصول الكافيّ عن اسحاق بن عمار عن الامام موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألتهُ عن الميت يزور أهله؟ قال: نعم, فقلت: كم يزور؟
قال: في الجمعة وفي الشهر وفي السنة على قدر منزلته.
فقلتُ: في أي صورة يأتيهم؟ قال: في صورة طائر لطيف يسقط على جدرهم ويشرف عليهم, فأن يراهم بخير فرح وان رآهم بشر وحاجة حزن وأغتم...!
وفي الكافي أيضاً عن عبد الرحيم القصير قال: قلت المؤمن يزور أهله؟
فقال: نعم يستأذن ربه فيبعث معه ملكين فيأتيهم في صور الطير يقع في داره ينظر لهم ويسمع كلامهم..!
   وفي رواية اخرى عن حفص ابن البختري عن الصادق(عليه السلام): ان المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ويستر عنه ما يكره, وان الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويستر ما يحب, وفي صحيح مسلم- ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال: "مررتُ بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يُصلي في قبره" .
   وفي الكافي  عن أبي بصير عن الصادق(عليه السلام): "ان الأرواح في صفة الأجساد في شجرة الجنة تعارف وتساءل, فإذا قدمت الروح على الأرواح تقول دعوها فأنها قد أفلتت من هول عظيم ثُم يسألونها ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فإن قالت  تركتهُ حياً ارتجوه, وان قالت لهم قد هلك قالوا قد هوى هوى...! "
  وفي رواية " إن أرواح المؤمنين في حجرات من الجنة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويقولون ربنا أقم لنا الساعة وانجز لنا ما وعدتنا وألحق آخرنا بأولنا, وان أرواح الكفار يسكنون في حجرات في النار ويأكلون من أكل النار ويشربون من شرابها ويقولون ربنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأولنا.."
   وفي تهذيب الطوسي عن الامام الصادق (عليه السلام):"ان المؤمن اذا قبضهُ الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا فيأكلون ويشربون فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا, ولو رأيتهُ لقلتَّ فلان..."
  وسأل الامام الباقر(عليه السلام):" مــــا الموت؟ فقال(عليه السلام)هو النوم الذي يأتيكم في كلِّ ليلة الا انه طويل مدته لا ينتبه منه الا يوم القيامة فمنهم من رأى في منامه من أصناف الفرح ما لا يُقادر قدره, ومنهم من رأى في نومه من اصناف الأهوال ما لا يُقادر قدره, فكيف حال من فرح في الموت ووجل فيه... هذا هو الموت فاستعدوا له...! والمتأمل قليلاً في مضمون الروايات المارة يجد فيها تعارضاً واضحاً, وقد يميل الى صحة ما جاء في رواية ابي بصير والروايات التي تُليها مباشرة لأسباب منها:-
 ان حسابات الزمن في عالم البرزخ هيَّ غيرها تماماً في عالم الدُنيا, وذلك بنص آيات الذكر الحكيم نظير قوله تعالى:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} فإن كانت حياة الدنيا بالنسبة لنا قصيرة , ففي عالم البرزخ تكون أقصر بلا شَّك , وإذا كانت كذلك انتفت الحاجة الى تلك الزيارات.
ان رواية مشاهدة موسى (عليه السلام)" دون سائر الأنبياء" قائماً يصلي في قبره لا يُمكن قبولها اذ المقطوع به ان ما يلي الموت حساب ولا عمل ولا مكان للعبادات من فرائض ونحوها في ذلك العالم القائم على الجزاء بعد الابتلاء...!
بحسب الآيات القرآنية والأحاديث المعتبرة فأن اللقاءات التي توصلنا بغيرنا من الارواح تكون حصراً بالمنامات, ولا سبيل الاّ بخروج تلك الأرواح اما بالموت او النوم قال تعالى:{اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}واما ما يروى عن بعض المُشاهدات لأرواح الموتى في اليقظة سواء في المقابر او غيرها من الأمكنة على نحو الكرامات بما يُعرف بالمكاشفات فهي أقوال باطلة لا يلتفت إليها, فأرواح المؤمنين في شغل فاكهون وأرواح الكفار في شغل يتعذبون ولعل أغلب ما يرد من ذلك في أقوال وانشاءات ومخترعات الصوفية ومن تأثر بأفكارهم وسلوكياتهم المنحرفة التي حذرَّ أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من إتباعها في كثير من الأحاديث والمواقف.
 أن روايات" الطير أو الطائر اللطيف" تتقاطع مع الروايات المبيّنة لأحوال تلك الأرواح وسؤال القادم إليهم من الحياة الدنيا عن مصير من خلفهم, فإذا كانوا على تلك المقدرة من الزيارة بتلك الهيئة كانوا بغنى عن السؤال!!.
لم تتطرق هذه الروايات عن الفائدة من الزيارات فهل تفيد الحي وهو لا يعلم بها؟ ام تفيد المتوفيّ؟ فإن كان من أصحاب اليمين كان حقٌ على الله ان لا يكّدر عيشه" فهو في عيشةٌ راضية" وان كان من أصحاب الشمال فهو في ضنك وشدَّة يتمنى لو يفتدي بأهله من سوء ما يجد من هوان وعذاب...
  وقد يقول قائل ان هذا مخصوص بمن محض الإيمان محضاً, ومن محض الكفر محضاً وفيما بينهما درجات قد يقع فيها القول بالزيارة ونجيب بأن لا دليل صريح على ذلك من السُّنة وتبقى المقولة مقّيدة بجواب الرؤى والأحلام التي تتناقل بين الناس لا أكثر, ولعلَّ ما مرَّ بِنا من واهي المرويات فضلاً عن أحاديث وقصص مبثوثة في كُتب التُراث هي من أهم أسباب انتشار عقيدة الكشف وما يّدعيه بعض رجال الدين وغيرهم من مشاهدات عيانيه لأرواح النبيين والصالحين وَهُم يُسرّون لهم أثناء عباداتهم وتهجدهم بما ينبغي القول والعمل به وما أفرزته تلك العقيدة من صور الفوضى الفكرية والعقدية والأخلاقية التي يعيش تفاصيلها المجتمع المسلم الى يومك هذا...















الروحية الحديثة دعوى لنسخ الديانات السماوية
   لقد مرَّ بنا كيف ان ظاهرة تسخير الأرواح أو ما تُسمى بالروحية الحديثة قد ظهرت بلباس جديد وبرونق متحضر في البلاد الغربية, وان هذه الظاهرة كانت بمثابة ردة فعل صريحة لسير المجتمعات الغربية واختيارها نمط الحياة المادية المحضة وأنسلاخها عن كل ما يقرب الإنسان من قيم اخلاقية وفضائل نفسانية تحمل به نحو التكامل ونكران الذات, وكيف ان القائمين على الجمعيات والمؤسسات قد استغلوا حاجة مجتمعاتهم الى ما ينفّس عنها غلوّها المادي وابتعادها عن تعاليم اديانها وعقائدها, ثُم ادعاءاتهم وتصريحاتهم العلنية عبر تلك الندوات واللقاءات بأكملية تعاليمهم الراقية الى مستوى الكتب السماوية, ويتضح ذلك جلياً من خلال عقد مؤتمرات سنوية وإصدار المجلات والمؤلفات المروّجة لأفكار التناسخ والحلول ونشر مظاهر الشرك والكفر كادعاءهم معرفة العلوم الغيبية والاطلاع على احوال الأرواح واستدعائهم في حجر التحضير ومحاولاتهم التقاط صور لجبريل والملائكة والأنبياء  او محاولة ايجاد الحلول الشافية حسب زعمهم لكثير من المسائل الفقهية والعقدية والتاريخية, فإن في كلُ ذلك ما لا يُخفى من الفساد والإفساد وتضليل المؤمنين وحرفهم عن جادة الحق التي أفنى لأجلها الرُسل والأنبياء حياتهم ومهجهم في سبيله ثم ان افتراءاتهم واكاذيبهم المتواصلة والتي تنشر في كثير من الصحف حول ادعاءاتهم الاتصال بأرواح الأطباء المشهورين الذائعي الصيت لإجراء عمليات جراحية وشفاء مرضى قد عجز العلم التجريبي من علاجهم لا يُمكن الاّ ان تعدّ محاولات جادة من شـــــأنها  بث روح اليأس والإحباط في مجمل حياة الفرد والمجتمع وعرقلة سير الحضارات الانسانية القائمة على السعي والعمل الدؤوب وطلب العلوم من مضانها, ومع الأسف الشديد فقد قطعت الظاهرة الروحية شوطاً طويلاً وأحرزت تقدماً لا بأس به في عدد من البلدان الغربية والشرقية عامة والإسلامية على وجه الخصوص, فقد ظهرت في إيران حركة دينية استمدت من الظاهرة الروحية الغربية جل مبادئها وأسس بنائها العقائدي سُميت فيما بعد دين البهائية الجديد  حيثُ كان مؤسس الحركة الميرزا حسين النوري المعروف "ببهاء الله" 1817م- 1892م يدعوا الى نبذ جميع الكتب السماوية ودعوة الأنبياء والرسل واعتناق مذهبه فيما أرسى قواعد وأسس المذهب في كتاب اسماه الكتاب الأقدس, ان الذي يدعو الى ربط دين البهائية بالحركة الروحية هو وجود عدة أوجه شبه بينهما يُمكن تلخيصها بما يلي:-
أولاً: ظهور كلا الحركتين في نفس العقد من القرن التاسع عشر.

ثانياً: دور الاستعمار الغربي في نشر أفكار الحركة الروحيـــــــــــة والترويج لها من جهة واحتضانه الديانة البهائية ورموزها من جهة أخرى, مستغلّين بذلك فتواهم بحرمة حمل السلاح وإبطال اصل الجهاد كفريضـــــــــة واجبة على المسلمين..!!

ثالثاً: الاعتقاد باستمرار نزول الوحي بعد النبـي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وتأويـــــــــل القرآن تأويلاً ينسجم مع ثوابت عقيدتهم كتأويل القول بخاتم النبيين والذي لا يعني سوى زينة النبيين والرسل وكأنهُ (صلى الله عليه واله وسلم) الخاتم في الأصبع..!

رابعاً : الاستناد الى دعوى الوحدة الروحية بين البشر باعتبار ان الأديان منبعها واحد والتركيز على نبذ التعصبات القومية والعرقية والدينية والمذهبية بكل صورها حيث يقول أبنه عبد البهاء ت(1920م) :"ان ملكوت الله لا يوجد في أي مدينة بعينها, فمن تعبّد الله تعالى بالبوذية أو النصرانية أو اليهودية أو الاسلام فهو كمن قبِلَ بالبهائية تماماً لا فرق بينهم وبينه" , وفي مكان  آخر " ان يتحد العالم على دين واحد ويصبح جميع الناس اخواناً وتتوثق عرى المحبة والاتحاد بينهم, وتزول الخلافات الدينية وتُمحى جميع الانقسامات بين" بني البشر" وهذا مذهب الروحانية بالحرف الواحد ..

خامســـــــــاً: قيام المذهب البهائي بحصر التبشير والدعوى للدين الجديد من خلال "الجمعيات و المؤسسات و الندوات" أسوة بالروحانيين وتنافس لقب زعامة الدين من قبل رجال دين غربيين امثال " تشارلز ماسن ريمي" الذي يرأس النواة الأولى لبيت العدل للطائفة البهائية , و"جول بي مارجيينلا " وصيه وخليفته من بعده وفق رسالة وجهت له في 5/9/1961.
سادســـــــاً: مما سبق يمكن الاستــــــــــــنتاج ان لكلا المذهبــــــــــــين غاية مشتركة وهدف
       مقصود يتمثل بنبذ الأديان السماوية وطرحها نهائياً وإحلال مذهب الروحانية محلّها بعد ما فشلت تلك الرسالات وأدّت الى تفريق الأمم وتمزيق النسج الاجتماعية اذ لم تجنِ البشرية منها سوى  الاقتتال والتناحر والكراهية وكأن لسان حالهم بشيد بقول الشاعر:-
إن الشــــــــــــــــــــرائع ألقت بيننا إحنــــــــــــاً           وأورثـــــــــــــتنا افانيـــــــــــــــــــــن العداواتِ












الروحانيون   " انكشاف الألاعيب...و سقوط الأقنعة "
      لقد بات من المتعارف عليه اثر التقدم المطرّد في وسائل الاتصالات وحقول العلم والمعرفة ان كثيراً مما كان يعرف بالسحر أو الشعبذة في اصطلاح الفقه, صار مادّة تدرس في عدة من الدول سيما في سني التربية الأولى للطفل, في حين أصبحت "ظاهرة" قطع الرؤوس والأيدي والطيران في الهواء والاختفاء من برامج التسلية وقتل أوقات الفراغ لدى مختلف الشعوب, بيد ان مثل هذه الألعاب السحرية والى يومنا هذا تعد من الاعمال المحرّمة الموجبة للقصاص في بعض البلدان التي تطبق النص الحرفي لآراء الفقيه في ظل حكومته الاسلامية- ولا زال التناحر والاختلاف على أشده قائماً في حكم هؤلاء "السحرة" من ان تُقطع أرجلهم وايديهم من خلاف أم يُرموا من جبل شاهق... او أن يحرّقوا بالنار..؟!!
    وسواء كانت تلك الالعاب في نظر الآخرين مجرد تسلية او كانت لدى بعض المسلمين من ضروب السحر فقد وجدت طريقها عبر ظاهرة تحضير الأرواح في كلا المجتمعات حظاً غير قليل من الانتشار مع وضوح تهافت طرقها- فطريقة السلّة مثلاً وعلى بساطة الادوات والفكرة فأن باستطاعة أي شخص ان يحمل هذه السلة ان يمسك القلم من خلف القميص او الثوب وان يكتب ما يدور في ذهنه مدعياً  من اجابات الروح وليست منهُ, واما ما يخص طريقة التحضير بواسطة التنويم المغناطيسي وهي الاكثر شيوعاً فيبدوا ان هناك رموز وعلامات متفق عليها مقدماً بين الوسيط والمنوّم, فتبـــعاً لاختلاف اللمسات التي يلمس بها المنوّم مناطق معينة من جســـــــــم الوسيــــــط فأنها  تكون الإجابة, وبعبارة اخرى ان لكل لمسة لجزء من أجزاء جسم الوسيط بمثابة سؤال متفق عليه بينهما- ودليل ذلك ان الوسيط لا يمكنه إخبار الآخرين بأية معلومة عندما يكون المنوّم بعيداً منه أو غير ملامس لهُ على الأقل, وأما ما يحصل مع بقية الطرق من واضح تلاعب وحركات بين الحضور فأمره أهون من أن يكشف فطريقة الدائرة المستديرة مثلاً أو ما تُسمى بالمنضدة تتمثل بدائرة مستديرة من الخشب يضع الجالسون أيديهم عليها اشارة الاتصال وهي ان تدور الصحيفة المدّورة لإحدى الجهات تلقائياً والأكف موضوعة فوق المنضدة, ثُم يوجهون أسئلة للروح ويستلمون منها أجوبة ورسالات, وبهذا الشكل فأن الشخص الذي يدّير الجلسة يبدأ بعّد الحروف الألفباء من الأول ويدونون كل حرف تتحرك المنضدة عند ذكره ثم يكوّنون من مجموع هذه الحروف جملة "الرسائل" و" أجوبة الروح" , ولا شَّك أن تلاعب أيدي الجالسين وتحكمهم بحركة الدائرة الخشبية هو ما ينشأ تلك الأحرف والجمل بعد أن ترتب وتصاغ على شكل رسائل حسب زعمهم, والأمر ينطبق على سائر الوسائل الأخرى كالفنجان والويجا فهي من قبيل الموروث الشعبي القديم التي لا تحتاج ممارستها الى أكثر من سذاجة وجهل المتلقي وفراسة صاحب اللعبة, وأيضاً من الأمور التي يمكن مواجهة أولئك المدعيين وكشف خططتهم ان يكون تحديد أماكن جلسات تحضير الأرواح من قبل المدعــوين وليس من قبلهم, فالمقطوع به أن اماكن التحضير الخاصة بهم تكون معّدة سلفاً ومهيأة تماماً بما فيها الإضاءة الخافتة والألوان المختلفة التي تدخل الغرفة في اوقات يراد لها الظهور وذلك باستخدام أزرار كهرباء قريبة من أيديهم تصل اليها بسهولة فضلاً عن أعداد بعض الخيوط الشفافة القوية جداً والتي لا يمكن رؤيتها الاّ حين الاحتكاك بها أذ تعد هذه الخيــــوط بعد تثبيتها في ســـقوف الغرف او الشبابيك المؤصدة بأحكام وقد يعمد المحضّر لجلب جهاز قارئ للأمواج الكهرومغناطيسية يدعي فيه قراءة الأمواج والذبذبات الصادرة  من الروح القادمة من العالم الآخر وقد يوضع هذا الجهاز عادة بالقرب من مصدر للتيار الكهربائيّ ومن الطبيعي ان يعمل هذا الجهاز وتزداد حركة عدّاداته بسبب هذا التيار, ومن بين سقطات أولئك المحضرين وهشاشة موقفهم أنهم لا يحيرون جواباً عندما تكون الروح من بلاد تختلف في اللغة مع لغة الوسيط كما حصل ذلك مع كثير من الباحثين والمتتبعين زيف هؤلاء ومنهم الساحر البهلوي الشهير" هاري هوريني" الذي حاول الاتصال بوالدته المتوفاة عبر أحد الوسطاء الروحانيين وعند حضور روح والدته تحدثت عبر الوسيط باللغة الإنكليزية الواضحة رغم انها لم تكن تجيد اللغة الإنكليزية مما جعله يحارب هذا الموضوع ويصبح من أشّد المعارضين للروحانيين وجلساتهم وليس هذا فحسب فقد كشف زيف ادعاءاتهم كثير من المستبصرين عندما أوهموا المحضّر بطلب استدعاء أرواح ذويهم وحال استجابة الوسيط لذلك أخبروا بأن ذلك غير ممكن لأن تلك الارواح مازالت على قيد الحياة فبهت الذي كفر, وفي قصة حدثت لأحد الصحفيين الباحثين عن الحقيقة يسرد أحداثها ليبين كذب وافتراء المحضّرين وقد اشتملت على كثير مما ذكرناهُ آنفاً- يقول – كان الاتفاق على ان نحضر جلسة من جلسات تحضير الأرواح هذه وكنا بصحبة احد المرضى الذي اقنعهُ صديق له بأن علاجهُ سيكون في هذه الجلسة التي يحضرّون فيها أرواح أحياء لإجراء الكشف عليه وتشخيص مرضه وعلاجه, وتحدد لهذه الجلسة الساعة التاسعة مساءاً في شقة أحدى العمارات الشاهقة في حي المقطم بالقاهرة وفوجئنا بأن هذه الشقة ليست شقة سكنية بل هي أشبه بمقر لهؤلاء الناس يستخدمونها فقط في جلسات الأرواح, فالأثاث الموجود في الشقة كله أثاث مكتبي والأضواء المنبعثة بالجدران كلها أضواء خافتة ملونة بألوان الطيف السبعة وموضوعة بشكل يجعل الضوء ينبعث منها بدرجات مختلفة وزواياها مختلفة لكي تمنح المريض والحاضرين جزءاً اكبر من التركيز وإفراغ الطاقة الموجودة في المكان, رحب بنا رئيس الجمعية ترحيباً حاراً.. وعرّفنا على الطاقم المصاحب لهُ وهم ثلاثة جميعهم أساتذة جامعة- وبعد أن تم التعارف سألنا هل تصلوا؟ فأجبنا بالإيجاب فأومأ برأسه علامة رضا وموافقة ... وأستعان بالله لكي يبدأ وقائع الجلسة, وهنا اطفأت الأنوار وألقى علينا رئيس الجمعية تعليمات يجب علينا أتباعُها وهي ان نهدأ نفسياً ولا نخاف مما يحدث, وأن نُرّكز جميعنا على الكعبة المشرفة ونستحضرها في أذهاننا, وتنحنح طويلاً ثُم بدأ رئيس الجمعية بقراءة الفاتحة ثُم سورة النور ثم المعوذتين فآية الكرسّي ثم راح يتمتم بكلمات لم نسمعها ولم نفهمها واستمر ذلك لأكثر من عشر دقائق كاملة والصمت المطبّق يغلف المكان إلاّ من أنفاس المريض اللاهثة وهو الصوت المسموع في الحجرة المظلمة وبعد مرور الدقائق العشرة قال أحد المساعدين... "الضيوف وصلوا", ورفعنا رأسنا سريعاً لنرى هؤلاء الضيوف لكننا لم نرَّ الاّ ضوء خافت جاء من صالة الشقة وألتصق بأحد أركان الغرفة التي نجلس بها, ثُم رفع رئيس الجمعية رأسه وقال" أهلاً بهم وسهلاً طالما جاءوا بالخير", مرت فترة صمت كان يتمتم رئيس الجمعية ومساعده خلالها ثم رفع احدهم صوته بهمهمة غريبة بثت الرعب بداخلنا, اعقبه بقوله: الاطباء وصلوا يا دكتور وموجهاً حديثه لرب الجمعية الذي ردَّ عليه وهو مغمض العينين وكأنه هائم في عالم آخر, كم عددهم؟  فأجاب مساعد أستاذ الجامعة... أربعة معهم قائدهم فرّدَ مساعد آخر... قليلون هذا اليوم!
   وعقبّ رئيس الجمعية انهم معهم الشفاء بإذن الله, ثم استدار وجلس بجوار الرجل المريض قال له: "يا حسين أقرأ من القرآن وظل يتلو عليه آيات من القرآن الكريم وحسين المريض يتلو خلفه... ثم توقف وقال له بماذا تشعر الآن؟
 فأجاب حسين بأن هواء بارد يدخل من قدمه اليمنى الى جانبه الأيمن, فرَّد رئيس الجمعية انه العلاج والشفاء  بأذن الله, وقد كان المريض حقاً يعاني شللاً نصفياً في جانبه الأيمن حارَ به عند الأطباء ولم يجدوا له علاجاً حتى الاطباء النفسيون فشلوا في علاجه ومن ثُم لجأ إلى هذا النوع من العلاج, تكرر الموقف... موقف الهواء البارد- عدة مرات أثناء الجلسة وبدأ الحاضرون يسمّون الأرواح التي حضرت بأسمائهم وفي هذا الوقت غشيَّ على المريض فجأة وكاد يسقط على الأرض لولا أننا أسرعنا وأسندناه, وأضاء رئيس الجمعية الأضواء وانتهت الجلسة.
  ومن المواقف المحرجة التي يضع الروحانيون أنفسهم فيها ما هو متعلق بطبيعة الأسئلة التي يمكن توجيهها للروح المستحضرة, فمن التجارب التي فشل بها هؤلاء فشلاً ذريعاً ان أرواح آل البيت والصحابة والتابعين وغيرهم قد" انسحبت" من الجلسات عند توجيه أسئلة عقائدية وفقهية صعبة أو أنها قد تجيب اجابــــــــات بلهاء لا تخلوا من جهل فاضح واخطاء يدركها من لديه ادنى المام بالعلوم الشرعية, وممن وقفوا على هذا اللون من الجهل الكاتب احمد عز الدين البيانوني صاحب كتاب "الإيمان بالملائكة" فيروي حادثة حدثت معه فيقول: " دعيتُ أنا إلى ذلك من قبل رجل يزعم أنهُ يستخدم الجن في أمور صالحة في خدمة الانسان, وذلك بواسطة وسيط من البشر ويزعم أنهُ توصل الى ذلك بتلاوات وأذكار طويلة دلهُ عليها بعض من يزعم انه على معرفة بهذا العلم, ويضيف الكاتب جاءني الوسيط ذات يوم يبلغني دعوة فلان وفلانة من الجن لحديث هام لي فيه شأن عظيم فذهبتُ في الموعد المحدد متوكلاً على الله فرحاً بذلك, لأطلع في هذه التجربة على جديد.  " كيف بدأت المخادعــــــــــــــة" ؟ من أول أساليب الخداع التي سُلكت معي ان طريقة الاستحضار هو استغفار وتهليل واذكار مما يجعل الأنسان لأول وهلة يظن انهُ يتحدث مع أرواح علوية صادقة طاهرة... دخلتُ بيت الوسيط وخلونا معاً في غرفة... وجلس هو على فراش وبدأنا- بدلالته طبعاً- نستغفر ونهلل حتى اخذتهُ اغفاءة , فأضجعتهُ انا على فراش وسجيتهُ بغطاء كما علمني ان أفعل, وإذا بصوت خافت يسلم صاحبهُ عليَّ, ويُظهر حفاوته لي وحبه ويعرفني بنفسه انهُ مخلوق ليس من الملائكة, ولا من الجن ولكنه من خلق آخر من نوع آخر وجد بقوله تعالى" كُّن فكان" , وهو علـــــى زعمه ان الجن لا يصدرون الاّ عن أمره وان بينه وبين الله تعالى في تلقي الأوامر خمس وسائط فقط خامسهم جبريل عليه السلام, وأخذ يثني عليّ ويقول... أنهم سيقطعون كل علاقة لهم بالبشر وسيكتفون بلقائي لأني صاحب الخصوصية في هذا العصر وموضع العناية من الله تعالى وانه سُبحانه هو الذي اختارني لذلك ووعدني بوعود رائعة فيها العجب العجاب, واستسلمتُ لهذه التجربة الجديدة والدعوة متوسلاً بالله جلَّ وعلا أن يعصمني من الزلل وان يهديني الى الحق المبين, ولما انقضى اللقاء الاول دعاني الى لقاء آخر في موعد آخر ثم دلني هو نفسه على تلاوة خاصة لأيقاظ الوسيط من غيبوبته, وكان ذلك وجلس الوسيط وعرك عينيه كأنه انتبه من نوم عميق ولا علم له بشيء مما جرى, رجعتُ  في الموعد المحدد ايضاً وتَم بيننا بعد لقاءات مدة طويلة وفي كل لقاء تتجدد الوعود الحسنة ويصف لي المستقبل الرائع الذي ينتظرني والنفع العظيم الذي تلقاهُ الأمة على يدي, وتطور الامر فأخذ كثير من الأرواح يرونني في كل لقاء بمقدمات من الأذكار وبغير مقدمات, فقد أكون مع الوسيط على طعام او على تناول كأس من الشاي فتأخذهُ الاغفاءة المعهودة فيميل رأسه الى الأمام ويلتصق ذقنهُ بصدره ويحدثني الزائر حديثاً يغلب عليه طابع الاحترام والاجلال والتبرك بزيارتي وتبشيري بالمستقبل الزاهر المبارك ثُم ينصرف ويجيء غيره وغيره...فقد زارني خلال هذه الزيارات أفراداً زعموا انهم من الملائكة وافراداً من الجن وأبو هريرة من الصحابة وطائفة من الأولياء وبشروني بزيارة والدي اياي وفي وقـــــــــت عينوه وانتظرت الموعد بلهفة ولما كان الموعد المنتظر كلفوني بقراءة سورة الواقعة جهاراً, فقرأتها ولما فرغتُ من قراءتها قالوا سيحضر والدك بعد لحظات فأسمع ما يقول ولا تسأله عن شيء !!  بعد دقائق جاءني يزعم أنه أبي فسلم عليَّ واظهر سروره بلقائي وفرحه بي على صلتي بهذه الأرواح وأوصاني ان اعتني بالوسيط وأهلّه وختم حديثهُ بالصلاة الإبراهيمية , وانا اعلم رحمة الله تعالى كان شديد الولع بالصلاة على النبي ولا سيّما الابراهيمية, وكان من العجب ان لهجّة المتحدث تشبه الى حدٍ ما لهجة الوالد؛ ثُم سَّلم وانصرف, واخذت أتساءل في نفسي لِمَ اوصوني ان لا اسأله عن شيء؟ في الأمر سر ولا شَّك!! السر الخفي الذي أنكشف آنذاك أنَّه ليس بوالدي وعدم سؤاله لخفاء الكثير من جزئيات حياته لهم فحذروني من ذلك لكي لا ينفضح أمرهم, ثُم سلكوا معي في لقائي مع الآخرين ان لا يعرفوني بأسمائهم الاّ عند انصرافهم, فيقول احدهم أنا فلان ويسلَّم وينصرف على الفور!! وفي ذلك سر كما ذكرت فلو أخبرني واحد منهم عن نفسه وهو مشهود له بالعلم فبحثتُ معه أشكال علمي لعجز عن الجواب وأنكشف الأمر وقد أتاني آت مره يناقشني في اباحة كشف الوجه للمرأة وانه ليس بعورة فرددتُ عليه وردَّ عليّ رداً ليس فيه رائحة العلم, ولم تزل تنكشف لي الحقيقة على وجهها مرة بعد مرة وفي تجربة بعد تجربة حتى تحقق عندي ان الأمر كله كذب وبهتان ودجل ولا أساس له من التقوى ولا قائمة له على دين, وكنتُ كتبتُ في هذه المدة الطويلة مما حدثوني به ملأ دفترين كبيرين جمعتُ فيه أكثر مما حدثوني به, ولمّا ظهر ليَّ الباطل ظهوراً لا يحتمل قطعتُ الصلة بهم وحكمت عليهم بما حكمت واحرقت الدفترين اللذين امتلئا بالكذب والخداع, يقول الفيلسوف "توماس هكسلي" وهو يسخر من طبيعة تلك الاجوبة التي يلقيها الوسيط على مسامع الحضور" وعلى فرض ان هذه الظاهرة صحيحة فأنها  لا تثير اهتمامي فإذا تكّرم عليَّ احد بدعوة الاستماع الى ثرثرة امرأة عجوز تقول أشياء تافهة سوف أرفض هذا الشرف لأن لدي ما أهتم به أكثر, واذا كان الناس في العالم الآخر لا يقدرون على حديث احكم او أعقل من ذلك الذي تجريه على ألسنة أصدقائهم في الأرض فأنني أضعهم في نفس الطراز ,ان الفائدة الوحيدة التي اجنيها من هذه الظاهرة الروحية هي انها يمكن ان تكون مانعاً اضافياً للانتحار فمن الأفضل ان يعيش الانسان كناساً متجولاً في هذه الارض عن ان يموت ويذهب الى العالم الآخر ثم يستدعيه وسيط جاهل الى جلسة أرواح نظير جنيه استرليني يتقاضاه وسيط" ... واما الدكتور محمد محمد حسين فيرد على الروحانيين بعد تجربة طويلة معهم دامت لسنوات عدة بكتاب أسماهُ" الروحية الحديثة" ويكشف كثيراً من خداع هؤلاء بقوله: "فهؤلاء لا يجرون تجاربهم كُلها إلاَّ في ضوء أحمر خافت هو أقرب الى الظلام وظواهر التجسيد والصوت المباشر ونقل الأجسام وتحريكُها تجري في الظلام الدامس ولا يستطيع المراقب ان يتبين مواضع الجالسين ولا مصدر الصوت ولا يستطيع كذلك ان يميز شيئاً من تفاصيل المكان كجدرانه أو أبوابه أو نوافذه, ويضيف الدكتور ناقلاً بعض صور التحضير المزعومة ان لديهم ما يعرف "بالخباء" وهو حجرة جانبية معزولة عن الحاضرين او جزء من الحجرة التي يجلسون فيها تُفصل بحجاب كثيف وهذا المكان المنفصل معد لجلوس الوسيط الذي تجري على يديه ظواهر التجسد المزعوم, ومن هذا المكان المحجوب بستار يضّاف الى حجاب الظلام السابق لتخرج الارواح المزعومة المتجسدة واليه تعود بعد قليل ولا يسمح للحاضرين بلمس الاشباح.
 هذا ولعلماء النفس رأي قريب من هذه الآراء يلخصها الدكتور ظريف شوقي أستاذ علم النفس بقوله: " وأنا شاهدتُ كثيراً من هذه الجلسات لكني لم اقتنع بكل ما يحدث فيها واعتبرها دجلاً وخرافة, ولا يوجد شيء أسمه علم الأرواح والذي يحصل لدى الروحانيون ما هو إلاّ مجموعة من الخبرات الشخصية المقننة " ...
 نقول: والذي نميل اليه وندين الله به هو هذا الرأي ونبرأ الى الله من أي قول خلاف ذلك وان صدر ممن يُشار لهُ بالبنان أو اختلفت اليه اعناق الرجال طلباً للعلم- فأن علماً فيه مخالفة كلام الله ورسوله احق ان يضرب به عرض الحائــــــــط, لقد ضرب الله لنا مثلاً في تقريب بسط نفوذ ملكه لعقولنا في قصة نبي الله سُليمان(عليه السلام) أذ وهبه ملكاً, وان عظمَ في انفسنا فلا يبلغ مقدار ذلك قطرة في بحار ملكه جلّ وعلا ومع ذلك فأن غياب طائر صغير الحجم مثل الهدهد جعلهُ يتوعده بإنزال العذاب أو الذبح في حال عجزهِ عن المجيء بعذر مقبول لديه, فأن كان هذا حال عبد من عبيده, وقد أخذت به صفات العزّة بالنبوة  والملك وبنت في نفسه نوازع الحرص على السيطرة والإحاطة وعدم التفريط بغياب كائن صغير لا يرقى الى مستوى خلق الانسان فكيف الحال بخالق الخلق وبارئ النسم مالك الملك من ان يسَّعه تصرف احداً من خلقه في أرواح حلّت بفناء مغفرته ورحمته أو صارت في قبضته بين أطباق النيران والجحيم..!!.









احتفاء البلدان الإسلامية   " بالظاهرة الروحية "
    ويتسع الإيمان بالظاهرة الروحية في أرجاء بلاد المسلمين سيما بلدان الشرق الأوسط ومصر وينبهر عدد غير قليل من شرائح المجتمع المسلم ويستقطب الشريحة المثقفة بالثقافة الغربية على وجه الخصوص وتشهد مسارح تلك الدول تقاطر الروحانيون لتقديم عروضهم في مجال"علم التنويم المغناطيسي"  واكتناه الغيب فيتناقل المهتمون بما يجري على خشبة المسرح من تكهن ومعرفة الوسيط المغمض العينين لأشياء مخفية في جيب احد الحاضرين من نقود أو مفتاح أو مسبحة او حتى كتابة معلومات من احد الجالسين على ورقة فيتنبأ بها الوسيط حالما تعرض على المنوّم, وربما كان انثيال بعض رجال الدين في تلك الفترة " العقد الخمسيني والستيني من القرن العشرين", الى جانب الظاهرة الروحية قد أعطى دفعة أقوى من دفعة الليبراليين وذلك من خلال الاعلان عن صحة  ما يرد على ألسنة الروحانيين وما يجري على ايديهم من أعمال كاشفة, والسبب الوحيد- بحسب معطيات تلك الفترة- هو محاولتهم الوقوف بوجه " المد الشيوعي الإلحادي" الذي غدى مسيطراً على جميع مرافق حياة المجتمع المسلم  ومحاولاته الجادة لاستقطاب السواد الأعظم من الشباب للانضمام الى ذلك التيار, وسعياً منهم للتصدي لبوادر الانحلال الخلقي ولمظاهر الخلاعة والتميع ومحاولة تقليد سلوكيات الغرب بكل تفاصيلها , فهم من جهة قد أصدروا الفتوى تلو الأخرى بحرمة الانتماء الى ذلك الحزب والايمان بفكره, ومن جهة ثانية أسبغوا صفة الشرعية على الظاهرة الروحية وفتحوا لها الباب واسعاً للولوج الى عالم الفقه وعّدوا ذلك ذريعة وسبباً وجيهاً ومدخلاً لا بأس به للاحتجاج على رأي المادية المناهض للأديان السماوية القائلة بوجود الروح والخالق, يقول في هذا الصدد العلامّة أحمد أمين في كتابه " التكامل في الإسلام" وهو "يشيد بالظاهرة الروحية المكتشفة في الغرب حديثاً" ويسرد لأجل ذلك قصصاً حصلت عندهم مفتتحاً كلامه بالقول: " ولا يَخفى ان هذا البحث لمن أهم المباحث لشبابنا المعاصر المحاط بظروف مادية حالكة وتشكيكات محرفة ومضللة فَيذْكرْ أن دائرة المعارف البريطانية ذكرت ان امرأة في لندن شاهدت ذات يوم عند الصباح زوجها الذي كان قد أشترك في حرب" ترانسوال" بباب الغرفة , فتعجبت وتقربت منه فلاحظت ان ليس له جسم كأجسام البشر, وهو لا يتكلم بشيء, فأخبرت بعض الجهات المختصة وتمكنوا من تصويره, واذا به ضابط قد قتل في تلك الساعة في حرب" تراسنوال" في جنوب افريقيا وجاءت روحه تزور الزوجة: رفيقة الحياة, وفي مكان آخر ينقل عن احد "علماء الغرب" – لم يسمه- في بعض مؤلفاته لم يسمها- ان رجلين هاجرا وطنهما وذهبا الى أستراليا  بغية الاشتغال في رعي الغنم والمتاجرة بها, فازدهرت تجارتهما في مدّة وجيزة واصبحا ثريين, الاّ ان احدهما فقد شريكه بعد مدة, وصار يفتش و يبحث عنه بشتى الوسائل, فلم يعثر على أثره, وفي يوم بينما كان هذا الرجل يعود الى بيته جاعلاً طريقه على ضفاف بركة عميقة في شارع ضيق, شاهد  شريكه المفقود جالساً على ضفة البركة جلسة القرفصاء" يرمق ببصره الماء", همَّ الرجل ان يبدي سروره وفرحه لأنه قد ظفر بضالته بعد مدة مديدة وتعب شديد لكنه رأى ان كآبة تعلو وجه صديقه المفقود وهو يتضاءل كلما هّم ان يدنوا منه حتى انمحى ولم يبق منه اثر, يقول الرجل: فوقفتُ في محلي ولم اقترب, واذا بصديقي المفقود يبدو من جديد مشيراً بيده الى محل في البركة ثُم يغيب, فعلمتُ ان لا بد من شيء في البركة يجب اخراجه, ففتشنا المحل الذي قد أشار اليه الصديق المفقود واذا بجثته ملقاة في قعر البركة مغطاة بأوراق الشجر وقد قتل بفأس وجدوها في قعر البركة أيضاً دفنوا الجثة وظفروا بالقاتل, فأعدم بعد الإقرار, وهكذا استدلوا على بقاء الروح بعد الموت..!! هذا ومع إنَّ صاحب الكتاب يستشهد بهذا اللون من قصص حضور الأرواح وتجسدها للعيان في الغرب الا انّه ينكر عليهم في نفس الوقت قولهم بإمكانية تحضير الأرواح فيقول في ص351 " ان الدين الإسلامي قد حرّم احضار الأرواح واحضار الجّن وقد عدّهما من الكبائر...!!  وان هناك خداع في الظلام وتحت الخباء ووسائل ووسائط للتمويه في عمليات التحضير, ثُم يستدركَ ولا أشك ان للجن والشياطين دوراً هاماً في تلفيق الأكاذيب والأخبار بما غاب عن الأنظار!  ولا نعلم تحديداً ما المقصود بالدين الإسلامي؟ القرآن أم السنة أم قول رجال الدين على انقساماتهم واختلافاتهم السرمدية!! وهل يحرّم ما ليس لهُ أصل في الوجود؟  ثم اذا كان ثمة وسائل ووسائط للخداع في المسألة فقد انتفت الحاجة الى دور الجن والشياطين والعكس يكون صحيحاً- هذا اذا سلّمنا جدلاً بأطروحة "الشك" وهو من المحال أكيد, وما من شك لدينا نحن ايضاً ان كلام صاحب التكامل وغيره من رجال الدين حول قضايا الغيب ومنها قضية تحضير الأرواح ودفاعهم المستميت عنها كانت بسبب اهتزاز عقائد المسلمين في العقود الوسطى من القرن العشرين" الخمسينات والستينات والسبعينات" وما طرأ على العالم الاسلامي من تحولات وتغيرات مسّتْ صميم المجتمعات بكل طوائفه وشرائحه, حيثُ شاعت مظاهر التحلل الخُلقي والتفكك الأسري وانحسر دور الدين وقيمه فلايزال ذلك الجيل يحتفظ بذاكرته انتشار الاعداد الهائلة من محلات بيع الأشرطة الغنائية والخمور ودور البغايا والملاهي بشكل يفوق اعداد المساجد أضعافاً مضاعفة, حتى ان حفلات المجون والرقص واستقدام الراقصات كانت جارية على قدم وساق ولو في أبسط المناسبات كختان الأطفال....!!!وكيف ان تقليد الغرب سواء بطريقة الكلام  واللغة والملبس والمأكل  صارت سمة للشباب يُعاب على تاركها ويمتدح ويثنى على فاعلها ويتذكر جيداً كيف كانت المســيرات من الفتيات "بملابسهنَّ القصيرة جداً" تجوب شوارع العاصمة بغداد مطالبة بالإباحية وإلغاء الدين وما شرعه ُمن مهور وهي تهتف" ماكو مهر بس هالشهر... والمعمم نرميه بالنهر..."ناهيك عن اعتناق السواد الأعظم من الشباب فضلاً عن كبار السن للحزب الشيوعي وفكره الالحادي ومساعيه الرامية لإجهاض أي عقيدة عبادة تؤمن بأن هنالك رب يقتضي عبادته وان هناك عالم آخر أسمه عالم الغيب زاخر بالملائكة محفوف بأماكن العذاب والنعيم وغير ذلك من محاولات التعمية والتعتيم الجارية في كل قرية وناحية ومدينة من المدن, وفي مصر حيثُ مهبط " الرسالة الروحانية الحديثة" ومهدها الاول تدّب في أوساط الساسة والنخب والمثقفين ظاهرة تحضير الأرواح , فقد نشرت جريدة الأهرام العدد 1197 نبأ انشغال رجال القمة من الساسة المصريين ومن كبار معاوني عبد الناصر كوزير الحربية فريق اول محمد فوزي وسامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات وشعراوي جمعة وزير الداخلية وكان الوسيط بين هؤلاء والأرواح استاذاً جامعياً, وحسب رواية حسنين هيكل فأن هؤلاء كانوا يقومون بالسؤال للحصول على اجابات تتعلق بالوضع العسكري والسياسي كما انتشرت لدى مفكريهم هذه الظاهرة في كتاباتهم فألف أنيس منصور كتابه المشهور "حول العالم في200 يوم", وكذلك الراحل مصطفى محمود في كتابه " لغز الموت", ويبين أنيس منصور ان السفير المصري في جاكارتا وطاقم السفارة هناك بما فيهم الملحق العسكري والملحق الصحفي كانوا يقومون بتحضير الأرواح بطريقة السلة ومن الطبيعي ان لا تكون سوريا بمعزل عمّا يدور في مصر بحسب اواصر العلاقات التي انجبت الدولة العربية الموحدة فيحدثنا الدكتوررياض المالكي في كتابه "ذكريات على درب الكفاح والهزيمة" ان هناك عدد من الوزراء السوريين في دولة الوحدة المصرية السورية كانوا يقومون بادعاء تحضير الأرواح, وان فاخر الكيلاني احد الوزراء السوريين المركزيين في حكومة الوحدة قال:" اننا نعمل في القاهرة مع بعض الوزراء على عقد جلسات تحضير الأرواح ان هذه مسألة علمية لا نشك في جديتــها والسلطـــــــــات العليا في القاهرة والمسؤولون الكبار يهتمون بها ويمارسونها وهي تساعدهم على حل عقد كثيرة من شؤون السياسية والحكم, وفي لبنان روّجت صحيفة الأنوار الصادرة في 12/5/1968 لمسألة تحضير الأرواح ومحاولة بعض المحضرّين التقاط صور للأموات من طريق جلبهم بواسطة وسطاء وقالت ان هذه مسائل علمية لا يُرقى لها الشك ...!!
  نقول: واضافة للكثير من الحيل وطرق الخداع التي يمارسها أولئك المحضرين فان مما يستدعي شيوع تلك الظاهرة وانتشارها هو جهل الكثير من بسطاء الناس المسومين بسلامة الفطرة والإسراع بتصديق كل ما له صلة بعوالم الغيب, وعلم الاجتماع يدلنا على مثل تلك الصور واثرها في بلورة "الظاهرة الروحية" وصياغتها بالشكل الذي يخدم اهداف الروحانيين, فحاجة الفـــــرد الى مدد غيــّـبي يعينهُ ويخفف عليه بعض مشاكله النفسية والاجتماعية يبقى مطلباً ملحاً وحاجة مهمة كما ان الحاجة الى تصور المثل الاعلى هي الاقوى من الحاجات التي لا يمكن تجاهلها عند افراد المجتمعات المحرومة من قيم العدل والمساواة والحرية في الفكر والرأي, وعليه فلا غرابة من شيوع ظاهرة "تحضير الأرواح" في المجتمعات التي تولي المادة والحياة المادية أولوية في انماط عيشها فهي أبداً تكدح الى ما يروي ظمأها- نتيجة الفراغ الروحي القاتل, لقد نشرت كثير من الصحف الصادرة في بريطانيا قصة الطبيبة  المتقاعدة  "روزالين اوبريت" العاملة في مجال تحضير الأرواح والتي أدعت انها على اتصال دائم مع الأميرة الراحلة " ديانا" والغريب أن محبي الأميرة استقبلوا هذا النبأ بالحماس والقبول حتى أخذوا يتقاطرون على بيت "روزالين"  طالبين منها ارسال رسائلهم الى الأميرة الراحلة وتزويدهم بآخر أخبارها ويدفعون بذلك عشرة  جنيهات استرلينية, وكانت تعقد اجتماعات مقابل هذا المبلغ من كل فرد وتصف لهم هيئتها وكيف انها كانت ترتدي نعلاً ذهبياً وتنورة طويلة, وايضاً فأن من العوامل التي تشترك مع ما مر ذكره من حاجة الفرد للغيب والمثل الاعلى  هو اندفاعه لا شعورياً مع افراد مجتمعه ومحيطه فيما يعتقدون وهو ما يطلق عليه في علم الاجتماع " بالعقل الجمعي" فإن هذا السلوك في حياة أفراد المجتمع أهمية كبيرة في ترسيخ هذه الظاهرة, أذ يعد الاستعداد الكامل لتقبل الآراء والافكار والظواهر دونما تدبر وروية بمثابة الأكسير الذي لا يمكن الاستغناء عنه بسهولـــة... يحدثنا الكاتب الانكليزي "كولون ويلسون" عند حضوره احدى جلسات تحضير الأرواح بقوله: " أعلنت سيدة من الجالسات بأنها استطاعت ان ترى بعض الأضواء في الغرفة, وقد اعلنتُ موافقتي لأنني كنتُ أكثر تأدباً من ان أعترض وقالت أخرى انها تستطيع ان تشعر بلفحة هواء, ومرة أخرى أبديتُ موافقتي التي اشتركتُ بها مع الجميع ثُم لم يحدث شيء لبرهة تالية, وأخيراً شعرت بأن دوري قد جاء لكي أقول شيئاً فأعلنتُ ان النور يزداد توهجاً, وقوبلت هذه الملاحظة بالموافقة الإجماعية, ومن المؤكد اني غاليت في القول حينما أُبديتُ ملاحظة قلتُ فيها ان أضواء جميلة تتراقص من حولي ثُم اني قلت اني أشعر بلفحة هواء وهكذا قال كل الحاضرين, وحدث فيما بعد ان سبحت طاولة صغيرة كالمعجزة في الهواء ثُم سمع صوت تعرّفت عليه شقيقتي بأن صوت شقيقتها تتحدث وكان الجميع واثقين من انهُ ليس صوت الوسيط- فيما عداي انا- بالنسبة لي لم يكن ثمة ادنى شك في انه صوت الوسيط بل ان الصوت لم يكن متنكراً ولا مقلداً بمهارة وكل ما كسبته من جلسات تحضير الأرواح هذه هو اكتشاف مقدار ما يصبح الناس قابلين للخضوع للإيحاء في ظل الظروف ومقدار ما يصبحون سذجاً ليسهل خداعهم  إ.ه, والحق ان مفردات كالخضوع والايحاء والعقل الجمعي والظروف والمتعة والتي تكتنف عمل تحضير الأرواح لا تنضوي تحت مسمى هذه الظاهرة تحديداً وانما تشمل كثيراً من الظواهر الاجتماعية ذات الصبغة العقدية المحضة, فالتنفيس عن المشاكل النفسية والاجتماعية والاسرية وحتى الإرهاصات السياسية ابداً تكون محركاً فاعلاً وحلولاً جاهزةً تدفع بالمجتمع لصناعة مثل هكذا ظواهر وقد تكون في أوج قوتها وعنفوانها وسريانها فيما لو تصدى لها من يُلبسْها لباساً اخلاقياً حيناً او ليسبغ عليها صفة القداسة أحياناً اخرى, لقد حدث مرة ان نقلت احدى الفضائيات المسيحية من داخل كنيسة في جلسة شبيهة بجلسات تحضير الأرواح لقطات لراعي تلك الكنيسة وهو يعتلي منصة ازاء مئات المسيحين ومن خلفه صورة المسيح(عليه السلام) مع" ليث غاية في المهابة", وبين الفينة والأخرى كان ينبري احد الجالسين ليروي قصته وصراعه مع مرض العضال وكان من بين "المعافين" رجل ادعى انه رأى وجه المســـيح(عليه السلام) حقيقة وقد اخذ مكانه في اعلى زاوية من زوايا الكنيسة, ولم يكد ليتم المتحدث كلامه حتى اخذ الجميع يطاولون الاعناق ويحدقون ملياً نحو تلك الزاوية وقد غصَّ اغلبهم بالشهيق أثر البكاء والنحيب وهم يصفقّون ويقفون اجلالاً لهذه المعجزة الكبرى.! ونحن بطبيعة الحال لا يسعنا ان نكذّب ما جرى لهؤلاء أو لغيرهم من حالات شفاء فسواء كان ذلك الأنسان مسيحياً أو بوذياً أو مسلماً فالتكريم الإلهي والعناية الربانية لخلقه تقتضي نزول رحمته حتى للحيوانات غير أن ما يتم ذكره واعلانه بعيد كل البعد عن السنن الالهية الثابتة في المعجزات ونزولها, وحصل قبل عقدين مضت ان ضجّت مدينة كربلاء المقدسة بحادثة مماثلة, حيثُ لم يسع الضريح المقدس بالوافدين من شتى المدن لرؤية رأسٍ يتلألأ في أعلى القبة من الداخل وتزاحم الناس حتى كاد يسقط بعضهم الآخر واشرأبت الأعناق وحدّقت العيون ملياً فبين طائفة تشير بالأصابع واخرى بكلتا اليدين وقد اجمعوا على ظهور ذلك النور مرة واختفاءهِ مرة أخرى لقد كانوا مقتنعين كل الاقتناع "ماعدا السدنة طبعاً" الذين خارت قواهم وأجهدهم تفريق تلك الجموع المكبرة والمصلية على محمد وآل محمد بأعلى الأصوات, إن الناظر الى حال ذلك المجتمع حينها قد يكون قاسياً بعض الشيء في أبداء اللوم ونعته بصنع الخرافة وربما تكون عبارات الشفقة والمسكنة أليق ومكانها أنسب نتيجة الوضع المزري ومعاناة الواحد منهم لكسب قوت يومه تحت وطأة حصار مطبق  فضلاً عن تراكمات عاشتها طيلة عقود من حروب عبثية وتفشي الظلم والقهر وتسلط ثلة من الجهلة العتاة على رقاب أناس فقدوا الآلاف من ذويهم ومعتقلين تبين بعد حين انهم قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية..!!





جرائـــم قتل ونصب واحتيال
في جلسات " تحضيـــر الأرواح"
     نقلت وكالة الأنباء الروسية" نوفوستي" عن الصحيفة قولها ان أمرأة في الستين من عمرها قدمّت بلاغاً عن سرقة 40,000 دولار امريكي من قبل فتاتين, وأضافت ان السارقتين قد نومتاها مغناطيساً بحجة مساعدتها في ابطال تعويذة كانت القيت على أبنها وزوجها وتضيف الصحيفة ان تلك الحوادث تحدث بشكل متكرر في روسيا وأفاد تقرير بأن طفلة ثلاثة اعوام قتلت خلال "جلسة لطرد الأرواح" على يد والديها وأقاربها في بلدة بشمال ماليزيا, وقال التقرير ان الشرطة اعتقلت سبعة أشخاص في بلدة " بوكيت ميرتا جام" على بعد 280كم شمال كوالالمبور, وقد قام المتهمون بإلقاء أجسادهم على الطفلة لطرد الأرواح الشريرة وهم كل من الوالدين والجدة والعم واثنين من ابناء عم الضحية وخادمة اندونسية, وضمن دعاوي تلقي المعارف والفنون من قبل الأرواح نقلت جريدة الأخبار المصرية ان سيدة من المنصورة ادعت ان روح احمد شوقي املتها قصائد جديدة وقد قدمت كأثبات على ذلك ألف بيت من الشعر ومسرحية غنائية أسمتها عروس فرعون, تضم خصائص شعرية لأحمد شوقي..
  أما الفيلسوفة الروسية " هيلينا بلافيتسكي" فلم تكن تتحرج من الاعتراف بان مؤلفاتها امليت عليها من قبل حكماء عاشوا في التيبت قبل عشرة الآف عام...
     اما الكاتب الأمريكي" جون آدموندر" فقد كان مؤمناً بان جميع مؤلفاته أمليت عليه من روح الفيلسوف " فرانسيس بيكون" , وهناك أدباء مثل برنادشوا وفيكتور ودانتي ادعوا انهم تلقوا بعض مؤلفاتهم من أرواح عظماء متوفين سيرتهم مجهولة لديهم تماماً.

   هذا ومازالت جلسات تحضير الأرواح في بعض دول الغرب كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تحصد أرواح العشرات من المؤمنين بهذا المعتقد, فقد أظهر تقرير متلفز مشاهد حيّة لطرق غير مسبوقة في تحضير الأرواح تجري في أماكن معزولة ومهجورة بعيدة من اعين رجال الامن, وبعد إلقاء القبض على عدد من أولئك المحضّرين اعترفوا بأن المدعوين كانوا يحضرون بمليء رغباتهم وان فترة الجلسات كانت تتراوح بين العشر والسبعين جلسة وان بعض من فارق الحياة منهم كانوا قد طبقت عليهم خلال الجلسات خطوات تتمثل بالآتي:- يجلس المريض في صندوق خشبي على شكل التابوت بعد ان يُغطى كامل جسمه العاري تماماً بمزيج من الطين الأسود ما عدا الرأس حيثُ يوضع في كرتون"  من الورق المقوى ويلف ذلك الجسد بالنايلون" , حتى اذا قُرأتْ بعض التعاويذ المتضمنة طلب حضور الأرواح المساعدة للشفاء ارتفعت درجة حرارة الجسم الى الأربعين او اعلى من ذلك اخذ المرضى بالصراخ والبكاء وقد يستجاب لهم او لا يستجاب بحسب قناعة وقراءة المحضّر للحالة ويدعي المحضرون في تلك الجلسات ان روحاً قد استجابت له كأن تكون روح ملك من القرون الوسطى او غيرها من الفلاسفة والأطباء أو الادباء والفنانين العباقرة وان تلك الأرواح قد شفت بعض المرضى في حال التزام المريض بخطواتهم هذه.!!!
   









" اعلان توبة - وشــهد شــاهدٌ من أهلها "
     يوماً بعد يوم تنفضح وتنكشف للعالم بدعة ولعبة ما يطلقون على أنفسهم الروحانيون فقديماً قالوا" حبل الكذب أبداً يكون قصيراً " .
    ولعل ما يزيد تلك الفضائح والأكاذيب عاراً وشناراً ان يظهر من بين أولئك من كان على منهجهم وقد تبرأ من دينهم الذي رعوه ومذهبهم الذي ابتدعوه فكانت براءات وتوبات على رؤوس الاشهاد تصك آذان من بقي منهم وتذهل من يؤيدهم ويؤمن بفكرهم, يقول الاستاذ الدكتور" محمد محمد حسين" معلناً توبته من نهج الروحانيين ومدعي تحضير الأرواح في كتابه " الروحية الحديثة دعوى هدامة" : ""ان الغرب يتسلى بالأرواح ليخفف غلواء ماديته فقد اغرقته المادية الى أذنيه بعد ان حطمّ الذرة وغزا الفضاء" , ويذكر أنهُ مارس هذه البدعة فبدأ "بطريقة الفنجان والمنضدة  فلم يجد ما يبعث على الأقناع وانتهى الى مرحلة الوسيط  وحاول مشاهدة ما يدعونه من تجسيد للروح او الصوت المباشر ويرونه دليل دعواهم فلم ينجح هو ولا غيره لأنه لا وجود لذلك في حقيقة الأمر وانما هي الاعيب محكمة تقوم على حيل خفية بارعة ترمي الى هدم الأديان, وأصبحت الصهيونية ليست بعيدة عنها,  وعزم على توضيح الحقيقة للناس ويضيف أن هؤلاء المنحرفين لا يزالون بالناس حتى يستلوا من صدورهم الايمان وما أستقر في نفوسهم من عقيدة ويسلمونهم الى خليط من الظنون والأوهام".
   ويعلن سكرتيرجمعية الأهرام الروحية وصاحب أكبر مكتبة روحية الاستاذ حسن عبد الوهاب براءته بقوله: " لقد زال الله عن قلبي في شهر رمضان غشاوة الضلال, واني أحمل لأصدقائي كل عطف واشفاق ورثاء ويواصل مؤسس الجمعية- اما بدعة العلاج الروحيّ الذي نقلت عنه الجمعية فهي عملية إيحاء وهمي, واني أنفقت نصف عمري في هذه العملية وكنت مريضاً طيلة هذه المدة وكان الاولى  ان اعالج نفسي" .
  بينما يعتقد سينيل – في كتابه الحاسة السادسة – ان جلسات مناجاة الأرواح التي أولع بحضورها كثير من الناس في هذه الأيام ليست في حقيقة أمرها سوى أوهام أو احلام تنويميه فإذا جلس عدد من الأشخاص بسكون ووقار في حجرة هادئة قليلة الضوء يتلمسون علامة تدل على وجود روح أحد الاموات بينهم فأنهم يشاهدون في كثير من الأحيان ظواهر يخيل أليهم أنها تؤكد صحة الأوهام.
  اما الكاتب احمد عز الدين البييانوني – صاحب كتاب الايمان بالملائكة فقد أعلن براءته من هذا المنهج بعد كشف زيغ كذبهم وخداعهم من خلال تجربة شخصية طويلة له في هذا الشأن...














" السلف يسبقون الغرب بتحضير
الأرواح بطريقة المرآة والكـف "
    يذكر السيوطي في كتابه " تنوير الحِلَكْ في رؤية النبي والمَلَكْ" قوله:"وقد ذكر عن بعض الصحابة أظنه ابن عباس(رضي الله عنهما)أنهُ رأى النبي(صلى الله عليه واله وسلم)في النوم فتذكر هذا الحديث وبقي يفكر فيه فدخل على بعض ازواج النبي(صلى الله عليه واله وسلم) أظنها ميمونة فقص عليها قصته فقامت واخرجت لهُ مرآته قال(رضي الله عنه):"فنظرتُ في المرآة فرأيتُ صورة النبي(صلى الله عليه واله وسلم)ولم أر صورة نفسيّ"؛ ويضيف السيوطيّ" وقد ذكر عن بعض السلف والخلف ممن كانوا رأوهُ في النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريعها ونصّ لهم على الوجوه التي يكون منها فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص, قال والمنكر لهذا لا يخلو أمّا من يصدّق بكرامات الأولياء أو يكذب بها فأن كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فأنهُ يُكذب ما أثبتتهُ السنة بالدلائل الواضحة, وان كان مصدقاً بها فهذه من ذلك القبيل لان الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي والسفلي فلا يُنكر هذا مع التصديق بذلك" ولا شَّك بأنَّ حديث السيوطيّ هذا يجعل المسلمين بين فكي كمّاشة فهو يشترط عليهم أمرين أما الإيمان بحديث" المرآة الظني" أظنهُ فلان وأظنها فلانة ورؤيا السلف والخلف له(صلى الله عليه واله وسلم)في الدنيا بعد موته والذي يعدّ بنـــــظره من "الدلائل الواضحة" او يتوعده بتهمة تكذيب السنّة, والجدير بالحمد والثناء هو الله وحده أن لم يجعل تلك المرآة تسقط بين يدي أهل الاهواء والرأي امثاله والاّلكان المسلمون في وضع لا يُحسدون عليه... !!
   واما تحضير الأرواح بغير طريقة المرآة السالفة فيرشدنا المجلسي الى طريقة الكف فيروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله " أن من أقلقهُ أمر وأراد أن يحصل على خبر منه فليكتب هذه الحروف على كفه ويطلب الأرواح أن تأتي إليه ويسألها عن أجوبة شافية..!!  طلحت , هلت , يهت , هت , حمت " , ولا يحتاج الى بيان خرافة هذه الرواية مزيداً من توهين او نقد...!!
   أن الأرواح وحسب رأي مختلق الرواية والذي لانشك فيه انه من رجالات التصوف تنزل الى الأرض حسب الطلب أو متى شاءت وفي هذا خطأ جسيم وأثر عظيم وإهانة كبيرة للقرآن الكريم, فالمعلوم وبحسب نصوص الكتاب والسنّة ان الروح في منامها تعرج الى السماء قال الله جل وعلا:{اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}  (سورة الزُّمر/42)  وعند سؤال أحدهم للإمام الصادق(عليه السلام) عن كيفية خروج النفس المتوفاة يجيبهُ بأنها تخرج كشعاع الشمس أي أن امتداد الروح يكون كالشعاع من الجسد الى السماوات بلا مفارقة لذلك الجسد وتكون رؤية الأموات وهي في مكانها والأرواح في ذلك المكان الملكوتيّ أما منعمة او معذبة بحسب عمل كلٍ منها فقد تكون منعمة لمن محضَّ الإيمان محضاً ومعذبة لمن محضَّ الكفر محضاً وبينهما درجات في المواقف والمنازل...






" العرفـان والكشف والظاهرة الروحية الحديثة"

     أن كان ثمة رأي للبعض من محاولة تمييز وتفريق مدروسة وموضوعية للفصل بين العرفان كعلم له جذوره ومقوماته الروحانية وبين الصوفية الوسطى والمتأخرة كظاهرة اجتماعية نشأت في أحضان العرفان فحرّفت حروفه وخرقت حدوده, فأنهُ يصعب على القارئ أو الباحث ايجاد منهجاً يعتمد البرهان والاستدلال العقلي والنقلي لإثبات قول السلاّك واهل الحقائق من العرفاء بحالات الكشف وما أثبتوه من قصص ومرويات لها أول وليس لها آخر, تلك الحالات – بحسب النقّاد على كثرتها قد احدثت خراباً في البناء الإسلامي وفجوات في النسيج الاجتماعيّ للمسلمين وسيستمر مادام ثمة نهجاً متفلسفاً لهُ أصوله وقواعده المتينة وفقهاً له مريديه يختلف عن فقه الأصوليين القائم على الاستدلال بالنصوص القرآنية والحديثية, وتتصاعد حدة التعقيد فيما لو حصل للعارف جمعاً بيت المنْهجين فأحدث لنفسه شخصية ثلاثية الأبعاد, الأصول- الفلسفة – العرفان أو مدرسة تفسيرية للنصوص المقدسة تجمع بين التفسير- الفلسفة – العرفان من هذه النقطة تحديداً نقف على حقيقة ان دعاوى المكاشفة المتحصلة لدى بعض فقهاء العرفان او عرفان الفقه قد قرّبت الى حد كبير رؤى وافكار دعوى الروحانيين والظاهرة الروحية الحديثة بكل سلبياتها حد الأخذ بيدها الى ابواب الفقه و"عرفنته" ذلك ان عدد لا يستهان به من الفقهاء والمفسرين ومن جميع المذاهب الإسلامية سواء العرفانيين او الفلاسفة قد سطرّوا فيها روائع تجاربهم الروحانية ومكاشفاتهم, وان من دواعي الشك والارتياب المتحصلة في الصدور لهذه المكاشفات ليس بسبب ما رّد أو أشكل عليه الأغلب الأعم من الباحثين وأهل الكلام وكثير من علماء الأصول وانما نتيجة تضارب آراء وافهام العارفين أنفسهم وعلامات التساؤل الموضوعة من قبلهم بعد الفراغ من قراءة "متون" تلك المكاشفات فنجد ان الخلط والخبط والعشوائية في التعليل وسوء الظن وتحميل العقول ما لا تحتمل واقع بينهم وكأنهم يتحدثون من فراغ, و يقول ابن تركة في كتابه تمهيد القواعد: " فأن ما يجده بعض السالكين قد يكون مناقضاً لما يجده البعض الآخر منهم ولهذا قد ينكر البعض منهم البعض الآخر في ادراكاتهم الذوقية ومعارفهم الوجدانية الكشفية".. أ .ه.
 ومنهممن يجعل" المكاشفات حجة على الجميع في حال اقامة الدليل والبرهان, والاّ فهي حجة على نفسه " , وعليه من البديهي ان لا يكون القول الأول ذو قيمة لاستحالة الوفاق فيسقط من تلقاء نفسه ويبقى الذي هو حجة على نفسه موضع شك بلا شك, فيما عدّ آخرون قصور العقل عن تصديق المكاشفات هو السبب فالمكاشفات حالة يستسيغها العقل الكامل, اما غيره فهو قاصر مقصّر حسب رأيهم, يقول الغزالي في ذلك: "لا يجوز في طور الولاية ما يقضي العقل باستحالة, نعم يجوز في طور الولاية ما يقصر العقل عنه, بمعنى انه لا يدرك بمجرد العقل وبين ما لا ينالهُ  فهو أخسّ من أن يخاطب فليترك وجهله", وللعرفاء في ذلك قاعدة سلوكية تقول " ان المكاشفة طور وراء طور  العقل" ويذهب آخرون ومن بينهم الملا صدرا لأبعد من ذلك بكثير متعدّين الأقوال السالفة بأن تلك المكاشفات ليست حجة على العارفين ولا على غيرهم المطالبة بالدليل والبرهان وذلك لانشغالهم عن عالم اللفظ والبيان واقامة البرهان بما هو أهم في نظرهم, " وإياك ان تظن بفطانتك البتراء ان مقاصد هؤلاء القوم من أكابر العرفاء واصطلاحاتهم وكلماتهم المرموزة خالية عن البرهان من قبيل المجازفة التخمينية او التخيلات الشعرية حاشاهم عن ذلك, وعدم تطبيق كلامهم على القوانين الصحيحة البرهانية, والمقدمات الحقة الحكيمة ناشئ عن قصور الناظرين وقلة شعورهم بها وضعف احاطتهم بتلك القوانين", وحسب هذا القول فأن الدليل يكون ضمناً موجود, غير ان القصور في الفهم والأدراك يكون هو السبب, بمعنى آخر ينبغي على الطالب بالدليل ان يرقى الى مستوى فهم وعرفان العارف والاّ فأن محاولات فهمه لا طائل منها, وحسب مقال الملا صدرا صاحب هذا الرأي ان ينحصر تداول العرفان ومصطلحاته وسير العارفين وفلسفتهم  وأسفارهم بطائفة محدودة من المسلمين وهم بلا شَّك طلبة المدارس الفلسفية وهم في واقع الامر لا يمثلون سوى عُشر الواحد بالمئة أو أقل, واذا كانوا كذلك فأي سبب يجعل من تلك " الطبقة الأرستقراطية" مقربة من درجة الانبياء والصالحين وهم بعيدون عن أصل الإسلام وهو العمل الصالح النافع كما أكدته العديد من الآيات القرآنية الكريمة, وكما جاء على لسان مولى الموحدين الإمام علي (عليه السلام) في نسبته الاسلام, وبعبارة أخرى : ماذا جنى المسلمون من آثار العرفان و المكاشفات..!! وأي أجر و ثواب لمن سلك طريق الخائضين في الفلسفة والمنطق؟  واي سيرة ينبغي ان يحتذى بها؟ فهل هي سيرة الغزاليّ الذي قضى أكثر حياته متنقلاً في وجه واعظ للسلاطين حيناً وفي ثوب متصّوف زاهد أو عاشق للفلسفة ناقم على الفلاسفة في أحيانٍ أُخر حتى اذا هلك لم يُعرف على أي مذهب أستقر به الحال أم الشيرازي المولع بشطحات ابن عربي الناصب للعداء لمذهب أهل البيت(عليهم السلام) النابز لمحبيهم بالرفض الناظر لهم بصورة الخنازير حسب مدونات أسفارهِ القائل بوحدة الوجود, "والحسين قُتل بسيف جده" وغيرهم ممن ابتلى الإسلام والمسلمين بهرطقة فلسفة وخرافات مكاشفة حرّفت الحقائق واظهرت البدع تلو البدع فكأنهم وحدهم من خصّهم الله بعلمه وأرتقى بهم مصافِ النبين ليكشف لهم حُجب الغيب وليتعرفوا على حقائق عالم الملكوت وكنه الله تعالى وذاته..!!,وما دروا انهم بأعمالهم هذه قد أخذ بهم العٌجب وطرحهم هراء فلسفتهم ومكاشفاتهم وهوت بهم الى مكان سحيق, واما الدليل على بطلان سعي أولئك القائلين بالكشف فهو ما قطعت به أخبار ومرويات أهل البيت (عليهم السلام) وصرحت به الأحاديث الصحيحة من تلقي أفضل العلوم واكملها وأشرفها ومن بها قوام الدين وهداية الملّة بوساطة الملائكة المسددين الناكتين في قلوبهم من دون مكاشفة وهم أعمق الناس حاسة روحية من جميع أهل الحقائق والعرفان فقد ورد عنهم (عليهم السلام) ما يوضح ذلك ويستجلي الغموض ويبطل مزاعم الزاعمين منها ما رواه الشيخ الكليني في كتابهِ الكافي عن الامام موسى بن جعفر(عليه السلام) أنهُ قال: "مبلغ علمنا على ثلاثة  ماضي وغابر وحادث, فأما الماضي فمفسر, واما الغابر فمزبور, واما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الاسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا", وفي بصائر الدرجات في سند صحيح عن الحارث عن مغيرة النصري قال:  "قلتُ لأبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) – جعلتُ فداك الذي يُسأل عنه الأمام وليس عنده فيه شيء من اين يعلمهُ؟ قال (عليه السلام): " ينكتُ في القلب نكتاً أو ينقرُ في الأذن نقرا" ...وفي نفس المصدر نقرأ عن الراوي نفسه عن الامام الصــادق (عليه السلام) أنهُ قال: " أن الأرض لا تترك بغير عالم- قلت الذي يعلمه عالمكم ما هو؟ قال(عليه السلام): وراثة من رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ومن علي(عليه السلام) يستغني عن الناس ولا يُستغنى عنه – قلتُ وحكمه يقذف في صدره او ينكتُ في أذنه؟ قال ذاك وذاك. وفي نهج البلاغة نقرأ لمولى الموحدين وامام العارفين(عليه السلام) قوله: " لو كشف ليَّ الغطاء ما ازددتُ يقيناً", و" لو" حرف امتناع لامتناع كما هو معروف عند اهل النحو, أي لو كان ثمة معجزة ينفتح بها الغطاء لي وابصرت عالم الملكوت من ملائكة وحياة برزخية لأهل النار والجنة واحوالهم من تنعم وعذاب لما زاد في يقيني شيئاً , ان الغطاء الذي يعنيه الامام في كلامه هو ما نحاول نفيه عن المدعيّن بالحق الوقفي له من أرباب العرفان واصحاب الطرق فأنهم يقولون ان هذا الغطاء قد كشف لهم في سيرهم الى الحق فكانوا بذلك افضل حسب زعمهم ممن حاز كمالات اليقين وتمام التوحيد ثُم نسبوا المعاجز و الكرامات كالمكاشفات والتصرف في الأكوان الى ابدالهم واقطابهم ورفعوهم الى مصاف الانبياء والرسل من أولي العزم ففي فتوحاته المكية يذكر لنا محي الدين ابن عربي أنهُ أسرى به الى السماء مراراً متعددة وذكر أن هناك رأى أبا بكر عند العرش, وقد كان يرى في كل سماء واحد من الانبياء, ثُم ذكر في اول فصــــــــوص الحكم أنه من املاء رسـول الله (صلى الله عليه واله وسلم): وأمر له بعين ما كتب وسمى نفسه خاتم الولاية لمنام رآهُ هو , ثم يروي في أحد اسراءاته قوله: " لما عرجتُ رأيتُ رتبة علي أقل من رتبة أبي بكر في العرش فلما رجعتُ قلتُ لعلي كيف كنت تدعي في الدنيا أنك افضل منهم ورأيتك الآن في أدنى المراتب!! وأما الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال فأنه كان يستفيد  من الانبياء والملائكة مع مشاهدتهم على وجه القطع كما يريد!! وربما كانت من ثمار احدى " مكاشفاته" تلك ان صّرح بعدم جواز لعن الشيطان..!! تمهيداً وتوطئة للقول بعدم جواز لعن يزيد فيقول في كتابهِ إحياء علوم الدين فان قيل هل يجوز لعن يزيد لكونه قاتل الحسين وأمر به؟ قُلنا لم يثبت أصلاً .. فلا يجوز أنهُ قتله أو أمر به, فلا يجوز نسبة كبيرة الى مسلم من غير تحقيق  !!
   أن المتمعن جيداً في ما يذكرهُ هؤلاء النفر مع غيرهم من أرباب العرفان عن صور الكشف والمكاشفات لا يمكن الاّ ان يحكم عليهم بترويج للأوهام والأباطيل, وبث أسباب الفرقة بين المسلمين مع سعي حثيث لطلب الجاه والمناصب الدنيوية وذلك بلحاظ قربهم من عروش الملوك والحكام ومحاباتهم لهم وتلبية رغباتهم, فها هو الغزاليّ الصوفي يستجيب لطلب الخليفة العباسيّ بتأليف كتاب يُناضل فيه  خصومه السياسيين من الفرقة الإسماعيلية وليسميه " فضائح الباطنية", ولو كان حقيق عليه امره بالمعروف ونهيه عن المنكر كما هو واجب على كل مؤتمن لرّد على سواهم من الغالية أو لأنكر على الخليفة المنهمك بالجواري والقيان وصيانة عرشه أكثر من صيانة شرع الله وهذا ما يعلمهُ الغزالي جيداً, ولقد صرح هو بنفسه عما يدور في خلده من تأنيب ضمير وهذا ما نشك فيه, كون أمامة المسلمين وتصدر الفتيا أمرُ اجلَّ من ان يوصف بالخطورة والأهمية ومراعاة النية شرطها الأول والأصيل قبل الأقدام على أي عمل فضلاً عن صعوبة التخلص من هذه الآفات والعمل على تطبيق شروط الاستغفار " ثُم تفكرتّ في نيتي ما في التدريّس فاذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى بل كان باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت فتيقنتُ أني على جرفٌ هار- واني قد أشفيت على النار..!! " , واما ابن عربي فيكفي مقالته في الفتوحات المكية بحق الخليفة العباسي المتوكل – وما أدراك ما المتوكل – أنه ممن حاز الخلافة الظاهرية والباطنية وأنهُ في عداد الأوصياء بل بتقليده وسام الخلافة الباطنية وسوقه في زمرة الانبياء والمرسلين, وليس الملا صدرا ممن" اخذه السُكر تارة والفناء تارة " في أقوال ابن عربي وفلسفته عنهم ببعيد – فلقد حارَ في سبر غور هذه الشخصية أفذاذ العلماء ورجالات البحث والتحقيق - الاّ أنه يكفي قربه واستاذيه بهاء الدين العاملي والدامادا من سلاطين الدولة الصفوية ان تحكم بما حكم به الهادي البشير النذير "اذا رأيتم العلماء على أبواب الحكام فبأس العلماء وبأس الحكام " وعطفاً على حديث المكاشفات الصوفية وقربها من الظاهرة الروحية وتحضير الارواح وتشابه قصـــــص الروحانيون والعرفانيون بلــــقاء الارواح في عالم المُلـــك وعقائدهم في الآخرة والعقاب والنار نرى من المفيد التعرّض البعض من أقوال العرفاء وقصصهم: "جاء في فصوص الحكَم لابن عربي ان جميع اهل المذاهب والملل ناجون من العذاب, ان نار جهنم لا تحرق احداً منهم وان قوم فرعون قد غرقوا في بحر العلم, وان عذاب جهنم لأهلها لا يتعدى رؤية النار فهم يتصورون انها ستحرقهم الاّ أنهم ما ان يصلوا اليها حتى تكون برداً وسلاماً..!! " وفي فلسفة العبادة ووحدة الوجود والاتحاد " أن الله لم ينصر هارون حتى غلبه السامري فجعلَ الناس يعبدون العجل, ومن هنا أراد الله ان يُعبد في أية صورة...!! وانت ترى كل هذا ينطبق تماماً مع دعاوى الروحانيين القائلين بأن النار حالة معنوية لا حقيقية وان أهل الديانات والملل والمذاهب على اختلافها بمنئىً عن  العذاب لأنهم متساوون أمام الله, وان العبادة بأية صورة كانت من عبادة للعجل او النار أو الكواكب وغيرها مقبولة عنده جاء بها الأنبياء أم جاءت من قبل أدعياء الفلسفة والنبوة, وأما مشاهدتهم الملائكة وأرواح الأنبياء وسماع اصواتهم في "اليقظة" واقتباس منهم الفوائد فهي ما يصرح بها الروحانيون في جلساتهم  وفي هذا الشأن يقول الغزالي:"حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء وبسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد, ثُم يترقى الحال الى مشاهدة الصور والأمثال الى درجات يضيق عنها نطاق النطق فلا يحاول معبر ان يعبر عنها الاّ أشتمل لفظهُ على خطأ صريح لا يمكنهُ الاحتراز عنهُ , وعلى الجملة ينتهي الأمر الى قرب يكاد يتخيل منهُ طائفة الحلول والاتحاد وطائفة الوصول, وكل ذلك خطأ قد بينا فيه وجه  الخطأ في كتاب " المقصد الاسنى", بل الذي لابسته تلك الحالة  لا ينبغي ان يزيد على ان يقول:-  وكان ما كان مـما لســـــــــــتُ أذكره        فظنَّ خيـــــــــــراً ولا تسأل عن الســببِ
 وبالجملة فمن لم يرزق منهٌ شيئاً بالذوق فليس يدرك من حقيقة النبوة الاّ الاسم وكرامات الأولياء هي على التحقيق " بدايات الانبياء,  وفي الفتوحات المكية يقرّب أبن عربي مشاهدة أرواح الأحياء وتبدّلها وتحولها الى صور حسية ولكن على نطاق ضيق تنحصر في دائرة الشيخ العارف والمحب المريد بقوله: " وأعجب من هذا ان بعض المريدين المحبين دخل على شيخ فتكلم له الشيخ في المحبة وقد رآهُ بعض الحاضرين قد دخل عليه فما زال ذلك المحب يذوب في نفسه حساً من كلام ذلك الشيخ في المحبة لقوة تحقق ذلك المحب الى ان يرجع بين يدي ذلك الشيخ كفاً من ماء فدخل عليه رجال فسألوه عن ذلك المحب أين هو؟ فأنا ما رأيناه خرج فقال: هذا الماء هو ذلك المحب الذي بين يديّ فنظروا الى ماء قليل على الحصير بين يدي الشيخ, فأنظر كيف رجع الى أصله الذي خلق منه:-
فمنـــــــهم من تجسّــــد لــــي بــــــأرضِ           ومنـــــــــــهم من تجسّــــــــــــد في الهواء
ومنــــــــــــــهم تجسّــــد حيثُ كُنـــــــــــــــــا            ومنـــــــــــهم من تجسّــــــــــــد في السماء
فيخبرنــــــــــــــــــــا ونخبـــــــــــــــــــرهٌ بعــــــــلمٍ           ولكـــــــــن لا نــــــــــــكون على الســـــــواء
فهــــــــــــــــــــــم يتصــــــورون بكل شـكل           كــــــــــــلون الماء من لـــــــــــون الإنــــــاء
" عــالم الكشـف في مخيلة العارفيـن"
     ثُم أن من بين ما يتناقلهُ أولئك العرفانيون والمؤمنون بالكشف هو اطلاعهم العياني على أحوال الارواح ومنازلها وأحوال الملائكة وصلاتهم بهم ولهم  في ذلك قصص ومرويات يطول بشرحها المقام, ثُم أنهم أسندوا كل ذلك الى ما يحصل للأنبياء والرسل من مكاشفات الغيب وكيف أنهم استطاعوا عبر سلسلة السير والسلوك الى بلوغ هذه المقامات النبوية فيستشهدون على صدق مزاعمهم بما جرى مثلاً للرسول الأعظم(صلى الله عليه واله وسلم) حينما كان ماراً بجبانّة للمسلمين وقد أخذ سعفة أو شيء من شجرٍ أخضر ووضعها على قبرين حيثُ قال لأصحابه : "انهما يعذبان وما يعذبان بكبير فأما احدهما فكان لا يتنزه عن البول وأما الآخر فكان في خلقهِ سوء مع أهله" , والحق أن العالم بحقائق الأنبياء والرسل وما يجري على ايديهم من معجزات لا يمكن ان يتحصل الاّ بوحي من السماء فانفتاح العين البرزخية لهم تكون وسيلة لأجل التبليغ وليعلموّا الناس ما ينبغي الاحتراز منه وتجنب الوقوع في الخطايا والآثام والذنوب صغيرها وكبيرها والاّ فأنه (صلى الله عليه واله وسلم) في هذا الموقف وفي غيره لم يكن ليعلم(صلى الله عليه واله وسلم) أحوال سائر القبور وما يحصل فيها من نعيم أو عذاب على نحو التفصيل, ومما يروي أيضاً من أنباء تلك القصص ما جاء على لسان ابن ابي الدنيا- وهو معروف بأخذه من الإسرائيليات وقصصهم ان عبد الله بن عمر بن الخطاب قال خرجتٌ مرة بسفرٍ فمررتُ بقبر من قبور الجاهلية.. فإذا رجل قد خرج من القبر يتأجج ناراً في عنقه سلسلة من نار, ومعي أدواة من ماء فلما رآني قال.. يا عبد الله أسقني- أذ خرج على أثره رجل من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فأنــه كافر ثُم أخذ بالسلسلة واجتذبهُ فأدخله القبر قال ثُم أضافني الليــل الى بيت عجوز الى جانب بيتها قبر فسمعتُ من القبر صوتاً يقول.. بول وما بول... شن وما شنَّ... فقلتُ للعجوز ما هذا؟ قالت: "هذا كان زوجاً ليّ وكان اذا بال لم يتقِ البول وكنتُ أقول لهُ ويحكَّ ان الجمل إذا بالَ تفلّج فكان يأبى وهو منذ يوم مات يقول بول... وما بول... وقلتٌ فما الشن؟ قالت: جاءهُ رجل عطشان فقال لهُ أسقني... فقال دونكَّ الشن فإذا ليس فيه شيء فخرَّ الرجلُ ميتاً فهو ينادي منذ يوم مات- شَن.. وما شنَّ فلما قدمت رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) أخبرته فنهى ان يسافر الرجل وحده, قال مطرف بن الشخير- مررت بميدان في ليلة الجمعة وكنتٌ أمّر به في ما عدا ليلة الجمعة أيضاً فرأيتُ قوماً عراة فسلمتٌ عليهم, فلم يردوا عليَّ فتوقفتُ فجعلوا يقولون لأنفسهم: هو مطرف بن الشخير, فقلتُ لهم: أتعجب منكم انكم تعلمون اسمي واسم أبي ولكنكم لا تردونَّ عليَّ السلام! فقالوا : نحن موتى ان صحائف اعمالنا الصالحة قد طويت, لو كُنا قادرين على رد السلام لاشتريناه بجميع في الدُنيا فقلتُ أراكم عراة فما السبب لهذا؟ قالوا إنَّ أكفاننا قد بليت فلا نجد ما نستر به عوراتنا, فقلتُ لِمَ اجتمعتم كلكم؟ فقالوا اجتمع في كل قبر سبعون ميتاً فأزداد عددنا فقلتُ: أما تستحيون وفيكم نساء؟ فقالوا: إنَّ سكرات الموت سلبت عقولنا فلا نبالي بما نحن عليه من العري فقلتُ لهم لِمَ لا أراكم ههنا في ماعدا ليلة الجمعة؟ فقالوا نخرج في هذه الليلة لنرى هل يذكرنا أهلنا وعيالنا ويتصدقون لإيصال الثواب أم لا... فلما أردتُ الرجوع قالوا: على رسلك لما لنا معك مقال وهو أنك اذ جاء يوم الجمعة عظ الناس وقل لهم إن أكفاننا بالية وأبداننا رميمة وعظامنا متفتته فشيعتمونا فارحمونا الآن واغتنموا حياتكم للأعمال الصالـــــــــــحة وكونوا على حذر مما أصابنا من القلب وتشوش البال بترك الأعمال الصالحة.!! ولا يدّخر العلامة محمد باقر المجلسيّ جهداً بتدوين مغامرات أرباب الكشف وما جادت به قرائح السائرين في فلكهم غثاً وسميناً, حقاً وباطلاً فالمهم في القصص والمرويات هو الكم لا النوع والدهشة والاستغراب وليس مخالفة السنّة والكتاب فيحدّث عن السيد أمير علاّم قال: كنتُ في صحن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)- في ساعة متأخرة من الليل فرأيتُ رجلاً مقبلاً نحو الروضة فاقتربتُ منهُ فإذا هو المقدس الاردبيلي فاختفيت عنه فجاء الى باب الروضة وكان مغلقاً فانفتح لهُ الباب ودخل الروضة, فسمعتهُ يتكلم كأنهُ يُناجي أحداً, ثُم خرج وأغلق الباب فتوجه نحو مسجد الكوفة وانا خلفه اتبعه وهو لا يراني, فدخل المسجد وقصد نحو المحراب الذي أستشهد فيه الامام أمير المؤمنـــين(عليه السلام) ومكث هناك طويلاً, ثُم رجع نحو النجف وكنتُ خلفه أيضاً وفي أثناء الطريق غلبني السعال فسعلت, فألتفت إليّ- وقال أنت أمير علاّم؟ قلت: نعم, قال: ما تصنع هاهنا؟ قلتُ: كنتُ معك منذ دخولك الروضة والى الآن, وأقسم عليك بحق صاحب القبر ان تخبرني بما جرى عليك من البداية الى النهاية؟ قال أخبرك بشرط ان لا تخبر به أحداَ ما دمتُ حياً فوافقتٌ على الشرط, فقال: كنتٌ أتفكر في بعض المسائل الفقهية الغامضة فقررتٌ أن أحضر عند مرقد أمير المؤمنين(عليه السلام)- لأسأله عنها فلما وصلت الى باب الروضة أنفتح ليَّ الباب بغير مفتاح فدخلتُ الروضة وسألت الله تعالى ان يجيبني مولاي أمير المؤمنين(عليه السلام) عن تلك المسائل, فسمعتُ صوتاً من القبر ان ائتِ مسجد الكوفة وسل من القائم فانه امام زمانك...!! ومن هذه القصة وغيرها فأن المسلمين" سيما طلبة العلوم الشرعية" أزاء فوائد جليلة ومطالب نفيسة يسبغها عليهم "عالم الكشف ورواده" منها: يفضــــل زيارة أضرحة الأئمة(عليهم السلام)"طلباً للحاجات الخاصة جداً أو حلاً للمسائل الفقهية المستعصية "ليلاً وخلوة" لحكمة معلومة للجميع" لئلا يختلط جواب المعصوم مع أدعية الزائرين", ثُم عدم اليأس عند البحث عن إمام العصر والزمان لتلقي تلك الأجوبة فأن من صبر ظفر –كمّا تُعلمنا الحكمة.. واخيراً ينبغي ان لا يدور في خلد القارئ من شكوك وظنون وأوهام بأن هذه المكاشفة مختصة بجناب الشيخ المقدس الأردبيليّ  وانها "فلتة" لا تتكرر الى يوم الساعة فأن بعض الظن أثم..!!


"طريقـة ألواح الويجـــــا ورؤيــــة الاشباح"
    يحكي الشعراني عن عبد الرحيم القناوي كيف ان الاخير كان يستشير جبريل في كل شؤونه فيقول كان الشيخ القناوي:" إذا شاوره انسان في شيء يقول له أمهلني حتى أستأذن فيه جبريل فيمهلهُ ساعة ثُم يقول له" افعل ... أو لا تفعل" على حسب ما يقول جبريل, ويذكر الشعراني أيضاً في طبقاته أن أبا محمد عبد الرحمن المغربي القناوي وهو من أجلّاء مشايخ مصر وعظمائها العارفين حكى أنهُ نزل يوم في حلقة الشيخ شبح من الجو لا يدري الحاضرين من هو فأطرق الشيخ ساعة... ثم أرتفع الى السماء فسألوا الشيخ عن ذلك فقال هذا ملك وقعت منهُ هفوة فسقط علينا يستشفع بنا فقبُل شفاعتنا فيه وارتفع!!!
    ونبقى في رحاب المجلسي وحكاياته عن الكشف ولكن هذه المرّة في مغامرة وهو رائدها وبطلها الحقيقي,  فيقول" ذهبتُ الى النجف فأتممتُ عشرة ايام فرأيتُ في عالم الكشف والشهود أني في سامراء ورأيتُ نفسي عند قبر الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام), وكان الإمام صاحب العصر والزمان هُناك وحالما وقعت عيني عليه حتى أخذت أقرأ عليه الزيارة الجامعة, فقال ليَّ الإمام تقدّم الى هنا فذهبتُ اليه ووضع يده علي عاتقي وقال نعم الزيارة هذه, ثُم يقول وانتهت المكاشفة هكذا..!!
   ويقول احد العرفاء وهو الشيخ علي أكبر تبريزيّ بينما كنتُ أوديّ مراسيم الزيارة عند ضريح الإمام الحسين(عليه السلام) وقبل الشروع بأداء الصــــــلاة شاهـــــــــدتُ
رجلاً يُخاطب القبر من عند الرأس الشريف وهو يطلب من الإمام إقراضه ثلاثة دنانير كونه أنفق كل ما لديه أثناء مجيئه للزيارة, وما ان اتم كلامه حتى أقبلت عليه امرأة قد غطت وجهها ويديها وسلمت عليه واعطته مبلغ من المال لكنه امتنع من اخذه وفي المرة الثانية رأيته أخذ المبلغ من المرأة, وما ان انسحبت حتى اختفت بين الناس فيما اخذ الرجل باللطم على رأسه صارخاً مولولاً باكياً, ولما اقتربت منه – سألته عن شأنه- فأخبرني بأن المرأة التي أعطته ذلك المال وانصرفت هي أم الحسين فاطمة الزهراء(عليها السلام), وان سبب لطمه ونياحه أنهُ عندما سألها عن تحدب ظهرها ولأن العلماء كانوا يخبروننا " إن الزهراء(عليها السلام) عند وفاتها كان لها من العمر ثمانية عشر عاماً- فأجابتني ان ذلك من أثر ضلعها المكسور..!!
وهذه القصة الى غيرها من المئات بل الآلاف مما لا يقربها الشَّك بسبب روايتها من قبل ما يدعون بالعرفانيين وهي مشهورة حد اليقين ومعلومة "بالضرورة "للكثير من يؤمنون بأمثال تلك القصص سيما أصحاب المنابر الحسينية ممن كان همهم ابكاء العامة على حساب الحق واظهار الحقائق, والأمّر من ذلك والأدّهى ان تجد تلك الاقاصيص والمرويات قبولاً لدى بعض الفقهاء وجوابهم الحاضر" ان تلك المشاهدات المفترضة هي حجة على صاحبها ومدعيها", ولا يجرؤا أحد منهم الى نفيها أو تكذيبها استناداً الى قطيعات الكتاب والسنة المتواترة عن أهل البيــــــــــــت  (عليهم السلام) ... !!
والحق ان عقائد المسلمين واصول الدين ينبغي ان تكون محكومة بضوابط الشرع ونواميس الملة وليس بأهواء المدّعين وتقولات القائلين, وان كان يشار الى أحدهم بالبنان ويضرب لمقامه الطبل أذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك :" ان الحق لا يعرف بأقدار الرجال ... أعرف الحق تعرف أهله...








"الثــــــواب والعقاب في نظـر بعض العارفين"
    يرى بعض العارفين ان ما من خلق مخلوق يمكنه الخروج عن ربوبية رب العالمين, ومن بينهم الشيطان وهو مربوب, وان صدر منهُ عدم السجود فذلك لأنّهُ متفرّد بالعشق الإلهي وفي ذلك يقول الشيخ محمد شبستريّ في كتابه " درس دين"   أسمع مني حكاية الشيطان...
أعرف أنكَّ لا تعرفهــــــا...
بالرغم من كفره اليوم  غداً يكون مســـــــلماً...
وإذا كان في بدئـــــــــــه شراً
فسيصبح خيراً في النهاية...
لأنـــــــــه لا يمكنهُ الخروج عن قدرة الله...
وبالرغـــــــم من طرده من رحاب الحق
يأتي وقت انتـــــــــهاء الحــــــــــــرمات...
ليعرف المحسن من المسيء
الشيطان هو الذي سيكشف الحقائق....
وقد قال الشيطان  لما قال له موسى:- ايها الشرير لِمَ لكْ تسجد فأصبحت ذليلاً ؟!
- خشيتُ ان أصبح مثلك
- مثليّ وأنا نبي ؟! كذلك قال موسى
قال الشيطان: لكَّ النبوة دون الفتوة
لأنك يوم اللقاء قلت: ربي أرني أنظر إليكَّ...
فلمَ حولت نظرك صوب الجبل
وستبقى محروماً من رؤية الله
أما أنا فقد عشقتُ الله وحده
ولعشقي له لم أسجد لآدم...
حتى لا أحوّل وجهي الى غيره
فلا أعرف شيئاً سواه قريباً كنت أو طريداً
قال ذلك السر وفارقَ موسى
وهو لا يعرف ماذا وقع واين أضحى...
   وأما شيخ العارفين " محيّ الدين ابن عربي" فيرى في فرعون" رؤية عرفانية" لم ولن يتسنى للمؤمنين والأنبياء والأوصياء معرفة حقيقتها والاطلاع على كنهها وان صرّح القرآن بقوله تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ}(سورة غافر/ 46), "إذ يقول قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه عند الغرق فقبضه الله طاهراً مطهراً ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكسب شيئاً من الآثام والإسلام يَجبُّ ما قبله.!!! وأما النار وألوان العذاب الذي رآهُ الرسول(صلى الله عليه واله وسلم) في معراجه يُصب على رؤوس المجرمين والكّفار والمشركين فيراه بصورة مغايرة فهي رؤية الفيلسوف الحكيم الرحيم" وأمّا اهل النار فمآلهم الى النعيم ولكن في النار أذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب ان تكون برداً وسلاماً على من فيها وهذا نعيمهم"... فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله (عليه السلام) حيثُ ألقيَّ في النار فأنهُ (عليه السلام) تعذّب برؤيتها...
وأن دخـــــــلوا دار الشــــــــــــقاء فإنـــــــهم          على لذةٍ فيــــــهــــــــا نعيـــــــــــــــــم مبـــــــاين
نعيـــــــم جنان الخلــــــــــــد فالأمر واحد          وبينــــــــــــــهما عنــــــــــــد التجلـــــــــي تباين
يســــــمى عذاباً من عذوبة طعــــــــــمه          وذاك لـــــــــــــه كالقـــــــــشــــــــــــر صايــــــــن
   ويحذوحذوه الفيلسوف المتأله بل "صدر المتألهين" محمد بن أبراهيم الشيرازيّ فيرى في " كلامه الشريف" على حد توصيفه له بأن في تعذيب الله بعض عباده عذاباً أبدياً أشكالاً عظيماً خصوصاً عند القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين, فأن الله خالق العباد وموجدهم ومبدئهم ومعيدهم, وشأن العلة الفاعلة الافاضة والإيجاد على معلولها, إذ ليس المعلول الاّ رشحات وجوده ولمعة من لمعات وجوده والتعذيب الابدي مناً في الإيجاد والعلية",ان العذاب كما يراد منه المعنى المصدري – أي التعذيب- كذا يراد  منه أسم ما يتعذب به كالنار مثلاً وهذا غير مستلزم لذلك.. فالنصوص الواردة في الخلود في العذاب لو كانت مثل قوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}(سورة البقرة/162) يمكن أن يُأول فيها العذاب بالمعنى الاسمي-لا المصدري وان كان الثاني أظهر بحسب اللفظ..!! أ .ه ,  ومعنى هذا ان النار ليست الاّ مجرد لفظ وكلمة ولا تحقق خارجي لها من إيذاء واحراق وان بدت جلود المعذبين فيها تنضج وتبدّل لغيرها ولا غيرها من صور العذاب كمقامع الحديد والسلاسل والضرّيع وماء الحميم, وما ذاك الاّ ان الله تعالى سرمدي أبدي يفيض خيراً على موجوداته السرمدية الأبدية..!! وإلى الخائضين في معترك الفلسفة والعرفان والسير والسائرين والسلوك والسالكين والذيّن صدّعوا رؤوس المسلمين بمصطلحات الذوق والتحلي والتخليّ والفناء وغيرها من مصطلحات وتسميات لم ترد في حياة اهل البيت(عليهم السلام) وسلوكياتهم نقول ان أمير المؤمنيــــن (عليه السلام) في معرض كلامه عن الزهد في الدنيا ذاكراً جملة من أصحابه الزاهدين واصفاً إياهم بأنهم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح ولا ريب ان ثلة من أصحاب عيسى النبي وحواريه كانوا غير منفكّين عن ملازمته والسير على نهجه في الإعراض عن ملذات الدنيا وتجشم عناء الجوع وآلامه وتحمل خشونة الملبس وآثاره مع مشاركتهم اياه في جلٌّ معاجزهِ , كالأكل معه من موائد السماء او السير على الماء ووصولهم أعلى درجات اليقين فأنهم كانوا يستنطقونه وربما بصيغة التفاخر بأعمالهم وزهادتهم وجريان المعاجز على ايديهم... أيكون هناك من هو أفضل منا ؟ !!  فيجيبهم النبي المعُلّمْ... افضل منكم من يأكل من كسب يده!!  ولأنهم أي الفلاسفة – وما يعرف بأصحاب العرفان منهم ما انفكوا يخاطبون بسطاء الناس من على بروجهم العاجية وبلغة لا يفهمها الاّ من خاض بمائهم الفضي, فأن نفوسهم غالباً ما تكون بعيدة كل البعد عن روحانية وجوهر العبادات, وان أدعوا خلاف ذلك وبعيدة أيضاً عما أستنه الرسل والانبياء من سننّ ومناهج التسّبط والبساطة في كل شيء والابتعاد عن التكلف والإيغال والتعمق في اصطلاح المصطلحات وتبني المتبنيات الخاصة زعماً منهم  أنها الطريق الأسلم والأقصر الى الحق والحقيقة وليست هي كذلك... لقد قص لنا التاريخ قصصاً غير قليلة عن مآل هذا النمط من الناس وكيف إنهم ندموا على إسرافهم الجهد والوقت في سبيل تحصيل تلك العلوم وتعليمها, فيروى ان الفخر الرازي قال في أواخر أيام حياته: " لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية, فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ورأيتُ أقرب الطرق- القرآن... كما يروى أنه كان ماراً في احد أسواق بغداد, وقد أزدحم الناس عليه بشّدة أخذت تتطاول لرؤيته الأعناق فسألت عجوزاً أحد المتدافعين عن هذا الشخص الكريم؟ فقال لها: انهُ الفخر الرازي..!!  فقالت: ومن يكون هذا الرازي..؟  قال: هذا الذي لديه ألف دليل على وجود الله..!!  قالت: والله لو لم يكن لديه الف شك في الله لما كان لديه الف دليل على وجود الله".. ويروى ان الرازي لما حضّرته المنية قال:" لو كان عندي إيمان العجائز", ونقل عن الفارابي الفيلسوف الذي ينحني إليه كبار الفلاسفة إجلالاً وإكباراً له ولمؤلفاته انه كان يقول: " اللهم أرزقني ايماناً كإيمان أمي... فيما ورد عن ابن سينا انه كان يدعوا ربه بأن يرزقه أيمان العوام..!!
   فنقول وبعد كل هذا الاعتذار والاعتراف من قبل اساطين فلاسفة المسلمين فأن كثير من الحوزات والمدارس والجامعات الدينية في البلدان الإسلامية والى اليوم تضيّع الجهد والوقت والأموال وهي تنكبّ انكباباً لا نظير له في تدريس مادة الفلسفة والعرفان وعلم المنطق والكلام وتفرّط تفريطاً واضحاً بالثقلين آخر عهد
ووصية النبي(صلى الله عليه واله وسلم) الى أمته ومنجيها من التيه والضلال...!!
نتائج البحث

تسخير الملائكة والجن  وتحضير الأرواح "  الحقــــــــيقة" تسخير الملائكة والجن  وتحضير الأرواح "  الوهـــــــم"  
معجزة لا تتكرر الى يوم القيامة خصها الله تعالى نبيه سُليمان(عليه السلام) دون سائر الأنبياء والبشر أثر دعائه "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ"
دعاوى تتكرر الى يوم القيامة لكل من هبَّ ودبَّ مؤمنين وفاسقين على حد سواء...  
معجزة لا تتكرر الى يوم القيامة خصها الله تعالى نبيه سُليمان(عليه السلام) دون سائر الأنبياء والبشر أثر دعائه "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ " تتم بواسطة طلاسم واحراز وعزائم تسرّبت الى مؤلفات المسلمين خلال الفتوحات الإسلامية ونمت وترعرعت بأحضان الصوفية في القرون الوسطى السابع والثامن والتاسع الهجري.
 
معجزة لا تتكرر الى يوم القيامة خصها الله تعالى نبيه سُليمان(عليه السلام) دون سائر الأنبياء والبشر أثر دعائه "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ"
دخلت ابواب الفقه عبر تأثر رجال دين بالفكر والعقيدة الصوفية, ولا زالت الى يومنا هذا...  
معجزة لا تتكرر الى يوم القيامة خصها الله تعالى نبيه سُليمان(عليه السلام) دون سائر الأنبياء والبشر أثر دعائه "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ"
لها صلة وثيقة بالشياطين والسحر كونها ذكرت في قصة نبي الله سُليمان(عليه السلام)  
ان مجرد الإيمان بتسخير الجن ضرب من ضروب الشرك بالله عز وجلّ يعدّ من كمال ايمان المرأ سيما مزاولته لأجل الفائدة وقضاء حوائج المؤمنين!!
 
أنها من البدع المستحدثة التي لها لا أصل لها في الكتاب والسنـــــــــة تأصيل المســــــألة ثابت عند من يزعم ذلك حصراً...!!
 
ليس بوسع أحد من البشر رؤية الملائكة او الحديث معهم ما خلا الانبياء و لضرورات خاصة بالتبليغ كنزول بلاء أو بشارة تغّير مسار تأريخ المجتمع الإنساني...
رؤية الملائكة والحديث معهم حاصلة لأي أنسان استناداً الى روايات ضعيفة أو أقاصيص الصوفية ومن تأثر بهم...  
ليس ثمة دليل في الكتاب والسنة على قدرة البشر تسخير الملائكة فهم مؤتمرون بأمر الله عزَّ وجل
ثمة أدعية خاصة مخترعة مصدرها أقطاب الصوفية وأبدالها ومن تأثر بهم من بقية المذاهب.  
ان مجرد الإيمان بتسخير الملائكة ضرب من ضروب الشرك بالله عزَّ وجل يعّد من درجات التكامل الايماني وعلامة على تقوى الطالب لها وعلو شأنه في اكتساب المعارف والعلوم الروحانية..!!
 
انها من البدع المستحدثة التي ليس لها أصل في الكتاب والسنّـــــــــة تأصيل المســـــــــألة ثابت إستناداً الى مبدأ أو مقال الحقيقة مقابل الشريعــــــــــة..!!
 
لا صحة لمزاعم القدرة على تحضير الأرواح كونها معذّبة أو منعمّة في العالم العلويّ وخاضعة لقدرة وسلطان الحق عزَّ وجل يمكن تحضير أرواح الموتى كونها غير مقيدة بمكان وزمان محددين, فبالإمكان احضار أرواح جميع الانبياء فضلاً عن الملائكة  كجبريل وميكائيل وغيرهم من الملائكة...
 
لا صحة لمزاعم القدرة على تحضير الأرواح كونها معذّبة أو منعمّة في العالم العلويّ وخاضعة لقدرة وسلطان الحق عزَّ وجل عرف هذا المعتقد لدى الشعوب البدائية والديانات القديمة الوثنية, ثُم صار فكرة وعقيدة تدين بها بعض البلدان الاوربية وامريكا خلال القرن التاسع عشر الميلادي.
 
لا صحة لمزاعم القدرة على تحضير الأرواح كونها معذّبة أو منعمّة في العالم العلويّ وخاضعة لقدرة وسلطان الحق عزَّ وجل دخل المعتقد بلاد المسلمين خلال عقد الخمسينيات من القرن العشرين وأحتل مساحة في الفقه الإسلامي للحيلولة دون انتشار المد
الشيوعي الإلحادي  
لا صحة لمزاعم القدرة  على تحضير الأرواح كونها معذّبة أو منعمّة في العالم العلويّ وخاضعة لقدرة وسلطان الحق عزَّ وجل المحضرون للأرواح أفضل من الأنبياء والرسل كون رسالتهم جاءت لتجمع البشرية على دين واحد بعد ان فرقتها الديانات السماوية..
 
لا صحة لمزاعم القدرة على تحضير الأرواح كونها معذّبة أو منعمّة في العالم العلويّ وخاضعة لقدرة وسلطان الحق عزَّ وجل محضرو الارواح لهم مؤسساتهم وجمعياتهم المنتشرة في أنحاء العالم و مؤتمراتهم السنوية تعقد بحضور شخصيات مهمة من رؤساء بعض الدول.
 
لا صحة لمزاعم القدرة على تحضير الأرواح كونها معذّبة أو منعمّة في العالم العلويّ وخاضعة لقدرة وسلطان الحق عزَّ وجل ثمة طرق يزعم المحضرون فيها انها بإمكانهم جلب تلك الأرواح من خلالها كطريقة الفنجان والمرايا والطاولة, و ورق القمار وغيرها كثير  فهي في تزايد مستمر تبعاً لمزاعم كل من يدعي قدرة التحضير
                       تم بعونه تعالى

عن المدونة

يوسف الرسام مدونة عراقية خاصة للاستاذ حبيب الرفيعي

0 تعليق على موضوع :

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات

    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    أقسام الموقع

    تغريداتي علي التويتر

    حمل تطبيقنا

    زوار المدونة

    إحصائيات المدونة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    حبيب الرفيعي

    2017